لا أذكر بالضبط نص مقولة قرأتها للشيخ
الفاضل/ عبد القادر الجيلاني - رحمه الله تعالى -، ولكن أذكر معنى عبارته
والتي جاء فيها: "إن ألم بك حال يقلقك، وعملت المستحيل للتخلص منه ففشلت،
ودعوت الله مخلصاً لكشفه عنك، ولم تحصل على ما تريد، ومن ثم لجأت للناس
القريب منهم والبعيد، ولم تجد من يساعدك، فاعلم أن هذا قدرك وعليك الصبر
حتى تنال ما تبغيه". فلو قارنا بين المقولة السابقة، وواقع الثورة السورية لوجدنا تطابقاً مبنياً على نتائج مستنبطة من كلا الحالتين.
فعندما قامت الثورة التونسية أولى الثورات العربية، حاول حاكمها التصدي للثورة وبالقوة المفرطة، ووقف الجيش التونسي خارج لعبة
الحاكم، لتنتصر الثورة التونسية بأقل التكاليف، ثم تلتها الثورة المصرية،
فكانت القوة الضاربة الرئيسية وهي قوة الجيش على الحياد، حتى لم يجد فرصة
أمامه إلا الإطاحة برأس النظام، ثم الثورة الليبية فالجيش ضعيف، والحاكم
مجرم قاتل، واعتماده على المرتزقة، فاعتمد الليبيون على أنفسهم وعلى
الدعاء، وعندما وجدوا أن ثورتهم ومن قام فيها مصيره الفناء، طلبوا من الناس
الحماية، فهب العالم لحمايتهم وانتصرت الثورة، بينما في اليمن، انقسم
الجيش والساسة والأمن، وكان هناك نوع من توازن القوى، وبالتالي كان لا بدّ
من نجاح مبادرة خارجية لحل الأزمة فيها، وتكللت بمبادرة مجلس التعاون
الخليجي والقرار الأممي.
بقيت الثورة السورية قائمة، انطلقت الثورة السورية على أكتاف الفقراء والمثقفين والمظلومين -وما أكثرهم في سورية- سلمية بحتة وشعارات بسيطة للغاية، ولكن النظام
الحاكم في سورية جن جنونه، وانطلق كالحيوان المفترس عندما يفتح له باب
القفص، واستخدم كل وسائل الإجرام، وأمام هذا الإجرام، استمرت الثورة
بسلميتها، وقال الثوار بعد اشتداد الإجرام بحقهم، ومحاولاتهم السلمية
والاعتماد على الذات في التغيير، ومن ثم لجأوا إلى الله - تعالى -،
وشعارهم: الله… أكبر -وما زال-... وما لنا غير الله… وتوكلنا على الله،
والنتيجة تزداد قسوة على الثورة ويمعن النظام بالإجرام مستخدماً كل ما يملك
من قوة، ومن دعم مطلق من مجرمين أمثاله، فطالب الثوار الأمة العربية،
والأمة الإسلامية، والعالم أجمع والمتمثل بمجلس الأمن والأمم المتحدة، ولم
يجدوا لهم لا ناصراً ولا معيناً، إلا بكلمات خجولة، وتهديدات جوفاء لاتسمن
ولا تغني من وقف لإراقة الدماء البريئة.
قد يعتقد البعض في استنتاجه مما ذكر أعلاه، بالقول: أن الكاتب يريد أن يقول: على الثوار أن يستسلموا للواقع، ويقولون إرضاءً
لأنفسهم: أننا فعلنا ما بوسعنا، وهذا هو قدرنا ولا يمكن أن نغير قدراً
مكتوباً علينا.
فلو نظرنا للمقولة من جانبها السلبي لكان الاستنتاج صحيحاً، ولكن عندما ننظر لها من منطلق إيجابي نرى عكس الاستنتاج أعلاه حتماً.
مثال: الخليفة عمر بن الخطاب - رضي
الله عنه - عندما ترك الشام وعاد للمدينة المنورة خوفاً من مرض الطاعون،
فسأله أحد الصحابة: "أهربت من قدر الله يا عمر"، فقال: "هربت من قدر الله
إلى قدر الله".
وهنا نقول: إن قدر الله - تعالى - هو
أن تكون الثورة السورية منتصرة بالاعتماد على ذاتها، وعلى حرائر وأحرار
أبنائها، وستنتصر بعون الله بقدرها هذا.
فقوة الثورة السورية تتصاعد يوماً بعد يوم، وقوتها المتزايدة تأتي من قوات
كانت هي الداعم الرئيسي لعدوها، فصفاء الثورة السورية، ومطالبها
الإنسانية، وإصرار شبابها على المقاومة، جنحت بالكثيرين من الموالين للعدو،
في ترك مكانهم والوقوف بجانب الثورة، فانشقاق جندي واحد يعني، أن العدو
فقد لَبِنَة من بنائه، ووضعت هذه اللبنة في بناء الثورة السورية.
فقدر درعا أن تكون شعلة الثورة، وتلتها حمص لتكون عاصمة الثورة، وحماة
وادلب أذرع الثورة، وريف دمشق وبعض أحيائها شموساً وضاءة في ثورة الحرية،
ومن البادية الشماء دير الزور وواحتها الخالدة، ومن الحسكة عامودا منارة
الشعب الكردي الثائر، وريف حلب الشهباء، وبانياس المجاهدة من طرطوس، وجبلة
والرمل الجنوبي والطابيات والحفة وتوابعهما في اللاذقية.
فقدركم جميعاً أن تكونوا ثواراً مقاتلين أبطالاً، والبطل لا يموت إلا واقفاً، فصبراً
يا ثوارنا الأعزاء الأبطال، فقدركم هو النصر، ولكن النصر بأيديكم، ولن
يخذلكم من عاداكم، فجيشنا الحر اسم على مسمى، وسيركع عند أقدامكم كل من
عاداكم، فأنتم لا تقاتلون نظاماً سياسياً، ولا حاكماً معروفاً، فسورية لا
يوجد فيها نظام حاكم، فيها مجموعات من عصابات إجرامية، تعمل على هواها، لا
تؤمن لا بعرف ولا بدين ولا بشريعة، وقد جعلكم الله قدر ماحق محطم لهذه
العصابات، فاستمروا واصبروا وجاهدوا حتى تطهروا بلاداً مباركة طاهرة، أصيبت
بوباء، فلا سبيل للحياة فيها، إلا بإبادة أسباب ومسببات هذا الوباء.
السبت يناير 07, 2012 12:12 pm من طرف mostafa12