اختبار دالّة الذكاء IQ سهل القياس ويعكس شيئا حقيقيا عن معدل
الذكاء؛ ولكن العلماء الذين يبحثون في جيناتنا عن العوامل التي تشكل
الذكاء اكتشفوا أن البحث في هذه العوامل أكثر صعوبة مما توقعوا.
<زيمر.K >
مفاهيم أساسية
يمتلك الباحثون تقانات متطورة لسبر الجينات والدماغ بحثا عن أسس التفاوت في الذكاء بين الأفراد.
توافر أعمال الباحثين فهما جديدا لماهية الذكاء، في حين تظهر هذه الأعمال درجة غير متوقعة من التعقيد في العلاقة ما بين الجينات والمحيط الذي تتفاعل معه.
كلما زادت معرفة العلماء حول دور الجينات في الذكاء، صار موضوع الذكاء أكثر غموضا. ومع ذلك، مازال البحث عنه يستحق المتابعة والعناء.
محررو ساينتفيك أمريكان
إن الصبر أمر ضروري في مجال العمل الذي يقوم به
[عالم الوراثة السلوكية في معهد علوم الطب النفسي(1) بلندن]، فهو يريد فهم طبيعة الذكاء. وكجزء من بحثه، يقوم بمتابعة نمو آلاف الأطفال، حيث يوجه أسئلة إليهم وهي: «ما هو الشيء المشترك بين الحليب والماء؟» و«في أي اتجاه تغيب الشمس؟». في البداية قام <پلومين> مع مساعديه بتوجيه هذه الأسئلة إلى الأطفال شخصيا أو عن طريق الهاتف. أما في هذه الأيام، فإن أكثر هؤلاء الأطفال في سن المراهقة، يؤدون الاختبارات على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).
صورة
بمعنى الكلمة، لقد كان هذا البحث ناجحا بشكل مذهل. لقد كان الأطفال الذين أخضعوا لهذا البحث توائم. وخلال هذا البحث، حققت التوائم المتطابقة نتائج أكثر تشابها فيما بينها من النتائج التي حققتها التوائم غير المتطابقة. وبدورها حققت التوائم غير المتطابقة نتائج أكثر تشابها فيما بينها من النتائج التي حققها الأطفال غير الأقارب. تظهر هذه النتائج، مع نتائج مشابهة من دراسات أخرى بوضوح للعلماء، أن للجينات تأثيرا مهما في تحصيل الأطفال في اختبارات الذكاء.
ولكن <پلومين> يريد أن يعرف المزيد. فهو يريد أن يحدد الجينات التي تقوم بهذا التأثير. ولديه الآن الوسيلة لتحديد الجينات التي لم يكن يحلم بها عندما كان يوجه الأسئلة إلى الأطفال. فقد بدأ <پلومين> مع زملائه بمسح الجينات الخاصة بالأطفال المشتركين في بحثه بوساطة أداة تسمى صفيفا ميكرويا microarray، وهي عبارة عن شيپة صغيرة يمكن بها تمييز نصف مليون شدفة snippet من الدنا DNA عن بعضها. إن الجمع بين هذه الوسيلة القوية وبين وجود عدد ضخم من الأطفال المشاركين في التجربة مكّنهُ من اكتشاف الجينات التي لديها تأثير بسيط في التنوع بنتائج الاختبارات التي كان يجريها.
ومع ذلك، فقد كشف <پلومين> مع مساعديه النقاب عن أنّ نتائج دراستهم التي اعتمدت أداة الصفيف الميكروي ـ والتي تعتبر أكبر شبكة لكشف الجينات المرتبطة بالذكاء ـ لم تكن جازمة. لقد اكتشف الباحثون ست واسمات جينية genetic markers أظهرت مؤشرات تدل على أن لها تأثيرا ضعيفا في نتائج اختبار الذكاء. ولدى أدائهم اختبارات إحصائية صارمة لمعرفة إن كانت النتائج صدفة، اجتازت هذه الاختبارات جينة واحدة، تبين أن لها تأثيرا في نتائج اختبارات الذكاء، حيث عبَّرت هذه الجينة عن 0.4% من التنوع الذي ظهر على النتائج. والخلاصة هي أنه لا أحد يعرف ما هو الدور الذي تؤديه هذه الجينة داخل الجسم.
يقول <پلومين>: «في الحقيقة، إنه يوجد عائق في بعض الجوانب». إن خبرة <پلومين> مماثلة لخبرة العلماء الذين يدرسون الذكاء. وإلى جانب استخدامهم الصفيفات الميكروية، يقوم العلماء بتوظيف مسوحات(2) الدماغ brain scans وتقانات أخرى متطورة لتوثيق التفاعل المعقد الذي يدور بين الجينات والبيئة خلال تطور الذكاء لدى الأفراد. لقد بدأ العلماء يلاحظون كيف أنّ الاختلافات في درجات الذكاء تعكس تركيبة الدماغ ووظيفته؛ حتى إن بعض العلماء بدؤوا بتشكيل رؤية جديدة للذكاء بوصفها انعكاسا للمعلومات التي تنساب عبر الدماغ. ومع هذا التطور الحاصل كلّه، ما زال الذكاء لغزا غامضا. تقول [عالمة النفس في جامعة مينيسوتا]: «إنه من المذهل مدى معرفتنا القليلة عن الذكاء».
خفيٌّ تحت الأنظار(**)
إن الذكاء في بعض جوانبه بسيط جدا. يقول [من جامعة ?يرجينيا]: «إنه لشيء يلاحظه كل فرد على الآخرين.» ويضيف قائلا: «الكل يعلم أن بعض الناس أذكى من غيرهم. ومهما كان معنى ذلك تقنيا، فإنه شيء تشعر به عند الناس حين تتحدث إليهم.»
ومع ذلك، فإن هذا النوع من الإحساس الغريزي لا يمكن ترجمته إلى تعريف علمي. ففي عام 1996، نشرت جمعية علم النفس الأمريكية(3) تقريرا عن الذكاء ورد فيه «أن هناك تفاوتا بين الأفراد من حيث قدرتهم على فهم الأفكار المعقدة، وقدرتهم على التأقلم مع البيئة، وقدرتهم على اكتساب الخبرة، والتدخل في مختلف أنواع الحجج والبراهين، وكذلك في اجتياز العقبات والمصاعب من خلال تبني الأفكار المناسبة».
ومن أجل قياس هذا التفاوت، وضع علماء النفس في بداية التسعينات اختبارات لقياس أنواع متعددة من الأفكار، مثل: الرياضيات، والحجج والبراهين الفراغية spatial، والمهارات اللغوية. ومن أجل مقارنة النتائج بين نوع من أنواع الاختبار بنوع آخر، تمكن بعض علماء النفس من تطوير معايير قياسية للذكاء. ومن أشهر مقاييس الذكاء هو ما يعرف بدالّة الذكاء(IQ(4، التي تم تحديدها من خلال تحديد النتيجة الوسطية بالقيمة 100.
ولكن مقاييس دالّة الذكاء IQ ليست مجرد أرقام وهمية؛ إذ يمكن لعلماء النفس استخدامها في وضع تنبؤات حول صفات أخرى تميز حياة الأشخاص. إنه من الممكن التنبؤ بشكل جيد، اعتمادا على نتائج اختبارات الذكاء في مرحلة الطفولة، بأداء الأشخاص في المدارس أو في مواقع العمل. وتبين أن الأشخاص الذين أحرزوا نتائج مرتفعة في اختبار دالة الذكاء يعيشون أكثر من المعدل الوسطي للأعمار.
يقول [من جامعة كاليفورنيا في إر?ن]: «هل تنبئك نتيجة دالّة الذكاء IQ بمدى قوة الإدراك أو ضعفه لدى شخص ما؟ الجواب هو لا.» ولكن مازال من الممكن لرقم صغير أن ينبئ كثيرا بشخص ما. «فعندما تذهب لمراجعة طبيبك، ما الذي يحدث أولا؟ شخص ما يقيس ضغط الدم ودرجة حرارة الجسم. ويحصل بذلك على رقمين. لا يمكن لأحدٍ الادعاء بأن ضغط الدم ودرجة حرارة الجسم يلخِّصان كل شيء عن صحتك، ولكنهما مفاتيح أرقام.»
إذن، ما الذي يميز مقياس ما للذكاء؟ «إنه بالتأكيد يشير إلى شيء ما،» على حد قول [وهو عالم الطب النفسي في المعهد الوطني للصحة العقلية (NIMH)(5)]. إن النظرية الأكثر قوة وشيوعا حول ما تعكسه اختبارات الذكاء تعود إلى أكثر من قرن مضى. ففي عام 1904، لاحظ عالم النفس أن الأشخاص الذين كان أداؤهم جيدا في أحد الاختبارات يميلون إلى أن يكون أداؤهم جيدا في غيرها. إن الارتباط بين نتيجة اختبار ذكاء واحد بأخرى لم يكن وثيقا. ولكن <سپيرمان> رأى أن الارتباط كان كافيا ليعلن أن هذا الارتباط ناتج من شيء أطلق عليه العامل g، وهو اختصار لتعبير عامل الذكاء العام general intelligence factor.
ولكن <سپيرمان> لم يتمكن من توضيح كيفية نشوء الذكاء العام من الدماغ؟ فخلال العقود الأخيرة، بحث العلماء عن إجابة لهذا السؤال عن طريق إيجاد أنماط ضمن نتائج الاختبارات لمجموعة كبيرة من الأشخاص. بشكل عام، هناك مصدران ممكنان للتفاوت في الذكاء: المصدر الأول هو التأثيرات البيئية، وهي تضم ابتداء أي شيء يتعلمه الطفل من والديه خلال نشأته وانتهاءً إلى الأمراض التي قد يصابون بها في مرحلة التطور والنمو. أما المصدر الثاني فهو الجينات، حيث يمكن للجينات أن تشكل الدماغ بطرق تجعل الأفراد يحققون نتائج أفضل أو أسوأ في الإجابة عن الأسئلة التي تطرح في اختبارات الذكاء.
مع بداية ستينات القرن الماضي، بدأ العلماء بالتوصل إلى أدلة حول دور الجينات والبيئة في تشكيل الذكاء، وذلك من خلال دراسة التوائم. ومن أجل معرفة السبب في أهمية التوائم للباحثين العاملين في مجال الذكاء، تخيل أن توأمين متطابقين فُصِلَ أحدهما عن الآخر وتم تبنيهما من قبل أسرتين مختلفتين. يمتلك هذان التوأمان الجينات نفسها، لكنهما يتعرضان لبيئتين مختلفتين. وإذا لم يكن للجينات أي تأثير في أدائهما في اختبارات الذكاء، فمن المتوقع أن لا تكون نتائج اختبار الذكاء لهذين التوأمين أكثر تشابها من نتائج اختبارات الذكاء لشخصين لا يمتّ أحدهما للآخر بأي صلة. ولكن إذا كان للجينات دور مهم في تشكيل الذكاء، فإن نتائج اختبارات الذكاء لهذين التوأمين المتطابقين يجب أن تكون أكثر تشابها.
يقول <پلومين>: «إن نتيجة أداء شخصين (يمتلكان الجينات نفسها) في اختبارات الذكاء تعادل نتيجة أداء الشخص نفسه بعد مرور عام على الاختبار. وإن أداء التوائم المتطابقة التي نشأت منفصلة عن بعضها يُشابه بشدة أداء التوائم المتطابقة التي نشأت مع بعضها.» ولكن هذه التشابهات تستغرق وقتا كي تظهر. ويضيف <پلومين>: «ومع بلوغ سن السادسة عشرة، فإن نتيجة أداء أطفال التوائم المتطابقة ـ الذين نشؤوا بالتبني لدى أسر مختلفة ـ في اختبار الذكاء كانت مشابهة لنتيجة أداء آبائهم البيولوجيين. كما أن نتيجة أداء أطفال التوائم المتطابقة ـ الذين نشؤوا لدى والدين بيولوجيين ـ في اختبار الذكاء كانت مشابهة لنتيجة أداء آبائهم».
إن هذه النتائج أقنعت <پلومين> بأن الجينات تؤدي دورا أساسيا في مستوى الذكاء، مع أنه من الواضح أن تلك الجينات لا تعمل بشكل منفرد. يقول <پلومين>: « هذا ما جعلني أقول: إن ما يجب علينا هو البدء بالبحث عن الجينات المرتبطة بالذكاء.»
صورة
يدرس <پلومين> توائم متطابقة تتبع صفات قابلة للتوريث. والنتائج التي حصل عليها تقنعه بأن مستويات الذكاء تصاغ بشكل جزئي بتأثير من الجينات.
منطقة غير مخططة(***)
في بداية التسعينات عندما بدأ <پلومين> يبحث في الجينات، كان له عدد قليل من الشركاء؛ ولذلك فهو يعلق قائلا: «كنت أعلم أنه لن يكون هناك أحد على درجة كافية من الجنون لأن يقوم بهذا العمل.»
لم يكن ممكنا ل <پلومين> بسهولة أن يمسح الجينوم البشري بحثا عن هذه الجينات، وذلك لأنه لم يكن قد تم تحديده بعد. لكن علماء الوراثة حينذاك تعرفوا عددا من الجينات التي إذا ما أُحْدِثت عليها طفرة بطريقة محددة، فستكون مرتبطة بحدوث تخلف عقلي لدى الأشخاص الذين يحملون هذه الجينات. وقد أدرك <پلومين> أن طفرات أخرى على هذه الجينات قد تُحْدِث فروقا طفيفة في الذكاء. وقد قارن <پلومين> مع زملائه أطفالا حصلوا على نتيجة جيدة أو ضعيفة في اختبارات الذكاء، بحثا عن الطفرات في 100 جينة تكرر ظهورها بشكل غير اعتيادي لدى مجموعة أو أخرى. ويقول <پلومين>: «ولكننا في الحقيقة لم نجد أيا من هذه الطفرات».
لذلك وسع <پلومين> إطار بحثه. فبدلا من فحصه جينات محددة مسبقا، قام بتتبع آلاف الواسمات الجينية المنتشرة على صبغيات الأطفال المدرجين في بحثه. وإذا ما تكرر ظهور واحدة من هذه الواسمات لدى الطلبة، سواء الحاصلون على درجات مرتفعة أو منخفضة في اختبارات الذكاء، فإن هذا قد يشير إلى وجود جينة مرتبطة بالذكاء ليست ببعيدة عن مكان تَوضّع الواسمة الجينية على الصبغي (انظر المؤطر في الصفحتين 16 و 17). وقد قام مع زملائه بإضافة عدد أكبر من الأطفال إلى بحثهم، وذلك حتى يتمكنوا من كشف الجينات ذات التأثير الأضعف في الذكاء.
وفي نقطة محددة من بحثه، ظن <پلومين> أنه قد وجد ارتباطا وثيقا بين الذكاء وبين جينة تدعى IGF2R مسؤولة عن تكويد مستقبلة عامل النمو والذي لديه فاعلية في الدماغ. ولكن لدى محاولة <پلومين> مع آخرين تكرار هذه النتائج، فشلوا. يقول <پلومين>: «لا يبدو أننا وفقنا».
توقع <پلومين> أنه يحتاج إلى عدد أكبر من الواسمات الجينية ليتمكن من تعرف جينات للذكاء. وأثناء تطور البيوض والحيوانات المنوية، فإن صبغياتها تتبادل جزيئات من الدنا. وكلما كان جزيئا الدنا أحدهما أقرب إلى الآخر على الصبغي، ازداد احتمال انتقالهما معا أثناء حدوث عملية التبادل. ولكن في دراسات <پلومين> السابقة، وجد أن ملايين من نُكليوتيدات الدنا فصلت كل زوج من الواسمات الجينية. لذلك، فمن الممكن أن جينات الذكاء التي كان يبحث عنها كانت في موضع بعيد جدا عن الواسمة الجينية، بحيث كانت تنتقل أثناء التبادل مجتمعة أحيانا ومنفصلة أحيانا أخرى. لقد كان <پلومين> بحاجة إلى مجموعة واسمات جينية مكثفة أكثر، وذلك لتقليل احتمال حدوث عدم ترافق الواسمات الجينية مع جينات الذكاء التي كان يبحث عنها.
لقد كان سرور <پلومين> كبيرا عندما وضع يده على صفيفات ميكروية يمكن لها اكتشاف 500000 من الواسمات الجينية ـ أكثر بمئات المرات من عدد الواسمات الجينية التي استخدمها سابقا. قام <پلومين> مع زملائه بأخذ مسحات swabs من الأغشية المبطنة للفم في منطقة الخد من 7000 طفل، ثم قاموا بعزل الدنا من الخلايا الموجودة في هذه المسحات، ثم قاموا باختبارها بوساطة الصفيفات الميكروية. ولكن مرة أخرى، كانت النتائج التي حصلوا عليها مخيبة للآمال.
قياس الذكاء(****)
في عام 1905، طور عالم النفس الفرنسي أول اختبار شامل للذكاء صار شائع الاستخدام. وقد طور هذا الاختبار بغرض التنبؤ بمستوى أداء الأطفال في المدارس، وبشكل خاص من أجل تمييز أولئك الذين هم بحاجة إلى مساعدة خاصة. ومنذ ذلك الحين، جرى استخدام اختبارات لقدرات إدراكية محددة، مثل: مهارات الرياضيات والمهارات الشفهية ومهارات البراهين الفراغية(6)، وذلك بغرض تشخيص حالات التدني في القدرات الذهنية، ومن أجل تحديد طيف الذكاء الطبيعي. ونتائج اختبارات القدرات الإدراكية المتعددة الأكثر شيوعا، مثل: اختبار ستانفورد-بينيه لدالة الذكاء ومقياس فيتشلر، تتناسب مع الأداء في المدارس. ولكن نتائج اختبارات الذكاء تتنبأ بحوالي 25% فقط من حالات تفاوت أداء الطلبة في المدارس، مما يبقي 75% من حالات التفاوت التي لا يمكن إيضاحها من خلال اختبارات الذكاء. ولكن نتائج اختبارات المكونات المتعددة للذكاء تميل إلى إبداء ارتباط فيما بينها، مما يشير إلى أن هذه الاختبارات تقيس، بالفعل، مستوى القدرة الذهنية العام للفرد.
إن مثل هذا الذكاء العام (ويرمز له أيضا بالحرف g) لا يقاس بوساطة اختبار ذكاء منفرد، وإنما يستخلص إحصائيا من مجموع النتائج التي يحرزها الفرد في مجموعة من اختبارات الذكاء. وإن نتائج القدرات المحددة لفرد ما تشبه القياسات التي يقوم بها الخيّاط لطول الذراعين وطول الساقين ومحيط الصدر، في حين أن مقياس الذكاء g، هو أقرب ما يكون إلى القياس العام للبدلة، الذي ينتج من القياسات المختلفة التي يجريها الخياط، أي: صغير، وسط، كبير.
محررو ساينتفيك أمريكان
صورة
يقول <پلومين>: «أنا لست على استعداد لأقول إننا وجدنا جينات للذكاء، لأننا في مرات عديدة حصلنا على نتائج إيجابية خاطئة كثيرة. وكانت هناك تأثيرات ضعيفة جدا لبعض الجينات، لذلك يجب تكرارها في دراسات كثيرة حتى نحصل على ثقة بصحة هذه النتائج.»
إن الإخفاق في اكتشاف جينات للذكاء كان بحد ذاته مصدر تثقيف وتنوير ل<پلومين>. إن دراسته على التوائم لاتزال تقنعه، باستمرار، بأن جينات الذكاء موجودة، فهو يقول: «أخيرا هناك تنوع في الدنا مسؤول عن التفاوت في الذكاء.» ولكن جميع التنوعات التي اكتشفت حتى الآن تسهم بقدر ضئيل جدا في التفاوت في درجة الذكاء. يقول <پلومين>: «أعتقد أنه لم يطرأ على بال أحد أن أكبر التأثيرات في الذكاء لن تتجاوز 1 في المئة.»
هذا يعني أنه لابد من وجود المئات ـ بل الآلاف ـ من الجينات التي تُنْتِج مجتمعةً المجال الكامل من التفاوت في الذكاء ذي الأساس الجيني. ويشك <پلومين> فيما يقال إن بعض الجينات متخصصة فقط بالمهارات الشفهية الأخرى وبعضها الآخر متخصصة بالفهم الفراغي. ففي دراسات التوائم، يميل الأفراد إلى الحصول على نتائج متشابهة في اختبارات الذكاء لجميع هذه الأنواع المختلفة من الذكاء. ولو كانت جينات الذكاء تنضوي في مجموعات متخصصة لأمكن لشخص ما أن يرث نوعا محددا من أوجه الذكاء، ولكن من دون أن يرث الأوجه الأخرى.
«لست على استعداد لأن أقول إننا وجدنا جينات للذكاء، وذلك لأننا حصلنا في مرات كثيرة على نتائج إيجابية خاطئة.»
[معهد علوم الطب النفسي في لندن]
ويعتقد <پلومين> كذلك أن نتائجه تقدم بعض التلميحات من الكيفية التي تؤثر فيها الجينات في ذكاء الدماغ، ويناقش <پلومين> قائلا: «في حال كون الكثير من الجينات التي يؤثر كل منها تأثيرا صغيرا في الذكاء، فإنه من غير المرجح أن تتجمع جميع هذه الجينات في منطقة واحدة بالدماغ.» وبدلا من ذلك، فإن هذه الجينات تؤثر في شبكة كبيرة من مناطق الدماغ. ويمكن لهذه الجينات المرتبطة بالذكاء أن تنتج تأثيرات كثيرة ومختلفة في أجزاء مختلفة منه.
أما الاختبار النهائي لفرضية <پلومين> فلا بد أن ينتظر حتى يضع العلماء القائمة النهائية للجينات التي لها تأثير غير مشكوك فيه في وظائف الدماغ والتي يرتبط تأثيرها بنتائج اختبارات الذكاء. ربما تأخذ هذه القائمة وقتا طويلا، ولكن <پلومين> متشجع إلى النتائج الجديدة في جميع المجالات المختلفة للأبحاث: مثل بروز دراسات جديدة تعتمد على التصوير الدماغي، في محاولة لإيجاد دليل على الذكاء في الدماغ نفسه.
شكل الذكاء(*****)
قام <شو> وزملاؤه بتحليل مسوحات (تفريسات) لأدمغة أطفال المدارس. وأجرى هؤلاء الباحثون تصويرا لأدمغة هؤلاء الأطفال مرة كل عام بغرض رصد تطورها، وقد ركز <شو> أكثر اهتمامه على ما تظهره هذه الصور من نمو قشرة الدماغ brain cortex، وهي الطبقة الخارجية للدماغ، حيث إن معظم عمليات معالجة المعلومات المعقدة تحصل فيها. وقد وُجِد أن القشرة تستمر بتغيير شكلها وبنيتها حتى يصل الإنسان إلى بداية العشرين من عمره. كذلك وجد <شو> أن التفاوت في نتائج اختبارات الذكاء يعكس كيفية تطور الأدمغة.
وقد تبين أن قشرة الدماغ لدى جميع الأطفال الذين تم تصويرهم، تزيد سماكتها مع نمو عصبونات neurons جديدة ونمو أفرع جديدة لها. بعد ذلك تترقق قشرة الدماغ تزامنا مع توقف نمو أفرع جديدة. ولكن في بعض أجزاء القشرة وجد <شو> أن التطور أخذ منحى مختلفا لدى الأطفال الذين لهم درجات متفاوتة في الذكاء. يقول <شو>: «لقد بدت قشرة دماغ الأطفال الخارقي الذكاء رقيقة جدا، بعد ذلك صارت القشرة سميكة نسبيا، ولكنها بسرعة جدا صارت رقيقة مرة أخرى عند سن المراهقة».
كما برز طور مماثل من الدراسات على أدمغة البالغين. فقد وجد الباحثون أن الناس الذين حصلوا على نتائج مرتفعة في الذكاء، كثيرا ما يكون لديهم مناطق محددة من القشرة تكون سماكتها أكبر من المعدل الوسطي المعروف. توقع <شو> أن بعض هذه الأطوار تشير إلى أنها نتيجة للبيئة حولها. ولكن كثيرا ما تكون هذه المناطق من القشرة ذات حجم متساوٍ عند التوائم، مما يشير كذلك إلى أن الجينات مسؤولة عن بعض الفروقات.
وفي السنوات الأخيرة، نشر العلماء كذلك عددا من الدراسات التي يدَّعون فيها أنهم عثروا على نماذج مميزة من وظائف الدماغ لدى الناس الذين يحصِّلون نتائج مرتفعة في اختبار الذكاء. ومؤخرا، عاين و [من جامعة نيومكسيكو] 37 دراسة تتفحص حجم مناطق من الدماغ أو أنشطتها بحثا عن نموذج شامل لنتائجهم. وكما كان <پلومين> يتنبأ، لم يجد <هاير> و <گينگ> أي «بقعة ذكاء» في الدماغ. وعوضا عنها وجدا مجموعة مهمة من المناطق المتفرقة حول القشرة. وقد ربطت دراسات أخرى منطقة من هذه المناطق الدماغية بنوعٍ مختلفٍ من الأنشطة الذهنية. يقول <هاير>: «ويبدو أن الذكاء مبني على هذه العمليات الذهنية الأساسية، كالانتباه والذاكرة، وربما القدرة اللغوية.»
وإضافة إلى وصفها نسيج المادة السنجابية التي تشكل القشرة الدماغية، تجد هذه الدراسات بصمة الذكاء في المادة البيضاء التي تربط الأجزاء البعيدة من القشرة معا. يميلُ الناس ذوو الذكاء المرتفع إلى امتلاك ألياف من المادة البيضاء أكثر تنظيما من تلك التي لدى الناس الآخرين. يقول <هاير>: «إن المادة البيضاء تشبه الأسلاك الكهربائية. وإذا ما فكَّرت فيها، فإن الذكاء يتطلب في الحقيقة قوة متنامية وسرعة في المعالجة: المادة البيضاء هي التي تُعطي السرعة، والمادة السنجابية هي التي تُعطي قوة في المعالجة.»
اقترح <هاير> أن هذه الأجزاء من «شبكة الذكاء» يمكن أن تعمل مختلفة باختلاف الأشخاص، فهو يقول: «يمكنك التفكير في كونك شديد الذكاء لأنك تمتلك الكثير من السرعة والقوة في المعالجة، أي إنك تمتلكهما معا؛ أو يمكنك التفكير في أنك تمتلك الكثير من إحداهما والقليل من الأخرى.» إن جميع هذه التركيبات يمكن أن تؤدي إلى النتيجة النهائية نفسها، لذلك يمكن أن يكون لديك شخصان متساويان في الذكاء، ولكن دماغيهما أساسا يتوصلان إلى السلوك نفسه، مع اختلاف طريقة قياسهم.»
صورة
«يبدو أن الذكاء مبني على هذه العمليات الذهنية الأساسية، كالانتباه والذاكرة، وربما القدرة اللغوية.»
[جامعة كاليفورنيا، إر?ن]
[تقنيات]
البحث عن الجينات(******)
وعلى مر السنين، استخدم الباحثون طُرقا متنوعة في البحث عن جينات يمكن أن يكون لها دور في تشكيل الذكاء، ويطلق عليها خَصْلَة كمّية (7)quantitativetrait ـ وهي صفة توجد في جميع العينات المدروسة ولكن في درجات متفاوتة. إن مقارنة الدنا بين الأشخاص الخارقي الذكاء وبينهم وبين الأشخاص المتوسطي أو الضعيفي الذكاء، يمكن أن تظهر لنا تشكيلات على الدنا شائعة بين الأفراد ذوي الذكاء المرتفع. ويمكن أن تشير هذه التشكيلات المميزة على الدنا إلى مواقع الجينات ذات التأثير في مستويات الذكاء، ولكن حتى الآن لم تتمكن هذه التجارب من تعريف أي من الجينات مسؤولة عن الذكاء بشكل قطعي لا يقبل الجدل فيه.
صورة
مواقع خصال كمّية (QTL)(8)
من أجل إيجاد أي موقع صبغي (كروموسومي)، يُعتقد امتلاكه دورا في تحديد صفة كمّية، يفتش الباحثون أولا عن تسلسلات متكررة من الدنا تدعى الواسمات الساتلية الميكروية microsatellite markers ، تنتشر على امتداد الصبغيات، وإذا ما تبين تكرار ظهور إحدى هذه الواسمات لدى الأفراد ذوي الذكاء المرتفع، فيقوم الباحثون عندها بمسح الدنا في المنطقة المجاورة لتوضع هذه الواسمة على الصبغي، وذلك بهدف تعريف الجينات المجاورة.
صورة
جينات مرشحة
بهدف إيجاد دلالات تشير إلى دور مؤثر في الذكاء لإحدى الجينات المحددة لخصال كمّية QTL genes، أو لجينة أخرى معروفة بدورها في التأثير في عمليات إدراكية كالذاكرة، يمكن للعلماء مقارنة التسلسل النكليوتيدي للجينة المعنية على الدنا لدى أفراد يمتلكون ذكاءً مرتفعا وآخرين ذوي ذكاء منخفض. وإذا ما تبين أن تنوعا محددا في الجينة يُدعى التعددات الشكلية الوحيدة النكليوتيد (SNPs)(9) يتكرر ظهوره بشكل أكبر لدى الأفراد الذين يتمتعون بذكاء مرتفع، فإن هذا يستدعي الافتراض أن هذه الجينة يمكن أن تسهم في مستوى الذكاء.
صورة
مسوحات على مستوى الجينوم
من أجل كشف جينات جديدة مرشحة لأن تؤدي دورا في تحديد الذكاء، يمكن للعلماء استخدام صفيفات ميكروية في تقصي كامل الجينوم البشري بحثا عن التعددات الشكلية الوحيدة النكليوتيد SNPs. تحتوي كل خلية من خلايا الصفيف الميكروي على جدائل قصيرة من الدنا مصممة بحيث تقترن بتسلسل نكليوتيدي محدد ضمن جينة، أو منطقة من الدنا تنظم عمل الجينة. عندما يغمر الصفيف الميكروي في عينات الدنا، يتسبب اقتران أي تسلسل نكليوتيدي من عينات الدنا بأي تسلسل نكليوتيدي محتوى في خلايا الصفيف الميكروي في تألق هذه الخلية (اللون الأحمر). إن الاختلافات المكتشفة في نكليوتيد مفرد والموجودة ضمن تسلسلات الدنا لأفراد ذوي مستوى مرتفع من الذكاء وأفراد آخرين يمكن أن تشير إلى جينة، وكذلك نوع آخر ـ محدد منه ـ له دور يمكن أن يشارك في تحديد مستوى الذكاء.
يعترف <هاير> بأن هذه الأفكار لا تتعدى كونها توقعات. ومع ذلك، فإن <هاير> يُحاجُّ بأن التصوير الدماغي قد وافر للعلماء فهما أكثر متانة عن الذكاء. ويقول <هاير>: «يمكن لي التنبؤ بدالة ذكاء مكتملة بوجود كمية من المادة السنجابية في عدد صغير من مناطق الدماغ.» وهو يتوقع في المستقبل القريب، أن 10 دقائق من التصوير على جهاز الرنين المغنطيسي ستكون كافية للحصول على معلومات كثيرة عن مستوى طلبة المدارس الثانوية تعادل المعلومات التي يتم الحصول عليها خلال 4 ساعات يقضيها الطلبة في تقديم امتحان الاستعداد الدراسي (SAT(11 المستخدم للقبول في معظم جامعات أمريكا.
إن بعض علماء النفس غير مستعدين تماما لاتخاذ مثل تلك الخطوة. فهم لا يعتقدون وجوب منح اختبار دالة الذكاء IQ ودالة الذكاء العام g أهمية أكبر مما تستحقانه، من أجل شيء واحد هو أن العقل هو أعقد من أن تحيط به الاختبارات المستخدمة لتحديد دالة الذكاء والذكاء العام. يقول <تركهايمر>: «أظن أن ذكاء الإنسان متعدد الأوجه وكثير التعقيد،» ويضيف: «لسوء الحظ، لم يجر أي عمل على الجوانب الأخرى من الذكاء.»
ويقول <تركهايمر>: «يمكننا استخدام مفهوم الذكاء العام (g) في كثير من الأشياء المفيدة، ولكنني لا أعتقد أن هذا يجب أن يقودنا إلى الاعتقاد أن ذكاء الإنسان هو شيء أحادي يسمى الذكاء العام (g) الذي يمكن لنا إيجاده بطريقة واقعية في الدماغ.» ويعلق <تركهايمر>: «إن خطوط الطول والعرض مفيدة جدا للتوجيه، ولكن هذا لا يعني أن هذه الخطوط منحوتة فعليا على سطح الأرض.»
تدافع <جونسون> عن عامل الذكاء العام g بوصفه يحدد شيئا مهما في الدماغ، ولكنها، ومثل <هاير>، لا تعتقد أنه ذو مقاس واحد يناسب جميع أنواع الذكاء العام. وتقول >جونسون<: «مع أن هناك صفة عامة للذكاء، فالذي يجعل ذكائي عاما هو غير الشيء الذي يجعل ذكاءك أو ذكاء أي شخص آخر عاما. إن أدمغتنا مِطْواعة بما فيه الكفاية، بحيث يكوّن كلٌّ منها نوعا مختلفا من الذكاء العام.»
إن تحديد الدور الذي تؤديه الجينات في إنتاج أنواع مختلفة من الذكاء سيكون بلا شك صعبا جدا. وإنه من الممكن تماما أن قائمة الجينات المرتبطة بالذكاء تضم الكثير من الجينات التي ليس لها في الحقيقة أي وظيفة خاصة بالدماغ. ويطرح <تركهايمر> التجربة الذهنية التالية: تخيل إحدى الجينات التي ترتبط بعرض قناة الولادة عند المرأة، فإن النساء اللاتي يحملن الجينة التي تعطي قناة ولادة ضيقة يملن إلى أن يكون لديهن مشكلات وتعقيدات أثناء الولادة، ويعاني أطفالهن خطورةً عالية للتعرض لنقص الأكسجين أثناء الولادة. ونتيجة لذلك، فإن تحصيل أطفالهن في اختبار دالّة الذكاء IQ يكون أقل بنقطتين من تحصيل أقرانهم الذين يمتلكون نوعا مختلفا من الجينة المسؤولة عن قناة الولادة. كما أن بعض هؤلاء الأطفال سيحملون أيضا الجينة التي تعطي قناة ولادة ضيقة.
مسرد شرح الكلمات الصعبة
دراسة ارتباط التنوعات على مستوى الجينوم (GWAS)(12): وهي مقاربة تتضمن المسح السريع لعشرات أو مئات الآلاف من الواسمات الجينية المنتشرة على امتداد كامل الجينوم لآلاف من البشر بغرض إيجاد تنوعات جينية مرتبطة بصفة محددة.
.....................................................................
القوة الإحصائية(13): كلما زاد حجم حوض الأفراد المستخدم في دراسة ارتباط التنوعات على مستوى الجينومGWAS، زادت الفرص في كشف تنوعات جينية ذات تأثيرات صغيرة، ولكن معنوية، في الصفة المدروسة.
.....................................................................
حجم التأثير: وهو تحليل إحصائي يحدد النسبة من الاختلافات بين الأفراد التي يمكن أن تعزى إلى تنوع محدد على الدنا.
يقول <تركهايمر>: «لذلك، فإن هؤلاء الأطفال سيحملون جينة مرتبطة بمعدل دالّة ذكاء منخفض، فهل يمكنك الاستنتاج أن هذه الجينة هي الجينة الخاصة بالذكاء؟ حسنا الجواب هو كلا حقيقةً؛ إنها الجينة الخاصة بقناة الولادة. إن الطرق التي يمكن فيها للجينات أن ترتبط بمعدل دالّة الذكاء IQ، متنوعة جدا إلى درجة تجعل تعرفها مستحيلا.»
إن البحث الخاص ب<تركهايمر> يوضح نوعا آخر من التعقيد في الصلة ما بين الجينات والذكاء: إن الجينات لا تعمل بمعزل عن البيئة. في الحقيقة، يمكن أن يكون للجينة نفسها تأثيرات مختلفة في بيئات مختلفة. وقد أدرك <تركهايمر> هذه الحقيقة لدى ملاحظته أن الدراسات الكبيرة للذكاء التي أجريت على عدد كبير من التوائم ضمت عددا قليلا فقط من الأطفال الفقراء. يقول >تركهايمر<: «إن الأطفال الشديدي الفقر ليس لديهم الوقت أو الموارد أو الرغبة في المشاركة في دراسات تطوعية.»
اكتشف <تركهايمر> أن قواعد بيانات أخرى تضم عددا أكبر من الأطفال الفقراء. وقد تمكن من تحليل نتائج اختبارات الذكاء لمئات من التوائم، آخذًا بالاعتبار حالتهم الاجتماعية والاقتصادية ـ وهي تعتمد على عوامل تضم فيها دخل العائلة التي ينتمي إليها التوائم، ومستوى تعليم الآباء. وقد وجد أن قوة تأثير الجينة اعتمدت على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأطفال. فلدى التوائم الذين يتحدرون من عائلات ثرية كانت الجينات هي العامل المحدد لحوالي 60% من حالات التباين في نتائج اختبارات دالة الذكاء. من جهة أخرى، فإنه لم يكن للجينات أي دور تقريبا في حالات التباين المسجلة في نتائج اختبارات دالة الذكاء لدى التوائم الذين يتحدرون من عائلات معدمة.
«إن أدمغتنا مِطْواعة بما فيه الكفاية، بحيث يكوّن كل منها نوعا مختلفا من الذكاء العام.»
[جامعة مينيسوتا]
نشر <تركهايمر> وزملاؤه هذه النتائج في عام 2003؛ أما في الشهر 5/2007 فقد كرروا النموذج نفسه على قاعدة بيانات أخرى. وبدلا من مقارنة نتائج اختبار دالّة الذكاء IQ، قام الباحثون بدراسة كيفية أداء 839 زوجا من التوائم في امتحان التأهيل لمنحة الجدارة الوطنية الدراسية(14) لعام 1962. وللمرة الثانية تبين أن الجينات تؤدي دورا ثانويا في تباين النتائج بين الأطفال الفقراء، وكان لها دور أقوى بكثير لدى الأطفال الأثرياء. وهنا يفترض <تركهايمر> أن الفقر يجلب معه مؤثرات بيئية قوية يمكن لها أن تصوغ مستوى الذكاء ابتداءً من مرحلة وجود الجنين في الرحم مرورا بمرحلة الدراسة وما يليها. ولكن عندما ينمو الأطفال نسبيا في منزل يتمتع بالرخاء، يصبح ممكنا لتفاوتات الذكاء ذات الأساس الجيني أن تبدأ بالظهور.
وكما لو أن هذا التعقيد لم يكن كافيا، فقد اكتشف العلماء أيضا أن الجينات، بدورها، يمكن أن تُعَدِّلَ تأثير البيئة في ذكائنا. فقد اكتشف العلماء البريطانيون في عام 2007 ارتباطا بين الرضاعة الطبيعية وبين تعزيز نتائج اختبار دالّة الذكاء IQ ـ ولكن فقط إذا كان الأطفال يحملون نوعا خاصا من أنواع الجينة. أما إذا حمل الأطفال نوعا آخر من الجينة، فإن نتائج اختبار دالة الذكاء لهؤلاء الأطفال لا تختلف عن مثيلاتها لدى أطفال تمت تغذيتهم بحليب أطفال صنعي.
يمكن للجينات أيضا التأثير في السلوك بأساليب تؤثر بدورها في الكيفية التي يتطور فيها الذكاء. تقول <جونسون>: «الناس يخلقون بيئتهم الخاصة بهم. إذا رأيت طفلا يبدي اهتماما حقيقيا بالفنون أو الرياضيات، فالاحتمال أنك ستحضر لهذا الطفل كتابا عن الرياضيات أو بعض أقلام التلوين. وبذلك سيتعلم هؤلاء الأطفال عليها ويصبحون أكثر اختلافا من الأطفال الذين ليس لديهم كتاب رياضيات أو أقلام تلوين. إن الآباء يستجيبون لما يفعله أطفالهم. إن نماذجنا في اختبار الذكاء لا تقيس مثل هذا التفاعل بشكل جيد على الإطلاق.»
يمكن لهذا التأثير أن يوضح واحدا من أكثر النماذج المحيرة في دراسات الذكاء عند التوائم: كيف أن تأثير الجينات صار قويا في نتائج اختبار الذكاء مع تقدم الأفراد في العمر. يمكن للجينات أن تؤثر في كيفية تشكيل الناس لبيئتهم الفكرية؛ إذ يمكن لخيارات، مثل: السعي وراء خبرات جديدة، أو قراءة الكتب، أو الانخراط المستمر في المحادثات، أن تعدل من فعاليات الدماغ. ومع تقدم الأطفال في العمر وسيطرتهم على حياتهم الشخصية، فإنه يمكن لهذا التأثير أن يصبح أكثر قوة.
يقول <شو>: «إن الذكاء صفة بازغة للدماغ». ويقول أيضا: « إن فكرة أنك وُلدت وتحمل 15 جينة تحدد بها بشكل قطعي مدى ذكائك الذي سوف يكون والكيفية التي سيتطور فيها دماغك، هي فكرة خاطئة بالتأكيد.»
[تقنيات]
المسح التصويري للدماغ(*******)
حددت تقانات التصوير الدماغي اختلافات في حجم الدماغ وفي مستويات نشاط مناطق محددة منه بين أفراد مرتفعي الذكاء وآخرين أقل ذكاءً. وتشير مثل هذه الدراسات أيضا إلى أن كفاءة تبادل المعلومات بين هذه المناطق من الدماغ هي عامل مهم في تحديد الذكاء.
إن مناطق الدماغ المرتبطة بالذكاء والتي ظهرت في المسوحات التصويرية هي مسؤولة عن عمليات دماغية متنوعة مثل: المحاكاة المنطقية (1)، المهارات اللغوية (2)، والتكامل الحسي (3). وإضافة إلى ذلك، فقد كانت ألياف المادة البيضاء التي تربط مناطق الدماغ ببعضها أكثر انتظاما لدى الأفراد ذوي المستوى المرتفع من الذكاء، مما يشير إلى أن تبادل المعلومات يؤدي أيضا دورا مهما في تحديد الذكاء.
صورة
مع الزمن، يبدي تطور الدماغ تشكيلات ترتبط بمستوى الذكاء. ففي الأطفال الذين تكون دالّة الذكاء IQ لديهم مرتفعة، تكون مناطق من قشرة الدماغ في السنوات الأولى من الحياة أرق من الحد الوسطي، بعدها تصبح هذه المناطق أكثر سماكة من الحد الطبيعي خلال فترة المراهقة. وإنّ آلية تأثير هذه الفروق في معالجة المعلومات تبقى أمرا غير معروف حتى الآن.
صورة
صورة
العودة إلى الأساسيات(********)
اختبر أكبر مسح للجينوم البشري حتى الآن 7000 فرد ومن أجل 500000 تعدد شكلي وحيد النكليوتيد SNP، ولكن لم ينتج منه سوى ستة تعددات شكلية وحيدة النكليوتيد ذات علاقة بالذكاء، لكل منها تأثير طفيف جدا في الفروق الملاحظة في مستوى الذكاء بين الأفراد. توضع ثلاثة من هذه التعددات الشكلية الوحيدة النكليوتيد في مواقع بين الجينات على الدنا. ويمكن أن يكون لجميع هذه التعددات الشكلية تأثيرات منظمة في عمل الجينات، ولكن وظيفة الپروتينات التي تكوّدها الجينات الثلاث المعروفة، تشير إلى أن التعددات الشكلية الوحيدة النكليوتيد المكتشفة على هذه الجينات لا يمكن أن يكون لها أي تأثير في عملية الإدراك بطرق واضحة. ولكن يمكن، من دون شك، أن تقود إلى اختلافات دقيقة في آليات تطور الدماغ الأساسية وفي أداء خلاياه.