حسين فريــق العــمـل
الجنس : عدد المساهمات : 473 معدل التفوق : 1303 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 18/12/2011
| | بين التطرّف الدّيني والوسطية اتفاق في المضمون واختلاف في التطبيق … بقلم هاجر حمادي | |
قامت مجتمعاتنا بتلقين الفرد حدود الشرع كالقتل والرجم والجلد وقطع الأيدي والأرجل ، وأنها أوامر الله المقدّسة واضحة ليس فيها نقاش ، فحولته إلى نوعين … النوع الأول مُتديّن ومتشدد يحاول تطبيق ما جاء في الكتاب ، إيمانا منه أنها أوامر الله العليا وأن دينه دستور للدولة وليس فقط ممارسات للعبادة بشكل شخصي ، فتعاقبه هذه المجتمعات بدعوى أن الزمان لم يعد يتناسب مع تطبيق هذا الفحوى المعارض لحقوق الإنسان ، وأن هذه الأحكام صعبة التحقيق في دولة مدنية وديمقراطية ، مع أنها لقّنته قبل ذلك أن المقدَّس يصلح لكل زمان ومكان ، أو بحجة أنه لم يفهم المقصود وتفاسيره خاطئة أصدرها شيوخ متطرّفون وأنه وجب عليه اتباع شيوخ الاعتدال ، رغم أنّ المضمون واضح وصريح خصوصا في بنود الأحكام ، وهنا نقف عند إشكالية التعليم في دول المشرق والمغرب تحت ضلّ الأنظمة الشمولية ، التي ركزت على الحفاظ على السلطة دون الالتفات إلى بناء الأجيال ومراقبة قطاع التعليم جيدا لخطورته على البناء الفكري للفرد ، ودون فرض الرقابة على الكتب والتفاسير التي تدخل إليها قادمة من السعودية المصدر الأول للفكر الوهابي الإرهابي شئنا أم أبينا وكذلك من مصر المصدر الأساسي لتصدير الفكر الإخواني المتطرّف ، فسيطر على قطاع التعليم الإسلاميون والمحافظون وأشبعوا عقول الأطفال بالهراء والتناقضات والخرافة والكراهية ، و كٓبُرٓ هذا الطفل وأصبح يرفض الإصلاحات الفكرية التي يأتي بها المفكرون والفلاسفة للتناقض الكبير لمضمونها مع ما لقّنوه إياه المتطرفون منذ الصغر … أما النوع الثاني فهو الذي لا يحبّذ تطبيق هذه الأحكام الشرعية و ما نسمِّيه بالمعتدل (وهو أبعد ما يكون عن الاعتدال ) أو الوسطي والذي يشكّل الأغلبية في التّعداد ، ويعيش بانفصام قاتل بين حبّ الحياة والخوف من عقاب القانون وبين ضرورة تنفيذ حكم الدِّين وعقاب الإله ، فيتردد عن التقدّم في كل المجالات لأنه متعاطف مع النوع الأول ، .. … لا هو طبّق الدين كما يجب ولا تقدّم إلى الأمام للّحاق بركب الحضارات الغربية التي تحتكم إلى العقل المناهض لكل ما يؤمن به الفرد عندنا ، وغالبا ما يقف هذا نوع متفرّجا للنزاع بين العلمانيين والإسلاميين دون أن يحدّد موقفا نهائيا لأي طرف يريد أن يكون ، ويعيش تائها بتصرفات تطغى عليها الإزدواجية ويعيش حياة العلمانيين في الخفاء بشكل فردي ، ثم يناصر الإسلاميين في الخطاب الجماعي خوفا من مجتمعه المحافظ إلى أن يظطرّ إلى تحديد موقفه عندما يصل الطرفان إلى الصدام المباشر بشكله النهائي وينتهي المدّ والجزر بينهما … هذا النوع ( أي المعتدل ) علّمته مجتمعاتنا الدّعاء على اليهودي والنصراني والمشرك والشيعي والبوذي والملحد وكل من يختلف معه عقائديا بالزوال والفناء والكوارث ، سواءا في المنظومة التعليمية ومدارس تحفيظ القرآن أو في المساجد كل جمعة وفي موسم الحج في خطبة الوداع ، وأن يحاربه إلى يوم الدِّين سواءا بالقول والكره عند العجز كما هي حالة مجتمعاتنا الآن أو بالفعل عند التّمكين ظَنّا منهم أنه سيأتي اليوم الذي ستنقلب فيه موازين القوى وسيحكم الإسلام مجددا دون عمل و علم وفكر وتكنولوجيا وقوة عسكرية وسياسية ..، وعندما يهاجر إلى بلادهم ويصعب عليه التأقلم والاندماج مع بيئتهم لتناقضها الصريح مع العادات والأعراف والأفكار التي كبُرٓ عليها ، يتقوقع مع نفسه ويختار السكن في أحياء خاصة بالمهاجرين ليمارس أفكاره ومعتقداته بحرية وينشرها في محيطه ، دون أن يفيد المجتمع الجديد بأي إضافة رغم حصوله على الحرية والعدالة والعيش الكريم والحقوق التي لم يكن يحلم بها في بلاده ، متناسيا أنها صدرت من أنظمة علمانية يراها هو كافرة ويحرّض ضدها في مواقع التواصل ولا يريدها في بلاده التي هرب منها بسبب القمع وانعدام الحريات الفردية والعامة ، ثم يواصل حياته هكذا دون وجود مهم في البلد الجديد ولا يفعل شيئا سوى إنجاب أطفال كثر قصد الاستفادة من المعونات الاجتماعية ،ظنا منه أن دينه سيحكم أوروبا بكثرة الإنجاب والتكاثر متناسيا أن الفاعلية لشعوب النوع وليس الكم ، وفي بعض الأحيان إذا استسلم للأفكار والمعتقدات المتطرفة التي يروّجها بعض الأئمة سرّاً مستغلين الحريات الدينية والعلمانية التي تفرض على الأنظمة الأوروبية احترام معتقدات الآخرين خاصة في ظل حكم اليسار المتسامح كثيرا ، وبسبب عدم فهم هذه السلطات الأوروبية للفحوى الدّيني والترجمة الخاطئة التي يقدمها الأئمة للجهات الرسمية كنوع من الكذب والتقيا منتظرين لحظة التمكين ، فيلجأ حينها المتطرف إلى إذاقتهم الموت والكراهية كما لقّنته بيئته منذ الصغر ويتسرّع ويخرج عن الخط المرسوم بالالتزام بالدعوة الفكرية فقط ويفجّر نفسه بين المدنيين عندما يصل به الفكر المتشدد إلى آخر المراحل وهذا ما يحدث كذلك مع المتطرفين في بلاده ، فتتملّص الأغلبية منه في العلن وتهلّل في السرّ كنوع من التنفيس والانتقام إذا كان الاعتداء في بلادها ضد من تصفهم بالكفرة وأعداء الدين والعلمانيين ، أو كرد للاعتبار إذا كان الاعتداء في دول الغرب لأن المجتمعات الغربية تفوقت عليها في كل شيء وتركتها في عصورها الحجرية وقامت بتعريتها أمام نفسها بالنجاح والرقي الحضاري ، وهذا ولَّد لدى الفرد عندنا نوعا من الحقد وعقدة النقص اتجاه الآخر الناجح فيحاول تدميره والاعتداء عليه كنوع من العجز والمنافسة ، طبعا باستثناء الأقلية الناجحة عندنا والمبدعة سواءا في بلداننا أو في المهجر ممن تخلصوا فعليا من التطرّف والانفصام ، وتغلّب صوت العقل والمنطق وحب الحياة لديهم وأبدعوا في مجالات العلوم والفكر والفنون وأحيانا تفوقوا على الآخر الأوروبي والأمريكي … إذا الجواب بسيط لما نعانيه من تطرّف وتخلف وهو لامتلاكنا البيئة الحاضنة لهذا الفكر ، ولانتشاره في الأسرة والشارع والمدرسة والمساجد وفي كل مكان ، ولازلنا نحن ننكر ذلك ونعتبر الإرهاب هو فقط حمل السلاح الذي هو آخر مرحلة وليس الفكر المؤسس لحمل السلاح الذي هو أساس المرحلة ، وترى الأغلبية تحارب من يحاول إصلاح هذا الأساس والمنبع ( أي الفكر المتطرف ) وتراه عدوا للدين وحاملا لأفكار غربية هدّامة لقيم مجتمعه ولهويته ، وترفض طرحه المنطقي جملة وتفصيلا وتعتبره خطرا عليها وتكنّ له الحقد والكره ، وإذا تهوّر أحد أفرادها واغتال هذا المفكر والمنادي بالعلمانية فستهلل وتفرح لذلك أو على الأقل لن تتضامن مع المغدور به ، ولن تندّد بالفعل الإجرامي ولن تراه خطرا على مجتمعها وكلكم تذكرون ما حدث لناهض حتر مؤخرا في الأردن الذي اغتاله أحد المواطنين دفاعا عن الإسلام ، وكذلك ما حصل لفرج فوذة وللكثير من المفكرين والناشطين الذين عبّروا عن آراءهم ورفضهم للتطرف ، فاغتالهم المتشددون تلبية لمطلب الأغلبية التي تريد ذلك لكنها لا تجرؤ على الفعل … نحن لا نختلف مع الإرهاب بل فقط نتحفّظ على طريقة تطبيقه . | |
|