فؤاد فريــق العــمـل
الجنس : عدد المساهمات : 786 معدل التفوق : 2214 السٌّمعَة : 22 تاريخ التسجيل : 17/12/2011
| | هنم في بلاد مابين النهرين | |
من بين أقدم النصوص الأدبية العالمية التي تتحدث عن جهنم هي الألواح الأكادية من الألف الثاني قبل الميلاد. إنها تروي الحوار الذي جري بين البطل جلجامش وصديقه أنكيدو الذي صعدت روحه إلى الجحيم, فيبوح أنكيدو قائلا:(إن جسدي الذي كنت تلمسه مبتهجا التهمه العث مثل ثوب عتيق, إن جسدي الذي كنت تلمسه مبتهجا هو مليء بالغبار).إن جهنم للوهلة الأولى, هي مكان عام لكل الناس كما في الحضارات الشفهية, ولكن إذا نظرنا إلى الأمر عن كثب, نستنتج أن بعض الأرواح أتعس من سواها, فالنماذج البدائية من الهالكين هم الأشخاص الذين كان مصيرهم على الأرض تعيسا أو الذين خرجوا على القوانين, مثل الذين أصيبوا بحوادث قاتلة, وضحايا الحروب, والذين لم يتنّ لهم أن يدفنوا في أضرحة, والذين لم يرزقوا أولادا للعناية بقبورهم, والغرقى والنساء اللواتي توفين أثناء الولادة, والفتيات المدركات اللواتي متن عذارى, والزانيات اللواتي قضين بسبب الأمراض.فهذه النماذج من الهالكين لا تخضع لتعذيب ولكنها , لكونها نفوسا ساخطة ومحبطة, تجتر مرارتها فتصبح عدوانية وشريرة, يعذب بعضها بعضا, وقد تعود أحيانا إلى الأرض, فتنغّص على الأحياء عيشتهم, فهكذا وهم جلادو أنفسهم في جحيم تشدد الرقابة عليه فلا يفلت منه أحد, إنه عقاب فعلي لأن حالة هذه الكائنات التعيسة التي أصابها العقم وهي على قيد الحياة, وتعرضت للأحداث والأمراض والفقر, وذلك نتيجة لعدالة ثابتة هي عبارة عن عذابات تنزلها بهم الآلهة, نتيجة أعمال سيئة خفية, وتكشف بعض الألواح السحرية الأكادية, أن الذين يصابون بشرّ ما, يذهبون إلى العراف ليطلعهم على سبب تعاستهم, فيخضعون عند ذاك إلى استجواب مفصل يشبه محتواه ما نراه في كتب الاعتراف المسيحي, فتذكر عشرات الخطايا الخاصة وأعمال انتهاك الحق العام, وقد يكون بعضها قريبا مما وصفته شرائع حمورابي الشهيرة التي يعود تاريخها إلى سنة 1750 قبل الميلاد:"هل تفوه بكلام يثير الفتن, بكلام مهين؟ هل استعمل ميزانا مغشوشا؟ هل اختلس مالا حراما؟ هل نقل حدوده إلى أرض جاره, هل تسلل إلى بيت قريبه؟ هل اغتصب زوجة قريبه؟ هل سفك دم قريبه؟ ألم يخفف بلوى إنسان يعاني من الضيق؟ هل طرد شخصا صالحا من عائلته؟ هل شتت عائلة مجتمعة؟ هل تمرد على السلطة؟ هل كان فمه صادقا وقلبه كاذبا؟ هل سار في طريق الشر؟ هل تجاوز حد العدالة؟ هل عمل من الأعمال ما ليس صالحا؟"إن وراء هذا الاستنطاق فكرة فحواها أن من يخالف القانون الاجتماعي الذي سنه الملك , فإنه ينتهك النظام الكوني. فيلحقه في هذه الحياة. قصاص يحمل أوزاره إلى ما بعد الموت بتعرضه لمصير تعيس. وتقول أغنية بابلية: (( أنا خاطئ, ولهذا أنا مريض)), وإذا لم يحصل العراف على مغفرة الخطايا, تحل الدينونة بالخاطئ التعيس.وتوحي بعض الأساطير الأكادية والسومرية, التي تعود إلى عصر واحد بأن الأرواح تمثل عند الموت بكل جلاء أمام الآلهة, وهكذا فعلى الإلهة السومرية إنانا (عشتار عند الأكاديين),لكي تذهب إلى الجحيم حيث تحكم أختها إرشكيجال, أن تعبر سبعة أبواب, حيث ينتزع كل مرة ثوب من أثوابها, فتصل عارية تماما, وإن ما تقع عيناه عليها لا يبعث إطلاقا على السرور:(الغبار نصيبهم والصلصال طعامهم, لا يرون النور بل يعيشون في الظلمة, يلبسون كالطيور, الأجنحة أكسيتهم, الباب والقفل يغشاهما الغبار), أي أن الأرواح المجنحة تقتات بالوحول, ولا أمل لهم بالفرار, سبعة أسوار ضخمة تحيط بجهنم.ويهول العصر الآشوري من أمر منظر جهنم المخيف, وفي رؤيا الأسر كومّا في القرن الثامن قبل الميلاد, تبدو مملكة إرشكيجال مأهولة بمسوخ الآلهة, أنصاف رجال, وأنصاف حيوانات, الأمر الذي يعتبر تقهقرا في ظروف الحياة في العالم الآخر, ويمكن وضعه على صلة بالهمجية المتنامية في أخلاق القضاة والمحاربين(المرجع: جورج بنوا, تاريخ جهنم) | |
|
الثلاثاء أبريل 18, 2017 10:02 pm من طرف محمد