لم
يعد خفياً تعقد مسار الثورة السورية نظراً لتخطي المسألة السورية الحدود
فيما يتمثل بالتداخل الحاصل بين سورية ولبنان من جهة وإعتبار سورية بوابة
المشروع الإيراني في المنطقة من جهة أخرى بالإضافة طبعاً لموضوع إسرائيل
ومسائل خارجية أخرى. لهذا ربما ستسير الثورة السورية واحداً من أوعر
المسارات لكن سيكون جلياً أن الثورة هذه ستغير وجه المنطقة برمتها.
إذا كانت النتائج الخارجية تغيرية لهذا الحد فنتائج الثورة داخلياً ستكون
جذرية نحو الأفضل بتوفيق الله. نعيش في سورية عقوداً من التهميش والإقصاء
السياسي والاقتصادي والعلمي. فخبراتنا السياسية حكماً منفية خارجاً أو
مكبوتة داخلاً، ومشاريعنا التجارية التنموية محصورة في فئة معينة عليك
التفكير ألف مرة كيف تتجنب إعتداؤها إذا هممت بمشروع ما، أو لعلك ملزم
بمشاركتها، أو قم فاستثمر خارجاً وارحل كما رحلت جل النخبة التجارية
بالعمليات التأميمية أو التخريبية الأخرى. أما مستواتنا العلمي فليس بأحسن
حالاً، لقد تحولت سورية من بلد يستورد طلاب العلم للدراسة في جامعاتها
العريقة إلى بلد يصدر طلابه بحثاً عن مستوى أفضل. نتج عن ذلك تراجع في
الثقافة واللغة وطرق التفكير وأمراض أخرى كثيرة، فمعظم عقولنا إستثمرت
لصالح غيرنا، أو أنها قامت بأدوار محدودة في الداخل سرعان ما تم إخمادها
لأن لا مكان في سورية للنوابغ، فالمفاصل الرئيسية حكراً على فاشلين
معينين، وصدق من قال إن البلد تمشي بقدرة قادر! نعم بقدرة قادر، بفضل الله
وحده تمشي البلد، إن الولوج في خبايا مؤسساتنا وفي المصائب المتولدة عنها
سيقنعك بما لا يدع مجال للشك أن هناك قدرة خفية تسير هذا البلد. هل تذكر
مثلاً متى خرج علينا عالم سوري من جامعة ما أو مركز بحث ما في سورية
ليتحدث عن مسألة معينة أو حتى ليؤخذ رأيه بتفسير خبر ما؟ جميع العلماء من
جميع الجامعات يشاركون في المؤتمرات والمنتديات العلمية العالمية إلا
علماء سورية فدائما ً غائبون.
إن نجاح الثورة في السورية سيكشف الغطاء
عن جميع النخب السياسية والاقتصادية والعلمية لتأخذ دورها في عملية
البناء، وسيكون هذا البناء متسارعاً بخطى متقدمة. نعم قد تأخر وتعثر مسار
الثورة في سورية في حين سبقتها باقي الثورات العربية، لكن الأخيرة ما تزال
تناضل بعدما اجتازت القمة الأعلى لتحقيق كامل أهدافها من خلال بقاء القوى
المحركة للثورة (الائتلافات الشبابية) في الميدان إلى جانب العمل السياسي
والإصلاحي الذي تقوم به القوى المنبثقة عن الثورة كل في مكانها. أما
الثورة السورية فستكون بإذن الله الأنجح لأنها ستكشف عن النخب التي لم
تظهر قط ولم تمارس عملها على أرض الواقع بتاتاً، فسورية خلال عقود من
التهميش والإقصاء مازالت خامة في كثير من موارها البشرية والطبيعية لم
تستثمر بعد.
نعم إن طريقنا ليس مفروشاً بالورود والرياحين، وقد يسقط
النظام وتسقط معه الثورة وتسقط سورية أيضاً – لا قدر الله – بفعل العابثين
والانتهازيين والقوى التي تريد النهش من لحومنا والامبريالية العالمية و و
و الخ. لكن الثورة لن تخبو فإما أنك منسحب وتاركها لتتعثر وإما أنك ستشارك
في دعمها وتكون من بنائي سورية المستقبل، وهذا خيارك.