لقد بلغ الحديث عن حتمية انتصار الثورة في سورية -وهي جاريةٌ بعد- درجة اليقين.
لماذا؟..
عندما يصبح بقاء تسلّط الحاكم على الشعب، فوق كلّ هدف نبيل وغاية كريمة،
وفوق كل قيمة إنسانية أو خلقية، وفوق كل شأن وطني أو قومي، وفوق كل منطق
سياسي وقانوني، فمن أبرز النماذج المعاصرة على ذلك الحاكمُ الحاليّ في
سورية.. ولهذا تحوّل إلى عبء على الجميع دون استثناء -وليس على شعب سورية
فقط- على الحلفاء الأقدمين كموسكو ومنظمة حزب الله، وأصدقاء الأمس القريب
–على نَدْرتهم وحذرهم- كتركيا، والمناوئين إقليميا كبعض دول الخليج،
وأعداء "سورية" عالميا كالدول الغربية.. بل أصبح عبئا حتى على الحاشية
والأتباع أجمعين، وهم يصنعون كلّ ما يريد، ولا يصل بهم إلى شيء ممّا
يريد!..
عندما يكرّر الحاكم في سورية عزفه العتيق الممجوج، على أوتار الوطنية،
والقومية، والممانعة، والمقاومة، فلا غرابة أن يبقى وحده، يعزف لنفسه مع
جوقته، فلا يوجد إنسان كريم أو شعب كريم -مهما بلغ شأنُ قضيته- يشتري
نصرتَها –على افتراض نصرتها فعلا- بأن يشيح بصره عن التقتيل والتعذيب
والتنكيل على حساب سورية وطنا وشعبا وإرادة وقضية!..
عندما يغرق الحاكم في سورية في خياله الدموي، وينسج الأساطير العبثية حول
شعبٍ تحوّل على لسانه إلى عصابات، فهو من قبيل من يهذي مع نفسه، فلا يوجد
عقلاء داخل الحدود أو خارجها يستمعون إلى تلك الأساطير، ناهيك أن يصدّقها
أحد، وهو يرى رأي العين أنّه لا توجد في سورية سوى عصابةٍ واحدة، يتزعمها
الحاكم، وترسل "فرق الموت"، باسم شبّيحة وقنّاصة، فيتحرّكون ويَفْجُرون،
يداً بيد مع ذوي الزيّ الرسميّ من حرسه، متآخين متكاملين متعاونين فيما
بينهم، يجمعهم رصاص يقتل، وقذائف تدمّر، ويجمعهم الفتك بضحايا تأبى أن
تردّ عليهم بشيء من مثل عنفهم وفق ما يستحقّون.
عندما يُطلق الحاكم في سورية لأبواقه العنان، فيكذبون، ثم يكذبون، ويعلمون
ويعلم السامعون أنّهم يكذبون، فلا ينبغي أن يعجب الشهود في أنحاء الدنيا
لرؤية جميع ما يزعمون وهو يرتدّ جملة وتفصيلا عليه وعلى أبواقه، مع كلّ
رصاصة وقذيفة وضحيّة، فتلقف ما يُلقيه ويُلقون جُزافاً من اتهامات فاجرة،
ضدّ شعبٍ يأبى التلوّث بممارسة القتل والفجور والهمجية، وسوى ذلك ممّا
لطّخ سيرة الحاكم في سورية، طوال أيّامه البائدة، وزادها تلطيخا في الأيام
الأخيرة من وجوده في كرسي التسلّط على سورية وشعبها.
عندما يصبح الحاكم في سورية عاجزاً حتى عن كيل المزيد من وعود المراوغة،
عن مجرّد متابعة إلقاء خطب التضليل "ضاحكا" على أشلاء الشهداء، بدلاً من
إرسال "الشبّيحة" الإعلاميين –في بلد مغلق في وجه الإعلام كلّه- فيفقدوا
بدورهم القدرة على أدنى قدر من الانضباط المنطقي أثناء مواصلة كلامهم
العتيق، والعبثي من كثرة تكراره مع استحالة تصديقه، رغم تمرّسهم الكبير
على التضليل..
عندما يصبح الحاكم في سورية عاجزا عن مجرّد الظهور، أثناء محنته هو، التي
يصنعها هو، داخل سورية، عبر تصعيد مواجهته الهمجية هو لثورة شعب سورية
الأبيّ الثائر..
عندما يسيطر على الحاكم في سورية الظنّ الإجرامي أنّه يضمن استمرار تسلّطه
على الشعب والدولة إذا أطلق الدبابات والرشاشات ضدّ الشعب في الأحياء
والساحات في المدن والقرى في طول الدولة وعرضها..
عندما يتلبّس الحاكمَ في سورية الوهمُ الشيطاني أنّه قادر على البقاء إذا
عذّب الأطفال والناشئة في المعتقلات ثمّ ردِّهم إلى أهاليهم جثثا هامدة
مشوّهة (ألا شاهت وجوه المجرمين!)..
عندما يتصوّر الحاكم المستبدّ الصغير في سورية أنّ باستطاعته أن يدخل سجلّ
التاريخ بين كبار الطواغيت من أمثال فرعون والنمرود، ما دام يصنع ما لم
يصنع مثلَه مستبدٌّ مثلُه من معاصريه من صغار الطواغيت، ولا يتصوّر أن
يردّ شعب سورية عليه، عبر ثورته الأبية، ببطولاتٍ لم يعرف أحدٌ ما يرقى
إلى مثيلها من قبل..
عندما.. وعندما.. والقائمة تطول وتطول، فهل ينبغي استغراب القول:
لقد بلغ الحديث عن حتمية انتصار الثورة في سورية -وهي جاريةٌ بعد- درجة اليقين.