يستخدم المناهضون لفكرة التطور اختراع الإنسان للساعة، فقد كتب اللاهوتي ويليام بيلي في 1802 أنه إذا وجد أحدٌ ساعة جيب مرمية في حقل، فإن الاستنتاج المنطقي هو أن شخصا ما لا بد أنه صنع تلك الساعة، وليس القوى الطبيعية هي التي أوجدتها هناك. و بنفس المنطق قال بيلي فإن الأشكال المعقدة مثل الكائنات الحية هي مؤشر على أنها من صنع كائن إلهي متدبر. قال مناهضو التطور كيف يمكن أن نصدق أننا لو وضعنا كل مكونات الساعة من عقارب و تروس ورقاص و زنبركات، الخ في صندوق ثم لو قمنا بخض الصندوق لآلاف أو ملايين السنين فإنه من الممكن و لو لمرة واحدة أن تتجمع كل هذه القطع مع بعضها البعض لتكون ساعة!! و اتهموا التطوريين بأن هذا هو ما يقولونه بالضبط بالنسبة للكائنات الحية.
و يأتي رد التطوريون التقليدي على النحو التالي؛
مع أن الساعة قد تتشابه مع الكائن الحي في أن كليهما أجهزة معقدة إلا أن الساعة تختلف عن أي كائن حي في خواص كثيرة مما يجعل التشابه غير مكتمل فالساعة لا تتوالد و لا تنقسم وليس لديها جينات تتعرض لطفرات تؤدي إلى ظهور ساعات جديدة و لا يوجد هناك عملية انتخاب تقع على هذه الساعات الجديدة فيتم تكرار بعضها و اختفاء بعضها الآخر إلى الأبد.
في هذا المقال سوف أنحو منحاً مختلفاً في الدفاع عن حقيقة التطور يختلف عن المنحى التقليدي للتطوريين و سوف أستخدم مثال الساعة للتدليل على أن التطور، تحت تأثير قوى انتخاب خاصة، قد حدث فعلاً للساعة الأمر الذي أعتقد بأنه سوف يلغي إلى الأبد فكرة استخدام الساعة لدحض حقيقة التطور.
من المفارقات الجميلة حقيقة هو أن الساعة التي تستخدم من قبل مناهضي فكرة التطور بالانتخاب الطبيعي هي في الواقع تثبت أن التطور يحدث و يؤدي إلى ظهور تكوينات أو أنواع جديدة باستمرار دون أن نفرض وجود كائن ذكي يعتبر مسئولا عن تشكيل هذه الأنواع و إليكم الشرح؛
1- مع أننا نقول بأن الإنسان هو من خلق الساعة إلا أنه في الواقع لم يحدث عبر التاريخ أنه عندما فكر إنسان في قياس الوقت أنه جلس و وضع مخططاً كاملاً لساعة ميكانيكية دقيقة كالتي نراها اليوم.
2- الذي حدث هو أن جهاز قياس الوقت مر بمراحل كثيرة استغرقت المئات من السنين. فقد بدأ بمراقبة الشمس و القمر و النجوم ثم تطور إلى اختراع أجهزة بسيطة مثل الساعات الشمسية و الرملية و المائية و من ثم تعقدت قليلاً فأضيفت الأوزان المعلقة التي تسقط ببطء ثم دخلت التروس لنقل الحركة و الرقاص لضبط الوقت و اللولبي لملء الساعة و هكذا كانت تتم الإضافات و تتطور بالتدريج.
3- لاحظ أنه طوال تلك الفترة كانت تحدث طفرات و تغييرات و كان يحدث انتخاب لتلك التغييرات على مستويين الأمر الذي انتهى إلى جهاز قياس الوقت الحديث أي الساعة دون أن يكون هناك شخص واحد مدبر مسئول عن تكوين هذه الساعة. و الآن، ما هما المستويان اللذان كان يحدث فيهما الانتخاب؟
(أ) مستوى الفرد الذي يقوم بصنع جهاز قياس الوقت. عقل هذا الفرد يولد باستمرار أفكار جديدة (طفرات) لتطوير الجهاز(أكثر دقة، أكثر جمالاً، اصغر حجماً، الخ) و العقل، طبقاً لمعايير تبناها، ينتقي ما يعتبره مناسباً و يرفض ما هو ليس مناسباً تبعاً لتلك المعايير.
(ب) مستوى السوق الذي يُعرض فيه المنتج للبيع حيث تزيد مبيعات الأجهزة الأكثر دقة و الأسهل في الحمل و الأجمل، الخ الأمر الذي يؤدي إلى رواج أنواع معينة و اختفاء أنواع أخرى.
مع مرور الوقت أدت هذه الآلية إلى خلق الساعة الحديثة دون أن يتولى إنسان بعينه التفكير في اختراعها مبتدءا من الصفر.
و في الواقع أن الكثير من المنتجات التكنولوجية الحديثة مرت بمراحل مشابهة قبل أن تصل إلى الشكل الذي نراه عليها الآن مثل السيارة و الثياب و البندقية و القلم و المصباح و الكثير الكثير من الأدوات و المواد الأخرى.
إذاً اختراع الساعة حجة على من يؤمنون بالخلق الذكي و ليس حجة لهم. بهذه المقالة القصيرة أرجو أن أكون قد أغلقت إلى الأبد موضوع استغلال هذا المثل الرديء كحجة ضد حقيقة التطور بالانتخاب الطبيعي.