غريب هو أمر الحركات الفكرية. فهي تنهض وتشرئب كالموجات العاتية ثم سرعان ما تنحسر بعد وقت يطول أو يقصر كما تنحسر مياه البحر عن الشاطئ بعد مد وجزر... ولا يعود يبقى منها إلا الذكرى الشاحبة..تصبح في ذمة التاريخ.. هذا ما حصل للفينومينولوجيا (علم الظواهر أو الفلسفة الظاهراتية) في بدايات هذا القرن. فقد نهضت على يد هوسيرل وانتشرت في ألمانيا وفرنسا وعموم أوروبا، ثم تراجعت. وحلّت محلها الفلسفة الوجودية على يد جان بول سارتر بعد الحرب العالمية الثانية.
والوجودية السارترية هي بنت الفنومينولوجيا (أو الفلسفة الظاهراتية) الهوسيرلية والهيدغرية. وتربعت الوجودية على عرش الفكر طيلة الأربعينات والخمسينات. وكان سارتر، كالملك المتوج، يسيطر على الفكر الفرنسي ويقدم للناس معنى الوجود من خلال تنظيراته المنطلقة من شارع السان جيرمان دو بري ومقهى الدوماغو... ولكن سيطرته لم تدم أكثر من خمسة عشر عاماً.
فبدءاً من الستينات راحت حركة جديدة تظهر على الساحة، حركة ذات اسم غريب يدعى: البنيوية. ولم يكن أحد يتوقع لها كل هذا الازدهار ولا ذاك المجد، ولكنها استطاعت أن تزيح سارتر عن سدة الفكر لكي تُحل محله أبطالاً جدداً من أمثال: كلود ليفي ستروس، ميشيل فوكو، جاك لاكان، رولان بارت... وقد حاول سارتر أن يدافع عن موقعه، وأن يوقف الموجة الجديدة وهي في أولها، ولكنه لم يستطع. فمن الصعب إيقاف الموجات وهي في أوج صعودها. ينبغي أن نتركها حتى تبلغ ذروتها، ثم تنكسر أو تنحسر لكي نستطيع أن نوجه لها ضربات موجعة.
وهكذا خسر سارتر المعركة ضد البنيوية على الرغم من عظمته وشهرته التي طبَّقت آفاق العالم كله. وأخذت البنيوية تسيطر بدءاً من الستينات، أي بعد صدور كتب ليفي ستروس الأساسية كـ“الأنتروبولوجيا البنيوية” بجزئيه وكـ“الفكر المتوحش” وكسلسلة الدراسات البنيوية المطبقة على الشعوب البدائية. ثم سيطرت في مجال الفلسفة بشكل أخص بعد صدور كتاب ميشيل فوكو “الكلمات والأشياء” عام 1966. وكذلك بعد صدور كتب رولان بارت وتودوروف وجيرار جنيت وغريماس وسواهم في مجال النقد الادبي. عندئذ تزعزعت مواقع سارتر على قمة الفكر بعد أن نهض شاب جديد يدعى ميشيل فوكو لكي ينافسه. ومعلوم أن قتل الأب بالمعنى الرمزي أو الفرويدي للكلمة يصبح ضرورياً في لحظة من اللحظات لكي تنتهي مرحلة سابقة وتبتدئ مرحلة جديدة. وراح سارتر يصيح ويهدد ويتوعد ويتهم فوكو بأنه من إفرازات البورجوازية التي تريد القضاء على ماركس والماركسية !... ولكن هذه التهمة لم تنجح واستمرت الفلسفة الجديدة في الصعود. وانحسرت الوجودية كلياً أو كادت بل وانحسرت الماركسية معها أو بعدها. وقبلهما انحسرت السوريالية التي لم تكن تقل نجاحا وجبروتا عن الوجودية. واعتقد الناس عندئذ أن البنيوية قد جاءت بالمفتاح السحري لحل كل مشاكل الفكر دفعة واحدة ! وقالوا: يكفي أن نطبق منهجيتها كالوصفات الطبية الجاهزة لكي نفهم لغز العالم وسر الكون... وراحوا يطبقونها على الشعر والنثر ،كما على العلوم الإنسانية والعلوم الرياضية والفيزيائية الدقيقة. بل ووصل الأمر برئيس الفريق الرياضي الفرنسي لكرة القدم أنه صرح قائلاً: أريد تنظيم الفريق على الطريقة البنيوية !...
وهكذا راح مصطلح البنيوية يدخل في كل شيء، في كل شاردة وواردة. ولم يعد أحد يعتبرك باحثاً علمياً إن لم تذكر كلمة بنية أو بنيوية عشر مرات في الصفحة الواحدة... وأخذ النقاد العرب يفعلون نفس الشيء كتقليد أعمى للموضة الباريسية فكانت النتيجة مخجلة ومضحكة في آن معا. وتحول النص الأدبي على أيديهم إلى مشرحة شكلانية فارغة، تحول إلى جثة هامدة فقدت روحها ومعناها. وكفر الناس عندئذ بالبنيوية والبنيويين..
في الواقع أن البنيوية انطلقت أولا من ساحة علم الألسنيات لكي تسيطر على الأنتروبولوجيا (أي علم الإنسان) وعلى علم الاجتماع، والنقد الأدبي، وعلم النفس والتحليل النفسي، والتاريخ، والفلسفة، وبقية العلوم الإنسانية والاجتماعية. حقاً لقد سيطرت البنيوية، بل طغت وبغت إلى حد التوصل إلى مرحلة الإمبريالية الفكرية. وظن الناس عندئذ أن سيطرتها ستدوم إلى آخر الدهر لأنها آخر الحركات التي ظهرت على مسرح الفكر. ونسوا أن السوريالية كانت قد هيمنت قبلها على يد بريتون وجماعته ثم انحسرت كما تنحسر الأمواج العاتية عن الشاطئ بعد هدوء العاصفة.
واستمرت سيطرتها، أي البنيوية، من منتصف الستينات إلى أواخر السبعينات. وفجأة راح شيء جديد يظهر في الساحة بدءاً من أوائل الثمانينات. راحت تظهر تفسُّخات في صلب الحركة البنيوية، وبدت عليها علائم التعب والإعياء. فهل شاخت بمثل هذه السرعة؟ فجأة راح أقطابها يتوارون عن الأنظار، الواحد بعد الآخر. ألم يكن ميشيل فوكو قد نظَّر لموت المؤلف بل وحتى“موت الإنسان” في آخر كتابه الشهير “الكلمات والأشياء”؟ لقد أصاب الموت البنيوية والبنيويين دفعة واحدة! ففي عام 1980 تصدم سيارة رولان بارت وهو خارج من حفل غداء مع جاك بيرك وفرانسوا ميتران، زعيم الحزب الاشتراكي آنذاك (وقبيل أن يصبح رئيساً للجمهورية بأشهر معدودات). ويبدو أن بيرك كان يريد استمالته لصالح ميتران في المعركة الرئاسية التي أخذت تلوح في الأفق مع جيسكار واليمين. فالزعماء السياسيون بحاجة إلى كبار المثقفين من أجل تقديم الدعم المعنوي لهم وخلع المشروعية عليهم.
وبعد بضعة أشهر فقط من موت بارت يسقط كبير البنيويين الماركسيين: لويس ألتوسير، بشكل مأساوي فاجع. فقد خنق زوجته في لحظة جنون وفقدان للوعي. وتوسطت الشخصيات الكبرى لدى جاك شيراك لكيلا يحاكم، أو لكيلا يعتبر مسؤولاً عن جريمته لأنه اقترفها وهو خارج عن طوره. وهكذا أُحيل إلى المصح العقلي بدل السجن حيث قضى عشر سنوات بين الصحو والإغماءة، وحيث كتب مذكراته المؤثرة والملوِّعة بعنوان: “المستقبل يدوم زمناً طويلاً”... هكذا سقط أول من طبق المنهجية البنيوية على الماركسية لكي يحولها إلى نظرية علمية بالكامل. أو قل إنه توهم ذلك..
وأما جاك لاكان، مطبق المنهجية البنيوية على التحليل النفسي فقد انطفأ عام 1981 بعد أن فقد القدرة على الكلام. وبعده بثلاث سنوات فقط يسقط كبير فلاسفة فرنسا بعد جان بول سارتر: ميشيل فوكو. لقد سقط في عز شبابه وأوج عبقريته عن عمر لا يتجاوز السابعة والخمسين عاماً. لو مات كانط في مثل هذه السن مثلاً لما ألف كتابه الشهير “نقد العقل الخالص”، ولما ترك أي أثر يذكر في تاريخ الفلسفة ولما ذكرته الموسوعات الكبرى إلا بسطرين أو ثلاثة على أكثر تقدير. لكن فوكو كان قد كتب معظم مؤلفاته الأساسية لحسن الحظ. فقد نبغ بشكل مبكر مثل أستاذه وقدوته الكبرى: نيتشه.
بسقوط هؤلاء جميعاً في فترة متقاربة اعتقد الناس أن لعنة الشؤم قد حلَّت على البنيوية والبنيويين، وأنهم قد دفعوا ثمن المجد الذي حصّلوه أو استمتعوا به لفترة من الزمن. لقد عوقبوا لأنهم احتكروا المجد أكثر مما ينبغي. ونهض جيل جديد من الفلاسفة الشباب لكي ينقم عليهم ويفكّكهم ويفنّد أطروحاتهم ونظرياتهم بقسوة شديدة. وبعد عام 1985 أصبح من ينسب نفسه إلى البنيوية يبدو وكأنه ينتمي إلى ماقبل التاريخ أو إلى ماض قديم عفى عليه الزمن ! ومؤخرا أصدر تودوروف كتابا يدين فيه الموجة البنيوية التي اكتسحت فرنسا وقضت على الأدب ومعنى الأدب وروح الأدب وطراوة الأدب، وحسنا فعل..فهل يعتذر بذلك عما فعل هو شخصيا؟ فقد كان أحد أقطابها ينبغي ألا ننسى ذلك. ولكن لا عيب في التراجع وتغيير المواقع إذا كانت خاطئة أو إذا ما أدت إلى الباب المسدود.
وهذا ما فعله أستاذه رولان بارت أيضا الذي مر بالمرحلة البنيوية. وبعد أن جربها واستنفد كل إمكانياتها لفظها وتجاوزها ككل مبدع خلاق. نعم لقد تغيرت الأشياء، وأصبحت الرياح تهب في اتجاه مختلف، بل ومعاكس. لكن لنتوقف هنا لحظة ولنتساءل: ماذا حدث بالضبط؟ لماذا انعكست الأمور فجأة؟
ينبغي أن نعلم أولا أن المرحلة البنيوية ليست شرا كلها. فقد رافقت تلك العملية النقدية-التفكيكية لكل التراث الغربي. وكانت نظرتها سلبية لتجربة الحداثة الكلاسيكية التي استمرت طيلة الفترة السابقة. وليس من قبيل الصدفة أن تكون البنيوية قد ظهرت بعد حروب التحرير الوطنية ضد الاستعمار أو أثناءها. ليس من قبيل الصدفة أن يكون ليفي ستروس قد دافع عن البدائيين وعقليتهم ضد العقلية الأوروبية الميّالة للهيمنة والتسلط. ليس من قبيل الصدفة أن يكون ميشيل فوكو قد صبَّ جام غضبه على العقلانية الغربية التي تخفي تحت طيّاتها كل أساليب الهيمنة والتوسع والرغبة في السيطرة على الآخرين. ليس من قبيل الصدفة أن يكون جاك دريدا قد كرس كل همه لتفكيك العرقية المركزية الأوروبية أو الميتافيزيقا الغربية من أفلاطون إلى هيغل (وعندما أقول الميتافيزيقا فإنني أقصد العقلانية الغربية أيضاً). كل هذه الأعمال والبحوث البنيوية ظهرت في فترة كان الغرب فيها يكره نفسه ويشعر بالذنب لما اقترفه من جرائم في حق الشعوب الأخرى. كانت الطبقة المثقفة تشعر بأن من واجبها التكفير عن ذنوب الغرب، ولذا راحت تنقده بشدة وتنقد عقليته وتراثه وحداثته التي يفتخر بها أو يتبجَّح بها.
ضمن هذا الجو النفسي العام ظهرت البنيوية كحركة نقدية للعلم التقليدي والتراث الغربي. وقد وصل الأمر بفيلسوف كميشيل فوكو إلى حد إعلان “موت الإنسان”! بمعنى أن الفلسفة الإنسانية التي يتبجح الغرب بأنه أول من اخترعها قد سقطت بعد كل ما حصل من تجاوزات وجرائم في المستعمرات وفي الحربين العالميتين. فلو كان الغرب إنسانياً إلى مثل هذا الحد لما فعل ما فعله مع الشعوب المستعمرة. وهكذا راح المثقفون الفرنسيون بشكل خاص يجلدون أنفسهم لكي يكفِّروا عن خطايا قادتهم أو أممهم. وكانت النزعة اليسارية أو “العالمثالثية” مسيطرة على أجواء المثقفين. وهكذا تطرَّف فوكو والبنيويون في النعي على الذات أو في نقد الذات وتجريحها وكادوا يطيحون بالقيم العقلانية الأصيلة التي أدت إلى تأسيس الحضارة والحداثة. ولذا نهض جيل جديد من الفلاسفة بعد الثمانينات لكي يقول لهم: كفى ! كفى كرهاً للذات وتفكيكاً للحضارة الغربية واتهاما لها... إن حضارتنا هي أهم حضارة ظهرت على وجه الأرض. فهي التي شهدت عصر التنوير وأنتجت كبار الفلاسفة من كانط إلى هيغل. وهي التي أسست حقوق الإنسان ووضعتها فوق كل شيء وطالبت بعدم المسّ بها. وهي التي شكلت النظام الليبرالي الديمقراطي التعددي الذي يجري الانتخابات الحرة ويعترف بالتناوب على الحكم بين السلطة والمعارضة منهيا بذلك عهد الاستبداد والديكتاتورية إلى غير رجعة. وهي التي أسست التسامح الديني وقضت على الأصولية المسيحية ومحاكم التفتيش التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية حاليا. وعيب عليك يا ميشيل فوكو أن تفقد أعصابك وتبدي إعجابك بثورة دينية رجعية في نهاية المطاف كالثورة الخمينية.
وكان من بين هؤلاء الفلاسفة الشباب آلان رينو ولوك فيري. فقد وجها ضربة موجعة لفوكو والتوسير ودريدا وسواهم من خلال كتابهما الشهير: فكر مايو68، دراسة عن الفلسفة المعاصرة المضادة للنزعة الإنسانية. ولا أعرف لماذا لم يترجمه العرب حتى الآن، أو ربما كانوا قد ترجموه دون أن ادري؟..
فهو يقع في الصميم من المناقشة الفلسفية الضخمة الجارية حاليا. نقول ذلك على الرغم من كل الانتقادات التي يمكن توجيهها إليه وبخاصة لهجته المتحاملة أكثر من اللزوم في بعض الأحيان. واشتهر لوك فيري بعدئذ حتى أصبح الآن علماً من أعلام الفكر في فرنسا. وطالب بالعودة إلى كانط وإلى عصر التنوير والفلسفة العقلانية والقيم الديمقراطية. وهاجم فوكو ودريدا وديلوز وجان فرانسوا ليوتار وبقية فلاسفة ما بعد الحداثة باعتبار أنهم يسار متطرف، مراهق، أو عدميون فوضويون لا يعرفون قيمة الحضارة الأوروبية والنزعة الإنسانية والقيم الديمقراطية وكم كلفت من تضحيات على مدار العصور حتى تحققت..
ثم جاء سقوط جدار برلين لكي تزداد ثقة الغرب بنفسه بعد انتصاره على الشيوعية. وسقطت الماركسية عندئذ مثل البنيوية وربما أكثر لأنها كانت تسيطر على الشارع من خلال الحزب الشيوعي الفرنسي. ومعلوم أنه نزل من نسبة خمسة وعشرين بالمائة من عدد أصوات الشعب الفرنسي إلى نسبة اثنين بالمائة مؤخرا.. وراح بعض مثقفي الغرب يرفعون شارة النصر ويقولون بأن النموذج الغربي هو الأكثر قوة وتفوقاً على جميع الأنظمة التي شهدها العالم. وبالغ بعضهم في هذا الاتجاه حتى وصلنا إلى تنظيرات فوكوياما المتفائلة عن “نهاية التاريخ” ونظريات صموئيل هنتنغتون المتشائمة عن “صدام الحضارات”.
ولكن هل يمكن أن نعود إلى الماضي، أي إلى عصر التنوير، بدون أن نأخذ بعين الاعتبار كل ما حصل منذ مائتي سنة وحتى اليوم من أخطاء وانحرافات؟ ألا ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار كل الانتقادات التي وجهتها البنيوية والماركسية والفلسفة السارترية إلى الحداثة الغربية والتي كشفت عن نواقصها طيلة الفترة الماضية ؟ ولماذا هذا الانتقال من النقيض إلى النقيض دفعة واحدة؟. لماذا هذا الانتقال من جلد الذات إلى التبجح بالذات دون أي تحفظ أو اعتدال أو حتى خجل؟ وهل انتهى الجوع من العالم في عهد العولمة الأميركية الظافرة يا ترى؟
بالأمس حضرت فيلما فرنسيا رائعا (99 فرنكا) يدين الحضارة الاستهلاكية التي تصرف سنويا مبلغ 500 مليار دولار على الدعاية السطحية الفارغة لترويج منتوجاتها وسلعها. ونصف هذا المبلغ أو حتى ربعه كان كافيا للقضاء على الجوع والفقر في العالم. لا لم يمت جان بول سارتر ولا ميشيل فوكو ولا جيل ديلوز الذي كان أحد القلائل الذين تجرأوا على نقد السياسة الإسرائيلية التوسعية والمشروع الصهيوني بشكل فلسفي عميق. ولا يزالون منزعجين منه حتى الآن بل ويشتمونه على هذا الموقف المدهش الذي نادرا أن يصدر عن فيلسوف أوروبي كبير.. فمثلا فوكو لم يتخذه ولا حتى سارتر..في الواقع أن ديلوز من أشرف وأنزه ما أنجبته فرنسا من فلاسفة على مدار تاريخها كله. ولا يغير في الأمر شيئا اختلافنا معه في قضايا فلسفية أخرى فهو ليس معصوما. وأعترف باني أقرب إلى لوك فيري منه فيما يخص تقييم المحصلة العامة لفلسفة التنوير الأوروبي. فايجابياتها اكبر من سلبياتها بكثير على عكس ما كان يتوهم ربما بسبب نيتشويته المتطرفة.
ونفس الشيء يمكن أن يقال عن فوكو. و لكن لا أحد يشك في حبه لقضايا الحق والعدل. ولا أحد يستطيع اتهامه بمعاداة السامية أو اليهود كيهود، على العكس تماما. فقد كان من ألد أعداء اليمين الفرنسي العنصري المتطرف الذي يكره اليهود والعرب في آن معا ويعتبرهم من جنس متدن.. ولكن هذه السياسة التوسعية الاستيطانية الاحتلالية هي التي تمنع حتى الآن من حصول حل سلمي نهائي يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية حقيقية إلى جانب دولة إسرائيل بالذات. فلم يكن العرب قابلين لوجود الدولة العبرية في منطقتهم أكثر مما هم عليه الآن. نقول هذا على الرغم من أن القبول بها كان أصعب عليهم من تجرع السم الزعاف. ولكنهم قبلوا في نهاية المطاف.. فإذا بنا نفاجأ بان الذي يرفض الحل ليس هم وإنما الآخر. وهكذا انطبق علينا المثل القائل: رضينا بالويل ولكن الويل ما رضي فينا !ولو أن هذا الحل تحقق كما يدعو إلى ذلك يورغين هابرماس، كبير فلاسفة الغرب حاليا، في عريضة موقعة من قبل مئات المثقفين العالميين، لاستطعنا تهميش تنظيم القاعدة وكل الحركات الأصولية المتطرفة. ولكن لا سميع لمن تنادي