ملخص:
... إنَّ التاريخ في كلّ صوره، سواء في شكله العلمي الأكثر بروزاً، أو في ضربه الفلسفي الذي كان دوماً مزعجاً ومشوشاً للنظام العام، أو حتى في حقوله الأدبيَّة والفنيَّة والسياسيَّة، التي لا تستقر على حال، فكأنَّها تقف على ساحة رمليَّة لا تهدأ. فبدأ محرّك السؤال المهتدي بنور النقد الجريء في الاشتغال، حيث طفقت أسئلة الدين والمقدَّس والمدنَّس والإلهي والدنيوي والمتعالي، والفن، والأسطورة، والسرديات الكبرى والصغرى، وتفكيك بنية التصوُّف، والاعتماد على مرجعيات حديثة مثل: إدوارد سعيد، والانفتاح على فكرة الحوار داخل السرد القرآني، واللاهوت التحرُّري من خارج الفضاء العربي، لكي ندرك ونعي أنَّ الهمَّ الإنساني واحد...، كلُّ هذا وغيره يندرج ضمن مسعى بحثي نريد منه أن يستمرَّ في ظلّ المتغيرات الإنسانية، لكي يبقى العقل البشري وفياً لطباعه الساكنة فيه، من حرصه اللامتناهي في طرح السؤال والرغبة في تعبيد طريق النقد الأبدي، الذي يمنحنا حصانة فكريَّة ضدَّ فيروس الاعتقاد الزائف، المنتج للعنف والكراهية والتعالي الأجوف، واعتبار الآخر مجرَّد وسيلة تنتهي صلاحيتها بمجرَّد خروجها من الخدمة البراغماتيَّة.
وضمن هذا المسعى الفكري، قُدّم طاقم مقالاتي مهم لمجموعة من الباحثين العرب، في مختلف الدروب الفكريَّة، حيث قدَّم لنا الباحث لونيس بن علي مقاربة تحدَّث فيها عن تغلغل البحث الديني في الفضاء الثقافي، معتمداً على المنجز المعرفي لإدوارد وديع سعيد، الذي انشغل بالبحث في النص الديني من زاوية البقاء في كنف التاريخ، والابتعاد عن النزعات اللَّاتاريخيَّة. أمَّا الباحث محمد أمين بن جيلالي، فقد بحث في طبيعة العلاقة بين السياسة والدين، ضمن السرديات الكبرى التي تعاطت مع المقدَّس وانهمَّت به جنيالوجياً، من أجل تحقيق فكرة العيش داخل أفق المتنوع. وفي السياق الفكري ذاته سعى الباحث ياسين سليماني إلى الكشف عن علاقة السرد بالمقدَّس وتجاذبات الأدلجة من خلال مقاربة المفكر محمد شحرور في فهم النص الديني، ومنه حاول الباحث حمدي الشريف، تقديم بحث طريف في طرحه، حيث تحدَّث عن لاهوت التحرير عند جوستافو جوتييريز، الذي ناضل من أجل تحويل المكتسب المسيحي إلى فكرة خلاصيَّة، استناداً إلى النزعة التاريخيَّة في قراءة النص الديني، وأضاف لنا الباحث ماهر الجويني حواراً رائعاً من عمق السرد القرآني، المتعلق بقصة نوح كنموذج تاريخي على فكرة السرد النسقي المنتشرة في النص الديني، وبقراءة ملفتة للنظر، جاء في مقاربة الباحث عامر عبد زيد الوائلي حديث عن فكرة المكان خارج التصوُّر الكانطي وداخل الأفق الديني وخاصة الأسطوري منه، أي في أسطورة جلجامش، لأنَّه في العمق نتاج لآليات التخييل والتمثيل والترميز. أمَّا ما قدَّمته الباحثة سامية بن عكوش، فيتمثل في الاقتراب من النص الصوفي، الذي تجلى عندها في منجز النفري، اتكأت فيه على المنجز الحداثي التفكيكي، حيث وظّفت مفردات وآليات جاك دريدا وبعض أدوات مارتن هيدغر اللغويَّة، وقد كان الحوار مع الباحث سفيان زدادقة سفراً في المتن المغلق على ذاته، لأنَّه دخل في سجال مع القوى التي تفكّر خارج التاريخ، والتي أنتجت لنا كلَّ هذا الكساح التاريخي. وعندما نلج عالم الترجمة نجد المقدرة العالية للباحث محمد جديدي في طرق متابعة الفن المرتبط بالمقدَّس رفضاً أو تأييداً، لأنَّ النص المترجم ينتمي إلى فترة حرجة من تاريخ أوروبا. والنهاية مسك معرفي، قدَّمه الباحث غيضان السيد علي حول قراءة ماتعة لكتاب المفكر العربي مراد وهبة، الذي بحث في العلاقة بين المقدَّس والعنف، فالأمر يحتاج إلى وقفة نقدَّية تتسلح كما قلنا بالسؤال الجريء، لكي نفضح كلَّ القوى التي تتمترس وراء المقدَّس لأنَّه يخرج من دائرة النقد، ويحتمي به أصحاب المصلحة الدنيويَّة.
إنَّنا لا ننظر إلى هذا العمل على أنَّه عمل متكامل، بل هو مجرد اجتهاد بشري، نجترحه سؤالاً، ونعبّد به طريقاً، لكلّ من أراد أن يبقى في دائرة السؤال والنقد والإيمان بالتنوُّع والاختلاف كأفق بهي في قادم التاريخ.
للاطلاع على الملف كاملا، يرجى الضغط هنا
الجمعة أبريل 14, 2017 10:18 am من طرف صافيناز