قدمة: قبيل هجوم قوات الغزو الصليبي على عاصمة الرشيد، ضمني جمع مع أحد
المتصوفة، وكان يتحدث وهو يقسم بأغلظ الأيمان أنه رأى علي بن أبي طالب –
رضي الله عنه– شاهراً سيفه ذو الفقار، يترقب الأعداء على أبواب بغداد ولن
يسمح لهم بدخولها أبداً، ولم يكن الرد سوى ألن تكفوا عن خرافاتكم،
واعتمادكم على أحد غير الله؟! وما هي إلا أيام قليلة جمعت فيها الأحزاب
جيوشها واتجهت إلى البصرة التي سجلت إحدى قراها (أم قصر) صموداً يشهد لها
استمر عشرون يوماً، قبل أن تسقط ويتوغل الصليب من الجنوب وبشكل سريع نحو
بغداد وسط انهيار مريع للجيش العراقي، وخلال أيام قليلة تم إكمال السيطرة
على بغداد، ولم يظهر علي، ولم يدفع بسيفه الغزاة.
وبنفس هذه العقلية واعتقاد أن أحداً ينفع أو يضر – غير الله– سواء كان
حياً أو ميتاً، تجده لدى القادة في إيران وعلماء الإمامية الذين يصرون في
كل مناسبة أن يدسوا أنف المهدي في حديثهم، دون أن يدرك هؤلاء أن لله:”
دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ
لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ
فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ”[1]، “قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم
مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ
تَحْوِيلاً، أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ
الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ
عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً”[2].
ولمعرفة هذه العقدة، عقدة الإمام المهدي المنتظر لا بد من إلقاء نظرة على هذه العقيدة بداية.
عقيدة الإمام المهدي:
عند الشيعة:
في كتابه (عصر الظهور) وتحت باب “عقيدة الشيعة في الإمام المهدي عليه
السلام” يكتب الشيعي علي الكوراني عن عقيدة الإثني عشرية في الإمام
المهدي:” الاعتقاد بإمامة الأئمة الإثني عشر من أهل البيت عليهم السلام من
أصول مذهبنا، بل محوره الذي سمي لأجله ( المذهب الإمامي، ومذهب التشيع،
ومذهب أهل البيت عليهم السلام. وسمينا لأجله ( الإمامية، والشيعة، شيعة
أهل البيت عليهم السلام). وأول الأئمة الأوصياء المعصومين عندنا أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وخاتمهم الإمام المهدي المنتظر
محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، الذي ولد في سنة 255هجرية في سامراء،
ثم مدّ الله في عمره وغيّبه إلى أن ينجز وعده ويظهره، ويظهر دينه على
الدين كله، ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. فالاعتقاد
بأن المهدي الموعود عليه السلام هو الإمام الثاني عشر، وأنه حيٌّ غائب جزء
من مذهبنا، وبدونه لا يكون المسلم شيعياً اثني عشرياً”[3].
ويستشهدون لذلك بما وقع في القرآن الكريم من قصه أهل الكهف، والذي مر على
قرية، وقتيل بني إسرائيل حين ضرب بعظام البقرة التي أمروا بذبحها، ومثل
ذلك من الخوارق التي وقعت عن طريق المعجزة، فلا يصح الاستشهاد بها في غير
موضعها”[4].. إضافة إلى حجتهم في أن نوح قد عُمّر ألفاً سنة ولا بأس أن
يعمر المهدي مثله، ويرد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:” إن عمر
واحد من المسلمين هذه المدة أمر يعرف كذبه بالعادة المطَّردة في أمة محمد
– صلى الله عليه وسلم–فلا يُعرف أحد وُلد في دين الإسلام وعاش مائة وعشرين
سنة، فضلاً عن هذا العمر، وقد ثبت في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه
وسلم– أنه قال في آخر عمره: ” أرايتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة
منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد” فمن كان في ذلك الوقت
له سنة ونحوها لم يعش أكثر من مائة سنة قطعاً، وإذا كانت الأعمار في ذلك
العصر لا تتجاوز هذا الحد، فما بعده من الأعمار أولى بذلك في العادة
الغالبة العامة، فإن أعمار بني آدم في الغالب كلما تأخر الزمان قصرت ولم
تطل، فإن نوحاً – عليه السلام– لبث في قومه
ألف سنة إلا خمسين عاماً، وآدم – عليه السلام– عاش ألف سنة، كما ثبت ذلك
في حديث صحيح رواه الترمذي وصححه، فكان العمر في ذلك الزمان طويلاً، ثم
أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى السبعين.. كما ثبت ذلك في الحديث
الصحيح. واحتجاجهم بحياة الخضر احتجاج باطل على باطل فمن الذي يسلّم لهم
بقاء الخضر، والذي عليه سائر العلماء المحققون أنه مات، وبتقدير بقائه
فليس هو من هذه الأمة”[5]، إلا إذا كان الإمامية يريدون القول بأن المهدي
ليس من أمة محمد عليه الصلاة والسلام فضلاً على أن يكون من ولده.
وأما عيسى – عليه السلام– فلم يرفعه الله إليه حتى توفاه الله كما جاء في
القرآن الكريم:”"، وكذلك قصة أصحاب الكهف، فقد توفاهم الله تعالى ثم بعثهم
من جديد، ولم يغيبهم وهم أحياء ثم يظهرهم، وهو رد على كذبهم أنه حي ومتخفي
وأنه سيعود بعد أن خلد كل هذه المدة دون موت، وهي عقيدة يعتقد به كل شيعي
إمامي، وفي هذه العقيدة تكذيب واضح لآية من آيات القرآن الكريم– تعالى
الله عما يقولون علواً كبيراً – أن يخلد أحد من البشر ثم يخرج بعد عشرات
السنين بزعمهم،”وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن
مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ” الأنبياء 34، يقول الإمام الطبري في تفسيره
“جامع البيان في تأويل القرآن”:” يقول تعالى – جل ذكره– لنبيه محمد – صلى
الله عليه وسلم–: وما خلدنا أحداً من بني آدم يا محمد قبلك في الدنيا
فنخلدك فيها، ولا بد لك من أن تموت كما مات من قبلك من رسلنا”[6].
وفي موضع آخر من نفس الباب، يتابع الكوراني:” ومن يتصور أن تقديس الأنبياء
والأئمة عليهم السلام، والعيش في عوالمهم، مانعاً من تقديس الله تعالى
وتوحيده، عليه أن يعذر من يرى ذلك درجات من التعظيم شرعها الإسلام، لتنتظم
بها الحياة، وتفتح الطريق إلى تعظيم وتقديس وتسبيح الذي ليس كمثله شيء،
تبارك وتعالى”[7].
ويضيف تحت باب “مقام الإمام المهدي عليه السلام عند الله تعالى”:” وقد
وردت في مصادرنا أحاديث مفصلة في فضائل الأئمة الإثني عشر عليهم السلام
ومقامهم العظيم عند الله تعالى، ومنها أحاديث خاصة بالإمام المهدي المنتظر
– أرواحنا فداه– وأنه نور الله في أرضه، وحجته على خلقه، والقائم بالحق،
وخليفة الله في الأرض، وشريك القرآن في وجوب الطاعة، ومعدن علم الله تعالى
ومستودع سره”[8].
وهذا ما نهى الله تعالى عنه مخاطباً أهل الكتاب:” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ
الْحَقِّ” النساء 171، وما نهى عنه رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام:” لا
تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله
ورسوله”[9].. ومن ينحُ إلى ما قاله الكوراني في أن تقديس الأئمة لا يمنع
من تقديس الله – عز وجل – إنما هو ذاهب إلى قول قريش ومشركيها:” أَلَا
لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ
أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ”
الزمر3.
وقد ظهر عدد من علماء الشيعة ممن فند خرافة الإمام الثاني عشر، أشهرهم
أحمد الكاتب صاحب كتاب “تطور الفكر السياسي الشيعية من الشورى إلى ولاية
الفقيه” الذي يقول حول كتابه:” لقد قلت في كتابي تطور الفكر السياسي
الشيعي: إن وفاة الإمام الحسن العسكري في سامراء سنة 260 للهجرة دون
إعلانه عن وجود خلف له، أدت إلى تفجر أزمة عنيفة في صفوف الشيعة الإمامية
الموسوية وحدوث نوع من الشك والحيرة حول مصير الإمامة بعد العسكري،
وتفرقهم إلى أربعة عشر فرقة، وإن القول بوجود ولد له في السر اسمه محمد
وأنه الإمام المهدي كان قولاً فرضياً فلسفياً سرياً باطنياً قال به بعض
أصحاب العسكري بعد وفاته، ولم يكن الأمر واضحاً وبديهياً ومجمعاً عليه بين
الشيعة في ذلك العصر، وإن دعاوي الإجماع والتواتر والاستفاضة التي يدعيها
البعض على وجدوه وولادته لم يكن لها وجود في ذلك الزمان”[10].
ويقول الكاتب في موضع آخر:” إن تراكم السلبيات والأخطاء في إيران وتفجر
الصراع بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور عام 1988م والرسالة التي بعث
بها الإمام الخميني إلى رئيس الجمهورية يوم ذاك المرشد الحالي الخامنئي
والتي اتهمه فيها بأنه يجهل ولاية الفقيه، كل ذلك دفعني إلى مراجعة
النظرية السياسية الحاكمة والبحث عن جذور الأزمة الديمقراطية ونقاط الخلل
في الأمر، فوجدت أثناء البحث أن المشكلة تمكن في تطرية النيابة العامة
التي يدعي الفقهاء أنها لهم عن الإمام الغائب (محمد بن الحسن العسكري)
والتي تعطي الفقهاء الشيعة الحاكمين وغير الحاكمين سلطات دستورية مطلقة،
وشرعية إلهية مقدسة، تعلو بهم فوق الأمة وتسمح لهم بممارسة الديكتاتورية
والاستبداد باسم الدين، وتحولهم إلى باباوات جدد في إطار إسلامي شيعي،
وتؤدي بهم في النهاية إلى قتل التجربة الإسلامية الوليدة وتحطيمها قبل أن
تشتد وتمتد إلى سائر أنحاء العالم الإسلامي، وإذا كانت إيران تعيش مواجهة
مع الاستكبار العالمي فإن النظام الإسلامي الجديد كان يحمل بذور الانقلاب
والردة عبر نظرية ولاية الفقيه التي كانت ولا تزال محل جدال في الدوائر
العلمية الشيعية ولم تحض يوماً بإجماع العلماء، بل لم تكن معروفة لديهم من
قرون.. وبالرغم من أن نظرية ولاية الفقيه شكلت خطورة متقدمة في الفكر
السياسي الشيعي بالنسبة لنظرية الانتظار السلبية التي شلت الشيعة طوال
قرون وأخرجتهم من التاريخ وألقت بهم في كهوف الغيبة والتقية والجمود، فإن
نظرية ولاية الفقيه شكلت أيضاً، بإعطائها الصلاحيات المطلقة للفقهاء
وادعاء الشرعية الإلهية والتعالي على إرادة الأمة.. شكلت خطراً كبيراً على
الإسلام والشيعة والتشيع والتجربة الثورية الإيرانية”[11].
وكذلك محمد بن مهدي شمس الدين اللبناني صاحب مقولة أن ولاية الفقيه
استبداد ديني، الذي انتقد طويلاً نصر الله مؤكداً أنه لا يجوز لأحد أن
يحمل اسم الله عز وجل.. أو أن يتسلط على الناس باسمه تعالى.. معتبراً أن
حزب الله لا يحمل مشروعاً وإنما يملك خطاباً، والخطاب لا يمكن أن يستقطب
مجتمعاً، ومن أقواله كذلك:” إن خطاب التشيّع، خطاب الحسين، خطاب عاشوراء،
هو خطاب العيش المشترك في لبنان، لا بلقلقة اللسان، والشعارات الجوفاء، بل
بالعيش الواحد الذي يقوم على ثوابت الكيان اللبناني، وثوابت الدولة
والمجتمع في لبنان، العيش الواحد الذي يعترف للآخرين بكرامتهم وبحريتهم
وبثقافتهم وبكياناتهم الداخلية، لا يهرّج عليهم ولا يهيمن عليهم بشعار
القداسة.. لا تجعلوا الحسين (ولا تجعلوا المقاومة) حجراً تلقمون به أفواه
الآخرين، أو ترجمون به الآخرين، أو تخضعون به الآخرين، أو تحاربون به
الآخرين”.
بينما جعل نصر الله الأمين العام الحالي لحزب الله ولاية الفقيه ولاية
إلهية، بقوله:” الفقيه هو ولي الأمر زمن الغيبة، وحدود مسؤوليته أكبر
وأخطر من كل الناس، نحن ملزمون بإتباع الولي الفقيه ولا يجوز مخالفته
فـ(ولاية الفقيه) كولاية النبي صلى الله عليه وآله والأمام المعصوم،
وولاية النبي والأمام المعصوم واجبة، لذلك فإن (ولاية الفقيه) واجبة،
والذي يرد على الولي الفقيه حكمه، فإنه يرد على الله وعلى أهل البيت
(ع)[12]“[13].
أي أن الآيات في إيران اخترعوا قصة الإمام الثاني عشر المختفي والذي لا
وجود له، لينقلوا إيران ومن يتبعها إلى العهد السيستاني، الذي كان ينظر
فيه إلى الحاكم أنه ابن إله ويستمد حكمه من الله مباشرة، وهي نفس الصفات
التي ألبسوها بالأئمة والولي الفقيه من بعده، يقول في هذا الشهرودي:” لا
يخفى علينا أنه عليه السلام، وإن كان مخفياً عن الأنام ومحجوباً عنهم، ولا
يصل إليه أحد، ولا يعرف مكانه، إلا أن ذلك لا ينافي ظهوره عند المضطر
المستغيث به الملتجئ إليه، الذي انقطعت عنه الأسباب، وأغلقت من دونه
الأبواب، فإنه إغاثة الملهوف، وإجابة المضطر في تلك الأحوال، وإصدار
الكرامات الباهرة، والمعجزات الظاهرة، هي من مناصبه الخاصة، فعند الشدة
وانقطاع الأسباب من المخلوقين، وعدم إمكان الصبر على البلايا دنيوية أو
أخروية، أو الخلاص من شر أعداء الإنس والجن، يستغيثون به، ويلتجئون
إليه”[14]، وهو نفس ما ذهب إليه الخميني في كتابه “الحكومة الإسلامية” تحت
باب “الولاية التكوينية”:ولاية والحاكمية للإمام (ع) لا تعني تجرده عن
منزلته التي هي له عند الله، ولا تجعله مثل من عداه من الحكام. فإن للإمام
مقاماً محمودا ً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها جميع ذرات هذا
الكون. وإن من ضروريات مذهبنا أن لائمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب، ولا
نبي مرسل”[15].
وفي خطبة ألقاها بمناسبة مولد الإمام المهدي يوم السبت 28 حزيران 1980م
الموافق 15 شعبان 1400هـ، أذاعها راديو طهران، وتناقلتها وسائل
الإعلام[16]، يقول الخميني:” لقد جاء الأنبياء جميعاً من أجل إرساء قواعد
العدالة في العالم، لكنهم لم ينجحوا، حتى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي
جاء لإصلاح البشرية، وتنفيذ العدالة، وتربية البشر لم ينجح في ذلك، وإن
الشخص الذي سينجح في ذلك ويرسي قواعد العدالة في جميع أنحاء العالم في
جميع مراتب إنسانية الإنسان وتقويم الانحرافات هو المهدي المنتظر، فالإمام
المهدي الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخراً من اجل البشرية، سيعمل على
نشر العدالة في جميع أنحاء العالم، وسينجح فيما اخفق في تحقيقه الأنبياء..
إن السبب الذي أطال سبحانه وتعالى من أجله عمر المهدي عليه السلام، وهو
أنه لم يكن بين البشر من يستطيع القيام بمثل هذا العمل الكبير حتى
الأنبياء، وأجداد الإمام المهدي عليه السلام لم ينجحوا في تحقيق ما جاءوا
من اجله .. ولو كان الإمام المهدي عليه السلام قد التحق إلى جوار ربه، لما
كان هناك أحد بين البشر لإرساء العدالة وتنفيذها في العالم، فالإمام
المهدي المنتظر عليه السلام قد ابقي ذخراً لمثل هذا الأمر.. إنني لا أتمكن
من تسميته بالزعيم، لأنه أكبر وأرفع من ذلك، ولا أتمكن من تسميته بالرجل
الأول، لأنه لا يوجد أحد بعده وليس له ثان، ولذلك لا استطيع وصفه بأي كلام
سوى المهدي المنتظر الموعود، وهو الذي أبقاه الله سبحانه وتعالى ذخراً
للبشرية “[17].
وفي عام 2008م أنتج فلم يحمل اسم (313) من قبل شيعة باكستانيين مقيمين في
بريطانيا، وترجم إلى العربية والفارسية والأردية، وتم عرضه منتصف عام
2009م مع حملة ضخمة قاموا من خلالها بالترويج لهذا الفلم وتوزيعه مجاناً
عبر شبكة الانترنت، وفيه تم الكشف عن حقيقة الأعمال التي سيقوم بها المهدي
المنتظر في حال ظهوره، وخروجه من سردابه، والتي تمتلئ بها كتب الإمامية من
تكفير كل من لا يقول بالأئمة الإثني عشر، وهذا الإمام المختفي، وتحليل دمه
وماله وعرضه[18]، كما جاء في الأحاديث التي زعموا أنها مروية عن الإمام
أبي جعفر:” لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه
مما يقتل من الناس، أما انه لا يبدأ إلا بقريش، فلا يأخذ منها إلا السيف
ولا يعطيها إلا السيف، حتى يقول كثير من الناس: هذا من آل محمد لو من آل
محمد لرحم”[19]، ونقلوا عن أبي عيد الله عليه السلام:” إذا قام القائم هدم
المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه”[20]، وعن أبي جعفر كذلك رووا:” أما لو
قام قائمنا، وردت إليه الحميراء – يقصد عائشة رضي الله عنها– حتى يجلدها
وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة”[21]، وفي الأنوار النعمانية يُخرج أبا بكر
وعمر رضي الله عنهما من قبريهما ويصلبهما ويحرقهما[22]“[23].
ويقول الشيخ أحسان إلهي ظهير – رحمه الله–:” ومن أكاذيب الشيعة الشنيعة،
والكره الذي توارثوه عن اليهودية والمجوسية الذين دُمرت شوكتهم، وقضي على
سلطانهم وملكهم من قبل مسلمي العرب، وعلى أيدي قادتهم في قريش، ومن شده
نقمتهم وحسدهم وحقدهم، قالوا: إن القائم يبدأ أول ما يبدأ بقتل قريش
وصلبهم، الأحياء منهم والأموات، ويضع في العرب السيف.. واخرج المجلس في
(البحار) عن جعفر أنه قال:” إن القائم يسير في العرب في الجفر الأحمر، قال
(أي الراوي، وهو رفيد مولى ابن هبيرة) قلت: جعلت فداك، وما في الجفر
الأحمر؟ قال: فأمرّ إصبعه على حلقه، قال: هكذا، يعني الذبح[24]“[25]، وساق
كذلك الأحاديث التي ذكرناها، وهي عقيدة يعتقدها كل إمامي وينتظر من اجلها
المهدي وما سيفعله بعد خروجه، وقد جسدها الفلم (313)، أي أن عدوه هم العرب
المسلمون، وكل من لا يقول بولاية الأئمة وعصمتهم، وسيكون اقرب اعتقاد عن
هذا المهدي الخرافة أنه المسيح الدجال الذي سيتبعه 70 ألفاً من يهود
أصفهان .
وأول من كتب عن هذا الفلم الباحث السعودي المقيم في بريطانيا عائض بن سعد
الدوسري بمقال في صحيفة المصريون، تحدث فيه عن انتشار فلم سينمائي شيعي
يدعو الشيعة إلى تلطيخ الكعبة بدماء الحجيج ليظهر المهدي المنتظر، ويتحدث
الفلم عن علامات ظهور المهدي مشيراً بعلامتين كبيرتين الأولى تحققت وهي
سقوط العراق وتدميره، والثانية اقتربت وتتمثل في فوضى عارمة في مكة
المكرمة في موسم الحج ووقوع اضطرابات خطيرة وإراقة الدماء حتى تتلطخ أستار
الكعبة بها، وبهذه الفوضى يشير الفلم إلى ظهور المهدي ومعه مجموعة من 313
شيعي يقودون الشيعة لسيادة العالم وحكمه، وتم عرض الفلم قبيل تصريحات نجاد
وخامنئي الذي طالبوا بإقامة مظاهرات واحتجاجات من أجل البراءة من المشركين
في موسم حج عام 2009م، بينما دعا المرجع الشيعي أحمد علم الهدى ممثل مرشد
الخميني في مدينة مشهد الإيرانية يوم الجمعة 30 تشرين الأول 2009م إلى أن
تكون مشهد قبلة المسلمين بدلاً من مكة المكرمة، في دعوة للتخلي عن ركنين
من أركان الإسلام؛ الصلاة التي لا تصح ألا بالتوجه إلى القبلة والحج[26].
ولهذا فإن”انهيار هذا الاعتقاد – أي عقيدة الإمام المختفي – معناه انهيار
الوجود الشرعي لهذا الطائفة التي تمثل أغلبية الشيعة الإمامية في عصرنا،
والتي يقرب عددها من سبعين مليوناً، متفرقين في دول العالم لا سيما إيران
وأذربيجان والعراق ولبنان، وانهيار جميع الأحكام المترتبة عليه. ومنها
ولاية الفقيه، ونظام الحكم الحالي في إيران، والموارد المالية الهائلة
التي تجنى باسم (المهدي)، بل لا شيعة أثني عشرية أساساً بلا وجود لهذا
(المهدي)”[27].
عند السنة:
وأما أهل السنة فلا يعتقدون أن الإيمان بالمهدي ركن من أركان الإسلام أو
أصل من أصول الدين لا يصح الإيمان إلا به، ولم يكفروا أحداً على
أساسه[28]، وإنما هو من الأمور المستقبلية التي اخبر بها رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
“ومن بين الأمور المستقبلية التي تجري في آخر الزمان، عند نزول عيسى بن
مريم – عليه السلام– من السماء، هو خروج رجل من أهل بيت النبوة من ولد علي
بن أبي طالب، يوافق اسمه اسم الرسول – صلى الله عليه وسلم– ويقال له
المهدي، يتولى إمرة المسلمين ويصلي عيسى بن مريم – عليه السلام– خلفه،
وذلك لدلالة الأحاديث المستفيضة عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم– التي
تلقتها الأمة بالقبول، واعتقدت موجبها إلا من شذ”.
و” أنه لم ترد أحاديث عن المهدي في صحيحي البخاري عن المهدي في صحيحي
البخاري ومسلم ولكن جاءت أحاديث في سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجه وفي
المستدرك على الصحيحين للحاكم. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه
منهاج السنة:” إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة
رواها أبو داود والترمذي واحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره كقوله –
صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي رواه ابن مسعود ( لو لم يبق من
الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل من أهل بيتي يواطىء
اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الله الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً
وظلماً)[29]“[30].
ولذا فإن الفرق بين المهدي عند الشيعة والسنة، فرق شاسع وبعيد كل البعد،
فالأول ألبس صبغة الإلوهية وذهبوا إلى أنه مختفي، ومعاذ الله أن يكون قد
خلد رسولاً حتى يخلد من سواه، سيخرج في نهاية الزمان واسمه محمد بن الحسن
العسكري، والثاني رجل من المسلمين من آل بيت رسول الله يجمع الله به شتات
الأمة ويقيم العدل ويعيد الخلافة إلى الأرض واسمه محمد بن عبد الله، مثل
ما قام به القادة المسلمون من قبل وجمع الله بهم الأمة، دون أي تقديس أو
ادعاء أن أحداً يشرع بعد رسول الله –صلى الله عليه سلم–.
عقدة المهدي المنتظر من السلف إلى الخلف:
يقول ابن خلدون في مقدمته:” الإثني عشرية منهم يزعمون أن الثاني عشر من
أئمتهم، وهو محمد بن الحسن العسكري ويلقبونه المهدي دخل في سرداب بالحلة
وتغيب حين اعتقل مع أمه وغاب هنالك، وهو يخرج أخرى الزمان فيملأ الأرض
عدلاً يشيرون بذلك آل الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي، وهم إلى
اليوم ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك، ويقفون كل ليلة بعد صلاة المغرب
بباب هذا السرداب، وقد قوموا مركباً فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج، حتى
تستبك النجوم، ثم ينفضون ويرجئون الأمر إلى الليلة الآتية، وهم على ذلك
لهذا العهد”[31].
وبهذه العقيدة الخرافية التي نقلها السلف إلى الخلف[32]، ورغم تغير الظروف
وتطور العلم، إلا أنه نادراً ما يخلوا يوم إلا وتسمع حديثهم عن الدعوة إلى
تعجيل خروج المهدي المزعوم، ووصل الحال بالكوراني أن ينقل المهدي من
سردابه إلى مثلث برمودا، في مواكبة منه لظروف العصر حيث زعم أن المهدي
يملك أسلحة تفوق الأسلحة النووية التي بيد الغرب منها، تعادل قوتها عشرة
إضعاف ما وصل إليه العالم الآن[33].
وخلال الأسبوع الماضي ورد التهديد بالمهدي المنتظر مرتين على ألسنة القادة
في إيران الأولى كانت على لسان وزير الدفاع الإيراني يوم الأحد 23 أيلول
2012م في مقابلة مع موقع “وورلد نت دايلي” الأمريكي حيث ذهب احمد وحيدي
إلى أن الشيعة يعتقدون أنه مع نهاية العالم ستقوم حروب ضخمة وسيظهر الإمام
المهدي المنتظر، ويقتل جميع الملحدين والخائنين ويرفع لواء الإسلام في
جميع أنحاء العالم”[34]، والثانية كانت على لسان الرئيس الإيراني نجاد
الذي بدأ فيها مصراً على أن يحمل خرافة الإمام في كل مرة يقف بها أمام
الجمعية العامة ليهدد ويزبد، إذ كان أول حديث له في دورتها الـ 60 عام
2006م بالقول:” اللهم عجل لوليك الفرج والعافية والنصر، واجعلنا من أعوانه
وأنصاره”[35]، ورغم مرور سنوات ست إلا أن نجاد الدكتور والمثقف لم يكل من
انتظاره كما فعل أجداده من قبل، وأبي إلا أن يدس بالمهدي المنتظر من جديد
في دورة الجمعة العامة للأمم المتحدة الـ 67بالقول:” أنه سيأتي مصحوباً
بيسوع المسيح وحكماء كي يؤمنوا مستقبلاُ زاهراً أبدياً”[36]، ويضيف:” إن
وصول الإمام المهدي هو من سيضع حدا ً للطغاة وسوف يبدأ حقبة جديدة من
العدالة.. وسيلغي كل الخرافات ويعلم الشعوب العدالة”[37]، وحتى في مؤتمر
دول الانحياز الذي أقيم في 30 آب الماضي في طهران كان نجاد مصراً على
الحديث عن هذه الخرافة!!
وعلى هذه الخرافة التي بناها الشيعة في الغلو في الأئمة، ولظنهم أن المهدي
يملك أمر السموات والأرض تجدهم في كل مناسبة يدسونه في تهديداتهم،
اعتقاداً منهم أنه سيضرهم أو ينفعهم من دون الله، مما يدلل أنهم كاذبون
فيما يملكون من سلاح رغم عشرات ومئات التجارب التي يجرونها يومياً على
الصواريخ والأسلحة الثقيلة والطائرات، وتهديدهم بمسح إسرائيل عن الخارطة
وتسوية القواعد الأمريكية بالأرض، وكان المفترض بالدكتور نجاد أن لا يتحدث
عن خرافة صنعها العقل الإنساني وبنى عليها عقيدة فاسدة، إذ كان يتحدث أنه
يريد أن ينهي الخرافات، فالأصل أن يبدأ بنفسه ويتعلم كيف يحرر عقله من
براثن الخرافات!!
وفي هذا يقول ابن تيمية:” سواءً قُدر وجوده أو عدمه، لا ينتفعون به لا في
دين ولا دنيا، ولا عَلّمَ أحداً شيئاً، ولا يعرف له صفة من صفات الخير ولا
الشر، فلم يحصل به شيء من مقاصد الإمامة ولا مصالحها، لا الخاصة ولا
العامة، بل إن قُدّر وجوده فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع أصلاً، فإن
المؤمنين به لم ينتفعوا بع، ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة، والمكذبون به
يعذّبون (عندهم) على تكذيبهم به، فهو شرً محض لا خير فيه، وخلق مثل هذا
ليس من فعل الحكيم العادل.. فإن قيل بسبب ظلم الناس احتجب عنهم قيل كان
الظلم موجوداً في زمن آبائه وما احتجبوا.. ثم المؤمنون به قد طبقوا الأرض
فهلا اجتمع بهم في بعض الأوقات، أو أرسل إليهم رسولاً يعلمهم شيئاً من
العلم والدين؟!.. فإذا كان هو لا يمكنه أن يذكر شيئاً من العلم والدين
لأحد لأجل هذا الخوف، لم يكون في وجوده لطف ولا مصلحة، فكان هذا مناقضاً
لما أثبتوه، بخلاف من أرسل من الأنبياء وكُذَب، فإنه بلغ الرسالة وحصل لمن
آمن به من اللطف والمصلحة ما هو من نعم الله عليه، وهذا المنتظر لم يحصل
به لطائفته إلا الانتظار لمن لا يأتي، ودوام الحسرة والألم، ومعاداة
العالم، والدعاء الذي لا يستجيبه الله، لأنهم يدعون له بالخروج من نحو
أربعمائة وخمسون سنة ولا يجابون”[38].. ولا زالوا رغم مرور سبعمائة سنة
جديدة من عصر ابن تيمية رحمه الله وهم لا يجابون، والله قد تحداهم:” إِنَّ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”[39]، ولكنهم ما زالوا
مصرين على الإيمان بهذه الخرافة، حتى وإن أصبحوا بمراكز علمية كبيرة مثل
الدكتور أحمدي محمودي نجاد وغيره كثير!