عبد العزيز بن صقر: روسيا تدعم الأسد تكتيكيّاً
إعتبر
رئيس مركز الخليج للأبحاث الدكتور عبد العزيز بن صقر «أنّ روسيا تعلم
يقيناً أنّها لن تتمكّن من إنقاذ النظام السوري مهما فعلت أمام ثورة
الشعب»، وأكّد «أنّ الموقف الروسي في مجلس الأمن قد أفقد روسيا تعاطف
المواطن العربي وغالبيّة الحكومات العربية»، مشيراً إلى «أنّ هذا الغضب
سيترجم عاجلاً أم آجلا ويترتّب عليه فقدان روسيا جزءاً من مصالحها
السياسيّة والتجارية في العالم العربي، وبالتحديد في منطقة الخليج
العربي». وهنا نصّ الحوار:•
إستخدمت روسيا والصين حقّ النقض الفيتو للمرّة الثانية في مجلس الأمن في
غضون بضعة أشهر في مواجهة مشروع قرار متعلق بالأزمة السوريّة تدعمه
الجامعة العربية، فهل يشير ذلك إلى تمسّك روسيّ حتى النهاية بالنظام
السوري؟ أم أنّ هناك عوامل قد تؤدّي إلى تغيير الموقف الروسي؟
ـ إنّ استخدام روسيا حقّ النقض (الفيتو) في شهر أكتوبر الماضي، ثمّ معاودة
استخدامه لاحقاً لا يعكس بالضرورة تشبّث روسيا بالنظام السوري، لكن هناك
عوامل أخرى أثّرت على الموقف الروسي ودفعت الى استخدام الفيتو، ومنها
الحسابات الإقليمية والدولية. فالقيادة الروسية تعلّمت درساً من الأزمة
الليبية، حين دعمت قرار مجلس الأمن القاضي بحقّ التدخّل العسكري الخارجي
(لحماية السكّان المدنيّين) ولكن تمّ استخدام القرار لإسقاط النظام
الليبي، ولم تتمكّن روسيا من لعب أيّ دور في مجريات الأحداث بعد صدور
القرار، واتّهمت الدول الغربية باستغلال هذا القرار لتحقيق أهداف لم ينصّ
عليها. لذا فإنّ روسيا أصبحت حذرة في دعم قرارات مجلس الأمن عموماً،
وتفضّل الحلول الدبلوماسية على اللجوء إلى تخويل أمميّ وبمشاركة فعّالة من
جانبها. فقد تمّ "تهميش" روسيا في إدارة الأزمة الليبية.
• شاركتم في مؤتمرميونخ المتعلّق بالأمن والتَقيتم على هامش المؤتمر وزير
الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف، ما هي الانطباعات التي خرجتم بها في شأن
أداء موسكو خلال الأسابيع المقبلة؟
ـ حسب تصريحات وزير الخارجيّة الروسي فإنّ موسكو "تدعم مطالب الشعب السوري
في التغيير"، و تدعم مبادرة الجامعة العربية، ولكن بناءً على ثلاثة مفاهيم
محدّدة، وهي: وجوب وقف العنف، عدم التدخّل الخارجي، حلّ الأزمة عبر الحوار
وبلا شروط مسبقة. كذلك لم تستحسن روسيا انسحاب بعض الدول العربية من لجنة
المراقبين. وأكّد لافروف أنّ مسوّدة القرار الفرنسي تحتوي على ثلاث مشاكل
هي: الطلب من روسيا المشاركة في العقوبات ضدّ سوريا من دون استشارة روسيا
مُسبقا، كما أنّ صيغة المسوّدة تركت الباب مفتوحاً للتدخّل العسكري، وأيضا
تدين النظام السوري إدانة قاسية، وطلبت من الحكومة السوريّة أن تتّخذ
خطوات محدّدة، بينما طالبت الجماعات المسلّحة بوقف العنف فقط، وطالبت
القوّات السوريّة بالانسحاب إلى ثُكنها ولم تطالب الجماعات المسلّحة بشيء،
وطالبت بعقد الحوار الوطني بناءً على شروط مبادرة الجامعة العربيّة والتي
أعطت جدولاً زمنيّا لانتقال السلطة. لذا فإنّ الوزير الروسي وصف مسوّدة
القرار بأنّها غير منطقيّة لكونها تطالب مجلس الأمن بدعم جانب واحد من
النزاع. في حين أنّ ميثاق الأمم المتّحدة ــ حسب التفسير الروسي ــ لا
يسمح بالتدخّل في الشؤون الداخليّة لأيّ دولة، في اعتبار أنّ مهمّة الأمم
المتّحدة قاصرة عن دعم الأمن والسلم العالميّين. ورفض وزير الخارجيّة
الروسي المقارنة بين المبادرة الخليجيّة التي تعاملت مع الأزمة اليمنيّة،
والطلب من مجلس الأمن دعم المبادرة العربية في شأن سوريا، كون التعامل مع
القضية اليمنية تمّ من خارج مجلس الأمن، لكن في حالة سوريا هناك مساعٍ
للزجّ بمجلس الأمن في حلّ القضيّة.
مصالح روسيا في سوريا
• ما هي أبرز المصالح التي تخشى روسيا خسارتها في حال سقوط نظام الرئيس
بشّار الأسد؟ وأيّ أهمّية تمثّلها سوريا بالنسبة إلى روسيا اقتصاديّاً،
عسكريّاً، أمنيّاً واستراتيجيّا؟
ـ روسيا تعلم يقينا أنّها لن تتمكّن من إنقاذ النظام السوري مهما فعلت
أمام ثورة الشعب السوري، أمّا عن مصالحها في سوريا فهي ليست كبيرة. سوريا
لا تشتري أسلحة كثيرة لعدم قدرتها على دفع الكلفة، كما أنّ الاستثمارات
الروسيّة في سوريا محدودة، والتسهيلات للبحريّة الروسية في ميناء طرطوس
تعود إلى سبعينات القرن الماضي ولا تُعدّ مهمّة جدّاً للبحرية الروسية
التي انخفض حجمها إلى ربع ما كانت عليه، وفي اعتقادي أنّ روسيا وجدت
أميركا والدول الغربية تسعى إلى عزلها والاستهانة بها، خصوصا في منطقة
الشرق الأوسط، ومن ثمّ تحاول موسكو إثبات دورها وإظهار إمكاناتها للحدّ من
النفوذ الغربي (دول حلف الناتو) ولعدم تكرار سيناريو ليبيا. ثمّ هناك
احتمال، في اعتقاد روسيا، أنّ النظام السوري لا زال قابلاً للبقاء، ولا
ترغب في إضعافه أكثر بقرارات التدخّل الخارجي الدولي.
• في المقابل ألا تخشى روسيا من تضرُّر مصالحها مع دول الخليج وعلى رأسها
السعودية، في حال تصاعدت حدّة الأزمة السوريّة والاحتقان الإقليمي؟
ـ من دون شكّ أنّ الموقف الروسي في مجلس الأمن قد أفقد روسيا تعاطف
المواطن العربي وغالبية الحكومات العربية، وهذا الغضب سيترجم عاجلاً أم
آجلاً ويترتّب عليه فقدان روسيا جزءاً من مصالحها السياسية والتجارية في
العالم العربي وبالتحديد في منطقة الخليج العربي، ولكنّ البعض يراهن على
أنّ الموقف الروسي هو موقف تكتيكيّ قابل للتغيّر إمّا استجابةً لتغيّرات
جذريّة على الأرض داخل سوريا، أو نتيجةً لتأثير الضغوط الإقليميّة
والدولية، ممّا يجعل التشبُّث بموقفها مُكلفاً جداً سياسياً واقتصادياً.
الديبلوماسية الخليجيّة
• هل تعتبرون أنّ هناك نقصاً في الدبلوماسية الخليجيّة وعدم إيلاء العامل
الروسي الأهمّية الفعليّة؟ أم أنّ المرحلة المقبلة قد تشهد مفاوضات جادّة
وعملانيّة بهدف تليين السياسات الروسيّة تجاه سوريا؟
ـ الدبلوماسية الخليجية حاولت التحدّث مع جميع الأطراف قبل عرض القرار على
مجلس الأمن. وقد تمّ الاتّصال بروسيا والصين لمنع تكرار استخدام الفيتو
كما حدث في شهر أكتوبر المنصرم. ولكنّ الموقف الروسي اعتَقد أنّ المواجهة
الحقيقية بين روسيا والدول الغربية (أميركا، بريطانيا، فرنسا)، ولم يمنح
اهتماما كبيراً لمطالب الدول الخليجية. الآن وبعد استخدام الفيتو يستوجب
على الدول الخليجية الإيعاز لروسيا بعدم التعامل مع القضيّة السوريّة ليس
من منظار "صراع دولي"، بل كونها مجرّد أزمة شعب يطالب بحقوقه الإنسانية.
• البعض يعتبر أنّ هدف واشنطن الفعلي في الدعوة إلى التصويت على مشروع
القرار الأخير قبل زيارة وزير الخارجيّة الروسي إلى دمشق يهدف أساساً إلى
إحراج روسيا وتصويرها على أنّها معرقل للإجماع العربي - الغربي؟ فهل
تعتبرون أنّ واشنطن ليست مستعجلة في حسم الأزمة السوريّة، بل تستخدم هذه
الأزمة لتحقيق مصالحها على صعيد الصراع المتعدّد الأبعاد والوجوه مع روسيا؟
ـ حسابات أميركا هي حسابات خاصة لا تعنينا، ومفهوم الصراع الأميركي -
الروسي قضيّة لا تعني الشعب السوري ولا تعني دول الخليج، نحن كعرب شعرنا
بوجود حاجة ماسّة لتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن في أسرع وقت ممكن،
لوقف حمّام الدم ووضع حدّ لعدد الضحايا المتصاعد. القضيّة ليست أميركيّة
بالضرورة، بل هي أمر عربيّ بعدما شعرت الجامعة العربية بانتهاء دورها،
وانتشار حالة اليأس من عدم استجابة النظام السوري لمطالب الجامعة ودورها
في حلّ الأزمة.
• ما هي الخيارات المُتاحة أمام دول الخليج للتعاطي مع تصاعد العنف في
سوريا؟ وإلى أيّ حدّ قد تصل دول الخليج في دعمها للجيش السوري الحر
والمجلس الوطني؟
ـ لا توجد خيارات غير الخيارات الدبلوماسية على الصعيد العربي أو الصعيد
الدولي. لا توجد نيّات خلال هذه المرحلة لتوفير الدعم اللوجستي أو تزويد
الجيش السوري الحر بالسلاح، ولكنّ استمرار فشل الحلول الدبلوماسية سيقود
إلى تفاقم الحرب الأهليّة في سوريا، وإنْ حدث هذا الأمر فقد يدفع الدول
الخليجيّة والعربية إلى التدخّل، لكنّ دول الخليج مازالت تؤمن بعامل
الشرعية الدولية، لذا فإنّ الجهود لإيجاد حلول دبلوماسية بضمانات دوليّة
ستستمرّ خلال الأيّام المقبلة.
• كيف تقوّم الموقف التركي حاليّاً، لماذا تراجعت أنقرة عن مواقف أردوغان
التصعيدية تجاه النظام السوري؟ وما هي المصالح والأهداف التي تحرّك
سياساتها تجاه الأزمة السوريّة حاليّاً؟
ـ الموقف التركي كان مُنصفا في دعم ثورة الشعب السوري منذ الأيّام الأولى،
فلتُركيا مصلحة في استقرار سوريا كونها دولة جوار، كما أنّ تركيا تبنّت
موقفا مشابها خلال الثورة المصرية والثورة الليبية، لذا فإنّ موقفها من
الثورة السورية لا يختلف كثيرا عن مواقفها من الثورات الأخرى التي شهدها
العالم العربي أخيرا. الموقف التركي نابع من إيمان عميق بأنّ النظام
السوريّ غير قابل للبقاء، ولا توجد حكمة في دعم نظام يرفضه الشعب، وخصوصا
في تركيا الجديدة التي تبنّت النظام الديموقراطي بكلّ أبعاده.
• إلى أيّ مدى تؤثّر مسألة حقول الغاز الكبيرة المكتشفة حديثاً في المتوسط
على حسابات القوى الدولية وعلى رأسها روسيا في تطوّرات الأزمة السوريّة؟
ـ هذه القضيّة، في تصوُّري، لا تشكّل محوراً أساسيّا في هذه الأزمة.
فاكتشافات حقول الغاز في منطقة البحر المتوسط لازالت في بدايتها، ولا توجد
معلومات موثّقة عن حجم مخزونات الغاز المتوافرة للاستغلال التجاري. وهذا
أمر سيستغرق وقتاً طويلا يتجاوز عمر الثورة السوريّة.
• إلى أيّ مدى قد تذهب موسكو في دعمها للنظام السوري، هل ممكن أن تغطّي
كلفة الحسم العسكري والمتوقّع أن تكون باهظة لناحية الضحايا والخسائر؟
ـ الموقف الروسي، في اعتقادي، لم يعد موقفاً عقائدياً كما كان خلال فترة
الاتّحاد السوفياتي، هو موقف تحكمه المصالح السياسية والاقتصادية، لذا
فإنّه موقف قابل للتغيّر. روسيا لن تتمكّن من التشبُّث بموقفها الداعم
تكتيكيّا للنظام على المدى البعيد، وخصوصا مع تصاعد حدّة الثورة السوريّة
وانتشارها في عموم البلاد، كما يجب التذكير بأنّ روسيا لا تمتلك حلفاء في
العالم العربي، والنظام السوري هو ربّما آخر حليف مُتبقٍّ لها. ولكن إن
شعرت روسيا، من خلال حسابات الربح والخسارة، أنّ موقفها سيكلّفها كثيرا
على المستوى الإقليمي والدولي فإنّها ستجد مخرجاً يسمح لها بالانسحاب مع
الحفاظ على ماء الوجه. السؤال ما هو الثمن الذي سيرضي روسيا لتغيّر
موقفها؟.
السيناريوهات المتوقّعة
• ما هي برأيكم سيناريوهات الأسابيع والأشهر المقبلة داخل سوريا، وهل من الممكن أن تمتدّ النار إلى خارج الحدود السوريّة؟
ـ تطوّر حرب أهليّة واسعة لا يمكن استبعاده من الحسابات، والعامل الحاسم
سيكون في تمرّد وحدات عسكرية فعّالة كبيرة وقرارها في الانضمام إلى
الثورة. هذا الأمر لم يحدث إلى اليوم، ولكن لا يجب استبعاده تماماً. وهذا
يعني قتالاً بين قوّات النظام وقوّات الشعب قد يعقّد الموقف كثيراً،
وامتداد الشرارة إلى لبنان أمر محتمل، كون الوضع في لبنان يقوم على
توازنات دقيقة، وخصوصاً لجهة موضع حزب الله في المعادلة اللبنانية
والإقليمية، النظام السوري لن يتنازل عن السلطة طوعيّا، بغَضّ النظر عن
عدد الضحايا. لذا فإنّ الحلّ الدبلوماسي ضمن الإطار السياسي السوري قد لا
يكون أمراً محتملاً، وهنا تبرز أهمّية الدور الخارجي في الضغط على النظام
وإسقاطه بعمليّات الضغط المزدوج داخليّا وخارجيّا كما حدث في الثورة
الليبية.