لقد غدا من نافلة القول اليوم الحديث عن وجود صلة بين عصر الآباء وعصر الخروج من مصر. فهذه الصلة لا وجود لها إلا في خيال المحررين التوراتيين المسكونين بهاجس "الأصول" الذي نجده وراء تأليف الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب، عندما كان هؤلاء المحررون يعملون على التوليف بين مجموعة من الموروثات من أجل خلق ماض لإسرائيل التوراتية باعتبارها شعباً موحداً منذ البداية. فمن أين إذن جاءت جماعة الخروج التي انضمت إلى الجماعات التي كانت تستوطن المرتفعات الفلسطينية خلال عصر الحديد الأول (1200-1000 ق.م) حاملةً معها عبادة الإله يهوه؟ وهل كانت بالفعل جماعة متجانسةٌ إثنياً، أم أخلاطاً من جماعاتٍ شتّى؟
سيكون مفتاحنا للجواب على هذا السؤال، هو وصف محرر سفر الخروج لبني إسرائيل بالعبرانيين. (وصيغته في النص العبري للتوراة هي ع ب ر ي/ ع ب ر ي م)، ووصفه للإله يهوه في أكثر من موضع بأنه إله العبرانيين. فمن هم هؤلاء العبرانيون؟ وهل بإمكان هذه الصفة أن تجعل بينهم وبين جماعة معروفة لنا تاريخياً صلة ما؟
لقد لاحظ الباحثون منذ وقتٍ مبكر وجود صلة لغوية بين تسمية عبران/ عبرانيون وتسمية عابيرو التي نجدها في نصوص الشرق القديم تطلق على مجموعات تعيش خارج النظام الاجتماعي لدول المنطقة، وتسكن في معسكرات خاصة بها بعيداً عن المدى الكبرى تحت قياداتٍ عَرَضية وغير ثابتة. وفي معظم الأحيان لا يكون للسلطة السياسية المركزية سيطرة عليها لاسيما في الأوقات التي تسود فيها الاضطرابات وينعدم الأمن. وهذه المعسكرات التي تتخذ في بعض الأحيان شكل قرى مؤقتة، كان تُرفد على الدوام بأفراد جدد يلجأون إليها مع عائلاتهم لأسبابٍ متعددة. فمنهم فارٌ من العدالة، ومنهم هاربٌ من الدائنين، ومنهم من فقد بيته الذي رهنه لقاء قرض، ومنهم مسرحون من القطعات العسكرية أو فارون منها، ومنهم عاطلون عن العمل. وعلى الرغم من أن أفراد هذه الجماعات لم تكن تمارس دوراً محدداً في الحياة الاقتصادية، إلا أنهم في أوقات السلم كانوا يقدمون خدمات مؤقتة متنوعة لأهل المدن أو المناطق الزراعية. فكانوا يعملون في الحصاد أو قطاف المحاصيل، أو في النقل والحمل، أو في سياسة الخيل والبغال والحمير، أو في خدمة القوافل التجارية. وفي أوقات الاضطرابات المحلية والحروب كانت تخرج منهم عصاباتٌ تمارس السلب والنهب، أو تعمل كمرتزقة لدى الجيوش المتحاربة.
ويبدو أن هذه التسمية في اللغات السامية الغربية ترجع إلى الجذر "عَ فَ رْ" أو "عَ بَ رْ". وهو الغبار أو التراب في العبرية والسريانية والعربية. وفي العربية تحمل الكلمة معنى أوسع حيث تشير إلى وجه الأرض أو المناطق الخالية منها، وجمعها أعفار. ويقال عَفِرَ أي صار لونه كالعَفَرِ، فهو عِفِرٌ أو عِبِرٌ. وهذه الصفة تُنطق في بعض اللهجات السامية الغربية (= الكنعانية) "عَ بِ ر و" أو "ع ا ب ي ر و" كما هو الحال في رسائل تل العمارنة على ما سنرى بعد قليل. وربما كانت المهن التي يمارسها هؤلاء أو مناطق سكناهم السبب في هذه التسمية. فهم أهل العفر في مقابل أهل الحضر. ولربما هدفت التسمية إلى الإقلال من شأنهم باعتبارهم الفئة الأدنى في التركيب الطبقي للمجتمع.
ومما يدل على وقوع مساكن العابيرو خارج المناطق التي تُحكم عليها دول المنطقة سيطرتها، أن الملك إدريمي ملك حلبا (= حلب) وآلالاخ (مطلع القرن الخامس عشر ق.م) عندما هرب من وجه أخيه الأكبر الذي نازعه على العرس، التجأ إلى مناطق العابيرو حيث أقام لمدة سبع سنوات(1). ونفهم من نصوص أوغاريت العائدة للقرن الرابع عشر قبل الميلاد، أن مناطق إقامة العابيرو كانت على الحدود الفاصلة بين مملكة أوغاريت ومملكة الحثيين، حيث لا سلطة لإحدى المملكتين عليهم، ولذلك فقد كان العبيد الفارون من أسيادهم يجدون الحماية والملاذ الآمن هناك(2).
مثل هذه الفئة الاجتماعية كانت معروفة في ثقافة بلاد الرافدين. فالنصوص السومرية تشير إليها بالرمز المسماري السومري Sa.Gas الذي لسنا متأكدين بعد من كيفية نطقه، أما النصوص السامية الأكادية فتشير إليها بكلمة خابيرو، أي بقلب حرف العين في الكلمة الكنعانية عابيرو إلى خاء، نظراً لعدم وجود حرف العين في اللغة الأكادية. ولدينا من الدلائل النصية ما يؤكد أن كلمة "خابيرو" الأكادية هي ترجمة سامية للتعبير السومري Sa.Gas الذي يدل أحياناً على أيدي عاملة مأجورة تعمل في الحصاد، وفي أحيانٍ أخرى على جماعات تمتهن اللصوصية. وفي نص من عصر شولجي الملك الثاني في أسرة أور الثالثة (أواخر القرن 21 ق.م)، يوصف هؤلاء بأنهم جماعة لا يمكن الوثوق بها، رجالها يذهبون أنّى شاءوا ونساؤها تمضي الوقت في الغزل، ينصبون خيامهم في أي مكان ولا يخضعون لسلطة الملك شولجي. وفي شريعة لبت عشتار، وهي من الشرائع الرافدينية السابقة على شريعة حمورابي، هنالك فقرة تتعامل مع أعمال التهريب والقرصنة الملاحية التي يقوم بها هؤلاء. ومن رسائل مدينة ماري على الفرات الأوسط، نعرف عن وجود فريقين من الخابيرو، يدعى الفريق الأول بنو يامينا أي أبناء اليمين (الجنوب في اللهجات الغربية السامية)، والآخر بنو سمأل، أي أبناء الشمال. ونلاحظ هنا وجود صلة لغوية بين اسم بنو يامينا واسم السبط الثاني عشر من أسباط بني إسرائيل بن يامين. ونستدل من بعض الوثائق الحثية على وجود فريق مستأجر من الخابيرو في صفوف الجيش يقوم بمهام النقل والحمل وما إلى ذلك من أعمال لوجستية(3).
ويظهر العابيرو السوريون في الوثائق المصرية منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد. ففي نص للفرعون أمنحوتب الثاني (1436-1410 ق.م) يصف عودته مظفراً من حملته على سورية، نقرأ ما يلي: "عاد جلالته إلى ممفيس وقد شفى غليله من بلاد الأعداء التي داسها بنعليه. ويقد جاء منها بالغنائم التالية: 127 من أمراء ريتينو (= سورية). ومن الذين ظاهروهم جاء بـ 179 من العابيرو، 3600 من الشاسو (= البدو)، و15200 من الخارو (= الحوريين)، و36000 من النيجيين ( مملكة نوخاشي الواقعة بين حماة وحلب)... وجاء معه بمواشيهم وفضتهم وذهبهم وأسلحتهم.. الخ."(4) ومن الواضح هنا أن العابيرو وبدو الشاسو كانوا يعملون كمرتزقة إلى جانب ملوك الدويلات السورية الذين كانوا يشكلون أحلافاً مؤقتة لصد المطامع المصرية.
في أواسط القرن الرابع عشر إبان فترة حكم الملك أمنحوتب الرابع (= أخناتون)، دَخَلَتْ بلاد الشام في فترة من الاضطرابات بسبب تراخي قبضة مصر عن مناطق نفوذها في سورية، وانشغال الفرعون الثائر بإصلاحه الديني والمعارضة الداخلية عن هموم الإمبراطورية. فانقطع حبل الأمن، وتعطلت طرق التجارة، ودخل ملوك الدويلات في الجنوب السوري وفلسطين والساحل الكنعاني في حروب ومنازعات لا نهاية لها، وقام الحثيون الذين يسيطرون على مناطق بلاد الشام الشمالية بإذكاء نار هذه الفتن وتوسيع مناطق نفوذهم على حساب مصر. وقد أفادت جماعات العابيرو من هذه الأوضاع وشكلت فرقاً عسكرية مرتزقة تؤجر خدماتها لهذا الطرف أو ذاك. وتعطينا الرسائل المتبادلة بين ملوك الدويلات السورية والبلاط المصري، والتي عثر عليها في موقع تل العمارنة (= أخِت-آتون، العاصمة الجديدة لأخناتون بمصر السفلى) ضمن الأرشيف الملكي، صورةً واضحةً عن تلك الفترة. وتظهر في هذه المراسلات شخصية رئيسية محركة للأحداث هي شخصية ملك آمورو (= سيميرا على الساحل حول منطقة طرطوس الحالية) المدعو عازيرو ابن عبدي عشيرته، الذي ارتبط بمعاهدة تبعيةٍ مع الملك الحثي ووضع نفسه في خدمة مخططاته. وسنقدم فيما يلي نماذج معبرة عن هذه المراسلات التي جرت بالأكادية لغة الديبلوماسية خلال ذلك العصر.
يقول الأمير شوارداتا حاكم مدينة حبرون (= الخليل) في رسالته ما يلي:
"إلى مولاي الملك الشمس. هكذا يقول شوارداتا خادمك والتراب الذي تحت قدميك: عند قدمي الملك أسجد سبع مرات وسبعاً أُخَر منبطحاً بلا حراك. ليعلم مولاي أن زعيم العابيرو قد هاجم الأراضي التي أعطانيها إله مولاي الملك، ولكني تمكنت من صده. وليعلم مولاي أن كل زملائي (من حكام المدن) قد تخلّوا عني، ولم يقف معي في مواجهة العابيرو إلا عبدي هيبة (حاكم أورشليم). لقد هبّ لمساعدتي أولاً زوراتا أمير عكا، وأندراواتا أمير أكشف، بخمسين عربة بعد أن تعرضت لغارات العابيرو، ولكنهم انقلبوا ضدي بعد ذلك... أتمنى على مولاي الملك أن يوعز للقائد ينهامو بالوقوف إلى جانبي لنشن حملةً تسترجع أراضي الملك إلى حدودها السابقة."
ولدينا ست رسائل من حاكم أورشليم المدعو عبدي (أو عبدو) هيبة، يقول في إحداها: "إلى الملك مولاي. هكذا يقول عبدي هيبة خادمك: عند قدم الملك مولاي أسجد سبع مرات، وسبعاً أخرَ. أنظر على ما فعله ملكيلو وشوارداتا بأراضي مولاي الملك. لقد دفعا بقوات من جازر ومن جت ومن كيلا واستولوا على أراضي روبوتو، وصارت أملاك مولاي بيد العابيرو.. كما أن بلدة بيت [...] الواقعة في أراضي أورشليم قد أُعطيت إلى كيلا. فليصغِ مليكي إلى خادمه ويرسل قوات تعيد الأراضي المسلوبة إلى مولاي الملك وإذا لم تنجدني قواتكم فإن أملاك مولاي الملك هنا ستصير كلها تحت سيطرة العابيرو." (5)
ولدينا رسالتان تعودان بتاريخهما إلى وقت قريب من عصر العمارنة، وربما بعده بقليل، موجهتان من فرعون مصري لا يساعدنا سوء الحالة التي وصلتانا بها على تبين اسمه، تم العثور عليهما بين عدد من الرقم المسمارية التي اكتشفت بموقع كامد اللوز بمنطقة البقاع الجنوبي اللبنانية، تلقيان ضوءاً على إحدى الطرق التي تعامل بها البلاط المصري مع مشكلة العابيرو في سورية. الرسالة الأولى موجهة إلى ملك دمشق المدعو زلايا، يطلب منه فيها إرسال دفعة من جماعات العابيرو لإسكانها في منطقة النوبة الجنوبية، وهذا هو الجزء الذي يعنينا من المقطع الواضح فيها: ".. ثم إني أطلب منك أن ترسل لي العابيرو الذين كتبتُ لك بشأنهم، لأني سوف أُسكنهم في كوشا ليحلوا محل أولئك الذين قمنا بتهجيرهم منها." أما الرسالة الثانية فموجهة إلى حاكم مدينة سورية أخرى يُدعى عبدي ملكي، وتتضمن أيضاً الأمر بإرسال مجموعة من العابيرو إلى مصر، ولكن حالة الرقيم لا تسمح لنا أن نفهم من الرسالة أكثر من ذلك.(6) إن ما نفهمه من مضمون هاتين الرسالتين هو أن الفرعون كان يحاول ترتيب أوضاع النوبة (= كوشا) بعد تمرد حصل فيها، وانجلى في النهاية عن إجلاء ونفي عددٍ كبيرٍ من السكان المتورطين في هذا التمرد أدى إلى إفراغ قرى كثيرة من أهلها. وهذا الإجراء الذي اتخذه الفرعون كان ذا هدفٍ مزدوج، فهو يساعد الفرعون على حل مشكلة الفراغ السكاني في منطقة ذات أهمية اقتصادية لمصر، كما يساعده على التخلص من شغب بعض جماعات العابيرو السوريين عن طريق إعطائهم مناطق يستقرون فيها، حيث يكونون تحت رقابة السلطات المصرية، وتجري الإفادة من مهاراتهم المتنوعة المهدورة في الارتزاق العسكري.
على أن عودة الاستقرار إلى المنطقة السورية مع انقضاء عصر أخناتون وصعود الأسرة التاسعة عشر في مصر، قد قللت إلى حد كبير من دور العابيرو على المسرح السياسي والعسكري، ولكن جماعاتٍ منهم بقت مصدر إزعاج للسلطات المحلية والمصرية. فبعد انقضاء نصف قرن على مراسلات تل العمارنة، يطالعنا نص مصري بخبر عن اضطرابات محلية محدود مصدرها جماعات من العابيرو. فقد ورد في نصب تذكاري أقامه الفرعون مرنفتاح في بيت شان يصف فيه حملته على فلسطين نحو عام 1300 ق.م. ما يلي: "في ذلك اليوم جاء من أخبر جلالته بأن العابيرو في جبل يارموتو قد شنوا هجوماً على جماعة، هم..."(7) يلي ذلك قيام الفرعون بحملةٍ تأديبيةٍ ضدهم، وأسره عدد منهم.
بعد ذلك تأتينا شواهد من عصر رمسيس الثاني على أن جماعات من العابيرو قد رحلت إلى مصر من أجل العمل المأجور في مشاريع بمنطقة الدلتا حيث قام ذلك الفرعون ببناء عاصمة جديدة له تحمل اسم بي-رمسيس. ففي تعليمات موجهة من الفرعون إلى إدارة العمال نقرأ ما يلي: "أعطوا جراية القمح للـ "ع ب ر" الذين يعملون في نقل الحجارة من أجل تشييد البوابة الكبيرة لرمسيس مياموم."(8) وقد جمع الباحث الفرنسي المعروف جان بوتيرو عدداً من الشواهد الأخرى الدالة على وجود أيدي عاملة من العابيرو في مصر خلال فترة حكم رمسيس الثاني ورمسيس الثالث.(9)
من هذه النصوص المصرية نعرف أن العابيرو قد تواجدوا في مصر لأكثر من سبب؛ فقد كانوا يعطون مناطق خالية تحتاج من يعمل بها ويستثمرها مثلما أعطى يوسف للأسباط أراضٍ في منطقة جاسان حيث أثمروا وتكاثروا (التكوين 47: 27)، وفي عصر رمسيس الثاني جاءت جماعاتٌ منهم من أجل العمل المأجور حيث كانوا يقومون بنقل الحجارة من المقالع إلى مواقع البناء. وعملهم هذا شبيه بعمل العبرانيين الذين ساهموا في بناء مدينتي رمسيس ومخازن فيثوم (الخروج 1: 11) عندما كانوا يصنعون لبنات الطوب (الخروج 5: 6-18). فهل كان العبرانيون جماعةً من العابيرو جاءت إلى مصر من أجل التكسب عندما كانت مشاريع الفرعون رمسيس الثاني الضخمة بحاجة إلى يد عاملة أجنبية؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن لغز العبرانيين التوراتيين: أصلهم، وتكوينهم الإثني والطبقي، وسبب تواجدهم في مصر، ينتهي إلى حل منطقي.
لقد كنتُ في الماضي أميل إلى نفي وجود صلة بين العابيرو والعبرانيين (راجع مؤلَّفي: آرام دمشق وإسرائيل، ص 83)، وذلك انطلاقاً من النظر إلى ملحمة الخروج باعتبارها أخيولة أدبية ابتكرها المحررون التوراتيون المتأخرون في سياق بحثهم عن أصول إسرائيل واختلاق ماضٍ متخيلٍ لها. ولكني أقف الآن إلى جانب الرأي القائل بوجود بذرة تاريخية وراء قصة الخروج على الرغم من طابعها الملحمي، شأنها في ذلك شأن الحروب الطروادية في ملحمة هوميروس. ولعلنا قادرون على إعادة بناء الأحداث التاريخية الكامنة وراء التهويلات والمبالغات الملحمية على الشكل التالي:
بعد حملة الفرعون سيتي الأول على فلسطين وسورية الجنوبية نحو عام 1300 ق.م، وهي الحملة التي أعادت ترتيب أوضاع المنطقة وأشاعت الاستقرار فيها لمدة طويلةٍ من الزمن، وجدت جماعات العابيرو نفسها في ضائقة اقتصادية. فلقد سُدت في وجهها أبواب الارتزاق العسكري، مثلما سُدت أيضاً أبواب التكسب بالعمل اليدوي بسبب الكارثة المناخية التي حلت في شرقي المتوسط منذ أواسط عصر البرونز الأخير، والتي أدّت إلى إفراغ المناطق الزراعية الحساسة للجفاف (مثل المرتفعات الفلسطينية والمناطق الواقعة على أطراف البوادي) من سكانها الذين تحولوا إلى الرعي المتنقل. ولكن فرص العمل انفتحت أمام هؤلاء العابيرو عندما شرع الفرعون رمسيس الثاني (الذي خَلَفَ أباه سيتي الأول) بمشاريعه العملاقة، ورحلت جماعاتٌ منهم إلى منطقة الدلتا (= جاسان التوراتية) حيث أقامت في القرى المؤقتة التي أُحدثت لسكن العمال وعائلاتهم. وهذا هو أصل القصة التي جاءت بأخوة يوسف إلى مصر عندما "كان جوعٌ في جميع البلدان، وأما مصر فكان فيها خبز." (التكوين 41: 54). وعندما انتهت مشاريع رمسيس الثاني، قامت السلطات المصرية بالترحيل الإجباري لجميع العاملين فيها، تحسباً لوقوع مشاكل اجتماعية ناجمة عن وجود شرائح اجتماعية غريبة عاطلة عن العمل. وقد كان على أولئك العابيرو، الذين فقدوا بعد عدة عقود من العمل اليدوي الشاق كل مهارة أخرى عُرفوا بها، البحث عن استراتيجيات جديدة لتحصيل المعاش، فخرجوا تحت قيادة موسى نحو المجهول.