حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 الحاضر أفقا للتفلسف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مريم
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
مريم


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 364
معدل التفوق : 978
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 15/12/2011

الحاضر أفقا للتفلسف Empty
30122013
مُساهمةالحاضر أفقا للتفلسف

الحاضر أفقا للتفلسف Arton9301-7ead1

"الشعب يريد..."
شباب الثورة
" يكون توليف الزمن الحاضر في الزمن، و ليس الحاضر بعدا للزمن، فالحاضر وحده يوجد "
دولوز


أن أتفلسف معناه أن ابتكر أفقا جديدا للعيش أغدو بموجبه ممارسا لكيفية من كيفيات وجودي الخاص، هذه الممارسة تمنح ذاتي شكلا من أشكال الحضور في العالم الذي يتجلى باعتباره صيغة الحاضر الفعلي.
وما هو حاضر فعلي، هو أفقي للتفلسف، هو ما يصير طريقه للتفكير في الزمانية الخاصة، التي بمقتضاها يغدو العالم تأسيسا للذاتية المشتركة، حقلا للذوات المجتمعية التي تشترك في نفس العالم باعتباره وجودا إنسانيا، يغدو فيه الحاضر أفقا لكل تجربة ابتكارية للذات، فما تبتكره الذات هو حاضرها التأسيسي الذي يشارك في إنجاز العالم، هو الحاضر الفعلي، أما الحاضر الغفل فهو ما لم يتعيّن بعد هو ما ليس ممكنا بعد لتجربة الذات فلا يطاله التأسيس الذي يمنح المعنى للحاضر، بما هو حاضر فعلي وبما هو أفق للتفلسف.


إن الوجود الإنساني الذي يعرض في نسق الوجود الكلي كتفاعلية أصيلة تضفي المعنى على الوجود، أي تمنحه القيمة التي تجعله منتسبا للذاتية المشتركة، وتسميه العالم الذي غدا أفقا لانجازاتها - هو وحده وجود في الحاضر، وجود مع الحاضر، وجود بالحاضر، ووجود للحاضر.
أن أوجد في الحاضر معناه أن زمانيتي الخاصة هي إمكانيتي لحياة يقظة يحدد أفقها هذا الحاضر المعيش الذي أحياه باعتباري كائنا متزمنا، موجودا زمانيا في حاضر هذا الوجود الذي هو الآن عالمي الخاص الذي ينتمي إلى الكون الفسيح.


وكوني أوجد مع الحاضر معناه أن يقظتي كموجود في الحاضر هي وعي بزمانيتي في أفق عالم مشترك تاريخي، وهذا الوعي بالزمانية الخاصة يساوق الحاضر الذي هو وجود بالمعية، فأنا أعي أنني لا أعيش في العالم بمفردي، كما ليس بإمكاني العيش دون أن أتأثر وأؤثر بطريقة تفاعلية بما هو محيط بي، ولكني أعيش بذاتيتي – أنويتي التي تحيا مع حاضر هذا العالم المتعدد إنسانيا، المتنوع وجوديا، فأنويتي لا تصير أنا حقة إلا في تزامنيتها لكيفيات أخرى من الوجود، أي في تزامنيتها لذاتيات أشاركها العيش، وفي تزامنيتها أيضا لكائنات أخرى ليست أنوية، لكنها تشاركنا الحضور بالمعية حتى وإن كانت لا تمتلك الوعي بالحاضر.


أما الوجود بالحاضر فمعناه أن الحاضر هو علة الوجود الإنساني، الحاضر هو علتي، لست سوى معلول لهذا الحاضر الذي منحني جسدا في هذا الوجود الصائر، لقد صرت الآن كائنا، لكن كينونتي على نحو الجسد، هي كينونة علتها ذلك الحاضر الذي أوجد فيه ومعه، و من خلاله، فالموجود الإنساني يستطيع أن يوجد وحده كحاضر، لأنه موجود بالحاضر، فالحاضر علته الأساس، قد يستطيع أي كائن آخر أن يوجد، لكن وجوده لا ينتسب إلى حاضر العالم، بل إلى الوجود ذاته، فوجوده ليس بالحاضر مادام الحاضر ليس داخلا ضمن أفقية موجوديته. وحده الإنسان ينتجه الحاضر الذي يمكننا نعته بأنه حاضر أصلي، المعطى بشكل أولي، و لكنه مع ذلك ينتسب إلى المجال الإنساني.


فالحاضر يدخل في التركيبة الأساسية للموجود الإنساني، وهو المانح الأصلي للإنسان شكل الجسد، أي هيئته المادية الروحية المتناهية، فالحاضر يعدل منحى وجود الإنسان ويميز وجوده عن بقية الكائنات الأخرى التي علتها هي الوجود ذاته دون تدخل الحاضر، الإنسان ذاته علته هي الوجود الذي يمنحه الحياة، لكن بتدخل الحاضر الذي يعدل صيغة وجوده. الحاضر يتدخل في تعديل صيغة الجسد ليصير إنسانا، فالحاضر هو مبتكر الإنسان، بالحاضر غدا الإنسان استثناء في هذا الوجود اللامتناهي. وبعبارة أدق فأن أوجد بالحاضر معناه، أن أصير إنسانا، فالحاضر إذن هو المسؤول الأول عن ظهور الإنسان.


لكن ما معنى الوجود للحاضر؟ هذا هو السؤال الذي يكشف سرّ تحوّل الإنسان بما هو معلول للحاضرـ إلى علة تأسيسية، لا يكتفي الإنسان بوجوده وفق الحاضر المعطى بفعل تركيبته الجسدية العقلية التي يصوغها ذلك الحاضر الذي نسمّيه الآن بالحاضر الأصلي المانح للإنسان، وإنما ينحو نحو جعل الحاضر المعطى إمكانية للتحرر من الشرط الطبيعي والثقافي، فالإنسان يعي بمقتضى ماهيته التي يميزها العقل زمانيته الخاصة، هي زمانية الرغبة الواعية بما ترغبه، وفي هذه الرغبة يتأسس الانفصال عن المعطى الأصلي عن الحاضر المانح الأول للوجود وينكشف التجاوز أو التخطي بما هو كيفية أخرى للحضور، هنا يصير الوجود الإنساني وجودا للحاضر، ومن أجل الحاضر، بوصفه إمكانية للحرية، وهذه الإمكانية هي أساس ظهوري في العالم كعلة تأسيسية، فالحرية هي شرط صيرورتي التي بمقتضاها أتجاوز كوني معلولا، موجودا بالحاضر، لأغدو تلك العلة التي تؤسس لمشروعها في العالم. ذلك لأن هذا الحاضر يلازمني كما يلازم الإنسانية والكائنات التي تشاركنا هذا الوجود، وبما أني كائن عاقل وغائي في ذات الآن، فإن شرط وجودي الذي هو الحاضر تصيره هذه الحرية إمكانا لي، ومن ثمة فكل الإمكانيات التي ادخلها ضمن مشروعي العقلي الغائي، والتي تغدو بمقتضى الانجاز ابتكارا لكيفية وجودي تكشف عن ماهيتي بوصفها "علة تأسيسية" فالعلة التأسيسية هي التي تمنح للوجود وللعالم الذي تبنيه بكيفية مشتركة معنى الحاضر المبدَع. ومعنى ذلك أن الكينونة الإنسانية يمنحها الحاضر الأصلي الدائم وذلك ما يعنيه الوجود بالحاضر، فالحاضر هنا هو ذلك المعطى الأصلي والمتاح لكل الإنسانية، لكن هذه الكينونة الإنسانية-بمقتضى تجربتها الجسدية التي يقودها العقل، والتي تحمل مشروعها الغائي الذي يحول الإمكانيات الأصلية إلى فعل يؤسس لتاريخية أي لزمانية تولدها عن حاضرها الأصلي بمقتضى الحرية المحايثة للوجود البشري-هي التي تبتكر الحاضر، أي هذا الحاضر المبتكر إنسانيا. ومن ثمة بإمكاننا أن نعتبر ما كان سلفا معطى باعتباره موجودا بالحاضر الأصلي، والذي غدا ممتلكا لإرادته الحرة ولغائيته التي هي سيرورة تأسيس لمشروعه الإنساني "علة تأسيسية"، والإنسان وحده علة تأسيسية. فوجوده بالحاضر مجرد إمكانية، أما وجوده للحاضر أي كعلة تأسيسية فهو ابتكار للحاضر الذي يصرف من خلاله كيفية وجوده في هذا العالم، فأن أكون معناه أن أجعل من وجودي بالحاضر الأصلي وجودا يبتكر الحاضر المنتسب لذاتيتي الإنسانية، يترتب عن ذلك أن كل وجود بالحاضر بما هو معطى أصلي يحوزه كل كائن سواء كان عاقلا أو غير عاقل، هو معطى أنطولوجي، وبما أنني كائن عاقل، فإن شرط تحرري من غفلية الوجود يرتهن بقدرة هذا العقل الذي يقود تجربتي الجسدية في العالم على أن يتحرر من غفليتي أي من وجوده اللاواعي الذي يخضع لشروط العالم الطبيعي، و هذا التحرر هو أساس توجهي نحو كينونتي، حيث أدرك العالم بما هو موضوع متخارج عني، إنني الآن أعي ذاتيتي – أنويتي بما هي توجه نحو بناء أفق خاص لذاتي، هنا ينبثق حاضر مبتكر ليس هو الحاضر المعطى الذي اشترك فيه مع الكائنات الأخرى التي تشاركني الوجود، أدرك الآن أنني ذات تؤسس لذاتيتها بانفصالها الجسدي عن الطبيعة و عن الوجود الكلي الذي يمنحني ضمن عطاءاته الأصلية شكل الوجود.
ثمة معضلة أساسية ترتبط بالوجود الاجتماعي، فكل موجود يوجد بما هو كائن إنساني اجتماعي معطى لحاضر وجود ثقافي، أي أنه يندرج ضم التشكيل التاريخي الذي يكرس لثقافة التقليد التي يغدو بموجبها الحاضر استعادة للتأسيس المنسوب لتجربة إنسانية سابقة، والذي يفرض على التجربة الإنسانية الحاضرة أن تتمثله بوصفة أصلا لأفعالها ومشاريعها، وهذا التأسيس يغدو أسلوبا لتنميط الحاضر، فتصير بموجبه العلاقات الإنسانية تطبيعية ما تفتأ تكرر النموذج المؤسس سلفا، مما يجعل أفق الذاتية بدوره، أفقا للغفلية، أي لأسلوب عيش يستعيد في نمطيته الماضي بكل تراتبية مملة، ومن ثمة ينبثق مفهوم الأصل الثقافي في أفق نسيان الحاضر الأصلي، حيث يغدو هذا الأصل الثقافي الذي يتولد عن الحاضر الأصلي هو أساس تجربة كل حاضر، فيتكرس كتنميط للتجربة الإنسانية. وهذا التنميط يفصل الكائن عن ماهيته، أي يصيره كائنا ثقافيا غفليا، لا يعي سوى ما يتوجب عليه أن يستعيده باعتباره أصلا لهويته الغفلية مادامت لا تعي ذاتيتها الحرة.


إذن ضمن هذه الغفلية التي تنشأ عن وجود ثقافي اجتماعي إنساني، تغدو السنة الثقافية التي ثم ابتكارها سلفا شرطا مقيدا لأسلوب عيش الإنسانية المشتركة ، أي أنها تغدو أصلا يتناسى أن الحاضر ذاته هو الأصل بما هو استعادة لماض ما يفتأ حاضرا من خلال سلطة ثقافة التفويض و الوصاية .


فعن التقليد الذي غدا تطبيعا للوجود الإنساني المشترك، ينشأ ما يمكن أن نسميه الغفلية الاجتماعية التي تغدو قيدا يحصر إمكانية الوجود الاجتماعي المشترك في حاضر ماض أو في ماض ما يفتأ حاضرا كتجربة أصل، مما يحول دون أن تشتغل الذاتية المشتركة لبناء حاضرها الذي يدخل ضمن أفقها التاريخي، فيعزلها عما تستطيعه من خلال الاستمرار في إقصائها عن المشاركة، ومن خلال انتزاع سلطة الوصاية بفرض تفويض جماعي يغدو فيه المجتمع خاضعا لشكل الهيمنة الثقافي المتمثل في الولاء لهوية ثم صوغها مسبقا مما يمنح الحضور الاجتماعي نسقا استبداديا يقوم لا على الذاتية المشتركة المنجزة، و إنما على ولائها، فتصير من خلال ذلك ذاتية غفلية من دون حاضر فعلي. وفي الغفلية الاجتماعية يعطى الحاضر ارتدادياـ يمضي في اتجاه حلقة مفرغة تستنزف الكائن الإنساني، وتصيره وسيلة، مادام النسق الثقافي يحتكر كل إمكانات الإنجاز، فلا شيء بإمكانه أن يصير أفقا مغايرا للرغبة الإنسانية، وإنما النسق وحده يدوم و يغطي حركة الكائن، فيكبث حياة وعيه اليقظة، ويهيمن على كل نشاطاته التي يحكمها التماثل والتطابق. ذلك لأن كل نسق ثقافي سائد مغلق على ذاته وعلى ما يسميه أسس هويته، يقوم على وهم الثابت فيقدم نفسه بوصفه الدائم أبدا، طريقته في الهيمنة تقوم على إقصاء كل الذاتيات، أي كل أنا متيقظ، يعي ذاته باعتباره حاملا لإمكانية الحرية بما هي استدعاء للحاضر الفعلي الذي من خلاله تشارك في بناء العالم.


يكشف التاريخ الإنساني مفارقة أساسية تتمثل في سلسلة الانهيارات التي ما فتئ يشهدها العالم بفعل تهاوي الانسقة الثقافية التشميلية، بكافة أنواعها، حتى و إن دامت لقرون و لمئات السنين ففي الوقت الذي يستكمل فيه النسق المهيمن ذاته، يبدأ مشروع موته و انهياره، حتى و إن ترتب عن هذا الانهيار بناء نسق استبدادي بديل، لكن هذا النسق بدوره يغدو قابلا للانهيار.


يرجع السر في هذا التداعي إلى ما يمكن أن تحمله الحرية من إمكانية للذاتية الإنسانية المشتركة، ففي الوقت الذي تقرب فيه الحرية الكائن الإنساني من ذاته، فتجعله قادرا على اكتشاف ذاته ثانية، فإنها تقربه بالتالي من الحاضر الفعلي فيصير الإنسان ذاتا إنسانية عندما يدرك أنه ليس مجرد وسيلة لصالح نسق ثقافي يهيمن على ذاته ويبقيها غفلية، هو الآن يدرك أن ذاتيته مشاركة، وليست طوعية وهذا الإدراك ينزع عن كينونته شرط الخضوع، ويحرره من كل انقياد لوصاية راع أبوي. هنا تنبثق شروط إمكان حاضر جديد، هو حاضر الإنسان بما هو "علة تأسيسية".


تعنى العلة التأسيسية أن وجود الإنسان هو وجود لأجل الحاضر، و ليس مجرد وجود بالحاضر، تقود العلة التأسيسية الإنسان نحو ما يبتكره فلا يكتفي الإنسان بالعيش، و لكنه يصوغ كيفية حضوره، أي أنه يعيش الحاضر المبتكر الفعلي. يتأسس الحاضر الفعلي بما هو معطى للذاتية المؤسسة، و الذي يكشف عن ماهية الإنسان التأسيسية على نوع من الانفتاح على الحاضر الأصلي المعطى الحر للوجود المتاح للإنسانية. في هذا الانفتاح يستعيد الوعي الإنساني إمكانية تحرره من حاضر الغفلية الاجتماعية حاضر التقليد و الممارسة الاعتيادية التي تندرج ضمن النسق الثقافي التشميلي الذي هو كيفية من كيفيات الرؤية الاستبدادية للعالم.


الانفتاح على الحاضر الأصلي هو نوع الإرجاع الذي يتيح لقاء الكائن بذاته باعتباره عطاء حرا للوجود، مع هذا الإرجاع أكتشف ذاتي ثانية، فأعي أنني موجود كعطاء حر للوجود، موجود بالحاضر إذ ذاك أدرك هاته الفجوة التي أحدثها حاضر الغفلية الاجتماعية والذي أحالني إلى مجرد وسيلة، وهذا الإدراك يحفزني على استرداد هويتي الحرة السابقة على الهوية الثقافية الانسلابية التي ثم على أساسها نسيان الكينونة الحرة، أي نسيان الحاضر الأصلي بما هو نواة كل حرية ممكنة، استعادة الهوية الحرة بفعل الإرجاع الذاتي للحاضر الأصلي، هو أساس مقاومة كل تشميل ثقافي يستهدف تطبيع الإنسان لامع الثقافة وإنما مع نسقها المهيمن، نسق الإخضاع، هكذا تبدأ المشاريع التحررية الثورية الحرة المنتسبة لحاضر أصلي لتقاوم حاضر المعطى التشميلي الذي سلبها هويتها الحرة، ومن ثمة يغدو وتقويض هذا الحاضر الانسلابي، طريقا جديدا نحو إعادة البناء التأسيسي للكينونة التي تغدو الآن كينونة من أجل الحاضر الفعلي الذي يشمل لانجازها صلاحية إعادة تشكيل العالم باعتباره فضاء مكانيا وزمانيا للذاتية المشتركة المسؤولة من حريتها.


عالم الذاتية المشتركة هو إذن مجال "العلة التأسيسية" وغايتها الأخيرة، الذاتية المشتركة لن تغدو متحققة عينيا دون تشكلها كعلة تأسيسية ضامنة للاقتسام الحر للحاضر المشترك، ليس على أساس الاعتراف المتبادل والذي هو مبدأ إمكان كل حياة مشتركة مجتمعية فقط، بل أيضا على أساس مبدأ الحرية باعتباره علة الإنسان ذاته علة ظهوره كماهية إنسانية معطاة في الحاضر الأصلي للوجود الإنساني من جهة، وباعتباره من جهة أخرى صيغة وجوده بالفعل المعطاة في الحاضر المبتكر، فالحرية بما هي عطاء أصلي علة وجود، وبما هي كيفية عيش مشترك هي ابتكار العلة التأسيسية. لا يعني العيش المشترك التراضي الذي يضمن الاستقرار الاجتماعي القائم على التنازل الناقص الذي غالبا ما يؤدي إلى استبداد يتم في مجاله إخضاع الذاتيات المشتركة إلى أنوية استبدادية، و إنما يعني تقاسم الحرية، أي الاستقلال الذاتي للوجود البيإنساني الذي ينجز الصلاحية، ويضفي المعنى على الوجود الإنساني المشترك الذي يريد. إنما المعنى الذي ترده الجماهير في ساحة الميدان بالقاهرة: الشعب يريد تغيير النظام.


يعني العيش المشترك أن نتنفس الحرية معا، إذ ذاك تتأسس لحظة مغايرة للوجود الاجتماعي تغدو بموجبها كل ذات أنوية بانية ومشاركة لمعنى العالم فلا أصير حرا إلا بالقدر الذي يسمح لي هذا التقاسم المشترك للعيش أن أظهر كبانٍ لأفقي داخل هذا العالم الذي يستضمر ذاتيات أخرى تنجز بدورها المعنى وتضفي الصلاحية على وجودنا المشترك.
تستعيد طريقنا في التفلسف هذه الكيفية التي يغدو فيها الحاضر أفقا لوعينا اليقظ، أي لتفلسف جديد، تغدو من خلاله إنسانيتنا الحالية أساسا لتاريخ جديد يخلف وراءه كل الأنساق و الأنظمة الاستبدادية المؤسسة على خلفيات أيديولوجية أو ديماغوجية صيرت الوجود الإنساني مجرد وسيلة لإضفاء الصلاحية على مشروعها، التسلطي. ربما نحن على عتبة عصر جديد تشهد فيه ذاتيتنا العربية الآن يقظة أخرى لا تؤطرها النزعات التقافوية والسياسوية القومجية أو الاسلاموية، وإنما يؤطرها نوع من الاستجابة لنداء الحرية، نداء الانعتاق من أنظمة مضادة للذاتية الإنسانية فاللحظة الراهنة بداية لتشكل ذات مغايرة هدفها الأساس إسقاط الأب الساهر دوما على رعايتنا، والضامن أبدا لذلك الحاضر اللازمني الذي يثقل بكاهله على كل إمكانية لانبثاق الحاضر الفعلي الذي ينتمي للذاتية الإنسانية المشتركة.


بإمكان ذاتيتنا الحالية أن تكشف عن ماهيتها الحرة باعتبارها علة تأسيسية تنجز العالم على أساس قاعدة الانتماء المشترك للفضاء الحر للوجود أي المنتمي حقا للكونية الإنسانية. وليس هذا الانتماء للكونية الإنسانية سوى كيفية من كيفيات تجربة الحاضر التي يستجيب فيها الكائن الإنساني لرغبة الحرية التي تضفي القيمة على وجوده، كل استجابة من هذا النوع هي فن للعيش، حيث الوجود يصير متاحا جماليا تعبر من خلاله جسديتنا عن أسلوبها الحر في تحمل الحياة، وفي ابتكار حاضرها الفعلي.
يتيح فن العيش للكينونة الحرة أفقا مغايرا للتفلسف، ينبني على نسيان تاريخ اغتراب الذاتية، أي نسيان النزعة التبخيسية التي تعمل داخل ذلك التاريخ و التي حولت الذاتيات إلى موضوعات مشيئة، بهذا النسيان نستطيع أن نستعيد كيفية من كيفيات استمتاعنا بهذا الحاضر الفعلي الذي غدا انجازا لعلتنا التأسيسية وصار منتسبا للأفق الكوني للإنسانية.


العلة التأسيسية تحمل الحاضر المتغير بما هو متجدد دوما يستجيب لعالم عيش الذاتيات المشتركة حينما تصير روحا مطلقا كونيا يضفي القيمة عل الفعل الإنساني أي على الرغبات الذاتية المتنوعة التي تنتمي للعالم، ومن ثمة فإن حملها للتغير يحدث بوصفه قطيعة جذرية مع الحاضر المعطى ماضيا ذلك الحاضر الذي ينتسب لروح أخرى ولتجارب إنسانية سالفة تغدي مشروع الأمثلة الذي يغرب الذاتيات عن كونيتها ويبقيها في التاريخ الغفل الذي تهمش فيه رغباتها الذاتية.
يتجسد الحاضر المتغير الجذري للعلة التأسيسية التي غدت الآن روحا كونيا كثورة اجتماعية – ثقافية في هذا السياق الكوني تندرج ثورة الياسمين و ثورة الشباب المصري التي يمكن النظر إليها باعتبارها تحققا فعليا لمشروع مغاير كليا، لما يتسم به من روح كونية يستهدف الإسهام الفعلي في بناء عالم عيش جديد يتنفس الديمقراطية باعتبارها فن العيش المشترك الذي يجعل من الحاضر تجربة فعلية، يختبر من خلالها كل كائن إنساني إمكانيته على ابتكار لحظة وجوده وعلى تصريف حريته.


ما يمكن استخلاصه من تجربة الثورة الحالية التي يشهدها العالم العربي اليوم هو كونها متحررة عن تأثير الصورة المكاريزمية التي تستند إليها الخطابات الإيديولوجية والتي تقود غالبا نحو الشمولية وبناء مجمعات مسلوبة الإرادة، بل على العكس من ذلك فالتجربة الثورية الحالية هي نتيجة تشكل لذاتيات أي لرغبات مشتركة مجسدة لروح كونية، لمطلب كوني في الانتماء المشترك لإنسانية حرة تسهم في بناء عالمها الجديد الذي يضمن لها أن تعيش كرغبة لا كخضوع ومن ثمة فإن التغير الذي تقوده هذه التجربة، إيذان بنهاية للمشاريع الثقافوية التشميلية التي تندرج ضمن النسق الشمولي وبداية لمشاريع الرغبات الذاتية التي تستهدف أن يكون العالم المنشود تصريفا للرغبات الذاتية التي تتقاسم الوجود الحر، والذي يتأكد كوجود من أجل الحرية.


إن ثمة بداية لتفلسف جديد، وثمة بداية لحاضر فعلي مبتكر ينتمي لأفق إنساني مشترك تغدو فيه كينونتنا إنسانية ترغب في كيفية جديدة مبتكرة لتجربة عيشها المشترك.
حينما تردد هذه الكينونة: الشعب يريد، فإنها بالفعل غدت وعيا مجتمعيا يقظا لم يعد يحتمل أن يوجد بصيغة الرعية بوصفها غفلية اجتماعية، بل يريد أن يوجد ككينونة حرة تأسيسية، تشرع في تأسيس تاريخ جديد، هو تاريخ توكيد الإرادة التي تبتكر الحاضر الفعلي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الحاضر أفقا للتفلسف :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الحاضر أفقا للتفلسف

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» لتنوير أفقا للربيع العربي الراهن
»  حكايات... تصل الماضي ببؤس الحاضر! " عرفه ينهض من قبره"، هي رواية الشاعر المصري حسن توفيق، وهي اضافة جميلة في حديقة انتاجه الأدبي الغزير والمتنوع.. من الشعر، و الدراسات والابحاث الأدبية، المقامات وأدب الرحلات.. ظاهر الرواية بحر هادىء، لكن الغوص فيه، مليء
» المقاومة العراقية- الحاضر والمستقبل
» الإجابات القديمة والأسئلة الجديدة مأزق الحاضر الإسلامي
» نحو إعادة التفكير في مفهوم الأمة: العقل وردة في صليب الحاضر بقلم: جاد الكريم الجباعي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: