سوسية ثـــــــــــــــائر نشيـط
الجنس : عدد المساهمات : 159 معدل التفوق : 341 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 05/03/2012
| | العيش في جسد ضيق .. سهام الدهيم | |
العيش في جسد ضيق .. سهام الدهيم [b]"معك أقمت في بيت من خيوط العنكبوت ...
لكنني عرفت ُ معنى الاستقرار." غ. السمان
كنت في الثانية عشر من عمري عندما بدأ شعري يطول ويزداد خشونة ولونه الأسود يبهت وأسنان المشط لم تعد متساوية بعد أن تكسرت بداخله، فحين أمشطه بأصابعي أعثر بداخله على عقد صغيرة جداً، فأشدها بأصابع مرتبكة فإذا كل عقدة دودة صغيرة متيبسة، إنها دودة الدقيق "الصرفة" الصغيرة ذاتها التي في كيس الدقيق الذي أعجنه كل صباح. أتقوقع في زاوية الغرفة وأنا أقفز وأصرخ ليأتي أحدهم يساعدني على قص هذا الشعر الذي صار مقبرة !
حلم رأيته في الثانية عشر ربيعاً وكأنه نبؤة لعدم سيقيم في رأسي , فأكون كل العمر بيضة تفقس منها حشرات ميتة لتزداد يقيناً بأنها حشرة لا بشراً !
في غرفة رقمها 2314، في الطابق السابع عشر، أقف أمام نافذة غرفتي المطلة على الحرم المكي،
أنظر إلى الكعبة الصغيرة السوداء المحفوفة ببقع بيضاء لها رؤوس سوداء أصغر، لا تميز أحد منهم، فتكون سواسيتهم مثيرة للاشمئزاز. في ساحات الحرم هناك مجموعات متفرقة ولكنها مشغولة بازدحامها، أضع سبابتي على زجاج النافذة حتى يصير أطول من رجل أبيض أو امرأة سوداء، فابتسم وأنا أهم برفع إصبعي عنهم وأتخيلهم بقعاً ولطخات لا أحد يهتم بهم إلا العمال الذين سيغسلون الممرات منهم.
حين تقام الصلاة وتُكبِّر أمي وأعرف إنها لن تعود قريباً، تَكبر أنت بداخلي وأضغط أرقامك حتى يجيء صوتك البعيد، أحدثك قليلاً بعمر ركعتي الفجر، قبل أن تعود أمي مثقلة برطوبة أنفاس الصباح بينما أنا مثقلة بشوق يضاهي عدد الركعات التي انحت للرب منذ الأزل، وبعدد الركعات التي ستتواصل إلى الأبد. هكذا أنا حين أحب .. أجمل لحظاتي خلسة، أطهر كلماتي في الظلمة، أنقى نبضاتي همساً، وأسمى أحلامي تختبئ في وسادتي، وغضبي صمت لأن الصراخ سيفضح سري. حين أقول "أحبك" أُخلق من جديد، ولكن كلما اشتقت إليك أكثر أتشرنق بمصيدة الوجود وأبدو بلا حيلة كصِرفة ميتة. منذ عرفتك لم ألتقيك بعد، كل ما بيننا رسائل قصيرة بحجم الخمسة والعشرين هللة، وصوت يأتي في نهاية الشهر مفوتر!
في الشوق الأول تلتصق قدمي حتى تنتفخ بالحلقة الأولى في جسم الدودة الصغير ..
متأرجحة بين الخيط الأبيض والأسود في أفق السماء هناك حيث موعدنا، أفتش في غرفتي، أبحث خلف بابها وفي دواليبها وبين طيات الملابس، تحت سريرها وخلف عباءاتي الطويلة المعلقة على الشماعة، عل أحدهم يختبئ في محاولة مداعبة لي أو ربما تنصت لم يحدث بعد، وحين أتأكد بأني وحيدة كعادتي، أحادثك فيوجعني البرد!
الحلقة الثانية التي تتكور بها خاصرتي حيث أصير دودة ..
حين أكتب لك "أحبك" أسمع طقطقة عنقي وهو يلتفت خلفي حتى يتأكد بأني مازلت في فراغ الوحدة أيضاً.. أكتب لك كثيراً عل روحي تنسل من جسدي وتحياك !
الحلقة الثالثة تتكلس أعلى صدري في الظلمة ..
عندما تبتلع الظلمة الجدران والأمتار الأربعة لعرض غرفتي، وتتحد الرخامات الصغيرة لتكون قطعة جليد، تحلق روحي عالياً وقد تركت جسدي يسبح في السواد، لا أكون موجودة إلاّ بصوتي الذي أنثره بالمدى همساً لا يُسترق، وعيناي تحرسان الضوء المستطيل أسفل عتبة الباب. حين يكون النور باب حريتي الظليلة، فهي حرية واهنة لا تنمو إلاّ بالظل لكنها أخاذة بجمالها وندرتها!
وتنتفخ رأسي وتذوب في عنقي وتغوص عيناي لتبدو أصغر بلا أجفان ..
تتكاثر أحلامي بك، حتى تغدو غابة كثيفة متشابكة بأغصانها، أُأثث بيتنا الصغير، نربي طفلنا الأول بين إلحادك وإيماني، أجمع مؤلفاتك ومقالاتك، أدون على الثلاجة قائمة وجباتنا.
أخربش على مرآة الحمام "لا تحلق كل لحيتك، فإن بعثرتها تعجبني" نحتفل بأعيادنا الخاصة بتفاحة حمراء تتوسطها شمعة تحرقنا حين نقضمها معاً لتكون كل ميلاد أنت بدء أنفاسي.
وتفقس البيضات بشوق أكثر مما ينبغي لمثلي، فيزداد جلدي سماكة ويتقوقع جسدي النحيل ويبهت وتتساقط أصابعي ويتلاشى صوتي وعندما ألتفت للمرآة تنكسر عنقي ويتدلى رأسي وعيناي تحملقان بي بلا مبالة وكأني خلقت هكذا .. ولا أنسى قبل العدم أن أغلق هاتفي وكمبيوتري برقمهما السري كعادتي، لتبقى حريتي مشاعة!
[/b] | |
|
السبت مارس 24, 2012 10:30 am من طرف وسيم