[rtl]
[/rtl]
نحن ننظر إلى الأشياء التي حولنا ونميز ألوانها المختلفة لكن ما هي هذه الألوان وهل هي موجودة حقاً في الطبيعة أم أنها في دماغنا البشري فقط؟ لماذا نجد أن اللون الأحمر أحمر والأخضر أخضر وهل تستطيع بقية الكائنات أن ترى الألوان كما نراها نحن؟ هذه هي الأسئلة التي سأجيب عليها ضمن هذا المقال.
قبل الدخول في موضوع الألوان أود أن أتحدث قليلاً عن الضوء وحاسة البصر. حاسة البصر هي حاسة استشعار الضوء ومن دون ضوء لا يوجد شيء لنبصره فنحن عندما نرى جسماً ما نحن عملياً نرى انعكاس الفوتونات الضوئية على سطح هذا الجسم وليس الجسم بحد ذاته. إذاً حاسة البصر هي عبارة عن تحليل عصبي لظاهرة فيزيائية على شكل صورة ذهنية لكن قبل أن نبحر ضمن هذا المحور أود أن أتحدث قليلاً عن الضوء.
[size=36]
لنبدأ أولاً بماهية الذرة: [/size]
الذرة بأبسط أشكالها (الهيدروجين) تتألف من نواة ومن الالكترون. النواة تقع في المركز بينما يتواجد الالكترون ضمن مدار حول النواة. لن أدخل في التفاصيل كثيراً إلا أنه يتوجب فهم نقطة هامة وهي أن وجود الالكترون ضمن مدار حول النواة محكوم بكمية محددة من الطاقة. هذه الكمية المحددة هي ما يؤسس لميكانيكية الكم أو الفيزياء الكمية التي يتحدث عنها الجميع….
لكي يستطيع الإلكترون الإنتقال من مدار إلى مدار أعلى (أبعد من النواة) يتوجب على الإلكترون اكتساب طاقة ولكي ينتقل من مدار إلى مدار أسفل أو يقترب من النواة عليه أن يفقد طاقة. طبعاً عملية الكسب أو الخسارة للطاقة محكومة بكميات محددة من الطاقة وليست عشوائية نسميها Quanta.يجدر الذكر أن استخدامي لكلمة مدار عند الحديث عن الالكترون ناتج عن عدم وجود توصيف أفضل لمكان تواجد الإلكترون إلا أن التوصيف الصحيح هو أقرب لأن يكون كشكل كرة من الصوف حول النواة ومكان تواجد الالكترون هو عبارة عن احتمالية رياضية ضمن سطح هذه الطابة الصوفية. الأن لنتخيل أن نواة الذرة هي عبارة عن نقطة صغيرة جداً بحجم حبة البازلاء مثلاً وأنها متواجدة في منتصف ملعب لكرة القدم فبهذا القياس سنجد أن الالكترون متواجد في مكان ما على مدرجات الملعب. كما ذكرت سابقاً الانتقال بين المدرجات يكلف الالكترون كمية محددة من الطاقة ولهذا فإن على الالكترون الدفع قبل الانتقال. العملة المتداولة للانتقال بين المدرجات (المدارات) هي الطاقة على شكل الفوتونات. الفوتون هو الجسيم الناقل للطاقة الكهرومغناطيسية. لنفترض أن ذرة من الهيدروجين فقدت بعضاً من طاقتها أو أن لإلكترونها انخفض عبر المدرجات ودفع ثمن اقترابه من النواة. سيقوم الإلكترون كما ذكرت لكم بإطلاق الفوتون. الفوتون سينطلق على شكل موجة ويتجه نحو مواد أخرى حيث سيحدث أحد هذه الاحتمالات الثلاثة:
١- الفوتون المنطلق سيصطدم بالإلكترون المادة الأخرى وتكون كمية طاقة الفوتون المسافر كافية لانتقال إلكترون المادة الأخرى من مدار إلى آخر. في هذه الحالة يمتص إلكترون المادة الجديدة للفوتون وينتقل من مدرج إلى أخر. (ارتفاع في درجة الحرارة وامتصاص للضوء). هذا ما يحدث عندما تسخن الأشياء. وهكذا يعمل المايكرويف من خلال إطلاق أمواج ضوئية تتفاعل حصرياً مع ذرات الماء فترفع حرارتها.
٢- الفوتون يصطدم بالإلكترون لكن كميته ليست كافية لانتقال الالكترون بين المدارات إلا أنها تنسجم مع موقع الإلكترون الحالي فيمتصه الالكترون لكنه يصدر فوتون آخر بنفس الكمية التي امتصها فيبدو لنا وكأن الضوء انعكس عن المادة. هنا تحدث الرؤية وتحديد اللون الذي سأشرحه بتفصيل أكبر.
٣- الفوتون لا يتفاعل مع الالكترونات المادة لأن الكترونات المادة محفزة لدرجة عالية لا تكفي الفوتون أن يتفاعل معها وعندها نقول أن المادة شفافة. الزجاج عبارة عن ذرات من عدة مواد محفزة لدرجة تحتاج فوتونات ذو طاقة عالية جداً لكي تستطيع التفاعل معها.
في قول آخر: إلكترونات المادة الشفافة موجودة على مدرجات ال VIP ضمن الملعب وكمية الطاقة القادمة من فوتونات الهيدروجين ليست كافية لكي تتفاعل معها. في هذه الحالة يبدو لنا أن الضوء مر من خلال المادة وتبدو لنا المادة أنها شفافة. في الواقع هي شفافة لنوع محدد من الطيف الضوئي وليس لكل أطياف الضوء (أطوال معينة للموجات الضوئية). لي عودة لهذا المحور عند الحديث عن الألوان والأمواج الضوئية.
مثلاً الزجاج يعكس الأشعة الفوق البنفسجية لأن فوتونات الفوق بنفسجية لديها كمية كبيرة من الطاقة قادرة على نقل الفوتونات من مدار إلى مدار أعلى. لهذا السبب نجد أن بعض النظارات الشمسية قادرة على عكس الأشعة الفوق البنفسجية أو UV protection.
حسناً، الان وقد أصبح لدينا فكرة عامة عن مصدر الفوتونات علينا التعمق أكثر بما يجري لهذه الفوتونات عند انطلاقها. الفوتونات تنتقل على شكل موجات. في الواقع الفوتون عبارة عن جسيم وموجة في نفس الوقت وانتقال الفوتونات على شكل موجات هو ما يعطينا وهم الألوان في دماغنا. لكن لنعود خطوة إلى الوراء.
[size=36]الأمواج الضوئية:[/size]
تخيلوا معي أمواج البحر… في بعض الايام يكون البحر هادئ والأمواج خفيفة تأتي كل فترة وفترة وفي أيام أخرى يكون البحر هائج ونجد أن الأمواج أقوى وتأتي إلى الشاطئ ضمن فترات زمنية أقصر. إذاً يوجد لدينا خاصيتين تتعلق بالموجة وهي قوتها (ارتفاعها وكمية الماء التي تحملها) والأخرى هي المسافة بين الأمواج أو طول الموجة.
الضوء ينتقل تماماً كما تنتقل أمواج البحر وعين الإنسان لا تستطيع رصد إلا جزء صغير جداً من أنواع هذه الأمواج الضوئية.
الضوء أو القوة الكهرومغناطيسية تأتي ضمن طيف واسع جداً وعلى فرض أن طول الموجة يبدأ من قيمة ١ نانومتر فإنها تنتهي عند قيمة ١ مليار نانومتر في حين أن عين الإنسان قادرة على رصد قيمة بين ٤٠٠ إلى ٧٠٠ نانومتر فقط من أصل ال١ مليار أي اقل من ١ على مليون من مجمل الطيف الضوئي أو الكهرومغناطيسي.
أود العودة إلى المثال الذي ذكرته سابقاً عن الذرة وكيف أن النواة عبارة عن حبة بازلاء في وسط ملعب كرة قدم وأن الإلكترون عبارة عن جسيم على المدرجات.
بناء على نوع الذرة (المادة) سيكون رقم المدرجات التي تتواجد فيها الإلكترونات. عند وصول الطيف الضوئي لكي ينعكس على المادة يحدث شيء مثير للاهتمام. الالكترونات كما ذكرت سابقاً عندما تكون قيمة الطاقة القادمة غير كافية لنقل الالكترون للمدرجات الأعلى (ابعد عن النواة) فإن الالكترون يمتص هذه الطاقة ويطلق فوتون بنفس مقدار الطاقة التي امتصها. كل مادة لديها توقيع ضوئي إن صح التعبير حيث أنها تمتص جميع الفوتونات وتحولها إلى إلى حرارة لكنها تعكس موجات فوتونية ذو قيمة محددة تتلاءم مع موقع الكتروناتها.
[size=36]إذا ماهي الألوان؟[/size]
الألوان عبارة عن انعكاس هذه الأمواج الضوئية على المواد التي حولنا. مثلاً عندما ننظر إلى سيارة زرقاء فنحن ننظر إلى جسم مطلي بمادة تمتص كل الموجات الضوئية عدى موجات ذات طول ٤٧٥ نانومتر تقريباً أو ما نترجمه في دماغنا على شكل اللون الأزرق. عند النظر إلى أوراق الأشجار فنحن ننظر إلى مواد عضوية لديها الكترونات تمتص كل الفوتونات الضوئية وتعكس فقط الفوتونات ذات طول ٥١٠ نانومتر أو ما نسميه اللون الأخضر.
[rtl]
عندما ننظر إلى مادة لونها أصفر فهي مادة ذات الكترونات تمتص كل الموجات الضوئية عدى الموجات ذات طول ٥٧٠ نانومتر تقريباً والتي نترجمها على شكل لون أصفر وعندما ننظر إلى مادة شفافة فنحن ننظر إلى مادة فيها الكترونات محفزة لدرجة أنها تحتاج موجات ضوئية أعلى من الموجات المرئية بالنسبة لنا لكي تمتصها الالكترونات فتبدو لنا وكأنها شفافة. عندما ننظر إلى مواد ذات عدة ألوان فهي عبارة عن ذرات متنوعة لكل منها خصائص مختلفة تعكس الموجات الضوئية بالترددات التي نستطيع رصدها.
الضوء
الذي لا نستطيع أن نراه هو موجات ضوئية أقصر من ٤٠٠ نانومتر أو ما نسميها فوق البنفسجية ultraviolet أو موجات ضوئية أطول من ٧٠٠ نانومتر أو ما نسميها تحت الحمراء Infrared ونستطيع رصدها من خلال وسائل تقنية غير العين البشرية. كأننا نجلس على شاطئ البحر فلا نشعر إلا بأنواع محددة من الأمواج.
الواقع المرئي الذي نراه من حولنا ليس إلا انعكاسات ضوئية ذو ترددات محددة ضمن الطيف الضوئي. نحن نرى هذا الطيف الضوئي المتمثل بالألوان السبعة لأننا تطورنا في بيئة تعكس هذا الموجات الضوئية وكان ضرورياً لبقائنا أن نرصد هذه الموجات تحديداً. نحن كائنات ذو حجم متوسط أي أننا أكبر بكثير من المستوى الذري وأصغر بكثير من المستوى الكوني و بالتالي نحتاج أن نرصد هذا الجزء المتواضع من الطيف الضوئي لكي نستطيع البقاء على قيد الحياة لكن الواقع الفيزيائي المتواجد حولنا أغنى بكثير مما نستطيع أن نستشعر من خلال وسائلنا الطبيعية. يوجد في عين الإنسان خلايا مستقبلة للضوء وتستطيع رصد ٣ أنواع من الأمواج الضوئية (أحمر وأزرق وأخضر). هذه الخلايا العصبية تقوم بتحليل
الفوتونات إلى اشارات عصبية تنتقل إلى الدماغ ليتم ترجمتها على شكل صورة ذهنية. الألوان التي تستطيع هذه الخلايا رصدها هي ما يحدد الطيف الضوئية الواقع بين ٤٠٠ و٧٠٠ نانومتر أو أزرق إلى الأحمر.
[/rtl]
[size=36]أذكر لكم بعض الكائنات الأخرى وكيف تختلف حاسة البصر بالمقارنة مع الإنسان:[/size]
العناكب: تستطيع رصد الفوق بنفسجية والأخضر
الحشرات مثل النحل: تستطيع رصد فوق البنفسجية والأزرق والاصفر ولهذا نجد أن بعض الأزهار لديها اشكال تستقطب النحل لكنها غير مرئية بالنسبة لنا إذ أنها تعكس الألوان الفوق بنفسجية فقط.
الأخطبوط: الأزرق فقط
الزواحف مثل الافعى مثلاً: تستطيع رصد الأشعة تحت الحمراء وبعض الألوان الأخرى
الطيور: تستطيع رصد بين ٥ إلى ٧ ألوان (أفضل من قدرة الإنسان)
القطط والكلاب: لونين فقط (أقل من قدرة الإنسان)
السناجب: تستطيع رصد اللون الأزرق والأصفر
الرئيسيات مثل الشمبانزي: تستطيع الرؤية مثل الإنسان
القرود الإفريقية: تستطيع الرؤية مثل الإنسان
القرود الإفريقية ـ جنوب افريقيا: مثل الإنسان لكنها لا تستطيع رصد اللون الأحمر.
إذاً موضوع الألوان ليس إلا وهم دماغي وترجمة لأطوال الأمواج الضوئية داخل الدماغ. لهذا يظن بعض علماء الأحياء أن الوطواط على سبيل المثال يستطيع السماع بالألوان أيضاً إذ أن حاسة السمع لديه قوية لدرجة كبيرة بحيث أن دماغه قد يكون قادر على رسم صور ذهنية للموجات الصوتية بشكل شبيه لكيفية رسم الصور الذهنية لدى الكائنات التي تستخدم اشارات ضوئية.
الموضوع شيق وممكن التعمق فيه أكثر لكن سأكتفي بهذا الحد ضمن هذا المقال.
الكون من حولك لا لون له…. أنت من يلوّن الكون…