مقدّمة:
يطرح هذا المقال إشكالية العلاقة بين المقدّس والأنثروبولوجي، من خلال مجهود استقرائي لهذه الثنائية، وما يستتبعها من تحديدات معرفيّة خاصة، وأنّ سؤال المقدّس؛ هو البحث عن الكيفيّة التي يعطي بها الإنسان معنى لوجوده المعيش وواقعه بين الموجودات الأخرى.
تسأل الأنثروبولوجيا عن المقدّس، كبحث عن خلفيات المعنى، ممّا يجعلها، في جزء كبير منها؛ سعيًا وراء تجليّات المتعالي المكوّنة للإنسان في بعده الثقافي، وإذا ما استحضرنا تحليل إدوارد تايلور (Edward Tylor)، الذي يعتبر أنّ الثقافة: "هي ذلك الكلّ المركّب، الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات، والفنّ، والأخلاق، والقانون، والأعراف، والقدرات، والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان، بوصفه عضوًا في المجتمع[1]"؛ فإنّ هذا الطرح يضعنا مباشرة في هذا السياق البحثي، الذي تتمحور حوله إشكالات هذا المقال، والرهان العلمي المرجوّ منه.
سنحاول، هنا، تحديد مفهوم المقدّس في سياقه الأنثروبولوجي في مرحلة أولى، للوصول إلى فهم العلاقة بين الدلالات والمرجعيات الطقوسية، وتمظهراتها في الفكر البدائي، لنقدّم، في مرحلة ثانية، رؤية تحليلية بشأن تجسّد الوقائع الدينية، ضمن المسار التطوّري للممارسات الثقافيّة.
-أوّلًا: في تحديد المقدّس:
شكّل المقدّس (Le sacré) سؤالًا مركزيًّا، ضمن المبحث الأنثروبولوجي، وخاصّة ضمن المحاولات الأولى، التي دأبت على فهم علاقة الإنسان البدائي بالمقدّس والدنيوي، في عالم يقتصر، في جزء كبير منه، على الرموز، كما أنّ هذا الطرح لم يكن محاولة عبثية؛ بل كان مبنيًّا على أسس علميّة، تحاول كشف سببيّة ارتباط الفكر البدائي واقترانها، بما يعبّر عن المقدّس وتمظهراته، في المعيش اليومي لهذه المجموعات البشرية، وتتمثّل نقطة التشابه بين هذه المجموعات وبين نظيراتها الثقافية، في القدرة على الاشتراك في التعبيرات الكونيّة المرتبطة، في جزء كبير منها، بدلالات رمزية، تحاول تفسير الكون، والإجابة عن أسئلة لطالما سايرت الفكر البدائي وعايشته؛ فكانت الممارسات الثقافية بتنوّعاتها وباختلاف أشكال ممارساتها، تجسيدًا ماديًّا للمقدّس؛ بل تتحول، في جزء كبير منها، إلى شكل من أشكال التماهي الكلّي مع هذا المقدّس، في محاولة لاختراق السكون الذي يرافقه في الحياة، والرغبة الملحّة في تحصين هذه الحياة، المهدّدة بمخاوف عديدة طبيعية[2]، وكان الاختراق الزمني لهذه الممارسات عبر الفضاءات المكانيّة، واستحضار العناصر المهيّأة لنشأة طقوس الاحتفال، وما يرافقها من تعبيرات جسدية ولغوية، أبرزها الملامح المعبّرة، فتكون، في الآن نفسه، استدعاء لجانب التحصين، ومحاولة ضمنية للاحتماء بفاعلية المقدّس[3]، وكلّما كانت "الطقوس المرافقة، في هذا الاستحضار، القائمة على المتخيل الجمعي، ازدادت درجة تأثيرها في واقع الأفراد، وجعلت منها تجربة معيشية، قائمة على التصديق والوعي بالقدرة الداخلية على السكون النفسي"[4].
وإذا ما حاولنا أن نفهم هذه المشاركة الفاعلة للأفراد، والحضور المتميّز في هذه الممارسات، ودرجة ارتباطها بالمقدّس، يمكن لنا أن نلحظ معاني أنثروبولوجية مهمة، ونقاط اشتراك متعدّدة، توحي بنقاط مفارقة مع الواقع المادّي بمختلف تمظهراته؛ فلا يكون الفعل قدسيًّا، إلّا إذا كان مقترنًا، بالضرورة، بدرجة من الإعلاء والترميز، الذي يخرج به من مجرّد فعل عادي إلى لغة الخوارق (عب الجسد والقول الطقوسي)، بكيفية تعلن عن قطيعة ظرفيّة مع المعيش.
إنّ البحث في هذه الممارسات، لا يمكن أن يكون ذا معنى، إلّا إذا اقتصر على محاولة تصنيفيّة بحتة؛ فالمهمّ، هو: الانتقال من المجهود التصنيفي، نحو بحث في الدلالات والمعاني التي يرتبط فيها التحليل الأنثروبولوجي، بمحاولة للحفر في مضمون الدلالات، وطبيعة هذه الطقوس، والكيفية التي أدّت بهذه الممارسات إلى أن "تتمأسس" ضمن واقع الأفراد. ويحيلنا البحث الأنثروبولوجي، وخاصّة في جزئه المتعلّق بالمبحث التاريخي التجزيئي، إلى إشارات واضحة في تموقع الفعل الإنساني، في مسار تاريخي يقتضي، بالضرورة، سببًا يُطلِق عليه علماء الأنثروبولوجيا (الحدث السببي الأوّل)؛ الذي تنشأ عبره أحداث سببية أخرى، تجعل من تراكماته ممارسة طقوسية، اعتمدها ميرسيا إلياد (Mircea Eliade) في تحليله لمختلف الأديان في العالم؛ إذ عدَّ طقوس الكلام وطقوس الفعل، التي تشترك فيها كلّ المجتمعات ما قبل دينيّة، تعبيراتٍ عن أحداث مرتبطة بسبب النشأة؛ فيتأسّس بذلك "الطقس"، ويُحدِث فواصلَ جديدة مع وقائع كانت مبهمة وغير واضحة، "وفي هذا المستوى؛ يشترك الدين مع الأسطورة، من خلال البنية الداخلية التي تهدف، في نهاية التحليل، إلى إقناع "المتديّن" بوجود قوى فوق طبيعية، تتميّز بمجموعة من الخصائص، التي تحيل في جانب منها إلى (النفوذ) و(الجو المقدّس)، الذي وقعت فيه أهم مراحل صناعة الأحداث، التي كوّنت الأسطورة الأولى "المثيولوجيا"، وأسّست للحدث الأول للدين، ليصبح هذا الحدث، وفقًا لتحليل إلياد، متميّزًا بعنصر التفرّد، الذي لا يمكن اختزاله، ولا تقليصه، ولا استبعاده؛ بل على العكس، يصبح الجوهر الأوّل أو الفكرة التي ينطلق منها الدين لمأسسة أفكاره، والدفاع عن تعاليمه، والعمل على تقوية دلالاته، ومعانيه، وتأثيراته على الفرد والجماعة"[5].
كلّ ذلك يجعل هذه الممارسات، بديلًا معرفيًّا عن هذا المجهول، الذي يحيط بعالم الإنسان البدائي بكل جوانبه، هذا في مرحلة أولى، ويتحوّل هذا الطقوسي، في مرحلة ثانية، من خلال ممارسات الأفراد، إلى نوع من السلطة والسيادة المطلوبة على واقع الإنسان؛ فتُبنَى تمثّلاته التي تعبّر عن هذه السلطة، وهي ما يترجمها بالفعل والتجسيد المادي، وقد عبّر عنه "روجيه دادون" بقوله: "إنّ الحدود التي تفصل المقدّس عن الدنيوي، تقدّم نفسها على أنّها وصفية، كما لو أنّها حدود طبيعية- جغرافية. إنّها نوع من المسلمات؛ هنالك الدنيوي من جهة، وهنالك المقدّس من جهة أخرى؛ فالخدعة تبدأ من هنا، من كلمة هنالك"[6].
-ثانيًا: الدلالات والمرجعيّات الطقوسيّة في الفكر البدائي: أيّة علاقة؟
إنّ البحث الأنثروبولوجي في الدلالات والمرجعيات الطقوسية، يجب ألّا ننظر إليه كرونولوجيًّا، باعتباره يمثّل محطّات ثابتةٍ في حياة الإنسان البدائي؛ بل إنّها تجسيد ضمني للمضمون الروحي، لأفراد يعيشون على تهديدات الطبيعة والحيوانات، فكان لها أن قدّمت البديل، الذي يُعدّ، في جزء منه، سيكولوجيًّا بالأساس، في محاولة لإعطاء الشحنة الوقائية، التي تحول دون تهديد هذه القوى المحيطة بالبدائيّ في كلّ مكان.
يجرّنا هذا التحليل إلى محاولة أخرى، لفهم المضمون العلائقي للمقدّس والطقوسي، المحكوم بالوجود الخارجي والموضوعي، والذي لا يمكن فهمه إلّا بالعودة إلى إشكال التمايز، بين المفعول المنتظر والغايات المؤجّلة، وبين واقع ضبابي وغير مفهوم، وللإجابة عن هذا الإشكال؛ تواجهنا رهانات أخرى أنثروبولوجية، تسعى إلى استحضار مفهوم "الطقس"، ودلالته المميّزة، في إطار السياق الثقافي والممارساتي.
إنّ تحديد ماهية المقدّس، كانت ولازالت، محفوفة بمخاطر علمية متعدّدة، خاصة وأنّ هذا الموضوع تتقاطع فيه مجالات معرفية متعدّدة، ننشد الإمساك بمضمونها، لكنّها بقيت مجرّد محاولات عبثية، جرّدت هذه المسألة من دلالاتها، عبر تحويلها إلى موضوعات شبيهة بما هو فكريّ.
بقيت كل المحاولات تحوم حول فهم عميق لمضامين ودلالات المقدّس في معيش الأفراد، وما تستتبعه من توجيهات سلوكية، تركز على منطق العقلانية الداخلية، التي تكون واضحة في المنطوق الغريب وحركة الجسد غير المفهومة، ولعلّ تفعيل دور المقدّس، يكون عبر استحضار هذه الجوانب بشكل كامل، يترجم، مرّة أخرى، النظام الخاصّ والمتجانس المختلف، في إطار سياق يرتفع بالإنسان إلى عالم منشود، وتبقى الممارسات المتّفقة مع هذا المضمون الداخلي، نوعًا من التمييز المتعالي عن حياة الجماعة الدنيوية، والتي يقول عنها إيميل دوركهايم (Emile Durkheim)، في كتابه "الأشكال البدائية للحياة الدينية": مفارقة التعالي مع الجماعة الدنيوية، التي تبحث عن التماهي مع الإلهي قبل ظهوره، ومن هنا؛ جاءت فكرة البديل الطقوسي، المتجّسدة في ذات الإله المرتبط بتجليّات "ميتااجتماعية"، وفي بعض الأحيان ميتافيزيقية، فرضتها وقائع الحياة، والتعارض الضمني مع أشكال التعايش في عالم متغيّر ومتحوّل.
-ثالثًا: تجسيدات الوقائع الدينية:
حين كتب إدوارد تايلور (Edward Tylor) عن الاعتقاد في الأرواح التي ميزّت المذاهب الإحيائية، كان قد طرح مسألة جد مهمّة تتعلق بـ:
- اشتراك مجموعة بشرية في الاعتقاد ببقاء أرواح الموتى تسكن الأجساد إلى مالا نهاية.
- الاعتقاد، كذلك، بوجود انعكاس للأرواح التي تسكن العناصر الطبيعية؛ كالقمر، والجبال، وغيرها.
وهذا كلّه، يجعل من التمثّلات التي ترافق حياة الإنسان، والرؤى التي تعْرض له في معاشه ومنامه، نوعًا من الانتقال لهذه الأرواح نحو صورة تتكرّس وتتجسد في هذا الزمن، وعلى هذا الأساس؛ يتحقّق التداخل بين المرئي واللامرئي، في صور الحياة المتعدّدة، والمتحوّلة، والمتنوّعة. ومن جهة أخرى؛ تعبّر هذه الاعتقادات عن مستوى محدّد لتطوّر الفكر الإنساني، سواء في مستوى الاعتقاد، أو في مستوى التفسير، وهكذا نتبين بعض الاختلافات في التصوّر الإنساني لمسألة الحياة والموت؛ لأنّ هاجس الموت يرافق التصوّرات الإنسانية، ويختزل تجارب الإنسان في إطار معيشه اليومي، وهو ما جعله يسعى إلى خلق حضور وقائي لهذه الحياة، وهذا ما يفسّر، إلى حد بعيد، التفرقة بين الحياة والموت، كقوى جاذبة ترافق تذكير الإنسان بتلك الحقيقة أينما كان وكيفما حلّ؟
وتقوم نقطة التأثير الثانية التي تستتبع هذا التصوّر، على منطلق فهم الدلالات الشعورية واللاشعورية، في إطار مجموع العلاقات والروابط الاجتماعية، التي تسيّر معتقد الأفراد؛ فتكون الطقوس المرافقة لإحياء المذاهب الدينية، هي تعبيرات أنثروبولوجية عن الشعور واللاشعور الذي نتحدّث عنه.
إذا ما انطلقنا من تجارب دينية مخصوصة، كتلك التي تحدث عنها (هانوتو ولوتورنو)؛ يتجلّى لنا: "أن المنطلقات الفكريّة والإيديولوجية، التي كانت سببًا في نشأة المشترك الديني، ويتبيّن لنا مرّة أخرى: أنّ قوة الاعتقاد والطقوس المحفّزة لها، كانت شكلًا من أشكال التوافق مع المعايير الدينية المتحكّمة، حتّى في مشاعر الأفراد وعقولهم[7]"، وعليه؛ تبدو الحاجة إلى الدين ملحّة، وتعبّر عن توجه تلقائي نحو توحيد السلوكيات، واتباع مقاييس وتفسيرات نمطيّة، تجعل من السلوك البشري ينزع نحو الالتزام الديني والولاء المذهبي، وبالتالي؛ تطبّق التعاليم الدينيّة، دون التفكير في مضامينها، القاهرة والمراقبة، لأداء الأفراد في المعيش اليومي.
وهنا يُطرح السؤال: كيف لهذا السلوك أن يتوافق مع هذه الموجّهات الدينية، على الرغم من ابتعادها عن الماديّ، والتصاقها، أكثر فأكثر، بالغيب اللاّمرئيّ واللّاماديّ؟
تكمن الإجابة عن ذلك، في قوّة النصوص الدينية، وطرق الانتقال من النفي إلى الإثبات، وفي المستوى العقائدي، الذي بإمكانه أن يحدث تأثيرات اجتماعية مختلفة من مؤثّر واحد؛ هو الملخّص والمكوّن الأزلي للدين، ألا وهو (الله) عند المسلمين، وهو سدهارتا جوتاما (الملقّب ببوذا) عند البوذيّين، والفرعون عند المصريين القدامى.
هذه القوّة الملخّصة للدين، تكتنز على مجالات تأثير واسعة، وتأثيرات لا متناهية، ووظائف أسطورية متنوّعة، تجعل منها قوّة مبدعة، ولها القدرة على الخلق، هي قوّة رادعة لكلّ من يكون على خلافها.
إنّ المبحث الأنثروبولوجي يستحضر كلّ هذه المسائل، لتحليل تصوّرات الإنسان وتمثلاته لهذه القوة الضاربة، التي لا تتأثر، مثل الإنسان، بالزمان أو بالمكان، وعلى هذا الأساس: "يكوّن الدين قوّة إحساسية نفسية وعاطفية، تمهّد لنشأة الإحساس المشترك، كعامل تتمحور حوله الوقائع المادية والاجتماعية[8]"، وتبقى الممارسات التي تعيد إنتاج نفسها، من خلال هذا الإحساس المشترك، مسائل ذات أهمية، لكونها مجالًا من المجالات التي تتوافق مع منطق الانتماء، والشعور بالتماهي مع الآخرين، وهي، أيضًا، شواهد على سعي الإنسان نحو اكتساب قيمة إنسانية واجتماعية، ومهما يكن الدور الذي يلعبه الدين في حياة الأفراد؛ فإنّه يبقى معبّرًا عن مشكل أساسي؛ إذ كيف يمكن لنا أن نفهم العوامل الموجّهة لدلالات الطقوس في إطار الحياة الدينية، التي من المفترض، أن تكون قد أقامت قطيعة في مستوى الممارسة مع الطقوس ما قبل دينيّة؟
تجدر الإشارة، في سياق هذا التحليل، إلى أنّ صورة العلاقة المتلازمة بين المقدّس والرمزي، تتّخذ أشكالًا حياتية متنوّعة، رغم المسافة الأنطولوجية التي تفصل المحدّدات مع الواقع المعيش بمختلف تجسيداته وتمظهراته، ولئن كان (إيميل دوركايم Emil Durkhiem) قد أشار، في مقاربته لمسألة الدين، إلى عملية الربط بين الدين والممارسات المرتبطة به؛ فإنّ ذلك لا ينفي معاني التمييز التي تحدث، بالضرورة، بين المستوى الفعلي للممارسات، والتصوّرات التي ترافق هذه الممارسات، خاصّة وأنّ التمييز بين ما يسمّيه (طاروت): الاعتقادات، بمعنى (أورتوذكسيorthodoxie )؛ أي الاعتقادات والممارسات العملية الحقيقية، و(أورتوبراكسيorthopraxie [9])؛ أي ممارسات عمليّة: "وهو تمييز، أيضًا، يعتقد صاحبه أنه يساعد على فهم الدين، من ناحية ثقافية، بدل الفكرة الأثنية للدين[10]"، هذه هي إذن؛ المسافة العقائدية التي تحدّث عنها (لويس أوغيست سباتيه Louis Auguste SABATIER)، في مقاربته للشعور الديني، وخاصّة الفكرة الإلهية، ويعدّ حياة الإنسان الدينية، شعورًا بالتبعية المطلقة للفكر الإلهي الساكن فينا، وهذا الشعور تتقاطع فيه مستويات داخلية وأخرى خارجية، مع بعضها البعض، لتفرز مشاعر تتراوح بين الخضوع والتجريد[11].
الخاتمة:
في ختام هذا المقال؛ يمكننا القول: إنّ العلاقة التفسيرية التي تفصل المقدّس عن المعرفة الأنثروبولوجيّة، دون أن نستثني التفسيرات اللاّهوتية الأخلاقية المعياريّة للمقدّس، التي بإمكانها أن تقدّم دلائل ذات قيمة علمية، تساهم في فهم نشاط الإنسان الثقافي، وما يتصل به من رؤى، تحاول فهم الواقع، وتعمل على تحديد الهويّة الإنسانية، كما تحاول أن تجيب عن مصير الإنسان، وصور حياته المستقبلية، ولم نكتف، في هذا المقال، باستعراض هذه العلاقة على المستوى النظري؛ بل حاولنا أن نعتمد مقاربة تفسيريّة تحليلية نسقيّة، تعمل على توضيح إدراكات الإنسان وأبعادها القيمية، بين ثنائيات رافقت الإنسان منذ الوجود الأوّل.
خلاصة القول: إنّ فكرة "المقدّس"، تكتسب أهمّيتها من التعارض الوجودي مع الدنيويّ (Le profane)، وهو في النهاية؛ تعبير عن مجموعة من التصوّرات المشتركة بين الأفراد، والتي تختلف درجات حضورها في حياة المجتمعات، إلى حدّ بعيد، ولكن تبقى أشكال هذه العلاقة، تُفهم في سياق تحليليّ، يعتمد مساءلة أو فهم درجات استبطان الأفراد لها في "لا شعورهم الجمعي[12]"، على حد تعبير كارل غوستاف يونغ (Carl Gustav JUNG).