فؤاد فريــق العــمـل
الجنس : عدد المساهمات : 786 معدل التفوق : 2214 السٌّمعَة : 22 تاريخ التسجيل : 17/12/2011
| | تحولات الألوهة من الأنوثة إلى الذكورة | |
تحولات الألوهة من الأنوثة إلى الذكورة (1) مدخل تاريخي ما أن فتح الإنسان عينيه على الحياة حتى غمرته دهشة الوجود واحتار أمام وجوده فيه فراح يفكر ويتأمل .. مر تأمله بأطوار كثيرة ، ونظرا لأن حمل المرأة وولادتها كانا أكثر أعجوبة تثير دهشته فقد راح يتخيل أن القدرة الكامنة خلف الوجود لا بد أن تكون أنثى ، وأن الكون لم يتشكل إلا من مضاجعة السماء للأرض أو من مضاجعة القمر للشمس لتنجبا الزهرة ، وغير ذلك الكثير من التخيلات التي قاده إليها تأمله ، لتبدع أروع الملاحم الأدبية الباحثة عن سر الخلق : الإينوما إيلتش .ملحمة جلجامش . الأوبينيشاد . الفيدا . ملاحم الإغريق . التكوين التوراتي ، وغيرها من ملاحم الخلق .التي كانت تتأثر بما سبقها من ملاحم بل وتأخذ منها كما أخذ ت ملحمة الخلق التوراتية من ملحمة الخلق البابلية ومن تراتيل أخناتون وأسطورة إيزيس واوزيريس ومن التراث الكنعاني واليمني والحجازي وقد أشرنا إلى ذلك أو بعضه في حينه .وكانت هذه الملاحم تؤثر بدورها في قصص الخلق اللاحقة لها كما كانت المسيحية والمانوية والصابئية امتدادا لملحمة الخلق التوراتية ومكملة لها ، كما قام الإسسلام في أسسه على ملحمة الخلق التوراتية وإن كان مطورا لها في الكثير من جوانبه .وقد مرت مرحلة غير قليلة من عمر البشرية كانت الألوهة تعزى للأنثى لأنها هي التي كانت تهب الحياة بحملها وولادتها ،وكانت قيادة المجتمعات المشاعية لها .. فظهرت في تاريخ البشرية مئات النساء الإلهات: عشتار . إنانا . مايا . عناة . عشتروت . إيزيس . افروديت . أثينا . اللات . مناة . العزى . إلى أن تغير الزمن بفعل هيمنة الرجل التدريجية على مقاليد الحكم وقيادة القبائل والمجتمعات ، فأخذت الألوهة تعزى للرجل خاصة بعد أن تأكد من دوره الرئيس في مسألة التكاثر ( الحمل ) فلولا قيامه بالمضاجعة لما كان هناك حمل . ثم إن قدرته على العمل كانت أقوى من قدرة المرأة .. ثم كان عليه أن يعرف أبناءه ، ليورثهم ما جمعه واستحوذ عليه في حياته .. مجموعة عوامل أدت إلى هيمنة الذكر ، والتفكير في الألوهة المذكرة لتنقرض إلى غير رجعة ألوهة الأنثى .. حتى أن مجتمعاتنا الحالية تنعت بالمجتمعات الذكورية لهيمنة الرجل على معظم مقاليد الحياة فيها .فظهر في تاريخ البشرية الكثير من الآلهة الذكور . وكانت آخر إلهة أنثى هي إيزيس المصرية التي استمرت عبادتها حتى أواسط القرن الخامس الميلادي وامتدت عبادتها لتطال أجزاء من أوروبا وافريقيا وآسيا إلى ان اندثرت أمام المسيحية بعد أن اعتنقتها روما .وإن كان هناك إلهات أخريات باقيات فلم تكن عبادتهن ذات شأن هام وعلى نطاق واسع .تاريخ البشرية المدون وشبه المدون والذي عرف بشكل مقبول في بعض الأقطار ، لا يتجاوز ثمانية آلاف عام في أحسن أحواله . والمعروف بشكل جيد لا يتجاوز خمسة آلاف عام . وهذا الزمن رغم كل عقائده ودياناته وفلسفاته لم يضع حدا لدهشة وحيرة الإنسان أمام الوجود ، فكل ما قدمه العقل البشري لم يرق إلى حقيقة مطلقة للطاقة الكامنة خلف الوجود ، يمكن أن يقتنع بها الإنسان ويتبعها ، فما تزال مئات الأديان قائمة في العالم ، وأسوأ ما في الشعوب والطوائف التي تتبع هذه الديانات ، أن كل فئة تجزم أن معتقدها هو الصحيح والمعتقدات الأخرى خطأ ، ومن لا يتبع المعتقد فهو إما كافر أو ملحد .حتى الذي يؤمن بوجود طاقة ما خلف الخلق ، كوجود خالق ، يعتبر في نظر البعض ملحداً وفي نظر آخرين كافرأً . هذه الدهشة أمام الوجود والإستغراق في التأمل ، قادت الإنسان إلى أمر آخر غير الدين التقليدي هو التصوف. والتصوف في حالته المثلى هو ما يقود الإنسان إلى الإتحاد بالوجود ، وعند المؤمن إلى الإتحاد بالذات الإلهية .الإتحاد بالوجود : الإعتقاد أن الوجود هو وجود واحد وليس وجودين ، أي خالق وخلق ، فإذا كان هناك خالق فهو المتجلي في هذا الوجود ولا شيء غيره وأن وجود أي كائن لا ينفصل عن هذا الوجود ولا عن أي شيء فيه . وقد تمثل هذا الفهم في بعض العقائد بشكل ما ، وخير عقيدة تمثله هي عقيدة الشنتو اليابانية ، وكذلك البوذية إلى حد ما ، وثمة عقائد أخرى في الهند ، وجماعات من الشباب في أوروبا وأمريكا يتبعون هذا الفكر دون أن يكونوا متدينين . فهم يعيشون حياة عصرية بكل معنى الكلمة . وحدة الوجود هذه في منطقتنا أسسها ورسخ قواعدها المتصوف الإسلامي الكبير محي الدين ابن عربي قبل حوالي 800 عام ، وجعلها متسعة للفكر الإنساني كله مهما كان سلبيا ومهما كان إيجابيا ، فأنت إن كفرت مؤمن ، وإن آمنت بأي معتقد فأنت مؤمن أيضا ، حتى وإن ألحدت أنت مؤمن ، لأنك واحد من وجود واحد هو الله وتجلياته !! فالخالق عند ابن عربي هو الحقيقة السارية في الكون من أعلاه إلى أدناه ، ودونها لا يمكن أن يتم شيء مهما كان صغيرا أو كبيرا . وإذا كانت بعض الديانات تقوم على ثالوث اقنومي كالمسيحية ،( الآب والإبن ،والروح القدس ) فإن وحدة وجود ابن عربي تقوم على أقنوم واحد هوالوجود كله وكل شيئ فيه ، فكل شيء( ولو مجازيا ) جزء من الذات الإلهية لأنه ليس في الأصل إلا تجل من تجلياتها . وليس غريبا أن يسبح لله كل ما في السماوات وما في الأرض . لأن كل شيء من الله ولله فالوجود له وحده .******************** عصور الأمومة :لم تشهد عصور الأمومة وسيادة الأنثى الإلهة التي يقدرها المؤرخون من ثلاثين إلى خمسين ألف سنة أية حروب مدمرة كما لم تشهد إقامة جيوش جرارة غايتها شن الحروب والتوسع في الأرض وسبي النساء والإستيلاء على أراضي الآخرين ، كما لم تشهد صنع أدوات حربية ، فقد كان الإنسان يهتم بقوته ، ويؤسس للزراعة ، ويصنع أدوات للصيد ولمكافحة الوحوش المفترسة ، ولتناول الطعام ، وحفر الكهوف للإقامة ، وفيما بعد بناء البيوت الطينية ... ويمكن القول إن إنسان عصر الأمومة كان يؤسس لحضارة إنسانية ، بينما راح عصر الذكورة اللاحق - والقائم حتى يومنا - يؤسس لإقامة حضارة عدوانية تقوم على جيوش جرارة غايتها التوسع والهيمنة والسلب والحفاظ على السلطة وأنظمة الحكم .ونشر الفكر الذكوري وفرضه على الأمم . ولم يكن لدى إنسان عصور الأمومة مشاكل جنسية وربما على الإطلاق ، لأن الجنس كان متاحا له بيسر ، فلم يكن في حاجة إلى آلاف السبايا من العذراوات وغير العذراوات ليشبع غرائزه ونهمه إلى الجنس . ولم تكن الأرض ملكا لأحد بل كانت ملكا للبشر جميعا .كانت نساء الجماعة البشرية البدائية ، للرجال جميعا ورجال الجماعة للنساء جميعهن وكان الأبناء يعرفون بأمهاتهم وليس بآبائهم ،وكان من الطبيعي أن تكون المرأة الأم عماد الأسرة فيما بعد، ومن هنا جاء اعتقاد الإلهة الأنثى بأسمائها الأنثوية لاحقا . حتى أن تحول بعض الجماعات إلى قبائل في عصور لا حقة كان ينسب إلى أنثى وظل كذلك عند بعضها إلى يومنا كما هو عند بعض القبائل العربية .قدرة الأنثى على الحمل والإنجاب وتجدد دمها ( أحد أهم أسرار الحياة ) بفعل الطمث الشهري وحيض الولادة جعل الإنسان القديم يعتقد أنها الطاقة الكامنة وراء الخلق ، فألهها وقدس المرأة بشكل عام كما قدس دمها وقدس الممارسة الجنسية لما تبعثه من متعة للجسد .في الأساطيرالبابلية المتداخلة مع السومرية يتم خلق الكون من جسد الأنثى حين يقوم الإله مردوخ حفيد الأم الأولى تعامة بشق جسدها إلى نصفين ليقيم منهما السماء والأرض. بعد أن كانت الربة العذراء عشتارمعبودة تقدم لها القرابين وتقام طقوس الجنس المقدس في معابدها وتهب العذراوات المقدسات عذريتهن أضحية لها لأول عابر طريق ، بدأ الإنقلاب الذكوري الأقدم الذي وصل إلينا مكتوبا في ملحمة جلجامش ، حين أبى جلجامش الزواج من الربة العذراء عشتار بعد أن هامت به حبا :تعال يا جلجامش وكن حبيبيهبني ثمارك هدية كن لي زوجا وأكون زوجة لك .غير أن جلجامش يأبى الزواج من الربة ملصقا بها الصفات غيرالحميدة ،معددا مثالبها وأفعالها :وأي حبيب أخلصت له الحب إلى الأبد ؟وأي راع لك افلح معك على مر الأزمان ؟تعالي أفضح لك حكايا عشاقك :تموز زوجك الشاب ضحيت به ثم بكيته !طائر الشقراق الملون أحببته ثم ضربته فكسرت له الجناح وأحببت الأسد الكامل القوة ثم حفرت له مصائد سبعا وأحببت الحصان السباق في المعارك ثم قدرت عليه السوط والمهماز والاحزمة وأحببت راعي القطيع ثم ضربته فمسخته ذئبا وأحببت أيشولاتو بستاني نخيل أبيك ثم ضربته فمسخته خلدا فإن أحببتني ألا يكون نصيبي منك كهؤلاء ؟**** قدرة المرأة الأنثى على الحمل والإنجاب دفعت الذكر الرجل إلى منافستها في هذه القدرة ، فكبير الآلهة اليونانية زيوس يأخذ الجنين من بطن أمه ويشق فخذه ويضعه فيه ليكتمل نموه !! وهكذا يولد بروميثيوس من فخذ أبيه ! وتنبثق الربة أثينا ( ربة الحكمة والحرب ) من جسد زيوس نفسه بعد أن ابتلع أمها وهي حامل ! !تحمل الربة الفرعونية العذراء إيزيس بحورس دون ذكر إله غير أن حورس يستلب الألوهة من أمه للتتراجع مكانتها الألوهية ، وهو ما سنراه في المسيحية حين تسود ألوهة المسيح وتغيب قداسة مريم العذراء من الأناجيل .الضربة القاضية لألوهية الأنثى جاءت على يد كتبة التوراة اليهودية الذين أحالوا المرأة إلى شيطان في جسد أفعى تغوي حواء في أكل ثمرة من شجرة المعرفة ، ولتتحول الأنثى الربة إلى انثى ملعونة ماكرة شيطانة دنسة ، بعد أن كان دمها مقدسا ، وحملها مقدسا ، ومواقعتها مقدسة .. وقد تجلى ذلك في الديانات اللاحقة بنسب متفاوتة . علما أن قصة الشجرة والمرأة والأفعى ، تظهر في المدونات والرسومات السومرية المتأخرة ، كما أن الشجرة النبتة والأفعى تظهران في ملحمة جلجامش قبل ذلك. وقد جاءت التوراة بإله ذكوري ( يهوه ) يحمل كل الصفات السلبية التي يمكن أن يحملها إله ، من المزاجية والأنانية والعنصرية إلى القتل والتدمير والإنتقام بكافة أشكاله .****************بعد أن كانت الأنوثة هي مصدر الخلق حتى خلق الآلهة كما فعلت الأم تعامة في الأساطير السومرية والبابلية تحولت إلى مجرد مخلوق من ضلع الذكرالذي خلقه يهوه على صورته، كما أورد كتبة التوراة في سفر التكوين ، ليصبح نصف الخلق الإنساني ( الأنثى ) مخلوقا من ضلع ذكري .وكمن يقلب الوجود رأسا على عقب أنزل العقل الذكوري الأنثى الإلهة من عليائها السماوية الألوهية وقدسيتها في المرأة إلى أدنى المراتب الإنسانية الدنيوية وأدنسها ، وجعل الذكر سيدا عليها ، ومن أتعاب الحمل وآلام الولادة عقابا لها ، ورفع ذكورية الرجل من المراتب الدنيوية إلى المراتب السماوية والألوهية ، لتغدو الألوهة ذكورية بالمطلق لا وجود للأنوثة فيها أية مكانة على الإطلاق ، وتحولت القاب الألوهة ومسمياتها إلى ذكورية بالمطلق بما فيها الرب الأب الوالد ، مع أنه لا يلد ! | |
|