بقلم: فارس خشّانمنذ اندلاع الثورة في سورية، يقدّم النظام، موعدا تلو الموعد لإعلان
انتصاره على “المؤامرة الكونية” التي لا يخوضها، في حقيقة الأمر،سوى شعب
مغلوب على أمره، ومتروك من الجميع، ومتآمر عليه من الجميع، ومحاصر من
الجميع، وملاحق من الجميع!
الأبواق المعلنة لانتصار الأسد، إحتارت في صياغة عبارات “الوعد الكاذب”.
حينا يحدثونك بالنسب. يقولون لك إن نسبة 60 بالمائة انتهت وتبقى 40
بالمائة قيد المعالجة. وحينا آخر يعدونك بيوم الحسم، على طريقة “ثلاثاء”
العماد ميشال عون. تارة يتحدثون معك بلغة المساحيق، لجهة التنظيف والتطهير.
وطورا يتوقعون إعلانا ختاميا في أسبوعين، كما هو حاصل حاليا!
“إنتصار الأسد” لن يأتي موعده أبدا. لقد بات أشبه بهلوسات مجنون، وبآمال مقامر، وبحلم إبليس بالجنّة!
لقد خسر كل ما كان يعينه على حكم الشعب السوري بسطوة الإرهاب!
كان يخيف. أصبح خائفا!
كان يحبس الأنفاس. أصبحت الأنفاس تحاصره!
كان يخرق خصوصيات الناس. أصبحت خصوصياته مَضحكة العالم!
كان يخترق بمدنية زوجته عقول بعض السذج. أصبح بحاجة إلى أن يلغي عنها صفة “زوجة المجرم” !
كانت المدن موطئا لقدميه. أصبحت جبهات يتباهى بتدميرها واجتياحها وقتل أطفالها وشيوخها ونحر شبابها !
كان يمنح العفو العام. أضحى بحاجة الى من يُعفي عنه!
كان يلعب على الوقت. أصبح الوقت يلعب به!
كان يبيع نفسه للعالم على اساس أن علاقته بإيران مجرد خيار. أصبح مجرد بيدق بيد إيران!
كان يختار حلفاءه في الكون. أضحى رهينة بيد الروس!
يظن أن بقاءه في سلطة منقلب عليها، هو الإنتصار. في حين يعرف كل استراتيجي
أن استمرار الثورة السورية بزخمها وعطاءاتها وتضحياتها، على الرغم من الخلل
المخيف في ميزان القوة، هو خسارة نهائية لحقت بالأسد وبنظامه!
يحاول أن يعلن انتصاره، بسكاكين تذبح وبرصاصات تقتل وبدبابات تجتاح وبقذائف
تُدمّر، وكأن الناس لا ترى شعبا يقدّم نفسه، طواعية، للموت، حتى يسقط
الطاغية!
جلّ همّه أن يوحي بأن نظامه عاد الى ما كان عليه ، قبل اعتداء مخابراته على
أطفال في درعا، وكأن الناس عمياء لا ترى كيف أسقطت درعا القناع عن وجهه،
وكيف تحوّلت الثورة السورية الى نهر أميركي، يختفي في مدينة ليظهر في أخرى!
يستطيع بشار الأسد أن يجتاح كل مدن سورية، ولكنه يعجز عن إعادتها إليه!
يستطيع بشار الأسد أن يأسر كل عائلات الدبلوماسيين والضباط والسياسيين، ولكن الطاعة لن تكون له أبدا!
يستطيع بشار الأسد أن يبتز كل رؤساء الطوائف من أجل موالاته، ولكنه لن يستطيع أن يجد من يستمع إليهم!
لا مفتي سوريا، ولا بطريرك لبنان، باتا يصلحان لأكثر من مهمة يتولاها “محلل
سياسي” و”نائب سابق” و”وزير سابق” جرت صناعتهم في غرف المخابرات!
كل القمم الروحية التي يعقدها المتكئون على بعضهم لإنقاذ بعضهم، تسقط
بوثيقة تصدر عن جماعة الإخوان المسلمين في سورية، حيث لا يخجل “الطائفي” من
المدنية، ولا يخشى المسلم من المسيحي، ولا يتباهى الرجل على إمرأة.
لن ينتصر الأسد، وهو تسبب بخسائر لا تعوّض لكل من تعاطف معه أو دعمه!
حكومة لبنان الموالية له …تترنح!
صورة حسن نصرالله ..تتمزّق!
إعلام بشار الأسد لو صدق فهو كاذب، وإعلام الثوار، لو كذب، فهو صادق!
الإنتصار على الثورات لا تصنعه التحاليل، بل هو نتاج إرادة صلبة لتحقيق الأحلام مهما كانت مستحيلة!
قُتل القذافي، وهو يَعِد نفسه ، بكل لحظة، بالقدرة على تحقيق الإنتصار!
وقبله هكذا انتحر أدولف هتلر!
وقبله، هكذا سحق نيكولا تشاوشيسكو في قصره!
وقبله، هكذا استيقظ سلوفودان ميلوسوفيتس (المحمي من روسيا) في زنزانة السجن!
الثورات الحقيقية لا تنتصر بالتحاليل، بل بلحظة لم يكن ينتظرها أحد!
بلحظة مماثلة، سقط الإتحاد السوفياتي!
بلحظة مماثلة، هرب زين العابدين بن علي!
بلحظة مماثلة، غطّ الإمام الخميني في إيران!
بلحظة مماثلة، سقط نظام جنوب إفريقيا العنصري والعرقي!
بلحظة مماثل، إنهارت صربيا السفّاحة!
بلحظة مماثلة، خرجت كتائب الأسد من لبنان!
دائما، يملك الحكام المنتفض عليهم القدرة على تسويق أوهامهم وشبقهم وأطماعهم، ولكنهم دائما يخسرون!
دائما، يعجز الثوار عن إقناع العقول الباردة بأنهم منتصرون لا محالة، ولكنهم في لحظة يصلون إلى رقبة الطاغية!
في سورية، يمكنك أن تقول ما تشاء، ولكنك لا تستطيع إلا أن تقف برهبة أمام
من يقدم نفسه للموت من أجل الحرية، وأمام من يترك عمله من أجل دعم الأحرار،
وأمام من يهدي أطفاله المذبوحين قربانا للحرية الموعودة، وأمام من يضحي
بشبابه ليتخلّص ممّن يتوسل سلطته ليكون مجرد بطّة في فم… ساقطة!
في سورية، يمكنك أن تحلّل ما شئت، ولكنك لا تستطيع أن تضبط عواطفك وأنت ترى
“بوب أكشن” يواجه دبابة، وطاغية يمضي ليله ونهاره في ملاحقة كاميرا
تلاحقه!
في سورية، يمكنك أن تتكهن كما تريد، ولكنك لا تستطيع أن تسقط من حساباتك
نساء تحوّل الباذنجان الى قنابل مولوتوف، وصبايا يقتلن سهراتهن في صناعة
شعارات الثورة!
في سورية، يمكنك أن تتفلسف ما حببت أن تتفلسف، ولكنك تبقى أعجز من فهم شعب لا يجد من يشكو إليه ظلامته، سوى الله!
في سورية، ليس الصراع بين حاكم وآخر، لينتصر هذا ويخسر ذاك. هو صراع بين
الظالم وبين الحق. هو صراع بين متكسّب وبين الحرية. هو صراع بين من يقتل
خوفا وبين من يقدّم نفسه قربانا. هو صراع بين من يطمع بفتات مائدة بشار،
وبين من يتطلع الى كرامته المهدورة. هو صراع بين من يتكل على إيران وسوريا
وبين من يستنجد بالله!
بشّار الأسد ينام على حلم الإنتصار، ليستيقظ على كابوس الهزيمة