2012-12-18 العقلانية العلمية عند غاستون باشلار
محمد مستقيم |
| |
يعد
المفكر الفرنسي غاستون باشلار أحد العلامات البارزة في الفلسفة الفرنسية
المعاصرة، وذلك بفضل إسهاماته العلمية ودراساته خاصة في مجال فلسفة
العلوم، حيث أغنى الساحة الابستمولوجية بمجموعة من الأطروحات والمفاهيم
التي لعبت دورا كبيرا في توضيح كثير من القضايا الفلسفة والعلمية التي
كانت مثار جدال بين العلماء والفلاسفة خلال القرن العشرين
في كتابه" الفكر العلمي الجديد" ركز باشلار على ضرورة القيام بنوع من
المراجعة النقدية لبعض المفاهيم التقليدية الموروثة من الفلسفة حول
المعرفة، فعلى العالم أن يظل في حالة استعدادا دائم لمراجعة مبادئه
وأفكاره لأنه ليس هناك حقيقة مطلقة أو قانون علمي مطلق. كما أن المعرفة
العلمية تتميز بمجموعة من الخصائص لايمكن لتلك المفاهيم التقليدية
استيعابها، ففي العلم لانكون أمام تجريبية صرفة ولا أمام عقلانية صرفة ولا
أمام تضاد التجربة والعقل، بل نكون أما علاقة جدلية تحول الواقع تحويلا
نظريا أو أمام ممارسة نظرية لها علاقة بالمرحلة التاريخية التي يمر بها
العلم وبالمفاهيم الفلسفية والإيديولوجية السائدة أي أننا نحول الواقع من
واقع مادي خام إلى تصورات أو موضوعات معرفية تتخذ صورة صيغ رياضية نظرية.
إذن لايمكن الفصل حسب باشلار بين ماهو تجريبي وماهو عقلي، إن المعرفة
بطبيعتها تجريبية وعقلية معا، وكل معرفة عقلية تتضمن عنصرا من التجربة وفي
كل معرفة تجريبية توجد مبادىء وأفكار عقلية. فالعالم الذي يجرب -حسب
باشلار- في حاجة إلى أن يستدل، كما أن العالم الذي يستدل في حاجة دائما
إلى أن يجرب. وهذا ما أدى به إلى الاستنتاج بأن الفكر العلمي المعاصر
يتميز بالربط الوثيق بين النزعة التجريبية والنزعة العقلية، فالأولى في
حاجة إلى أن تعقل والثانية في حاجة إلى التجربة والتطبيق.
كذلك حاول باشلار أن يستفيد من نظرية التحليل النفسي من أجل فهم أعمق
لعملية المعرفة العلمية،حيث يرى بأنه توجد علاقة وثيقة بين فلسفة العلم
والتحليل النفسي ، لأن عملية المعرفة تتم كذلك في شروط نفسية ينبغي الكشف
عنها، فكما أن هناك مكبوتات تعوق الحياة النفسية عند الشخص كذلك توجد
عوائق في طريق المعرفة العلمية وهي عوائق تأتي من داخل العمل العلمي
وتنبثق منه، ما أنها عوائق ضرورية للمعرفة العلمية مثل ضرورة المكبوتات في
الحياة النفسية للإنسان.
لقد سمى باشلار نظريته بالعقلانية التطبيقية التي تنطلق من أن الموضوع
العلمي ليس جاهزا ومعطى وإنما يتم بناؤه، وأن المعرفة العلمية تنطلق من
النظرية وتتجه نحو التطبيق، ففي الفيزياء المعاصرة تبدو القطيعة بين
المعرفة العامية والمعرفة واضحة، لأن موضوع المعرفة العامية يكون معطى
بينما في المعرفة العلمية فإن العالم هو الذي يقوم ببنائه. فالمعرفة
العامية تكون مباشرة وتلقائية وتقصر المسافة بين الفكر والواقع بينما تعمل
المعرفة العلمية على الفصل بينهما وذلك بإضفاء الطابع العقلاني على
التجربة.