karimsalam ثـــــــــــــــائر متردد
الجنس : عدد المساهمات : 18 معدل التفوق : 48 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 17/12/2011
| | أزمة ثقافة عربية أم أزمة مثقفين عرب(رؤية شخصية) | |
[b]منذ الحرب الإرهابية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية مدعومة من ال "لمم" المتحدة على العراق ونحن نقرأ في الصحف والمجلات كما نستمع في الفضائيات، مقابلات ومقالات ودراسات عناوينها العريضة أزمة الثقافة العربية.
ويجتهد الجميع في تحليل هذه الأزمة وتشريحها، فينصرف البعض إلى مهاجمة تلك الثقافة، بل والتاريخ العربي، ويخترع مصطلحات "ثقافية ولغوية" جديدة لاضفاء "قيمة زائدة" على تحليلاته كما نرى في أغلب الفضائيات العربية إن لم أقل كلها على الإطلاق، بينما يجتهد البعض الآخر في تقديم اقتراحات لانتشال الثقافة العربية من أزمتها. إلا أن تلك الإقتراحات لانتشال الثقافة العربية من الأزمة التي تتخبط بها غالبا ما تكون نابعة ومعبرة عن ذاتية المقترِح وليست مادة مطروحة للبحث والنقاش حيث تفقد قيمتها لغياب البرنامج أو المشروع، أو تكون الحلول المقترحة موجهة، وبمعنى آخر مكتوبة بقلم موقعها ولكن باملاء غيره (ومرة أخرى أستشهد ببعض المثقفين الذين تستضيفهم الفضائيات العربية مثالا).
نعم، هناك أزمة تعيشها الثقافة العربية، إلا أن تلك الأزمة ليست أزمة ثقافة بقدر ما هي أزمتنا كمثقفين عرب، حيث أن الثقافة العربية في حالة مخاض وولادة دائمة، ولا تتوقف عن الولادة رغم كل الظروف سواء كانت تلك الظروف موضوعية أم غيرها.
فعلى الرغم من كل المحاولات التي جرت، ولا تزال، لطمس وتغييب الهوية الثقافية العربية، وكان أشدها إبان الحكم العثماني للبلدان العربية، ومن بعده الاستعمارين البريطاني والفرنسي وصولا إلى الإرهاب المالي والسياسي والفكري والعسكري الأمريكي، إلا أن الثقافة العربية تجد على الدوام منفذا لها لولادة كتاب وصحافيين وفلاسفة ونقاد وشعراء وفنانين جدد يصارعون من أجل الحفاظ على هذه الثقافة وعلى هويتها، بل والبعض قدم حياته وهو يواجه محاولات الطمس والتغريب والتغييب أمثال أنطون سعادة، فرج الله الحلو، مهدي عامل، حسين مروة، غسان كنفاني، محمد الماغوط، نزار قباني وغيرهم، وإن اختلفت أساليبهم وأفكارهم واتجاهاتهم الفكرية.
نعم، إن الثقافة العربية لا تمر ولا تواجه أزمة. الذي يواجه تلك الأزمة هو المثقف العربي الذي يحاول الهرب من أزمته أو أزماته الشخصية برمي الاتهامات على الثقافة العربية بحجة عدم التطور والتجديد، أو عدم العالمية، أو كما هو الحال عند البعض الذي آثر أن لا يكون له دور ويكتب لقاريء وزمن لم يأتيا بعد.
نعم.. إن الأزمة هي أزمة مثقفين عرب..
لقد بدأ المثقف العربي بأحلام كبيرة ولكن بسبب عوامل عدة أبرزها التخلف، القهر، سياسة كم الأفواه، غياب الحرية وانتعاش القوى الظلامية والقوى الأصولية الطارئة في السنوات القليلة الماضية، بسبب كل ذلك لم يستطع هذا المثقف أن يبرمج "بكسر الميم" نفسه لتحقيق تلك الأحلام، فكانت كتاباته تصدر في الغالب عن ردة فعل.
وعندما نقول أن الأزمة هي أزمة مثقف فهذا يعني أنها أزمة الواقع العربي الذي يواجه العديد من المشكلات التي تعترض سبل تطور المثقف وبالتالي المجتمع، كون المثقف جزء لا يتجزأ من هذا النسيج. فالتبعية والتجزئة والاحتلال والاستعمار الجديد بشقيه الثقافي والعسكري، عدا عن المشكلة الأهم وهي الجانب الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه المثقف ينعكس حكما على مجمل نتاجه وافكاره، وأحيانا مواقفه.
لم يستطع المثقف العربي مواجهة تلك المشكلات سواء كان هذا المثقف داخل الحركة السياسية أو خارجها، مع العلم أن المثقف الذي في داخل الحركة السياسية أزمته أشد من ذلك الذي في خارجها.
وبرأيي الخاص، فإن المثقف الوحيد الذي استطاع مواجهة تلك المشكلات هو الباحث.. إلا أن البحث وحده لا يكفي لأن البحث هو محاولة لتبيان وكشف أسباب الأزمة وليس العمل على تغييرها، حيث أن التغيير لا بد له من أدوات، وهذه الأدوات كانت قاصرة وظلت قاصرة وستبقى قاصرة على المدى المنظور.
فالقائد السياسي مثلا (وهو يدخل ضمن شريحة المثقفين) لديه برنامج لتغيير الواقع (أو هكذا يُفترض)، ولديه برنامج لإحداث تحولات في هذا الواقع، بل وربما يمتلك الأدوات اللازمة لذلك، لكن علينا أن ننظر كيف يعيش هذا القائد السياسي؟ كيف يتعامل مع عائلته؟ مع أولاده؟ مع زوجته؟ وأخيرا وليس آخرا مع المباديء التي يطرحها.
بعد وقفة قصيرة سنكتشف أن هذا القائد السياسي يتعامل مع عائلته تعامل الأميين إن لم أقل المتخلفين، وبالتالي فالذي يتعامل بهذه الطريقة داخل إطار عائلته، ولن أذكر تمسكه بكرسي القيادة أسوة بالملوك والرؤساء الذي ينتقدهم ويدعو للثورة عليهم، لا يستطيع أن يساهم بأي شكل من الأشكال في هذا التغيير المرتجى.
هنا أستطيع القول أن المثقف العربي سقط في حالة الشيزوفرينيا، فهو على سبيل المثال تقدمي مع رفيقته رجعي مع زوجته .. يطرح أفكاره للناس لكن داخل نفسه تتفجر حالة من التناقض .. يطالب بالديمقراطية ومحاربة الفساد والمحسوبيات بينما تراه ينشيء التكتلات داخل حزبه للحفاظ على عرشه. لذلك لا يستطيع هذا القائد أن يكون أداة أو يسهم في تكوين أداة لتغيير الواقع وبالتالي ينعكس هذا الأمر بشكل أوتوماتيكي على حزبه السياسي وأداء أعضائه ومحازبيه. من هنا أؤكد على السقوط في حالة الشيزوفرينيا.
إن المثقف السوي عبارة عن غربال، وبالتالي فهو قادر على استخلاص وإغناء ما يفيد التجربة التي يخوضها. ولأن مثقفنا في هذه الأيام هش، فهو عبارة عن متلق ومستهلك للثقافات فقط، وليس باستطاعته بلورة خصائص ثقافته وهويته، لذلك كله اقول بأنها أزمة مثقف وليس أزمة ثقافة.
بعد كل ما تقدم فإن ما يعنينا هو المثقف العربي الذي يخوض تجربته الثقافية من داخل الحركة السياسية، كونه المثقف الأوعى والأصدق والأشمل.
إن المثقف العربي داخل الحركة السياسية، أي المثقف الحزبي وتحديدا اليساري هو مثقف ثوري على صعيد الثقافة، سواء على صعيد كتابه الشعر أو القصة أو المسرح أو السينما أو الموسيقا، لكن عندما يواجه أي مشكلة يسقط هذا المثقف اليساري في التجربة. لماذا؟ .. شخصيا لا أجد جوابا لهذا السؤال سوى أن هذا المثقف غير مبني وهش ويمكن اختراقه فكريا بسهولة وتحويله إلى أداة مضادة. من هنا نجد أن شريحة لا بأس بها من المثقفين العرب روجوا لموضوع التعايش مع العدو الصهيوني "حتى قبل المفاوضات" وهم عمليا بدأوا كتاباتهم وبواكير نتاجهم الثقافي والأدبي ضد هذا العدو.
وصحيح أن الأزمة هي أزمة مثقفين عرب إلا أنها ليست عبثية أو وليدة الصدفة. "فكما لكل سبب مسبب" كذلك هو الحال في أزمة المثقف العربي، فهذا المثقف سقط أو أًسقط في سلسلة من الخيبات والتجارب. من هذه الخيبات: أولا: فشل الأحزاب السياسية العقائدية في تحقيق برامجها، هذه الأحزاب التي ينتمي إليها هؤلاء المثقفون. ثانيا: غياب القيادة أو المثل الأعلى (جمال عبد الناصر في مصر، فهد وسلام عادل في العراق، فرج الله الحلو وحسين مروة ومهدي عامل وجورج حاوي في لبنان، ومؤخرا جورج حبش).
في السابق، كان القادة سياسيين ومثقفين في آن، وبمعنى آخر ماوتسي تونغ كان ثوريا وشاعرا، كارل ماركس كان شاعرا وأديبا، أنطون سعادة كان قائدا وفيلسوفا، غسان كنفاني كان ثوريا وروائيا، ماجد أبو شرار كان قائدا وأديبا إلى آخره... لكن عندما نقول اليوم الزعيم العربي أو قائد الحزب الفلاني فهو ليس شاعرا ولا أديبا ولا أي شيء، هو ليس أكثر من تاجر مواقف وكلام بل ويحتقر الثقافة عموما حيث لا يريد من الثقافة إلا أن تكون في خدمته وجزءا من ديكوره الشخصي، وأدواته هي غير أدوات الثوري القديم.. أدواته تفوح منها رائحة النفط والدولار وبعر الإبل. مثال على ذلك:
الدولة، فقد تستلب الدولة الموظف عبر ترقيته بدرجة أو بدرجتين على مدى عشرين سنة فتضمن بذلك خضوعه الأبدي لها. الآن يشتري المثقف، كاتبا أم شاعرا أم موسيقيا، بوزنه ذهبا ومن يصمد أمام الإغراءات فهو نبي. هم قلة الذين صمدوا مثل: رشاد ابو شاور مثالا وليس حصرا.. ومنهم من عاني بل ودفع حياته ثمنا لموقفه من أمثال: صابر محي الدين، محمد الماغوط وناجي العلي، وأيضا، مثالا وليس حصرا.
إن المثقف الأصيل الصامد ليس في جيبه أجرة مواصلات أحيانا، بينما مثقفو السلطة لديهم المال والموائد والسفريات والفنادق وحتى المومسات.
إن السياسي العربي في واقعنا العربي الراهن هو عدو الثقافي ويريد أن يلحقه به وأن يكون في خدمته. ومن هنا وتحت وطأة الخيبات والضغوط والحاجة رضي الثقافي في الأغلب أن يهمش نفسه وأن يقوم بهذا الدور لقاء ثمن بخس.
هناك مثقفون انزووا في بيوتهم ليكتبوا واكتفوا بأقل من القليل، وهناك أشباه مثقفين، لهم عشرة كتب أو أكثر من عمل مسرحي أو موسيقي في السنة الواحدة، وتجدهم في مقاهي الدرجة الأولى معتقدين أنهم ما زالوا ثوريون وتقدميين أو يساريين، ويصدرون بيانات من أجل الحرية والديمقراطية غير مقتنعين أنهم باتوا جزءا من آلية نظام عربي ما أو جزءا من مشروع امبريالي يحاك.
إن السياسي المثقف يقوم بثورته بناء على تحريض الثقافي الذي كان يقوم بإشعال الفتيل فقط حيث لم يكن يرى رؤية شمولية.. الذي كان يرى رؤية شمولية هو سياسي ثوري ومثقف في آن معا كما هو الحال بالنسبة لجورج حاوي وأنطون سعادة وجورج حبش ومحجوب وفهد وسلام عادل ومهدي عامل الخ.
خلاصة القول، ولن أكون متشائما إن قلت أن الأزمة التي يمر بها مثقفونا العرب ليس في الأفق بشائر حل لها طالما ما زال في وطننا العربي أنظمة قادرة على تحجيم وإلغاء دور الثقافي، وطالما هناك أحزاب وقيادات أحزاب رغم برامجها التقدمية والشعارات التي تطلقها، تمارس نفس دور الأنظمة في إلغاء دور الثقافي وجعله تابعا لها..
إن المثقف العربي بحاجة إلى مشاريع ثقافية لينهض من أزمته، لينتج إبداعات جديدة، والأهم من كل ذلك إيجاد فسحة من الديمقراطية والحرية لينتقد من أجل التقويم والإصلاح وإلا فإننا ذاهبون جميعا إلى عصر انحطاط جديد. وللبحث بقية..[/b] | |
|