أفكار سبينوزا الخطرة
في لحظة الحديث عن " فكرة خطرة " لداروين: لم يأخذ دانييل دينيت بحسبانه أنّ الانتقاء الطبيعيّ قد شكّل آليّة طبيعيّة مُهدِّدَة للرؤية اللاهوتيّة فقط, بل كذلك هي فكرة يمكن تبسيطها وتعميم فهمها شعبياً. وبكل تأكيد يمكن عمل شيء شبيه مع بعض أفكار سبينوزا { 1632 – 1677 } ذو الأصول الإيبيريّة السفارديّة, والذي يعتبره أشدّ معاديه الأيديولوجيين " الرئيس " الأكبر للفلاسفة الراديكاليين.
ومن أكثر الدراسات توسُّعاً حول سبينوزا, نجد العمل الذي قام به Jonathan I. Israel المدرِّس بجامعة برينستون { عمل مكوّن من 3 أجزاء وكل جزء 1000 صفحة }. يقومJonathan I. Israel في الجزء الأوّل بعملية تمييز مفيدة جداً بين الفرع الأقوى والأقلّ تذكُّر من التنوير الأوروبي و المسمى " التنوير الراديكالي " الذي يجد بدايته الفعلية مع سبينوزا واندفاع السبينوزيين و" التنوير المُعتدل " كثمرة للفرع الثقافي المُنتصر.
ولأجل تلخيص أسوأ التجديفات, تبنّى السبينوزيون وحدة الجوهر بمواجهة الثنائيّة الديكارتيَّة, رفضوا خلود الروح بمواجهة دوغمائيّة أديان الوحي, عزوا المعجزات لجهل الاسباب الطبيعيّة, ووصلوا لمساواة الله بالطبيعه وتدبير القوانين الطبيعية. بصورة مؤكّدة, يجري اعتبار تلك الأفكار: أفكار راديكاليّة, بالرغم من عدم جهل أغلبها في العصور القديمة.لكن ربما يشكِّل الفارق الأكبر بين التنويريين الراديكاليين والتنويريين " المعتدلين " بطرح مسألة التسامح, فبينما دافع تنويري وسطيّ مثل جون لوك عن " الحريّات الدينيّة " كنوع من التعايش السلميّ بين فرق دينية تعترف ببعضها ومتسامحة مدنياً, دافع الراديكاليُّون عن حريّات غير مُقيّدة للتعبير والحريّة الفلسفيّة, بما فيها – ولأوَّل مرّة في تاريخ الغرب – إمكان التصريح عن تبنّي موقف إلحاديّ.
كان ردُّ الفعل على هذا الطرح السبينوزيّ, كما هو مُتوقَّع, عنيفاً جداً. فقد جرت شيطنة شخصيّة سبينوزا, منعوا مؤلفاته بشكل منهجيّ حتى " هولندا الليبرالية في القرن السابع عشر " جرى منعه, تمّ اضطهاده وتهديد اتباعه وفي بعض الاحيان حتى دور النشر لم تسلم من هذا, سواء في اللغة اللاتينية أو بلهجات محلية بوقت لاحق. لكن ربما مصدر القلق الأسوأ هذا للسلطات, للكهنوت وللعلمانيين: جعل أفكار سبينوزا بالنهاية محطّ اهتمام بالغ.
رغم كل ذاك الاضطهاد والملاحقات, أضحت أفكار سبينوزا ذات شهرة تكبر باضطراد, ليس بين المثقفين فقط بل حتى بين الطبقات الشعبية. فحملات مكافحة " العقائد الشريرة " و " العقائد المُهلكة " لم تتمكّن من تفادي انتشار أفكار سبينوزا وإمكانيّة ربحها لأفضل العقول في حقبتها. وهذا ما يوضحه Jonathan I. Israel في الصفحة 3166:" لماذا كل تلك الحرب الشعواء على سبينوزا؟ لا يمكن تجاهل سبينوزا, مَنْ كان وما هي الهرطقات التي نشرها, فكتاباته متوفرة بكل الأرجاء, نظراً لحداثتها, وهي متوفرة بكل المكتبات تقريباً ".
تُذكِّرنا الخيبة بمواجهة نشر أفكار بهذه الخطورة, بمشهد آخر بتاريخ الأفكار الطبيعيّة, وبحسب ما قصّ ديوجين Diógenes Laercio: فقد حاول تلاميذ أفلاطون ثنيه عن فهم أعمال ديموقريطوس, مُنافِسَهُ الأكبر, " حيث أنّ الكثيرون قد سعوا للقيام بهذا مع مؤلفات ديموقريطوس ".
يتميَّز عدم التسامح بميزة راسخة, تقول: لا يمكن أن تكون مُختلفاً, بل يجب قمع هذا الإختلاف!.
الجمعة أبريل 14, 2017 10:19 am من طرف صافيناز