إذا كان الخبر في حاجة إلى وسائط لبثه، إلى حامل ينقله، فان الشائعة، كما يقول بلانشو،“لا حامل لها”. يمكننا أن نطّلع عليها “في الصحف”، من غير أن نقرأها في صحيفة بعينها. فهي لا تُنقل عن مصدر بعينه، موثوقا به كان أم غير موثوق. إنها من باب “ما يقال”. كأنها تتولد عن ذاتها، “فهي تتمتع بقدرات ذاتية. وهي ليست في حاجة لمن يفرضها ولا لمن يتحمل مسؤوليتها. إنها لا تتوخى إلا الذيوع والانتشار، ولا تبحث عن أداة تعبير تفصح عنها، ولا عن وسيلة إثبات تؤكد صحتها”.
ذلك أن قوتها ليست في مضمونها، لا في صدقها ولا في كذبها. فهي تتنقّل في فضاء يوجد “خارج الصدق والكذب”، وهي “لا تستمد قوتها من قوة ما تقوله، وإنما من كونها تنتمي إلى فضاء كل ما يقال فيه قد سبق قوله، وسيستمر، ولن ينفك يقال. ما أعلمه عن طريق الشائعة لا بد أنني سمعته من قبل: إنه ما يُتناقل. وبما هو كذلك، فهو لا يتطلب فاعلا من ورائه، ولا ضامنا، وهو لا يقتضي تأكيدا وتمحيصا”.
ما يهم في الشائعة ليس ما تخبر به وعنه، وإنما الصدى الذي يعقب انتشارها، ما يهم هو ما يتولد عن ذيوعها من ردود أفعال. بهذا المعنى، فحتى إن لم تتصف الشائعة بما يتصف به الخبر الذي ينقل عبر وسائط، ويحمل مضمونا ينقل عن مصدر معروف، ويمكن التأكد من “صحته”، حتى إن لم تتصف الشائعة بكل هذه الأوصاف، فهي، مع ذلك تظل أداة إخبار، إنها تجس نبض من تذيع بينهم، فتخبر، لا عن أحوالهم، وإنما عن أحلامهم وتطلعاتهم.
فإذا كان الخبر يسعى إلى نقل المتحقق، فان الشائعة تكشف عن الممكن، أو تجس نبضه على الأقل. وربما تكون بذلك على عكس ما يرى بلانشو الذي يذهب إلى أن الشائعة“تتنقل ضمن حركة محايدة”، أي حركة لا تشدها رابطة “إلى أي كان ولا إلى أي شيء”. فربما دخلت الشائعة في علائق، و ربما تولدت عنها مفعولات من شأنها لا أن تساهم في الإخبار عن الواقع، و إنما في تشكيله وتوجيهه، وربما حتى في صنعه.