عندما انعطفتُ إلى شارع فرعي متوجهاً إلى بيتي، أحسب ما تبقى من راتبي الشهري، رأيتُ أناساً يركضون بخوف وحذر، فركضت هارباً معهم.. تكتل حولي عدد من الشباب الراكضين، سألتهم عن سبب خوفهم، سبقوني. تباطأت قليلاً.. جاورني عدد من النسوة والأطفال، سألتهن، نظرن إليَّ نظرة متعبة مبهمة، شددن أثوابهن، وركضن كقرب ماء منقوصة.. لا أدري لماذا اجتاحني اكتشاف السبب، مع أني أركض معهم دائماً؟
توقفت برهة، كادت الحشود الخائفة تدهسني، وكأني أشهد معجزة، ركضت بأقصى طاقتي.
المارة.. البائعون.. أصحاب السيارات والمنازل يصابون بعدوى الرعب، ويهربون، كأن وجداً صوفياً شَغَفَ العالَم لمعانقة المخلص.. ترأست قائمة الراكضين، وكيفما انعطفت ينعطفون، عدت بهم بعد لأي إلى البداية.. توقفتُ، جلست على الأرض ألملم أنفاس الكون في رئتي المجهدتين.. توقفت الجموع تبارك لبعضها الخلاص، سألت:
- ماذا حدث؟
قال عجوز تكوم أمامي يمسك فكه بيده المرتجفة، ولعابه الجاف يرسم على شدقيه خرائط أسطورية:
- نجونا
- ممَّ؟
نهض شاب أمامي، وراح يهزني:
- من دسك بيننا؟
صاحت به فتاة معاقة:
- اتركه.. لقد حاول مساعدتي في البداية ورفضت.
ثم زحفت نحوي لاهثة، تسيل من عينيها عبارات قمع معروفة، عضت شفتها السفلى، وضغطت على ساقي هامسة:
- احمد ربك أننا نجونا.
من شارع التباريك ذاك رأينا حشوداً تركض في الشارع الآخر، شددنا نحن الخالصين أحزمةً ماانفكت تقطعنا، وبدأنا من جديد..
اشتكى طفل لامرأة تبكي بدموع مفقودة:
- والله تعبتُ يا أمي، هل أظل أركض هكذا طوال حياتي؟