حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سالم
ثـــــــــــــــائر منضبط
ثـــــــــــــــائر منضبط
سالم


الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 396
معدل التفوق : 1140
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 15/12/2011

الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟ Empty
12042017
مُساهمةالثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟

الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟



الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟ 1111111111111111

لطالما دُرِّسَ التاريخ باعتباره تراكم من الإنجازات، والتي في الواقع، قد جعل بعضها الكائن البشريّ يدفع ضرائب، تكون كل مرّة أكبر! على الرغم من روعة قائمة الاكتشافات والابتكارات، الإنشاءات الكبرى، تطور الفنون وباقي إبداعات البشر، فإنّ كل ما نشاهده من سرد ملحميّ طال مستقبلنا في الأرض، منذ أوائل الرئيسيات التي مشت على قدمين وبلا شعر، والتي تجرأت وغادرت سهوب أفريقيا برحلة لا نهاية لها، وصولاً للمجتمعات الراهنة المتطورة في العالم الغربي، قد يكون مؤسساً على مغالطة هائلة!


الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟ 22222222222222

رغم هذا النمط القديم من الاختبار { الذي يجب أن تكون قراءته إجبارية، ليس فقط من قبل طلاب التاريخ، بل من قبل طلاب المرحلة الثانوية أيضاً }، يُحاكِمْ عالم الأحياء التطوريّ جارد دايموند Jared Diamond، ومن خلال أدلة متنوعة، تلك الرؤية الرومنسية لحدث جوهريّ، قد حصل بتاريخنا، ومنذ قبل حوالي 10000 عام، ونقصد هنا ظهور الزراعة أو الثورة الزراعيّة، أو كما تسمى عادة " الثورة النيوليتيّة ". حيث يقول الدكتور جارد التالي:

بالنسبة للعلم، نكون مدينون بتحقيق تغييرات جذرية في صورة اعتدادنا بانفسنا. فلقد علّمنا علم الفلك بأنّ الأرض لا تكون مركز الكون، بل تكون ببساطة جرم من آلاف ملايين الأجرام الفضائيّة السماويّة. لقد تعلمنا من علم الأحياء بأنّ الله لم يخلقنا ككائن يملك خصوصيّة، بل لقد تطورنا، بذات الوقت، إلى جانب ملايين الأنواع الحيّة. يُحطّم علم الآثار،  راهناً، عقيدة تابو أخرى: تقول بأنّ التاريخ البشريّ، خلال ملايين الأعوام الأخيرة، قد شكّل سلسلة من التقدُّمات. سيما ما تبيّنه اكتشافات حديثة بما يخصّ الزراعة، التي شكلت خطوتنا الأساسيّة باتجاه حياة كانت أفضل كما هو مفترض، التي لا تكون سوى كارثة لم نتمكّن من التخلُّص من آثارها أبداً. مع الزراعة، حضر التفاوت الإجتماعي والجنسيّ الخطير، المرض والاستبداد، والتي تسببت باللعنة على وجودنا.


للوهلة الأولى، ظهرت الأدلة المقدمة ضدّ تلك القراءة التعديليّة، للأميركيين في القرن العشرين، كشيء لا يمكن دحضه. نكون في أفضل حال، وفي كافة الجوانب تقريباً، من ناس العصور الوسطى، الذين كانوا بدورهم بأفضل حال من ساكني الكهوف، والذين كانوا بحال أفضل من القرود. نرى فوائدنا، نتنعَّمْ بوفرة الغذاء وتنوعه، بالأدوات الأفضل، بالمواد الأجود، يستمتع بعضنا بنوال مدة حياة أطول ومع وضع صحّي جيّد هو الأفضل تاريخياً. تكون غالبيتنا بعيدة عن المجاعات وعن المُفترِسينْ. نحضّر القسم الأكبر من عملنا بواسطة طاقة النفط والآليات، وليس بعرقنا.

كيف تغيّرت حياة الكائن الراهن مقارنة بمزارع القرون الوسطى وساكن الكهوف، أو مقارنة مع قرد؟

في القسم الأكبر من تاريخنا، استثمرنا صيد الحيوانات وجمع النباتات البريّة، وأمضينا حياة، يصفها الفلاسفة تقليدياً، بالحياة غير المُحبّبة، العبثيّة والقصيرة. حيث أن تلك الأغذية لا يمكن إنتاجها وبالكاد يمكن تخزينها، ففي هذه الحياة، لا يوجد مجال للرحة بسياق صراع يوميّ للعثور على الأغذية البرية وتفادي الموت من الجوع. خرجنا من تلك المأساة منذ حوالي 10000 عام فقط، عندما بدأ البشر، بأماكن عديدة من العالم، بتدجين النباتات والحيوانات. امتدت الثورة الزراعيّة، تدريجياً، وصولا ليومنا هذا، حيث يكون كل شيء كونيّ تقريباً، وبقي، فقط، بضعة قبائل من الصيادين / ملتقطي الثمار على قيد الحياة.


انطلاقاً من وجهة نظر " تنموية " قد كانت جزء مما تعلمته، يكون السؤال هو: لماذا تبنّى معظم الصيادين ملتقطي الثمار الزراعة؟

يكون سؤال غبيّ!

يكون بديهياً بأنهم قد تبنُّوا الزراعة لأنها الطريقة الأكثر فعاليّة لتحصيل الغذاء وبجهد أقلّ. حيث يكون المحصول الزراعي بحجم أطنان مقارنة بجمع بعض الجذور وبعض الثمار. فقط يتوجب علينا تخيُّل مجموعة من الصيادين البدائيين، المنهكين من البحث عن ثمار بريّة ومن صيد الحيوانات، فيكتشفوا فجأة وللمرة الأولى، حقل مليء بالفاكهة او مرعى مليء بالأغنام.

كم تحتاج من أجزاء من الثانية للتفكير بفوائد الزراعة؟


يذهب بعض المتعصبين " للتنمية " الزراعية أبعد من هذا، حيث يربطون بين الزراعة والازدهار الملحوظ بالفنون، والذي حصل خلال الألف عام الأخيرة. حيث يمكن تخزين المحاصيل، ويحتاج لزمن أقلّ تحصيل الأغذية من البستان مقارنة بالعثور عليها في الطبيعة، وفّرت الزراعة لنا مزيد من الوقت الحرّ، وهذا ما لم يتمتع به الصيادين / ملتقطي الثمار أبداً. بالتالي، سمحت لنا الزراعة بتشييد البارثينون وتأليف مقطوعة Misa en Si Menor الموسيقيّة.


على الرغم من السطوة التي تمتلكها النظرة " التنموية "، في الواقع، يكون من الصعب تأكيد هذا. كيف يمكنك إثبات أنّ حياة الناس، منذ ما قبل 10000 عام، قد تحسنت عندما تركت الصيد والتقاط الثمار لتنتقل إلى الزراعة؟ فإلى وقت قريب، لجأ علماء الآثار لاختبارات غير مباشرة، كانت نتائجها { وبصورة مفاجئة } غير مؤيدة لوجهة النظر " التنموية ".

وهنا أقدّم مثال لتجربة غير مباشرة:

في الواقع، هل يكون الصيادين / ملتقطي الثمار في القرن العشرين بحال أسوأ من حال المزارعين؟ حيث ما يزال يعيش بعض البشر على هذه الطريقة بمناطق مختلفة من العالم، مثل قبائل صحراء كالاهاري بأفريقيا. يتضح أن أولئك الناس يمتلكون وقت حرّ طويل، ينامون كثير من الساعات ويعملون بقسوة أقلّ مقارنة بجيرانهم من المزارعين. فعلى سبيل المثال، يكون متوسط الزمن المخصص إسبوعياً للحصول على الغذاء من 12 إلى 19 ساعة فقط، فيما تخصص قبيلة في تنزانيا إسبوعيا 14 ساعة أو أقلّ فقط. وعندما سُئِلوا عن سبب عدم قيامهم بما تقوم به قبائل أخرى انتقلت للزراعة، أجابوا: لماذا يجب علينا هدر الكثير من الوقت لتحصيل المزيد من الغذاء؟



الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟ 111111111111111111111

في حين يُركِّز المزارعون على زراعات غنيّة بالكاربوهيدرات، مثل الأرّز والبطاطا، توفّر النباتات والحيوانات البرية التي تُشكّل النظام الغذائي للصيادين / ملتقطي الثمار المزيد من البروتينات وتحقيق توازن أفضل من الأغذية بالعموم. بيّنت دراسة أنّ المعدّل المتوسّط الغذائي اليومي في الأدغال { خلال شهر كانت فيه الأغذية متوفرة } قد بلغ 2140 سعرة حرارية واحتوت على 93 غرام بروتين، وهي كميات تفوق الاحتياج اليومي المنصوح به لناس بذات الحجم. فلا يمكن تصوُّر موت من يسكنون الأدغال ويتناولون حوالي 75 نبتة برية مختلفة من الجوع، مقارنة مع ما حدث مع مئات آلاف المزارعين الإيرلنديين وعائلاتهم خلال مجاعة البطاطا في العام 18400. حسناً، إذا لا تكون حياة الصيادين /  متقطي الثمار سيئة بالوقت الراهن، على الرغم من أنّ المزراعين قد دفعوهم للبقاء في بعض أسوأ المناطق من العالم.




لكن المجتعمات الحديثة للصيادين / ملتقطي الثمار، والتي ترافق وجودها مع وجود المجتمعات الراعية منذ آلاف الأعوام، لا تُخبرنا شيء حول الظروف ما قبل الثورة الزراعيّة. تفترض النظرة " التنموية " حول التاريخ الماضي الآتي:

تحسنت حياة الناس البدائية، عندما غيّرت التقاط الثمار بالنباتات المزروعة. يمكن لعلماء الآثار تأريخ اللحظة التي حدث بها هذا بتمييز بقايا النباتات والحيوانات البريّة ما قبل التأريخية عن تلك المُدجَّنة. كيف يمكن استنتاج الحالة الصحيّة لمنتجي تلك البقايا الما قبل تأريخية واختبار الفرضية " التنموية " بصورة مباشرة؟ لم تحصل الإجابة على هذا التساؤل إلاّ من فترة قريبة، ومن خلال تقنيات جديدة وفرّها علم الأمراض القديمة paleopatología: من خلال دراسة أعراض الأمراض في البقايا البشرية البدائيّة. ففي بعض الحالات الخاصة، يمتلك عالم الأمراض القديمة مادة للدراسة كحال طبيب يعالج مريض اليوم. فعلى سبيل المثال، عثر علماء الآثار في صحراء تشيلي على مومياءات محفوظة بصورة ممتازة، حيث يمكن من خلالها تحديد الاسباب الطبيّة للوفاة عبر التشريح. وحتى براز الموتى الهنود من فترة طويلة جداً، والذين عاشوا بكهوف جافة، تتابع حضورها كونها محفوظة بصورة ممتازة ويمكن إخضاعها للفحص والتحليل بحثاً عن الدودة الشصيّة وطفيليات أخرى.


لكن بالعموم، تكون البقايا الوحيدة البشرية الصالحة للدراسة هي الهياكل العظمية، على الرغم من أنها تسمح بعدد استنتاجات هائل. فبداية، يبيّن الهيكل العظمي جنس صاحبه، الوزن والعمر التقريبيّ. ففي الحالات القليلة التي نجد فيها الكثير من الهياكل العظمية، يمكننا إنشاء جداول وفيّات كالتي تستخدمها شركات التأمين على الحياة، بحيث يمكن حساب متوسط العمر ومخاطر الموت للفرد بعمر معطي. كذلك يمكن لعلماء الأمراض القديمة حساب معدلات النموّ بقياس العظام بمختلف الأعمار، واختبار عيوب مينا الأسنان { كعلامة على سوء التغذية بمرحلة الطفولة } والتعرُّف على علامات باقية على العظام تدل على فقر الدم، السلّ، الجذام وأمراض أخرى.


يشكّل هذا مثال بسيط على ما اكتشفه علماء الأمراض القديمة حول التغيُّرات بارتفاع الهياكل العظمية بطول التاريخ. تُبيّن هياكل عظمية من اليونان وتركيا أنّ متوسط ارتفاع الصيادين / ملتقطي الثمار بنهايات عصر الجليد قد بلغ 175 سنتمتر للذكور و166 سنتمتر للإناث. وإثر الاعتماد على الزراعة، قلّ معدل الارتفاع، في العام 3000 قبل الميلاد، بلغ متوسط الارتفاع للذكور 160 سنتمتر وللإناث 152 سنتمتر. وفي العصر الكلاسيكي، بدأ متوسط الإرتفاع بالازدياد ببطء شديد مرّة أخرى، لكن حتى اللحظة لم يستعد اليونانيون والأتراك متوسط الارتفاع عند أسلافهم البعيدين.

الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟ 222222222
الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟ 3333333333333

لدينا مثال آخر ناتج عن بحوث علم الأمراض القديمة، يتصل بدراسة الهياكل العظمية الهندية في أكوام الأتربة في وادي نهري Ohio و Illinois. في منطقة Dickson Mounds الواقعة قرب وادي النهرين Illinois و Spoon، اكتشف علماء الآثار حوالي 800 هيكل عظمي، ترسم هذه الهياكل بانوراما التغيُّرات الصحيّة التي حدثت، بحدود العام 1150، عندما بدأ جزء من جماعات الصيادين / ملتقطي الثمار بزراعة الذرة بكثافة.

الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟ 444444444444444444

تبيّن دراسات George Armelagos وزملائه بجامعة ماساشوتس بأنّ أوائل المزارعين قد دفعوا الثمن جرّاء تغيير نمط حياتهم. مقارنة مع جماعات الصيادين / ملتقطي الثمار، الذين سبقوهم، ظهر على المزارعين زيادة بحوالي 500% بإصابات مينا الأسنان، وهذا يدل على سوء في التغذية، وتضاعفت نسبة فقر الدم بحوالي أربعة مرّات عمّا كانت عليه سابقاً بسبب نقص الحديد { ويدل عليه مرض عظمي يسمى فرط التعظُّم }، تضاعف أمراض العظام بحوالي ثلاث مرات، وهذا ينعكس من خلال زيادة أمراض معدية بالعموم وزيادة بتشوهات العمود الفقريّ، التي تأتي من بذل جهد بدني زائد عن الحدّ.

مقارنة مع أسلافهم من الصيادين / ملتقطي الثمار، امتلك أولئك المزارعين متوسط أقلّ بالعمر. كان متوسط عمر الفرد في مجتمع ما قبل الزراعة حوالي 26 عام، كما يقولArmelagos، في حين بلغ متوسط عمر الفرد في مجتمع زراعي وقتها حوالي 19 عام فقط. بالتالي، تأثّروا بالقلق الغذائيّ والأمراض المعدية بصورة جديّة، الأمر الذي ساهم بنقص قدرتهم بالبقاء على قيد الحياة. تُبيّن الأدلة بأنّ هنود منطقة Dickson Mounds، كجماعات بدائيّة كثيرة غيرهم، قد قرّروا الزراعة ليس حباُ بها، بل بسبب الحاجة لتغذية جماعة تنمو بشكل ثابت. ولا أرى بأنّ غالبيّة جماعات الصيد / التقاط الثمار قد لجأ إلى الزراعة إلاّ كآخر خيار مُتاح أمامها.

تقول Marca Cohen من جامعة نيويورك الحكومية في Plattsburgh، ومتعاونة مع Armelagos بأحد كتبه الأساسيّة بهذا الحقل العلمي " علم الأمراض القديم في أصول الزراعة "، عندما بدأتُ هذا النقاش منذ 100 سنوات، لم تتفق غالبية الناس مع طرحنا، لكن الآن أصبحت وجهة نظر تُحترَمْ، بالرغم من كونها دليل مثير للجدل.



الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟ 1111111111111

يوجد، على الأقلّ، ثلاث أسباب تُفسّر النتائج الكارثيّة للزراعة على الصحة، وتكون على التوالي:



السبب الأوّل: تمتع الصيادون / ملتقطو الثمار بنظام غذائي متنوّع، بينما اقتصر غذاء أوائل المزارعين على قليل من الأغذية الغنيّة بالنشويات، فقد ربحوا حريرات ذات نوعيّة  سيّئة بتغذية فقيرة، فبالكاد امتلكوا ثلاث نبتات غنية بالكاربوهيدرات، هي: القمح، الأرُّز والذرة، والتي توفّر، بالوقت الراهن، القسم الأكبر من الحريرات المستهلكة من قبل النوع البشريّ، لكن يفتقر كل نوع منها لفيتامينات محددة أو أحماض أمينية أساسيّة ضرورية للحياة.



السبب الثاني: يتوقف على عدد محدود من مرّات الحصاد أو المواسم، ففي حال إصابة الموسم بمرض ما، فهناك احتمال حدوث مخاطر على الوضع الغذائيّ.



السبب الثالث والأخير: القول بأنّ الزراعة سمحت للناس بالتجمُّع في مجتمعات شعبية، فهو صحيح، ولكنه ساهم بتسهيل انتشار الطفيليات والأمراض بالعدوى، حيث أقامت كثير  من الجماعات علاقات تجارية، سهلت بهذا الانتقال للأمراض. يرى بعض علماء الآثار بأنّ الإكتظاظ السكّاني { بدل الزراعة } هو المسؤول عن الأمراض، لكن نصطدم هنا بمشكلة ما الذي حدث أولاً، البيضة أم الدجاجة، لأنّ الاكتظاظ يُشجّع الزراعة والعكس بالعكس.



لا تتجذّر الأمراض، عندما تتناثر الجماعات بمجموعات صغيرة متنقلة بصورة دائمة. لم تظهر أمراض السلّ والإسهالات إلا مع ظهور الزراعة، كذلك لم نعرف الحصبة والطاعون إلا حين ظهرت المدن الكبرى.






إضافة للتغذية السيّئة، الجوع والأمراض المعدية، ساعدت الزراعة بجلب شيء سيّء آخر للبشرية:

الإنقسام الطبقيّ العميق.

يمتلك الصيّادون / ملتقطو الثمار القليل أو لا شيء من الغذاء المُخزّن، كذلك لا يكون لديهم مصادر غذاء دائمة مثل بستان أو قطيع بقر: حيث يعيشون على النباتات البرية وصيد الحيوانات يوم بيوم. من جانب آخر، لا يوجد ملوك ولا عبيد. لكن فقط مع الزراعة، يمكن أن تعيش نخبة غير مُنتِجة بصورة صحيّة على حساب أكثرية تتعرّض لمختلف أنواع الإصابات المرضيّة.

توحي قبور يونانية، عثروا عليها في موكناي وتعود للعام 1500 قبل الميلاد، بأنّ الملوك قد تمتعوا بنظام غذائي أفضل من نظام رعاياهم، حيث كانت هياكل الملوك العظمية أطول بإثنين أو ثلاث بوصات من هياكل رعاياهم، كذلك امتلكوا بنية سنيّة أفضل { فقد فقدوا سنّ واحد، مقابل 66 أسنان لدى الرعايا }. بين مومياءات تشيليّة وتعود لما قبل 1000 عام، لا يمكن تمييز النخبة من خلال الحلي وملاقظ الشعر الذهبية، بل كذلك جراء انخفاض معدّل الاصابة بأمراض عظمية بنسبة أقل بأربع مرّات مقارنة بالعامة.




تستمر تلك التباينات المتشابهة في التغذية حتى وقتنا الراهن وعلى مستوى العالم. بالنسبة لسكّان بلدان غنيّة، مثل الولايات المتحدة الأميركية، سيبدو مضحكاً لهم إبراز فضائل الصيد والتقاط الثمار، لكن يشكّل الأميركيون نخبة تعتمد على النفط والمعادن، والتي يستوردوها بالغالب من بلدان نامية ذات مستوى صحي وتغذوي سيّء. فيما لو أمكن الاختيار بين أن تكون فلاح في إثيوبية أو صياد / مُلتقط ثمار في صحراء كالهاري، فأيّ خيار سيكون الأفضل برأيك؟


كذلك ربما ساهمت الزراعة بتشجيع اللامساواة بين الجنسين. حيث تتطلب الزراعة المزيد من الأيدي العاملة، ولهذا أصبحن النساء المزارعات أكثر ميلاً للحمل والإنجاب مقارنة بالنساء الصائدات / ملتقطات الثمار، وهذا ما أدّى لازدياد المشاكل الصحيّة عندهنّ. بين مومياءات تشيلي، على سبيل المثال، امتلكن النساء تشوهات عظمية أكثر مقارنة بالرجال، ونتجت عن أمراض عدوى.


في بعض المجتمعات الزراعية، تحولن النساء لعربات نقل. في مجتمعات غينيا الجديدة الزراعية الراهنة، تصيبني الدهشة عندما أرى النساء يحملن الخضار والحطب ويمشي الرجال فارغي اليدين!




بخصوص تأكيد أنّ الزراعة قد سهّلت ازدهار الفنون وتوفير وقت حرّ، كذلك يمتلك الصيادون / ملتقطو الثمار الحديثون وقت حرّ مكافيء لما يمتلك المزارعون على الأقلّ. علماً أنّ هذا الطرح لا يتسم بالجديّة الكافية. فعلى الرغم من مساهمة التقدُّم التقني ما بعد الزراعي بظهور صيغ جديدة في الفنون، وسهلوا حفظها، فإنّ الصيادين / ملتقطي الثمار، ومنذ ما قبل 15000 عام، قد أنتجوا رسوم رائعة وتماثيل، وقد تابعت جماعات الإنويت وهنود شمال شرق المحيط الهادي هذا الإنتاج الفني بأوقات حديثة وحتى القرن المُنصرِمْ.


هكذا ومع مجيء الزراعة، وصلت نخبة لوضع أفضل، لكن كان الوضع سيّء للأغلبيّة. فبدلاً من قبول فرضية " التنموية " التي وفقها نختار الزراعة لأنها كانت الأفضل لنا، من الأفضل أن نسأل أنفسنا كيف تمسكنا بها على الرغم من كل تلك العوائق التي تخلقها.



الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟ 22222222222222222222



يمكن أن يتوقّف الجدل، حين نعترف بأنّه " من المؤكّد بأنّ الزراعة يمكن أن توفّر الغذاء لعدد أكبر من الأشخاص مقارنة بالصيد / التقاط الثمار، على الرغم من أنها تخلق نوعيّة حياة سيّئة " { تكون الكثافة السكانية بجماعات الصيادين / ملتقطي الثمار أقل بنسبة 100 مرّة من الكثافة السكانية بالمجتمعات الزراعية }. وهذا يعود، بجانب منه، لأنّ حقل مزروع بمواد قابلة للأكل، يمكنه تأمين الغذاء لعدد كبير من الاشخاص مقارنة بحرش فيه نباتات متفرقة يمكن تناولها. ويعود بجانب آخر لموضوع معدّل المواليد الأقلّ لدى الصيادين / ملتقطي الثمار، حيث يتوجب على المرأة حمل ابنها حتى عمر محدد يمكنه فيه المشي مع البالغين. وهذا ما لا يحدث مع نساء المزراعين، حيث يمكنهم ولادة أطفال أكثر وبمعدل زمني أقلّ.



على اعتبار أنّ جماعات الصيادين / ملتقطي الثمار قد نَمَتْ ببطء بنهاية عصر الجليد، توجّب على القبائل الاختيار بين تغذية أشخاص أكثر { والذي أعطى أوائل الخطوات نحو الزراعة } أو العثور على صيغة تحديد النموّ بعدد القبيلة. اختارت بعض القبائل الخيار الأوّل، دون القدرة على تفادي مساويء الزراعة، جرّاء إغواء الإنتاج الغزير الذي تنعموا به، إلى أن ازداد عدد أفرادها بفضل نموّ الإنتاج للأإذية. وسّعت تلك القبائل أراضيها الأصلية، فقتلوا أو أزاحوا قبائل الصيادين / ملتقطي الثمار، لكي يزرعوا أراضي جديدة تلبي حاجة أفرادها للغذاء.


وهنا يجب التنويه بالنقد المعتاد توجيهه لعلم الآثار بوصفه ينشغل بالماضي البعيد ولا يقدّم شيء حول الحاضر، أعاد علماء الآثار، الذين يدرسون أصل الزراعة، بناء مرحلة جوهرية قد ارتكبنا خلالها هذا الخطأ الأسوأ بتاريخ البشرية. فلقد أُجبرنا على الاختيار بين تحديد عدد السكان أو محاولة زيادة إنتاج الأغذية، فاخترنا هذا الخيار الأخير، وحصلنا بالمقابل على مزيد من الجوع، الحروب والظلم.

طبّق الصيادون / ملتقطو الثمار صيغة الحياة الأكثر ديمومة، المناسبة والأطول بتاريخ البشرية. وبشكل معاكس، ما نزال نكافح لحلّ المشاكل التي أقحمتنا بها الزراعة، ولا نعرف إن كنا سنتمكن من حلها أو لا.


تعليق فينيق



ربما يبدو هذا الرأي للوهلة الأولى " غير منطقي بل متناقض! "، حيث تعتبر غالبيتنا الثورة الزراعية نقلة نوعية في التطور البشريّ معرفيا واقتصاديا وأنه لولا الثورة الزراعية لما وصلنا إلى الثورة الصناعية! لكن عند التدقيق بالمعطيات الواردة أعلاه في هذه الدراسة الهامة، سنفهم الويلات التي جرّتها علينا الثورة الزراعية! وأظن لا حاجة للحديث عن مآسي الثورة الصناعية، حيث تساهم المصانع بتلويث أجواء هذا الكوكب لدرجة تهديد الحياة فيه عبر الاحترار العالمي! أشكر أيّ تصويب أو إضافة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟ :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الثورة الزراعيّة { النيوليتيّة }: هل شكّلتْ الخطأ الأسوأ بتاريخ البشريّة؟

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» غريزة الحرّية: تشومسكي والفوضويّة والطبيعة البشريّة/ عديّ الزعبي
» هل سلمية الثورة السورية حل ناجع لحسم مصير الثورة
»  الثورة ضد الثورة والشارع ضد الشعب، والثورة المضادة
» فلسفة الثورة - الجزء الثاني Posted on الأثنين 24 سبتمبر 2007 Topic: جمال عبد الناصر فلسفة الثورة - الجزء الثاني فلسفة الثورة 2 - جمال عبد الناصر ولكن ما الذي نريد أن نصنعه ؟. وما الطريق إليه ؟.
»  الخطأ في التطبيق... خلل في النظرية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: الحــــــــــــــــــداثـــة-
انتقل الى: