لبحث عن مصدر الكون عبثٌ.
- قد ازعم ان اي محاولة للبحث او ادراك مصدر الوجود قد تكون فاشلة . وذلك يوم يعلم الباحث انها من المستحيلات.
-ان من اصولي المقررة عندي ان جنس الكون - الوجود ازلي ..وبعبارة وضحى ان هذا الوجود الذي نحن هو وما حولنا انما كان في صورة ثم فسد الى صورة اخرى كالانسان الذي يكون صبيا ثم ياخذ يكبر حتى يصبح ابن الثمانين ولو قمنا بمقارنة الصورتين - الصورة التي كان فيها صبيا والصورة التي اصبح عليها الآن - لقنا انه هو هو غير انه في صورة اخرى تختلف عن الصورة الاولى في الشكل لا الماهية .
واذا اتضح هذا فنقول ان الوجود هو هو من حيث الماهية وهو ازلي اي ان ماهية الوجود ازلية واذا كان هذا كذلك فلنطرح هذا السؤال /
عن اي مصدرية للوجود نبحث ؟
- ان المصدر المبحوث عنه عند قوم هو نتيجة ظنهم ان الوجود له بداية مطلقة بمعنى ان الوجود اذا كان يتغير فحتما قد تغير عن غيره ولا يمكن التسلسل الى ما لا مهاية بحثا. فالمصدرية المقصودة على هذا القول هي المصدرية التي لا مصدرية لها مطلقا ومن كل الوجوه . لانهم قد احالوا التسلسل في الجملة .فمن اخذا هذا الدليل على ظاهره لزمه الوصل الى مصدرية .وعندنا نحن ان هذا الدليل ليس صحيحا وليس دقيقا وقد تناول امورا كان من حقها ان تتناول تناولا دقيقا- تناولا سطحيا فاخرج القوم عن ذلك الى نتيجة غير مقنعة .
- وبيان ان هذا الذليل غير مقنع على الجملة والتفصيل ما يلي وهو في ثلاث صور/
-1/ الصورة الاولى ( نحن لا نسلم ان الوجود قاطبة يتغير حيث يتغير من كل الوجوه. وهذا كالانسان في مثالنا السالف ولو قيل انه تغير كلي ماهية وشكلا لكان هذا الشخص اذا كان قد ارتكب جريمة في عقده الثاني ليس هو هو اذا غاب حتى بلغ الثمانين من العمر ...وهذا يترتب عليه امور لا تقبل في عالم الشرور.وكذلك الوجود هو تغير شكلي لا ماهوي . ولو سُئلنا ب( كيف لوجود ان يتغير شكلا الى صورة تؤدي غاية لها ولغيرها ) ؟لقلت هذه الاسئلة من جنس الاسئلة الخاطئة . وهذه الاسئلة كمن يرى جسما على خط مستقيم دون اعوجاج ثم يقول لماذا هذا الجسم كذلك ؟ ولو جاوبناه على سؤاله لطرح سؤالا آخر وهكذا الى لا نهاية . فانني لو سألت هذا الذي يؤمن بوجود خالق فقلت له ( انه وجود من طبعه كذلك او هو كذلك على حقيقته لقال ان هذا كلام فارغ مع اني لو سألته عن خالقه هذا السؤال (لماذا الخالق يخلق ؟ مع اني لا اساله عن الحكمة مثل ان يقال انه يخلق لحككمة وانما اقول له لماذا كان من حقيقة الخلق ؟ لكان هذا السؤال في نظره باطلا ولا معنى له. وهذا نفس الشيء في اسئلتهم في الوجود كالتي سلفت.
-2/ اما الصورة الثانية (اننا نقول اذا ثبت ان الوجود من حيث الشكل كان في صورة ثم الى صورة وتلك الصورة عن صورة اخرى ..وكل الصور القبيلة اصبحن لا موجودات والموجود هو الصورة التي الآن فانه اذا كان الامر كذلك فان الوجود من حيث هو هو ازلي والاعراض هي التي فيها الكلام..وقد بينا لماذا الوجود ازلي في الاصورة الاولى وان كان الامر يقتضي اطنابا لها .اما الاعراض فاذا قلنا انها ازلية فلان كل عرض على الوجود ياتي في محله الذي هو له اذ لا يمكن ان يكون قبل محله الذي هو له محل آخر له فالعرض ازلي من جهة انه لا امكان لمحله الا الذي هو له في الحقيقة .
- 3/ اما الصورة الثالثة ففي قولهم ( ان الصورة التي عليها الوجود الآن هي عدد معين بالقوة من بين السلسلة العددية اللامتناهية فاما الوصول الى العدد العدد الذي هو واحد واما لا . قالوا فان كان الوصول الى العدد الاول الذي هو واحد ثبتت البداية المطلقة والمصدرية المطلقة وان لا فان الصورة التي عليها الوجود الآن ليست عددا وعينا.)هـ.
وبطلان هذا القول يتجلى في التدقيق في قولهم ( هذه الصورة التي عليها الوجود الآن عدد من بين الاعداد اللامتناهية ) والتفريق بين الموجود بالفعل والوصول الى بدايته وبين وهم الوصل الى بداية اللاموجود.
فهذه الصورة التي عليها الوجود هي عدد يمكن ان تكون اي عدد وان الرياضيات لا تتعامل مع اللامتناهيات فلو قلنا ان هذه الصورة هي العدد عشرة مثلا فاذن لابد لابد ان نصل الى العدد واحد بالضرورة؟. ولكن هذا في الاشيئا اللامتناهية يمكن ان يكون اي شيء هو الواحد فيكون هو البداية المطلقة وتطبيق هذا اننا نقول يمكن ان يكون فرعون هو شيء من بين الاشيئاء الغير متناهية عددا فلنقل انه رقم الواحد فيكون بداية مطلقة وهذا مسوق لبيان ان الرياضيات كما قيل لا تتعامل مع اللامتناهي.
- ولكن اصحاب مذهب احالة التسلسل يقولون ( ان الصورة الحالية للوجود كان وجودها مشروطا بوجود صور لا متناهية قبلها - الزاما - وهذا يعني ان هذه الصورة لن تكون ابدا ).هـ وهذا قول جدلي قوي ولكن ليس برهانا بحقيقته الحرفية .والآن استيقظ من سنتك وتمعن في هذا القول ومن اين ياتيه المرض.
- ولنفتح بهذا السؤال / هل هذه الصورة التي عليها الوجود الىن هي نفسها من صمن الصور الغير متناهية ام هي خارجة عنهن؟
فان قيل انها خارجة عنهن فانه لا معنى لقولهم - على اصولهم - ان الموجودات بالفعل + الممكانت التي بالقوة = اشيئا غير متناهية .لان ذلك يعني ان الموجودات بالفعل لم يكن ممكنات قبل . وما هذه الموجودات بالفعل الا آحاد من المكنات اللواتي غير متناهيات. فاذا تقرر ان هذه الصورة لا ينبغي ان تكون خارجة عن اللامتناهيات لم يبق الا ان تكون هي آحاد منهن ؟ فاذا كان هذا فما الصواب من القول بدل قولنا ( انها كانت قبلها صور غير متناهية ) ؟. ان الخطأ هنا هو في استعمال كلمتي ( غير متناهية ) لان هذه الكلمة تصد العقل عن المعنى الصحيح..وانما الصواب ان يقال انها مسبوقة بصور..وقد يقال ان هذه الصور اذا لم تكن غير متناهية فهن حتما متناهيات ؟اقول هذا خطأ لان تلك الصور قد اصبحن الىن غير موجودات - اي في عالم الامكان والممكنات غير متناهيات - والكلام عن الموجود وليس عن غير الموجود.وكل صورة يكون نزولها الى الفعل دخولا في القوة دون فاصل زمني.فهي موجودة من جهة وغير موجودة من جهة اخرى.ولا تناقض.
وانما الصواب من قولهم ( ان هذه الصورة مشروط وجودها بصور قبلية غير متناهية - ازاما - ) هو ان يقال ان هذه الصورة مشروط وجودها بالفعل وجودها ضمن الممكنات الغير متناهيةوليس كما قالوا هم