بقلم: محمد فاروق الإمام-
بداية لابد من الإشارة إلى أن على كل المسؤولين الدوليين إذا أرادوا نجاح
مهماتهم في سورية سلباً او إيجاباً عليهم أن يلتقوا بأصحاب القرار والفعل
على الأرض، وليس بلقاء (أخيلة المآتى) الذين لا يملكون من الأمر شيء إلا
تسويق ما يريده أصحاب الغرف المقفلة والسيارات الفارهة والمكاتب الفاخرة،
وإلا فكل لقاءاتهم مع أصحاب الكروش المتهدلة والابتسامات الباهتة هو مضيعة
للوقت وإعطاء المزيد من الفرص لمافيا النظام في استباحة دماء السوريين
وإزهاق أرواحهم ودفعهم إلى النزوح والهجرة وإخلاء المدن والبلدات والقرى
المدمرة، مترافقة مع عمليات السلب والسرقة والنهب المنظم، تعويضاً لهؤلاء
الجبناء الأوغاد عن توقف النظام في دفع رواتبهم وأجورهم، بعد أن نضب ما
لديه من سيولة نقدية، وحوّل كل ما وصله من إعانات ومساعدات إلى أرصدته خارج
البلاد، وما جناه من بيع أصول الخزينة السورية وذهبها الاحتياطي، للنجاة
بنفسه إذا ما وجد أن سفينته تغرق.
-
يوم أول أمس التقى رئيس بعثة المراقبين الدوليين الجنرال الدنمركي روبرت
مود بفيصل مقداد المسمى الوظيفي له (نائب وزير الخارجية للنظام السوري)
ووظيفته الفعلية (ببغاء ينقل ما يملى عليه)، وسخرت من هذا اللقاء لأنه لن
يثمر ولن يحقق أي شيء على الأرض، كوني أعرف دخائل الأمور للنظام السوري بعد
تجربتي معه لنحو نصف قرن، وفي هذا السياق تحضرني هذه المعلومة لتؤكد ما
ذهبت إليه:
في سبعينات القرن الماضي رفعت قوائم البعثات والمنح الدراسية إلى عضو
القيادة القطرية لحزب البعث جابر بجبوج للتصديق عليها، ففوجئ بأن القوائم
تضم 80% من أبناء محافظتي اللاذقية وطرطوس، و20% من باقي المحافظات فاعترض
عليها وأعادها للجنة التي وضعتها مع إبداء ملاحظاته لتعديلها، ولما كانت
هذه اللجنة لا حول لها ولا قوة اتصل رئيسها برفعت الأسد الذي هو من حول هذه
القوائم إلى اللجنة وأمرها برفعها لعضو القيادة القطرية بجبوج لتوقيعها،
فما كان من رفعت الأسد (شقيق الرئيس حافظ الأسد وقائد سرايا الدفاع) إلا أن
حمل هذه القوائم وذهب إلى مكتب بجبوج وطلب منه توقيعها، ولما أبدى
ملاحظاته حول انتقاء الأسماء جاءه الجواب (بصقة) من العيار الثقيل على
وجهه، فوقع بجبوج القوائم وهو مطأطئ الرأس لا ينبث ببنت شفة.
-
ولعل ما تحدث به السيد آفاق أحمد مدير مكتب رئيس فرع المخابرات الجوية،
الذي انشق عن النظام، في لقاء أجرته معه قناة الحوار يوم أمس الثلاثاء 1/5
والذي أكد فيه أن كل ما يجري في سورية هو من تخطيط وتنفيذ الأجهزة الأمنية
وهي ليست مسؤولة أمام أي سلطة أخرى حتى القصر الجمهوري فهم من يقررون
وينفذون، هو دليل واضح من رجل كان أحد العناصر الفاعلة في جهاز أمني يتحكم
في مفاصل الدولة والحياة الشخصية لكل مواطن سوري.
من هنا فإن مصيبتنا في سورية أن مسؤولي العالم وسياسيه يظنون أنهم يتعاملون
مع نظام في سورية تضبطه الأنظمة والقوانين واللوائح، فيعقدون مع رموزه،
كما يتخيل لهم ذلك، اللقاءات والمفاوضات ويوقعون معهم على الاتفاقيات،
ويفاجئون بأن لا شيء يحدث على الأرض مما أبرموه من اتفاقيات لم تكن سوى حبر
على ورق، فاقدة القيمة والتفعيل، ولا تساوي قيمة الحبر الذي وقعت به، وهي
تساوي فقط حجم من وقعها، والدليل ما وقعته الجامعة العربية مع المسؤولين في
النظام، وما وقعته الأمم المتحدة لاحقاً معهم، ولم يحصد هؤلاء وهؤلاء إلا
العبث والدوران في حلقة مفرغة، عليهم كما قال المعلم وزير خارجية النظام عن
المراقبين العرب، وهذا ينسحب على المراقبين الدوليين، أن يتعلموا السباحة
قبل المجيء إلى سورية!!
من هنا فإنني أدعو العالم الذي خبر ألاعيب هذا النظام وحيله وفبركاته وكذبه
وتضليله وخداعه وغشه وغدره على مدار ثلاثة عشر شهراً، إلى الوقوف للحظة
واحدة وقفة جد مع هذا النظام لوقف شلال الدم وآلة القتل، التي اتت خلال
ثلاثة عشر شهراً على أكثر من 12000 ألف شهيد وأضعافهم من المفقودين والجرحى
والمعتقلين والنازحين والمهجرين، وأنه آن لهذا العالم أن يتخذ القرار الذي
ينهي هذه المهزلة المأساة ويضع حداً لها قبل أن يتسع الشرخ وينفلت الأمر
من يده وبالتالي دفع سورية إلى أتون حرب أهلية مدمرة مهلكة، ستنجر إليها
دول الإقليم وبعض دول العالم مكرهين، وسيدفع هذا العالم شاء أم أبى فاتورة
هذه الحرب العبثية المجنونة إن وقعت لا سمح الله!!