البحرين.. قديمة قدم الزمان عربية على مرّ التاريخ
مملكة دلمون مملكة البحرين دولة قديمة
تسبق في وجودها دولة الفرس نفسها بأكثر من ألفي عام، هذا ما تؤكده الكتب
ويصدّقه التاريخ وينطق به الواقع قديما وحديثا. محاولة إيران تزوير التاريخ
والجغرافيا تفنّدها آثار تنطق بالعربية وبكل اللغات القديمة التي جميعها
يسبق فارس نفسها.
لا سني لا شيعي أنا عربي بحريني
تحاول السلطات الإيرانية منذ فترة، التدخل في الشؤون الداخلية لمملكة
البحرين، ولا تخفي رغبتها في السيطرة عليها حيث تعتبرها جزءا من الأراضي
الفارسية التاريخية. وقد كتب حسين شريعمداري – رئيس تحرير صحيفة كيهان،
والمقرب من المرشد علي خامنئي – قائلا: إن الوقت قد حان كي تستعيد إيران
سيطرتها على دولة البحرين (أغسطس/آب 2007).
استند شريعتمداري على خرائط يونانية قديمة ترجع لعصر الإمبراطورية
الفارسية، ليؤكد أن البحرين كانت جزءا من التراب الإيراني في الأزمة
القديمة. إلا أن ادعاء شريعتمداري هذا يتعارض تماما مع ما نعرفه من المصادر
التاريخية.
صحيح أن البحرين ـ شأنها في هذا شأن العراق وبلاد الشام ومصر وآسيا
الصغرى ـ خضعت في فترة من فترات تاريخها الطويل للإمبراطورية الفارسية، لكن
هناك فرقا كبيرا بين أن تخضع البحرين لسيطرة امبراطورية الفرس، وأن تكون
جزءا من التراب الوطني لدولة فارس. فدولة البحرين دولة قديمة تسبق في
وجودها دولة الفرس نفسها بأكثر من ألفي عام، وتنتمي إلى حضارة قديمة تعرف
باسم دلمون، ظهرت على الساحل الغربي للخليج العربي منذ أكثر من أربعة آلاف
عام مضت.
تتكون مملكة البحرين الحديثة من حوالي ثلاثين جزيرة صغيرة، تنتشر وسط
مياه الخليج العربي من حدود الكويت في الشمال إلى قطر في الجنوب، وتشمل
حوالي 600 كيلومتر مربع. إلا أن أكبر هذه الجزر هي جزيرة البحرين التي تقع
على بعد حوالي 20 كيلومترا من الساحل السعودي ويبلغ طولها ـ من الشمال إلى
الجنوب – حوالي 48 كيلومترا وعرضها 16 كيلومترا.
وكانت البحرين تعرف في العصور القديمة باسم “أوال”، وسماها السومريون
أرض الفردوس، بينما سمتها المصادر اليونانية “تايلوس”، وهو الاسم الذي ورد
في كتابات الجغرافي اليوناني استرابو في القرن الأول قبل الميلاد، وكتابات
الرحالة بليني الكبير في القرن التالي له. كما توصل الأثريون في العصور
الحديثة إلى أن منطقة الخليج العربي هي المقصودة من الكتابات الأكادية
القديمة، التي تحدثت عن ميناء تجاري في الخليج في بلاد دلمون، التي كانت
تشمل المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية وجزيرتي البحرين والفيلكة
عند الكويت.
ويقول المؤرخ البريطاني مايكل رايس إن حضارة دلمون بدأت في المنطقة
الشرقية للسعودية، ثم انتقلت عناصر منها إلى جزيرة البحرين. وظهرت حضارة
دلمون الأولى في منطقة الخليج العربي قبل أكثر من أربعة آلاف عام مضت، منذ
منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، واستمرت مزدهرة ثمانية قرون.
تمثال لرأس ثور مصنوع من النحاس يعود الى آلاف السنين اكتشف في باربار
وتشير الأدلة الأثرية على أن الأقوام الذين سكنوا هذه المنطقة كانوا عربا ساميين ينتمون إلى جزيرة العرب، ولم يأتوا من بلاد فارس.
وبسبب موقعها الاستراتيجي المطل على الخليج، أصبحت دلمون مركزا تجاريا
مهما ولعبت دورا كبيرا في نقل وتبادل السلع بين بلاد وادي الهندوس في شرقي
آسيا – بأرض الباكستان الحالية ـ وإيران في الشرق، مع أرض الرافدين والساحل
السوري الفينيقي وبلاد الأناضول في الشمال الغربي، بل إن رايس يشير إلى
احتمال وصول تجار البحرين إلى مصر في العصور القديمة. ومن هذا يتضح لنا أن
الدور الذي لعبته دلمون في منطقة الخليج العربي، يماثل إلى حد كبير الدور
الذي لعبه الفينيقيون في البحر المتوسط.
حضارة دلمونتتحدث المصادر السومرية القديمة عن دلمون باعتبارها أرض الآلهة ومنبع
الحضارة، وقد ورد أول ذكر لدلمون في نص سومري يرجع إلى خمسة آلاف عام مضت.
يقول الباحث البريطاني مايكل رايس الذي أمضى سنوات عديدة يعمل في البحرين،
إن اهتمام دول الخليج بالآثار بدأ في منتصف خمسينات القرن العشرين. ففي تلك
الفترة جاءت بعثة من جامعة آرتنس الدانمركية للقيام بأول أعمال للكشف
الأثرى في البحرين. ثم عهدت الدولة إلى رايس بمشروع إقامة متحف المنامة
لحفظ الآثار التي عثرت عليها البعثة الدانمركية في نهاية ستينات القرن
الماضي، فصار هذا هو أول متحف كبير يقام في منطقة الخليج. بعد ذلك ازداد
اهتمام الأثريين العالميين بالعمل في البحرين، فجاءت عدة بعثات من أوروبا
وأميركا كما أنشأت دولة البحرين هيئة خاصة للإشراف على آثارها منذ أكثر من
ربع قرن.
وعلى الرغم من تعدد المواد التي جلبها تجار دلمون من بلاد الهند
وباكستان، من الأخشاب والعاج والأحجار الكريمة والطيور والأقمشة والمواد
الغذائية، إلا أن أهم عناصر تجارتها كان النحاس الذي تم استخراجه في عمان.
إذ كانت منطقة عمان في الجنوب الشرقي للجزيرة تحتوي على عدة مناجم لاستخراج
هذا الخام، الذي يتم تصديره إلى دلمون، فتتولى تسويقه إلى جميع أنحاء
العالم القديم. كما كانت منطقة دلمون تصدر الثوم والتمر الذي اشتهر بكبر
حجمه، وكانت أرضها بمثابة منطقة سوق حرة يأتي إليها التجار من كل مكان
للبيع والشراء، وكانت دلمون تمتلك أسطولا بحريا تؤجره لنقل البضائع إلى
المناطق الأخرى.
إلا أن حضارة دلمون تعرضت إلى أخطار أدت إلى انهيارها عند نهاية الألف
الثانية قبل الميلاد. فقد تمكن ملوك بابل في هذه الفترة من مد نفوذهم إلى
شمال سوريا منذ 1700 ق.م. وحولوا طريق تجارتهم إلى آسيا الصغرى بدلا من
الخليج. كما شن الملوك البابليون عدة هجمات عسكرية على منطقة دلمون في
الخليج أدت في النهاية إلى السيطرة على هذه المنطقة، وأصبح البابليون هم
الذين يعينون حاكما من قبلهم على قلعة البحرين.
أرض الرافدينوكانت أول الأقوام التي سكنت جنوب أرض الرافدين، مزيجا من قبائل عربية
سامية قدمت من الجنوب وأقوام إيرانية جاءت من مناطق خوزستان الجبلية في
الشرق. إلا أن الأقوام السومرية التي أعطت هذه المنطقة اسمها لم تأت إلا في
النصف الثاني من الألف الرابعة ق.م. حيث فرضت سيطرتها على الجماعات التي
كان تعيش هناك من قبل.
ولا أحد يعرف بالضبط من أين أتى السومريون، وهناك من يعتقد بأنهم جاؤوا
من جبال القوقاز في أواسط آسيا أو من أرمينيا وجبال إيران، أو من وادي
السند وبلاد الهند، لأن الملاحم السومرية القديمة تتحدث عن بلاد تقع خلف
الجبال، وكذلك لأهمية “الجبل” في اعتقاداتهم الدينية.
إلا أن غالبية الباحثين تميل الآن إلى الاعتقاد بأن السومريين جاؤوا عن
طريق الخليج في الجنوب، حيث ان تجمعاتهم الرئيسية كانت في الجنوب. وتكونت
مملكة سومر من مجموعة من المدن مستقلة بعضها عن الآخر، في النصف الجنوبي من
وادي الرافدين – كان حكامها يخضعون للملك – مثل “أريدو” و”أور” و”سبار”
و”لكش” و”شروباك” و”أوروك”، وتبادل ثلاثة منهم حكم البلاد. واستمر حكم
السومريين حتى عام 2325 ق.م. عندما جاءت أقوام سامية من الشمال والغرب
بقيادة ساراجون وغزت مملكة سومر ومعظم منطقة الهلال الخصيب. وبنى ساراجون
مدينة “أكاد” (أو أجاد) لتكون عاصمته الجديدة، وصارت الدولة تعرف منذ ذلك
الحين باسم “سومر وأكاد”. إلا أن هذه الدولة لم تدم طويلا وسرعان ما تعرضت
لهجمات من الشرق ومن الغرب، كما نشبت الصراعات بين المدن السومرية نفسها
واستمرت حتى عصر حمورابي، الذي – بانتهائه خلال القرن الثامن عشر قبل
الميلاد – انتهت دولة السومريين كلية، وبدأ العصر البابلي ذو الطابع السامي
العربي الذي تسبب في القضاء على حضارة دلمون القديمة.
آثار البحرينومن أهم الكشوفات الأثرية التي تمت في البحرين خلال القرن العشرين كانت
القلعة القديمة، التي يرجع تاريخها إلى ما يزيد عن أربعة آلاف عام مضت،
أعيد بناؤها وتوسعتها عدة مرات واستمرت قائمة حتى العصر الإسلامي في القرن
الميلادي السابع. وتعتبر قلعة البحرين أهم موقع أثري على الساحل الشمالي
للجزيرة، قامت البعثة الأثرية الدانمركية بالتنقيب فيها عام 1953، وتبلغ
مساحتها حوالي 40 فدانا (18 هكتارا) وتم إعادة بنائها سبع مرات كما جرى
بناء سور يحيط بالمدينة.
ويبدو أن منطقة القلعة، التي تتسع لسكنى حوالي ثلاثة آلاف رجل وتبعد 6
كيلومترات في الشمال الشرقي، لم تكن مجرد حصن للدفاع عن البلاد، بل كانت
بمثابة أول عاصمة للبحرين، كما يظهر من بعض الكتابات التي وجدت في مدينة
ماري بشمال سورية، والتي تقول إن دلمون كان لها ملك يطلق عليه لقب “لوجال”.
وبينما كانت البنايات تقام في بلاد العراق من الطين المجفف، استخدمت
البحرين الحجارة في بناء مدينة القلعة والسور المحيط بها، وتمكن رجال
الآثار من العثور على بقايا أسوار القلعة، بما في ذلك البوابات العتيقة.
بعض التماثيل المصنوعة من النحاس عثر عليها في آثار معبد قديم بقرية بابار بالبحرين ويرجع تاريخها الى حضارة الدلمون
وتبين أن أقدم المناطق التي عاش فيها السكان في الأزمنة القديمة، كان في
النصف الشمالي من جزيرة البحرين، حيث تم العثور على ما يقرب من 200 ألف
مقبرة أثرية ترجع إلى حوالي خمسة آلاف عام مضت.
ويشير بناء هذه المقابر التي وجدت أسفل تلال قليلة الارتفاع، إلى أن أهل
البحرين كانوا يعتقدون بالحياة الأخرى، وكانت جثة المتوفى توضع في المقبرة
مستلقية على جانبها مع ثني الركبتين. إلا أن لصوص المقابر في الأزمنة
القديمة سرقوا محتوياتها، فلم يبق فيها سوى بعض الحلي والخواتم والأدوات
الفخارية والمعدنية، وليس هناك الكثير مما يساعدنا في التعرف على طبيعة
اعتقادات أهل دلمون القدماء.
كما عثر رجال الآثار البريطانيون عام 1954 على بقايا معبد باربار القديم
(في منطقة سعار) الذي تم بناؤه في غالبه من الحجر الجيري، وعثر في الجانب
الغربي منه على بئر قديمة لها درجات تنزل إليها، مما يدل على أن الماء لعب
دورا مهما في طقوس العبادة القديمة، إذ كان التطهر بالماء ـ أو الوضوء –
جزءا مهما منها.
إيران يتكون سكان إيران من أقوام آرية تستخدم لغة هند – أوروبية، وتنتمي إلى
نفس الأصل السلالي لسكان وادي نهر السند. فقد جاءت مجموعات من القبائل من
وادي نهر الفولجا شمال بحر قزوين في وسط آسيا، واستقرت في بلاد إيران ونهر
السند قبل حوالي سبعة آلاف عام.
وظلت هذه القبائل تعيش متفرقة لا تجمعها وحدة سياسية، وانتقل بعضها إلى
دولة ميتاني في شمال العراق، منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. إذ تبين
وجود أقوام إيرانية بمملكة ميتاني، عن طريق الأسماء الهند – أوروبية التي
وجدت في شمال العراق، مثل أرتاتاما وشوترانا إلى جانب العثور على معبودات
إيرانية، مثل فارونا التي جاء ذكرها في الألواح البابلية. ثم حدث انفصال
بين الأقوام الآرية التي سكنت بلاد الهند، عن تلك التي استقرت في إيران منذ
حوالي ثلاثة آلاف عام.
وكان سكان إيران في ذلك الوقت ينقسمون إلى عدة تجمعات قبلية، أهمها
“بارسا” الفارسية في الجنوب الغربي الذي يطل على الخليج، و”مادا” الميدية
في الشمال الغربي. بينما كانت هناك أقوام أخرى تعيش في باقي أنحاء الأرض
الإيرانية قبل وصول الجماعات الآرية إليها، مثل المانيين في الشمال
والإيلاميين في خوزستان. وفي عام 715 قبل الميلاد قامت قوات الآشوريين في
شمال العراق، بغزو منطقة ميديا بشمال إيران، التي امتدت أراضيها غربا في
آسيا الصغرى وشرقا حتى حدود الهند. إلا أن سيطرة الآشوريين لم تدم طويلا،
وحصلت ميديا على استقلالها ثم قامت بتوسيع حدودها عن طريق غزو منطقة فارس
في الجنوب.
إمبراطورية الفرس كانت الهضبة الإيرانية تضم عدة ممالك متفرقة منذ أوائل الألف الأولى قبل
الميلاد، وكانت أهم تلك الممالك هي “ميديا” في الشمال الغربي للبلاد –
شرقي مملكة أشور العراقية. كما أن مملكة فارس الواقعة عند منطقة عبدان في
الجنوب الغربي لإيران، كانت هي القوة التي تنافس ميديا للسيطرة على الأرض
الإيرانية. وعندما تمكن قورش الفارسي من هزيمة ميديا عند منتصف القرن
السادس قبل الميلاد، استطاع بعد ذلك – لأول مرة في التاريخ - توحيد شعوب
إيران تحت إمرته. وكان لهذه الوحدة أثر كبير على مصير منطقة الشرق الأوسط
بأكمله منذ ذلك التاريخ. وقد ذكر الرحالة الإغريقي هيرودوت الذي زار مصر
وبلاد الشام أثناء وقوعها تحت السيطرة الفارسية، أن قورش الفارسي (الثاني)
تمكن من تحرير بلاده من سيطرة ميديا وهزم أستياجس آخر ملوكها عام 549 قبل
الميلاد.
ومنذ سيطرة فارس على ميديا، بدأ عصر الإمبراطورية الأخمينية التي حملت
اسم أخمين جد قورش الثاني ومؤسس الأسرة الفارسية المالكة. وكان برسيبوليس
هو الاسم الذي أطلقه اليونان على مدينة فارس في منطقة شيراز، التي كانت
تسمى أنشان في الأزمنة القديمة. استطاع قورش الفارسي توحيد ممالك إيران تحت
سيطرته.
وخرجت قوات قورش الفارسية متجهة غربا، وعبرت نهر دجلة عند مدينة أربل
الآشورية، وسرعان ما انهارت مدن شمال العراق أمام الفرس الغزاة وأصبحت بابل
العاصمة – في الجنوب – معرضة للخطر. فترك ملكها نبونيدس مقره في شمال
السعودية وأسرع بالعودة إلى بابل، ولكن الوقت كان قصيرا والمبادرة أصبحت في
أيدي ملك الفرس الذي سرعان ما دخل بابل منتصرا – بدون قتال – عام 539 ق.
م. وبسقوط عاصمة الإمبراطورية البابلية في أيدي قورش، أصبحت مناطق سوريا
وفلسطين خاضعة للفرس بدون قتال.
وكان البابليون – مثلهم في ذلك مثل الآشوريين من قبلهم – عندما يدخلون
بلدا، يحطمون معبده ويأخذون أصنامه معهم إلى بابل، كما أنهم كانوا يشتتون
الأقوام المحلية حيث ينقلونها إلى مناطق أخرى من الإمبراطورية ليضمنوا عدم
تمردها.
رأس تمثال للملك سرجون الأكبر يرجع تاريخه الى نحو العام 2350 قبل الميلاد
وجاءت سياسة قورش الفارسي تختلف عن ذلك تماما، حيث سمح بإعادة بناء
المعابد القديمة وإعادة أصنامها من بابل، كما سمح لمن يرغب من الشعوب
المشتتة بالعودة إلى ديارها الأصلية. ومات قورش الثاني أثناء وجوده في ساحة
القتال عام 530 قبل الميلاد، بينما كان يحاول مد حدود إمبراطوريته
الفارسية إلى أواسط آسيا.
إلا أن قمبيز بن قورش وخليفته لم يتبع خطة والده في محاولة الاتجاه شمال
بحر قزوين، بل اتجه غربا وسار إلى مصر الذي سقطت أمامه في 525 قبل
الميلاد. ولم يدم حكم قميز طويلا بعد هذا النصر، فمات بعد ثلاث سنوات من
وصول حدوده غربا إلى وادي النيل وشرقا إلى وادي السند، وخلفه أحد أمراء
العائلة المالكة، هو دارا الأول (داريوس في اليونانية)، الذي يرجع إليه
الفضل في بناء الدولة الأخمينية. كان حلم الأخمينيين هو إقامة دولة عالمية
تشمل حدودها كافة بلدان العالم القديم.
وأصدر داريوس أول عملة ذهبية فارسية، وبنى الطرق في مختلف أنحاء
الإمبراطورية لتشجيع انتقال البضائع التجارية، وأنشأ نظاما للبريد بين
أنحاء الإمبراطورية. كما أقام داريوس قصر الشتاء في صوصة بالقرب من نهر
دجلة، وقصر الصيف في برسيبوليس التي لا تبعد كثيرا عن منطقة رأس الخليج.
واستمر حكم دولة الأخمينيين حوالي قرنين من الزمان بعد داريوس الأول، وكان
آخر أباطرتهم هو داريوس الثالث الذي حاول عبور مضيق البسفور ليصل إلى
أوروبا.
الاسكندر الأكبرلما علم المقدونيون بتجمع قوات داريوس في الأناضول بالقرب من مضيق
الدردنيل استعدادا لعبوره إلى أوروبا، قام الإسكندر المقدوني ومعه جيش مكون
من 35 ألف مقاتل بعبور المضيق في الاتجاه المعاكس عام 334 قبل الميلاد،
لمواجهة الخطر الفارسي في آسيا الصغرى. كان داريوس الثالث يسيطر في ذلك
الوقت على كل منطقة الحضارات القديمة، بعد أن مد حدود إمبراطوريته من شمال
الهند شرقا إلى مضيق الدردنيل على حدود أوروبا، وكان يستعد لعبور هذا
المضيق إلى اليونان.
إلا أن الاسكندر تمكن بجرأته أن يدفع الإمبراطور داريوس إلى الهرب من
أرض المعركة، مما أضعف معنويات الجيش الفارسي وفتح الطريق أمام الإسكندر
للاستيلاء على أرض الشام من دون مقاومة. وعاد الجيشان إلى اللقاء عند مدينة
إيسوس شمالي الأراضي السورية، وهناك اندحرت القوات الفارسية للمرة الثانية
وهرب داريوس إلى العراق تاركا وراءه أمه وزوجته وأولاده، أسرى في يد
الإسكندر. وبدلا من مطاردة الملك الفارسي، سار الإسكندر جنوبا على الشاطئ
السوري حتى وصل بلاد الفينيقيين، وهناك تلقى رسالة من داريوس يعرض فيها
شروط الصلح.
وأجاب الإسكندر على الرسالة طالبا من الملك الفارسي الحضور شخصيا
لمقابلته ومناقشة شروط السلام معه، ولما رفض داريوس هذا الطلب استمر
الإسكندر في طريقه جنوبا على الساحل الفينيقي، ولم تقف في طريقه سوى مدينة
صور الفينيقية التي اضطر إلى حصارها سبعة أشهر قبل سقوطها. بعد سقوط صور
سار الإسكندر إلى مصر التي ظل بها سبعة أشهر.
وعاود الإسكندر مسيرته إلى شمال سورية، حيث عبر نهر الفرات لملاحقة
جيوش الفرس والتقى بها في معركة حاسمة عند مدينة “جوجاميلا” شرقي دجلة،
انهزم فيها الجيش الفارسي وصار الطريق مفتوحا أمام الإسكندر لغزو بلاد
الفرس نفسها. ثم سار الإسكندر بجيشه جنوبا إلى بلاد بابل في الجنوب التي
كانت لا تزال تخضع للحكم الفارسي، وبعد ذلك سار شرقا حيث أخضع كامل الأرض
الفارسية، قبل دخوله بلاد الهند ومد حدود إمبراطوريته من أفغانستان إلى
بلاد اليونان.
خريطة فرنسية تعود الى العام 1667 تؤكد حقيقة تسمية الخليج العربي Sein Arabique بالاسم التاريخي الصحيح أي «الخليج العربي»
استقر الإسكندر بعد ذلك في بابل وراح يستعد لغزو الجزيرة العربية عن
طريق البحرين، لولا أن داهمته المنية قبل مسيرته إليها. وأرسل الإسكندر أحد
ضباطه البحريين إلى جزيرة البحرين ليعد الموقع المناسب لوصول قواته إليها،
كما قام ببناء ميناء خاص على نهر الفرات عند مدينة بابل جمع به أسطولا تم
بناؤه من خشب الأرز، جاء به من بلاد الفينيقيين الذين اختار منهم بحارته
كذلك.
ثم أرسل الإسكندر وحدة استطلاعية نزلت بجزيرة الفيلكة – التابعة للكويت
الآن – وكذلك في “البحرين”. وكانت البحرين عندئذ أرضا خصبة ومركزا مهما
لتجارة مواد العطارة القادمة من جنوب الجزيرة العربية. وعلى الرغم من كل
هذه الاستعدادات، إلا أن الجيش المقدوني لم يتحرك من موقعه في بابل، بسبب
مرض مفاجئ أصاب الإسكندر.
فقد كان الملك الشاب – إلى جانب حالة الإعياء الشديد التي وصل إليها
نتيجة لكثرة حروبه - قد أصيب بجراج بالغة وهو يحارب في بلاد الهند، جعلته
يلجأ إلى مدينة بابل. وهناك نزل في قصر الملك البابلي نبوخذ نصر، حيث قيل
إن أحد أتباعه دعاه إلى شراب كأس من النبيذ، أصيب بعد تناولها بارتفاع كبير
في الحرارة. مما اضطره للمبيت في حوض مملوء بالماء في الحمام.
وبعد تناول كأس ثانية قدمه له نفس الشخص، سقط الإسكندر ساكنا، وظل لا
يقدر على الحديث إلى أن مات بعد أربعة أيام وهو لم يتجاوز 33 عاما. وكان
موت الإسكندر في هذه اللحظة هو السبب الوحيد الذي جعل منطقة الخليج تحتفظ
بوضعها خارج حدود الإمبراطورية المقدونية، التي سيطرت على كامل بلدان
الحضارات القديمة.
بعد موت الإسكندر تقسمت إمبراطوريته وخضعت إيران للدولة السلوقية، التي
أقامت عاصمتها في شمال سوريا. ثم استعادت إيران استقلالها في منتصف القرن
الثالث قبل الميلاد، على يد عائلة فارسية أخرى، فمنذ سنة 224 انتقل حكم
إيران إلى دولة الساسان على يد الشاه أردشير الأول، ومدت نفوذها على العراق
وأرمينيا وأفغانستان وساحل الخليج العربي.
وكان الساسان في صراع مستمر مع الدولة البيزنطية (الرومانية الشرقية)
التي سيطرت على بلاد الشام حتى مجيء العرب والفتوحات الإسلامية. وتمكن
العرب من غزو إيران بعد معركة القادسية الفاصلة سنة 632، في عهد الخليفة
عمر بن الخطاب، وانتهى حكم الفرس لإيران نهائيا في 651، بعد موت الإمبراطور
يزدجارد الثالث.
يظهر من هذا أن البحرين ـ على الرغم من خضوعها للإمبراطورية الفارسية في
بعض مراحل تاريخها ـ لم تكن في يوم من الأيام جزءا من أرض إيران
التاريخية. فهناك فارق بين الأرض التي تتبع دولة ما منذ نشأتها وتوحيد
أراضيها، وبين المناطق التي تسيطر عليها هذه الدولة عندما تغزو بلدانا
أخرى. فقد مر العالم في الأزمنة القديمة بمراحل تكونت فيها إمبراطوريات
عديدة، في مصر وبابل والفرس ومقدونيا وروما والأناضول وبريطانيا وفرنسا،
فهل يمكن لأي من هذه الدول الآن الإدعاء بأن الأراضي التي سيطرت عليها عن
طريق الغزو، تصبح جزءا من أرض دولتها؟
أحمد عثمانأحمد عثمانكاتب وباحث مصري متخصص في التاريخ وله عدة كتب بالعربية والانجليزية
More Posts
مواضيع مشابهةالبحرين, التاريخ, الخليج العربي, العرب, الفرس, ايران, دلمون, عربية, فارس, مملكة البحرين