إن الصورة التي تحملها في مخيلتك عن الجهاز العصبيّ تشتمل- على الأرجح- على "الدماغ"، وهو النسيج العصبيّ الموجود داخل قحف الرأس (وهو الجزء الأعلى من الجمجمة الذي يحتوي الدماغ)، وكذلك "الحبل الشوكي"، الذي يشكل امتدادًا للنسيج العصبيّ إلى داخل العمود الفقريّ. ما يبيّن أن الجهاز العصبيّ مكوّن من عضوين اثنين، رغم أنك قد لا تفكر في الحبل الشوكي كعضو، لكن بنية الجهاز العصبي معقدة جدًا.
يوجد داخل الدماغ كثير من المناطق المختلفة والمنفصلة التي تكون مسؤولة عن وظائف مختلفة ومنفصلة، ويبدو الأمر كأن الجهاز العصبيّ مكوّن من أعضاء عديدة متشابهة، ولا يمكن التفريق بينها إلا باستخدام أدوات مثل المجهر أو الفيزيولوجيا الكهربية. على سبيل المقارنة، فإنه من السهل رؤية أن المعدة مختلفة عن المريء أو عن الكبد، وبالتالي يمكنك أن تتخيل أن الجهاز الهضميّ عبارة عن تجمّع للعديد من الأعضاء المميزة.
الجهاز العصبيّ المركزيّ والجهاز العصبيّ الطرفيّ
يمكن تقسيم الجهاز العصبيّ إلى منطقتين رئيستين: الجهاز العصبيّ المركزيّ والجهاز العصبيّ الطرفيّ، الجهاز العصبيّ المركزيّ central nervous system أو اختصارًا (CNS) يشتمل على الدماغ والحبل الشوكيّ، بينما الجهاز العصبيّ الطرفيّ peripheral nervous system أو اختصارًا (PNS) فيشتمل على كلّ ما عدا ذلك (انظر الشكل أدناه).
يوجد الدماغ داخل التجويف القحفيّ الموجود في الجمجمة، أمّا الحبل الشوكي فهو موجود في التجويف الفِقْرِيّ داخل العمود الفقري، والقول أن الجهاز العصبيّ المركزيّ هو ما يوجد في هذين التجويفين، وأن الجهاز العصبيّ الطرفيّ هو ما يوجد خارجهما، فيه قليل من التبسيط، ولكن يمكن استخدام هذه الطريقة كبداية في تفكيرنا في هذا الموضوع؛ ففي الحقيقة، هناك بعض مكوّنات الجهاز العصبيّ الطرفيّ موجودة داخل التجويف القحفي أو داخل التجويف الفقريّ. لكنّه سُمي باسمه هذا ﻷنه موجود في المكان الطرفيّ، أي أنه موجود بعد الدماغ والحبل الشوكي. وإذا ما أخذنا جوانب الجهاز العصبيّ المختلفة، فإن الخطّ الفاصل بين المركزيّ والطرفيّ ليس بالضرورة أمرًا شاملًا.
الجهاز العصبيّ المركزيّ والجهاز العصبيّ الطرفيّ" يشار إلى البُنى المكوّنة للجهاز العصبيّ الطرفيّ بالـ"عقد" والأعصاب، والتي تُمكن رؤيتها على شكل تراكيب مختلفة. أما التراكيب المكافئة في الجهاز العصبيّ المركزيّ فهي ليست بمثل ذلك الوضوح، إذا ما نظرنا إليها بهذا المنظور الكليّ، ومن الأفضل دراستها في أنسجة محضّرة تحت المجهر.
يحتوي النسيج العصبيّ، والموجود في كلٍ من الجهاز العصبيّ المركزيّ والطرفيّ، على نوعين أساسيّين من الخلايا: العصبونات (الخلايا العصبيّة ) neurons، والخلايا الدبقيّة glial cells. فـ "الخلية الدبقيّة" هي واحدة من خلايا عديدة تشكّل هيكلًا للنسيج الذي يدعم العصبونات ونشاطاتها المختلفة. أما "العصبون" فهو الجزء الأكثر أهمية من بين الاثنين من حيث الوظيفة، التي هي وظيفة الاتصال التي يقوم بها الجهاز العصبيّ.
من أجل وصف الأقسام الوظيفية للجهاز العصبيّ، يجب علينا فهم تركيب العصبون أولًا، فالعصبونات عبارة عن خلايا، وبالتالي فإن لها جسمًا (جسم الخليّة) soma، ولكنها تمتلك أيضًا امتدادات للخلية، وكل واحدة من هذه الامتدادات تسمى بشكل عام "ناتئًا" process. ويوجد لكل عصبون ناتئٌ مهمّ يسمى بـ"المحوار" (المحوار العصبيّ ) axon، وهو عبارة عن ليف يصل ما بين العصبون وهدفه (سواء كان ذلك خلية عضلية، أو عصبية أخرى، أو غدّة …). وهناك نوع آخر من النتوءات التي تتفرع عن الجسم وهي "التغصّن" (الزائدة الشجريّة) dendrite. والتغصّنات مسؤولة عن استقبال أغلب المعلومات الواردة من العصبونات الأخرى.
بالنظر إلى النسيج العصبيّ، هناك مناطق تحتوي في أغلبها على أجسام خلوية، وأخرى تتكون في أغلبها من محاوير فقط. غالبًا ما يشار إلى هذه المناطق داخل الجهاز العصبيّ بأحد الاسمين: "المادة السنجابيّة" gray matter (والتي تمثّل المناطق التي تحتوي على الكثير من أجسام الخلايا والتغصّنات) أو "المادة البيضاء" (المناطق التي تحتوي على الكثير من المحاوير). يبيّن الشكل أدناه مظهر هذه المناطق في الدماغ والحبل الشوكيّ. أما بالنسبة للألوان التي تُعزى إليها تسمية هذه المناطق، فهي الألوان التي تُرى في النسيج العصبيّ غير المصبوغ، أو "الجديد"؛ فالمادة السنجابيّة (ذات اللون السنجابيّgray) ليست بالضرورة سنجابيّة اللون، فقد تكون زهرية اللون بسبب الدم الموجود فيها، وربما تكون مسمرّة قليلًا، وذلك يعتمد على الفترة التي حُفظت فيها عيّنة النسيج. ولكن المادة البيضاء تكون بيضاء اللون بسبب عزل المحاوير الموجودة فيها بطبقة من المواد الغنية بالمواد الشحمية، تسمى "الميالين" myelin.
فالمواد الشحمية قد تظهر كمادة "دهنية" بيضاء، وهي بذلك تشبه الدهن الموجود على قطعة غير مطبوخة من لحم الدجاج أو البقر. في الواقع، إن المادة السنجابية قد تكون أخذت هذا الاسم الخاص بها ﻷنها عند مقارنتها بالمادة البيضاء المجاورة لها، تكون أدكن منها - ومن هنا جاء الاسم "سنجابيّ".
المادة السنجابية والمادة البيضاء: دماغ أزيل من جسد خلال عملية تشريح جثّة، وهناك قسم جزئيّ قد أزيل، والذي يظهر مادة بيضاء محاطة بمادة سنجابية. المادة السنجابية تشكّل القشرة الخارجية للدماغ. حقوق الصورة: تعديل لعمل من قبل “Suseno”/Wikimedia Commons.
هذا التمييز المذكور بين المادة البيضاء والمادة السنجابية غالبًا ما يذكر عند الحديث عن نسيج الجهاز العصبيّ المركزيّ، والذي يمتلك مناطق كبيرة تمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولكن عند النظر إلى تركيب عصبيّ طرفيّ، فإننا غالبًا ما نحتاج إلى استخدام المجهر، كما أن النسيج يُصبغ بألوان صناعية، وذلك لا يعني أن نسيج الجهاز العصبيّ المركزيّ لا يمكن صبغه ورؤيته تحت المجهر، ولكن الأمر أن النسيج غير المصبوغ غالبًا ما سيكون من الجهاز العصبيّ المركزيّ - مقطع جبهيّ للدماغ أو مقطع عرضيّ للحبل الشوكيّ على سبيل المثال.
بغضّ النظر عن مظهر النسيج المصبوغ وغير المصبوغ، توجد أجسام العصبونات ومحاويرها في تراكيب تشريحية منفصلة بحيث يمكن أن نطلق على كل منها اسمًا. تختلف أسماء هذه التراكيب بحسب مكان وجودها: إما الجهاز العصبيّ المركزيّ أو الجهاز العصبيّ الطرفيّ؛ فالتجمع الموضعيّ للأجسام الخلوية للعصبونات في الجهاز العصبيّ المركزيّ يسمى بـ "النواة "nucleus، أما في الجهاز العصبيّ الطرفيّ فهو يسمى "عقدة" ganglion.
يوضح الشكل أدناه كيف يكون للمصطلح "نواة" القليل من المعاني المختلفة في سياق التشريح والفيزيولوجيا؛ فهي مركز الذرة، والتي توجد فيها البروتونات والنيوترونات، وهي مركز الخلية، حيث يوجد جزيء الـDNA، حيث تشكّل مركزًا لوظيفة ما في الجهاز العصبي المركزيّ. كما أن هناك استخدامًا قد يكون مشوِّشًا للكلمة "عقدة" جمعها عُقَد (ganglia)، وهو أمر له تفسير تاريخيّ. توجد في الجهاز العصبيّ المركزيّ مجموعة من النوى مرتبط بعضها ببعض، وقد كانت تسمى سابقًا بـ"العقد القاعديّة " basal ganglia، وذلك قبل أن تصير "عقدة" مقبولة كوصف للتراكيب الطرفية، كما تشير بعض المصادر إلى هذه المجموعة من النوى باسم "النوى القاعديّة" basal nuclei لتلافي الالتباس.
ما هي النواة؟ (أ) تحتوي نواة الذرة على بروتونات ونيوترونات. (ب) نواة الخلية هي عضيّة تحتوي على جزيء الـDNA. (ج) النواة في الجهاز العصبي المركزيّ هي عبارة عن مركز وظيفيّ، بحيث تحتوي على أجسام خلوية للعديد من العصبونات، تظهر هنا محاطة بالأحمر. حقوق الصورة: “Was a bee”/Wikimedia Commons.
الطريقة المتّبعة في تسمية حزم المحاوير تختلف أيضًا بالاعتماد على الموقع؛ فحزمة من المحاوير، أو الألياف، في الجهاز العصبيّ المركزيّ تسمّى "سبيلًا " tract، أما الحزمة نفسها إذا كانت موجودة في الجهاز العصبيّ الطرفيّ، فإنها تسمى "عصبًا" nerve. هناك سبب واضح لوضع هذه التسميات، وهو أن كلًّا منها يمكن استخدامه للإشارة إلى الحزمة نفسها؛ فعندما تكون الحزمة من المحاوير موجودة في الجهاز العصبيّ الطرفيّ، يكون اسمها عصبًا، أما إذا كانت في الجهاز العصبيّ المركزيّ فيكون اسمها سبيلًا. أكثر الأمثلة وضوحًا على ذلك هى المحاوير التي تخرج من الشبكية إلى الدماغ، يطلق على هذه المحاوير اسم "العصب البصريّ" عندما تغادر العين، ولكن عندما تصير داخل القحف فإنه يشار إليها بالـ "السبيل البصريّ". هناك نقطة واضحة يتغيّر عندها الاسم، وهي "التصالُبة البصريّة"، ولكنها تبقى المحاوير نفسها.
يوضح هذا الرسم للوصلات بين العين والدماغِ العصبَ البصريّ الذي يمتد من العين وحتى التصالُبة، حيث يكمل طريقه كسبيل بصريّ. تمتد المحاوير نفسها من العين وحتى الدماغ عبر هاتين الحزمتين من الألياف، ولكن التصالبة تمثّل الحد الفاصل بين الجهاز العصبيّ المركزيّ والطرفيّ.}
يوضح الجدول التالي أيَّ المصطلحات نستخدم لكل من الجهاز العصبيّ المركزيّ والطرفيّ
البنى الموجودة في الجهاز العصبيّ المركزيّ والجهاز العصبيّ الطرفيّ
| الجهاز العصبيّ المركزيّ | الجهاز العصبيّ الطرفيّ |
(مجموعة من أجسام الخلايا للعصبونات (المادة السنجابيّة | نواة | عقدة |
حزمة من المحاوير (المادة البيضاء) | سبيل | عصب |