فكرت
كثيراً قبل أن أكتب أي شيء أو أعلق على المبادرة العربية التي تم طرحها
مؤخراً، وجدت نفسي في موقف صعب جداً أمام هذه المبادرة ماذا أقول ؟ أين
أقف ؟؟ بصراحة ليس لي ثقة بكل أطراف المبادرة من الجهة التي دعت إليها و
هي الجامعة العربية وصولاً للنظام السوري الفاقد الشرعية مروراً بالمعارضة
السورية المبتدئة المشتتة التي لم تكن على قدر المسؤولية و تتحمل أعباء
المرحلة ، و الضحية الوحيدة في هذا المشهد المعقد هو الشعب السوري و لهذا
السبب و كرامةً لتضحيات شعبنا العظيم و أملاً منا بوقف قتل السوريين كل
يوم و التخفيف من معاناتهم التي تسقط من حسابات الكثيريين ، دعونا لا
نتسرع فنقبل أو نرفض مبادرة الجامعة العربية و لن نريد فقط أن نفكر بها و
نكون ايجابيين ليس لنختبر حسن نوايا النظام السوري فنحن نعرفه جيداً فمن
عاشر القوم أربعين عاماً لا بد أن يدرك مع أي صنف من البشر يتعامل و لكنها
محاولةٌ منا لتضييق الخناق على النظام و حشره في زاوية محددة و سحب
الذرائع منه،
فلا حرج علينا أن نذهب
لأكثر من هذه المبادرة مع النظام فذلك برأيي لا يشكل خيانةً لدماء شهدائنا
الأبرار فأحياناً تضطر إلى التفاوض و التباحث مع المجرمين و القتلة للتوصل
إلى حل ما ينقذ الرهائن الأبرياء (الشعب السوري) و هذا الأمر ينطبق على
الأعداء أيضاً فيمكننا أن نتفق مع أعدائنا على هزيمتهم و انتصارنا فأعظم
الإنتصارات تكون انتصارات سياسية تتحقق في أروقة السياسة كما أن أكبر
الهزائم هي الهزائم السياسية كلنا يتذكر على سبيل المثال كيف قضت اسرائيل
على منظمة التحرير الفلسطينية عبر اتفاق اوسلو الأمر الذي لم تقدر عليه
عبر عشرات السنين من الحرب على كافة الجبهات و الأمثلة في هذا الشأن كثيرة
كثيرون
قد لا تعجبهم الأفكار التي تفوهت بها ليس هناك مشكلة ليكن هذا تدريب نفسي
لكل من لم يعتد على تقبل رأي الآخر ، لي الحق بأن أطرح ما أرى من أفكار
بكل حرية و لكم الحق بأن تتفقوا أو لا تتفقوا مع أي منها تتبنوها أو
ترفضوها و لكن أرجوكم لن نقبل بعد الآن من أي كان بخطوط حمراء يحدد فيها
مسار أفكارنا و تطلعاتنا الخط الوحيد الذي سنلتزم فيه هو حرية الآخرين و
حقوقهم و خصوصياتهم
تأتي هذه المبادرة
العربية في وقت حرج حيث ازداد الوضع السوري تعقيداً فقد اتفق المجلس
الوزاري غير العادي للجامعة العربية مساء يوم الأحد الثاني و العشرين من
الشهر الجاري على إطلاق بوادر حل غير واقعي ولكننا سنتعامل معه بواقعية
فمما جاء فيه تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها السلطةو المعارضة تشرف
هذه الحكومة المشكلة على إقامة نظام تعددي ديموقراطي و تشرف على إقامة
انتخابات حرة و نزيهة بالإضافة إلى تفويض الرئيس بشار الأسد صلاحياته
لنائبه و بالتالي إحداث جزء من التغيير المرجو بدون خسارة ملايين الأرواح
، أنا لا أرى بهذه المبادرة حلاً للأزمة السورية و لكنها من الممكن أن
تشكل أرضية أو تصور مبدأي يقودنا إلى الحل و هو إسقاط النظام القائم لذا
يمكن للمعارضة السورية أن تستثمر أي طرح و تحوله لصالحها ، يمكن أن تتعامل
مع هذه المبادرة بواقعية شديدة بعيداً عن كل العواطف و رغم كل الجراح ،
منكم من سيقول أنه لايمكن أن نشارك النظام بحكومة ما فأرد عليه بأن النظام
السوري بنيته التي تشبه العصابة في تركيبها لن تمكنه من الصمود ليوم واحد
في هذه المعدلة فهو لا يستطيع تقاسم السلطة مع أحد سيسقط من أول يوم يوقع
فيه على مثل هذا الكلام و سيفقد السيطرة على الدولة لأنه يحكم كل شيء
بالأمن و يستمد تأيدده تحت وطأة السلاح و لهذا السبب كان رد النظام حاسم
على المبادرة فهو رفض المبادرة العربية بفزع و هلع كبيريين ، ولكن لا
تعولوا على رفض النظام السوري للمبادرة فهو رفض في البداية كل ما وافق
عليه حتى الآن من تنازلات
و أما عن
تفويض الرئيس بشار لصلاحياته لنائبه فمجرد التفكير في هذا الأمر بفقد بشار
الأسد كل ما تبقى له من ثقته و من هيبته ، صدقوني سيجد نفسه في مأزق حقيقي
إذا دفعت كل الأطراف باتجاه هذا الطرح
أخيراً
و ليس آخراً أنا و مثلي الكثيريين من السوررين نفكر بالتقليل من معاناة
شعبنا في سوريا و التقليل من عدد الضحايا الذين يسقطون كل يوم و مقاتلة
النظام على كل الجبهات و منها الجبهة السياسية و بالمناسبة هذه الجبهة هي
الجبهة الأضعف لدى النظام السوري فهو يمتلك من الغباء و الارتباك السياسي
ما هو كفيل بإسقاطه لوحده ، و يمكن للمعارضة السورية و ببساطة أن تركز
على هذا الجانب من الصراع لتحقق انتصاراً سهلاً و أقل تكلفة مع استمرارية
تحركها و بنفس الزخم على كل الجبهات،
ليس
من الضروري بل ليس من الطبيعي أن تتفق المعارضة على كل شيء و لكن فيما
يتعلق بالجبهة السياسية برأيي من السهل أن تتوحد المعارضة فيتكلم الجميع
بصوت واحد و لكن كلٌ من مكانه ،
إلى كل مهتم بالشأن العام فكر قبل أي شيء بما يعانيه السوريون و ما سيعانوه لاحقاً
عاشت سوريا , عاشت سوريا , عاشت سوريا و يسقط كل شيء
كاتب سوري في المهجر