طريقتان للتعامل مع الفلاسفة ونصوصهم: طريقة تدفعنا لأن نفكر مع الفلاسفة وضدهم وبرفقتهم، “نشتغل على” نصوصهم، و“ننشغل بـ”ها، و طريقة أخرى نقتصر فيها على “الاشتغال بـ”النصوص، وتوظيفها، بل والاستناد عليها.
في الطريقة الأولى يكون الفلاسفة عظاما لا بما يعرفونه، بل بما لا يعرفون.
أما في الطريقة الثانية فهم فلاسفة بما هم أساتذة يفتحون لنا أبواب “المعرفة” الفلسفية، ويحيطوننا علما بتياراتها المتشعبة، و مدارسها المتعددة، وقضاياها الشائكة.
في الطريقة الأولى نكون أمام مفكرين نسائلهم و يسائلوننا، أما في الثانية فأمام “معلمين” نستفسرهم عما لم يتضح لنا من معاني وأفكار.
في الطريقة الأولى “نشتبك” في قضايا، أما في الثانية فنحصل معرفة.
في الطريقة الأولى نسعى لأن نشارك الفلاسفة دهشتهم، فنقترب منهم كلما شاركناهم ابتعادهم عن أنفسهم، ونقتحم نصوصهم اقتحام العلماء للمختبرات، هاجسنا الأساس توليد الأسئلة وخلق المسافات وإحداث الانفصال.
أما في الثانية فلا يتعدى مسعانا الاقتراب ما أمكن من الفيلسوف بهدف إرواء ظمئنا الفلسفي، وإشباع فضولنا المعرفي والاطلاع على ما “نُقل” من أقوال وما أُثر من أفعال.
في الطريقة الأولى تتحول أسماء الفلاسفة إلى قضايا وإشكالات، وتجتمع حول إشكاليات، أما في الثانية فتغدو تيارات ومدارس وعائلات فكرية، بل قد تصبح رموزا وشعارات.
في الطريقة الأولى نقتحم حلبة الصراع، ونلج ميدانا يطبعه التوتر و“مقارعة” الأفكار، أما في الثانية فيغدو جميع الفلاسفة في أعيننا حكماء، وتصبح الفلسفة محبة “باردة” للحكمة ولكل من أثرت عنه