ربما يكون بعض القرّاء قد مر سابقاً بصور غريبة تناقلتها مواقع التواصل الإجتماعي تُظهر هياكل عظمية لبشر عمالقة، وغالباً ما تكون مُفتتحة بعناوين رنّانة من أجل جذب القرّاء. أحد أشهر تلك الصور هي واحدة كان قد أَشيع عنها أن هيكلاً عظمياً قد أكتشف في صحراء السعودية أثناء التنقيب عن النفط من قبل شركة أرامكو، وأن ذلك الهيكل العظمي عائد لقوم عاد، وهم قوم منحدرون من نسل نوح. وبعد التأكد من مصداقية ذلك الخبر، تبين أن الصورة هي أحدى مشاركات مسابقة فوتوشوب قامت بها جامعة كورنيل الأميريكة. إلّا أن ذلك أيضاً لم يقلل من إنتشار تلك الإشاعة أبداً.
من جانب علمي، هل تسمح قوانين البايولوجيا والفيزياء بوجود بشر عمالقة يتجاوز طولهم الـ30 قدم ربما؟ وتصل أعمارهم الى 200 عام أو أكثر؟ الإجابة عن هذا الأمر تحتاج الى شرح عدد من الأمور الأساسية في هذا الجانب، وسنتناولها توالياً.
قد يكون فلم King Kong أو فلم Jurassic Park ذو مشاهد حركية هائلة، تظهر لنا غوريلا بحجم ديناصور تتسلق ناطحة سحاب، أو ديناصور T-Rex يقوم بجرية شديدة السرعة تجعل من العدّاء بولت نملة تحاول الهرب من نعامة، إلا أنَّ كلَّ ذلك خيال دون أساس علمي. حيث أن علم الفيزياء لا يسمح بمناورات مثل تلك لكائنات بحجوم هائلة كالمثالين أعلاه. إن قانون الجاذبية يعمل ضد ما تروّج له هوليوود لكسب نسب مشاهدات أعلى من أجل جني أرباح مالية أكثر، وذلك حق مشروع لهم. لو كان King Kong موجوداً فعلاً لكانت حركته شديدة البطئ، حيث أن ثقل وزنه سيرهق عضلاته، وسيجعل تأثير الجاذبية أكبر على كاهله، مثلما لم يكن زميله T-Rex بتلك السرعة قبل أكثر من 65 مليون سنة مضت. لو كان بالإمكان أن نضخّم نملة لنجعلها بحجم منزل، لإنهارت مفاصلها وسحقت بفعل الجاذبية، حيث أنها لن تستطيع حمل وزنها بقوة مفاصلها نفسها. ولو كان بالإمكان مضاعفة حجم كائن ما لعشرة مرات فإنك يجب أن تقوم بمضاعفة قوته العضلية بمقدار 100 مرة لكي يستطيع أداء مهامه بالسرعة نفسها. وهذا ما يجعل من سقوط القطط من مكان مرتفع أمرأ قليل الخطورة لها بالمقارنة بالأحصنة مثلاً، حيث أن سقوطه من الأرتفاع ذاته قد يحطم عظامه.
هنالك حاجز آخر بالنسبة للثديات عموماً ومن ضمنهم البشر، حيث أننا كثديات كائنات ذوات دم حار، وهذا يجعلنا نصنع حرارة أجسادنا بأنفسنا عكس ذوات الدم البارد واللاتي تتحصل على حرارتها بفعل محيطها. ففي مقابل أحتياجنا للطاقة ومعدلات أوكسجين مناسبة لتحرير تلك الطاقة وتحويل بعضها الى حرارة، تقوم ذوات الدم البارد بالحصول على الحرارة أو فقدانها من بيئنها، حيث أنها ولغرض كسب الحرارة مثلاً لأجسادها أو فقدانها، تقوم بالإسترخاء تحت أشعة الشمس أو في ظل صخرة ما. وكلما زاد حجم كائن معين زاد مقدار ما يجب أن يتحصّل عليه من طاقة، وهذا بدوره سيحتاج الحصول على نسب أوكسجين عالية من الهواء الجوي لأكسدتها، خصوصاً لو كانت تلك الكائنات من الثديات.
بحجومنا الحالية، نعتبر من القلّة القليلة من كائنات هذا العالم التي تجاوزت حد الحجم هذا، وما كان ذلك ليحدث لولا صعود نسب الأوكسجين قبل حوالي 200 مليون سنة، بعد أنقسام اليابسة من كونها قارة واحدة، لتتجزأ لعدّة قارات، وهذا بدوره صنع مزيداً من السواحل، والتي أحتوت على كميات أكبر من الطين التي عزلت الكائنات الميتة من التحلل محولة الأوكسجين الى ثاني أوكسيد الكاربون، لتتزايد نسب الأوكسجين وتتزايد معها نسب حجوم الكائنات على الكوكب. وضلت بعدها تلك النسب تتراوح بحدود معينة، لكنها لم تصل الى الحد الذي قد يجعل من البشر كائنات عملاقة.
أما عن وجود بشر سابقاً كانت أعمارهم قد تجاوزت الـ200 عام، وصولاً الى الـ1000، فذلك ما لم يجده علماء التاريخ الطبيعي أبداً، حيث تشير جميع الأبحاث الى أن معدلات الأعمار في السابق وقبل أكتشاف الزراعة لم تتجاوز الـ20 أو الـ30 عام، وأخذت بالأرتفاع بعد نشوء أولى الحضارات، أما في يومنا هذا فإن معدلات أعمار البشر في أعلى مستوى لها. حيث أنها تتراوح ما بين 50 سنة الى الـ70 أو الـ80 سنة. وكل ذلك يرجع الى تطور الطب ونظم التغذية وإكتشاف طرق حماية أفضل ضد الإفتراس..إلخ.
من ناحية أخرى فإن أجسادنا لم تتغير بشكل جذري عمّا كانت عليه قبل حوالي 200 ألف سنة تقريباً. إننا نمتلك نفس الحمض النووي الذي أمتلكه أسلافنا قبل مجموعة الآلاف من السنين تلك، وبذلك فإننا لم نتطور منذ 200 ألف سنة تقريباً للدرجة التي يمكن أن يكون نوعٌ ثاني منفصل قد أنشق منّا.
إن حالة الهرم أو الشيخوخة التي تحدث لنا كبشر متفاوتة بمقدار ضئيل بين الثقافات، إلاّ أنّ ذلك التفاوت ليس بالكبير أبداً. إن الفرضيات والنظريات التي تضع تفسيرات لحدوث الشيخوخة ومسبباتها كثيرة، ومن ضمنها، أو أقربها الى الصواب حتى، تلك التي تفسر الشيخوخة بالتيلوميرات، وهي تكرارات مزدوجات القواعد النايتروجينية الموجودة في نهايات الكروموسومات والتي تعمل على ترميم الكروموسومات بعد إنقسامها إذا ما تعرضت الى تلف بسبب طفرة ما أثناء الإنقسام. وكلما كانت تيلوميرات الإنسان أطول كان عمره أطول، حتى تنتهي صلاحية تيلوميراته فتبدأ خلاياه بالتلف متحولة الى خلايا سرطانية ربما، ويٌشبهها العلماء بالنهايات البلاستيكية لأربطة الأحذية، والتي تمنع نهايات الأربطة من التلف. وهذا يُعد أحد الحواجز الكبرى التي تمنع البشر من أن يعيشوا حياة طويلة كتلك الموجودة في الكتب المقدسة.
التطور لا يحتاج الى كائنات خالدة أو طويلة العمر بشكل مبالغ فيه، إنه يحتاج الى التكاثر بمتوسط جيد يسمح للكائن المعين أن يوفر طفرات مفيدة لكي يتكيف مع بيئته. فلو كان البشر ذوي متوسط أعمار طويل فلم يكونوا مفضلين من وجهة نظر الإنتخاب الطبيعي ربما، وذلك لأنهم قد يمتلكون معدلا تكاثر بطيئة لا تسمح لهم بالتكيف مع بيئآتهم. إن المهم لجينات نوعنا هي الإستمرار كجينات، لا كأفراد فقط.
إن التاريخ الطبيعي لايفسر بأساطير الجدّات، بل هو ألغاز يفك لنا المنهج العلمي طلاسمها. كلما نسمعه من قصص في طفولتنا قابل للشكّ والمناقشة، وكل خبر يمرّ علينا خاضع للتدقيق والمراجعة. أنا لا أعتبر المنهج العلمي والعلوم بفروعها مقدسة، بل إنها أفضل الطرق نحو الحقيقة، وهي في تطور وتقدم دائم من أجل الإجابة عن جميع تساؤلاتنا نحو الطبيعة.
المصادر:
فيزياء المستحيل – ميشيو كاكو
المبادئ – ناتالي آنجير
الجينوم – مات ريدلي
الجينة الأنانية – ريتشارد دوكنز
الكون داخلنا – نيل شوبين
عصر علوم ما بعد الجينوم – جينا سميث
موقع BBC العربية
الجمعة أبريل 21, 2017 10:13 pm من طرف فيصل