محمد فريــق العــمـل
الجنس : عدد المساهمات : 465 معدل التفوق : 1251 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 15/12/2011
| | المرأة .. من الوأد الجسدي الى الوأد النفسي ..! بقلم إيهاب إبراهيم | |
في بداية حديثنا عن المرأة ككيان مستقل وشريك فعّال في حياتنا نحن الرجال لا بد لنا من نظرة تاريخية نعود بها الى الوراء في مراحل تاريخية سابقة بتقاسيمها المختلفة ..ففي العصور القديمة وقبل ظهور الديانات الرسمية (السماوية) كافة .. كان للمرأة دور حيوي وفعال في مسار الأسرة والقبيلة والقرية في العديد من البلدان والثقافات على إختلاف مشاربها ونشآتها في بلاد الرافدين مثلاً او ما يسمى ما بين النهرين كان للمرأة شأن كبير وعظيم فهي تشارك الرجل في العديد من المهام الحياتية المعاشية ليس أقله تربية الأولاد بل كان لها دور اقتصادي في عملية الزراعة والحصاد وتربية الماشية بعد أن تعلم الإنسان تدجينها وتسخيرها لمصلحته ..كما دخلت معترك القنص والصيد في فترات زمنية أسبق فكانت تأخذ دورها في حماية أفراد الأسرة والقبيلة وتأمين الغذاء والقوت اليومي إضافة الى دورها الحيوي الملهم في الميثيولوجيا والفلسفة بشكل عام حتى وصلت مكانتها الى إعتبارها آلهة في ثقافات وديانات الشرق الأوسط القديم في بلاد ما بين النهرين فهي ربّة الخصب والجمال ( كعشتاروت وإنانا وعناة ..) وغيرها وفي الوجه المقابل هي ربّة الموت والعالم السفلي ( أركيشيجال ) .. وغيرهاوهذا ما استقته الحضارة الإغريقية والرومانية عن سابقتها الشرق أوسطية في محاكاة تقليدية لدور المرأة ومكانتها العليا في الثقافة والأدب والميثيولوجيا الشعبية فنراها آلهة الجمال والأنوثة والخصب والحب كفينوس وأفروديت وغيرها من التسميات .. وأيضا في المجتمع المصري الفرعوني القديم في بلاد الكنانة كانت المرأة تتبوأ مكانة كبيرة وسامية فهي وصلت الى درجة تقديسها وتنصيبها كملكة (كنفرتيتي ) وشريكة للرجل في المهام السياسية والسماوية كالأله إيزيس العذراء وتسميات أخرى كثيرة ..إن لتلك النظرة والمكانة التي اكتسبتها المرأة في تلك البلاد وغيرها كان لها دلالاتها وأسبابها الموضوعية وظروف نشأت ونضجت في تلك البلاد والقرى التي وصلت الى درجة من الوعي الإنساني والتطور الأدبي والمعرفي المدني ( في تلك الحقبة التاريخية ) انعكس بذلك على مكانة المرأة ودورها في المجتمع والحياة ومعانيها المتنوعة والمتشعبة ..لكن في المقابل اذا كنا منصفين في طروحاتنا لا بد لنا من أن نتناول الأمر من الجانب الأخر ففي مناطق وبقاع أخرى من الجغرافيا الأرضية كان الوضع مختلفاً تماماً .. لن نبتعد كثيراً جغرافياً ومناطقياً .سنذهب في جولة الى قلب الصحراء وتحديداً الى شبه جزيرة العرب ..؟فالذي كان يحدث هنالك كان انعكاساً للطبيعة القاسية والواقع البيئي والتركيبة الإجتماعية التي كانت سائدة في ذلك العصر فالمجتمع البدوي الصحراوي اذا جاز لنا أن نسميه كمجتمع هو تجمعات قبلية وعشائرية كانت تمتهن الصيد والقنص والغزو بحكم ترحالها وبحثها عن الغذاء والماء لذلك فهي معرضة للاخطار من كل حدب وصوب وهذا من انعكس على النظرة الدونية والسلبية للمرأة بشكل عام حيث كانت تعتبر عاملاً سلبياً وعبئاً على أفراد القبيلة فهي حقيقة لا تستطيع القتال والحرب والغزو مثل الرجل ومن جهة أخرى هي فريسة وهدف فهي معرضة للسبي والخطف والإسترقاق من قبل الغزاة ورجال القبائل الأخرين ..!وقد ساد هذا المفهوم والنظرة الدونية للمرأة فترة طويلة من الشتات العربي تحديداً وقد نتج عن ذلك عدة ممارسات كانت تُلاحق وتُحاصر المرأة بها ويكاد أشهرها يكون هو الوأد الجسدي حيث أن أي رب أسرة يرزق بمولود انثى وكأن غضب السماء قد حلّ على رأسه لأنها بالنهاية مصيبة ستجلب له الخزي والعار بإعتبارها عنصراً ضعيفاً وهدفاً ولقمة سائغة لأفواه كثيرة جائعة ومتعطشة ..!وأيضا في الكثير من المناطق والبقع الجغرافية ذات الطبيعة القاسية والتي يعتمد أهلها على على الغزو والقنص وحتى الرعي كانت تلك الأفكار سائدة في لاوعي القبيلة لأن الترحال والتنقل الدائم سيعرض صاحبه للأخطار والمفاجئات الغير سارة في كل لحظة وكل مكان على عكس الإستقرار الذي انتهجه الحضر المستقرون فالإستقرار يوفر الأمان نوعاً ما والبيئة الجغرافية والإجتماعية الصالحة لنشوء العلاقات السليمة والسوية وهو بدوره ما سيفرز وعياً جمعياً… فكرياً وثقافياً سيترجم لاحقاً في صدور تعاليم وأعراف وسلوكيات وأدبيات وحتى .. ديانات .. تعكس وجهة النظر الى المرأة ومكانتها في المجتمع بعد أن سادت فيه الثقافة الذكورية ( ولا أدل على ذلك من مكانة عشتار ربّة الخصب في ديانات الشرق الأوسط ) ..على عكس الطبيعة الصحراوية القاحلة القاسية وبيئتها المتردية المتنقلة والتي ستعكس نظرة دونية للمرأة ستتوج بالطريقة التي ستعامل بها المرأة لاحقاً في المجتمع البدوي الصحراوي وأدبياته وحتى دياناته ..وهنا لا بد لنا من التطرق الى نظرة الديانات للمرأة ومدى المكانة التي تتبوأها فيها سنلاحظ وبشكل مستفز أن تلك النظرة الدونية التي كانت سائدة في فترة ما قبل ظهور الديانات الصحراوية السماوية قد استمرت بين ثناياها ( على عكس ما يُشاع او يقال ) مع بعض التجميل والترقيع الرديء هنا وهناك ..!فالثقافة والديانة الإبراهيمية وهي أولى الديانات الرسمية ( اليهودية ) والتي نشأت في بيئة رعوية جبلية وصحراوية نوعاً ما قد ساهمت في تشكيل نظرة دونية الى المرأة بغض النظر عن موقعها ومكانتها ومساهماتها وحتى من قبل الدستور اليهودي المسمى ( التوراة ) والذي ما هو إلا امتداد للشتات اليهودي والسبي الذي تعرضوا له من قبل البابليين والأشوريين في فترات متلاحقة .. فنرى في عدة أيات وأسفار من كتابهم المقدس هذه النظرة الدونية والسلبية ومنها هذا النص :( فوَجدْتُ أنَّ المرأةَ أمَرُّ مِنَ الموتِ، لأنَّ قلبَها مَصيدةٌ وشَبكةٌ ويَداها قُيودٌ. الصَّالحُ أمام اللهِ ينجو مِنها،أمَّا الخاطئْ فيعلَقُ بها ) سفر الجامعة – الأصحاح \ 26( لكِنْ كما تغدُرُ المرأةُ الخائِنةُ بِزَوجها، كذلِكَ غَدَرْتُم بي يا بَيتَ إِسرائيلَ ) سفرأراميا – الأصحاح \20 .. وغيرها العديد …وأيضاً في الديانة المسيحية الوريثة الشرعية القسرية لليهودية ورغم ما حملته من تعاليم سمحة ومسالمة الى حد ما إلا أنها لم تتخلص من تلك العقدة والمسماة المرأة لأنها بالمحصلة امتداد للثقافة اليهودية الإبراهيمية الأم … فالديانة المسيحية كرّست مفهوم الإله الذكر الرجل بشخص المسيح وتلامذته ( كإنعكاس لإله الشمس الذكر في ثقافات أقدم ).. بتصرف .. وأنزلت المرأة الإله عن عرشها الذي كان سائداً في منطقة بلاد الرافدين بعد أن أعاد المرأة الى وكرها وجحرها …فنقرأ في العديد من الأيات والمقاطع من كتاب المسيحيين المقدس ( الإنجيل ) ما يُرينا حقيقة تبعية المرأة وخضوعها لمنطق القوة والذكورة .. ومنها هذا النص : ( فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. أما المرأة فهي مجد الرجل .. لهذا ينبغي أن يكون لها سلطان على رأسها ) كورنثوس الأولى الأصحاح 11\ 7 ..( أيتها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب؛ لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة ) الإنجيل – أفسس الأصحاح – 5 22\24 (لتصمت نساؤكم في الكنائس. إلا إنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمنَ، بل يخضعنَ كما يقول الناموس أيضاً. لكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن بالبيت .. ) كورنثوس الأولى الأصحاح 14\34 … وغيرها العديد أيضاً ..!!وأما الديانة الإسلامية والتي يُسوق لها مروجوها بأنها النور الذي أزاح ظلام البسيطة في كل أمور الحياة وتحديداً في قضية المرأة والذي خلصها من الوأد الجسدي الذي كان يمارس عليها من قبل العقلية البدوية الصحراوية لذكور الصحراء وأشاوسها ..هذا ما قد يبدو للوهلة الاولى ..؟ لكن هناك شيء ما وراء الأكمة .. كما يقال ..! ..إن نظرة فاحصة متأنية للمكانة الدونية التي إحتلتها المرأة في الديانة الإسلامية سيلاحظ بأن لا جديد تحت ضوء الشمس ..لا تستغرب هذا الحكم او النتيجة عزيزي القارىء .. صحيح أن الإسلام قد حررها وأنقذها من الوأد الجسدي لكنه بالمقابل قد أوقعها وأودعها رهينة في زنزانة أخرى وهو طريقها المحتوم الى ( الوأد النفسي ) بكل صراحة .!!فالمرأة في الأدبيات الإسلامية مازالت تعامل كسلعة ومتاع من الأمتعة التي يمتلكها الرجل فيبقيها او يطلقها متى يشاء وهذه النظرة بدورها هي أحد أسباب نشوء فكرة الحجاب عند المسلمين باعتبار المرأة شيء يمتلكه الرجل فبالتالي هي ملكية خاصة ويجب أن تغطى وتغلّف حتى لا تكون عرضة للسرقة والسبي والإنتهاك وهذه النقطة تحديداً هي امتداد لتلك الفكرة البدوية الصحراوية والنظرة التي كان ينظر بها الى المرأة قبل الإسلام ..نقرأ في بعض الأيات من كتاب ودستور المسلمين المقدس والمسمى ( القرأن ) ليتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الاسود ….ومنها هذه النصوص : ( زُين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ) آل عمران \14(..واللاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع … واضربوهنّ .. ) سورة النساء – آية \ 34 .. وغيرها الكثير ..!وبعد كل ما ذكرناه نرى بأن المرأة لم تتخلص من الوأد الجسدي الذي يمارس لمرة واحدة وينتهي .. لكنها بحكم السلوكيات والعادات والنظرة الدينية المريضة والدونية التي ينظر لها فهي تتعرض بذلك للوأد النفسي والقتل المعنوي مئات المرات خلال مسيرة حياتها ..؟قد يكون القتل لمرة واحدة جريمة بكل المقاييس لكن القتل الطويل والمستمر والممنهج والمكرر لهو بالمحصلة جريمة الجرائم وكارثة الكوارث بكل القواميس الإنسانية والحضارية ..إن نظرة واحدة على شريعة حقوق الإنسان سيعطينا فكرة واضحة على النظرة السليمة والصحية التي ينظر فيها الى المرأة فهي انسان وكيان مستقل كمثيله الرجل .. نقرا هذا النص : ( المادة 2 ) من الإعلان العالمي لحقوق الانسان :( لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود. )إن تلك النظرة التي توصلت إليها البلدان المتمدنة ما كانت إلا نتاج نضال طويل وشاق ومرير ولم يكن معبداً بل كان مليئاً بالمطبات والحفر لكن في النهاية تم الوصول إليها في الكثير من البلدان والأمم وخاصة بعد أن طبقت وانتهجت مبدأ العلمانية كأسلوب عمل وفكر ومنهج ومبدأ سياسي واجتماعي ( أي فصل الدين والذي يميز المرأة ويصمها بوصمة العار والدونية ).. عن الحياة العامة للدولة للمجتمع ..علينا الإستفادة من تجارب الأخرين قدر الإمكان للتخلص من الأمراض والآفات المجتمعية التي تعيق حركة التنمية البشرية والنمو الإقتصادي والإجتماعي في بلداننا ومناطقنا وأول درجة في سلم الصعود والإرتقاء هو تطبيق مبدأ .. العلمانية في دساتيرنا ومناهجنا لتنعكس على سلوكياتنا وتفكيرنا عندها سنكف عن وأد المرأة نفسياً واجتماعياً … وأدبياً لنعيد لها مكانة تليق بها وبنا ..بالمحصلة إن تحرير المرأة اجتماعياً وأخلاقياً ومعرفياً وثقافياً سينعكس على تحرير المجتمع ككل بكافة أفراده وأبناءه في مختلف نواحي الحياة وهو الإستثمار الرابح بكل المقاييس الإستراتيجية وحتى الإنسانية .. | |
|
الثلاثاء أبريل 11, 2017 9:14 pm من طرف محمد