حسين فريــق العــمـل
الجنس : عدد المساهمات : 473 معدل التفوق : 1303 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 18/12/2011
| | الاله الجديد 3 | |
لقد عبنا على الاغريق تصويرهم للآلهة على هيأتهم ,وادعينا أننا , خلافا لهم , نجرد الاله عن كل هيئة وننزهه عن التشبيه بالإنسان الناقص .اننا نكذب في ذلك , عن وعي أو عن غير وعي . ذلك أن كلمة الله نفسها تحيل بالنسبة لنا على ذات واعية عاقلة ,أي أنها تحيل على شخصية ,وليس لنا في أعماق نفسيتنا أية صورة للتشخص مخالفة لتلك التي نراها في الانسان ,أي تلك التي نرى بها ذواتنا . لنأخد خشبة المسرح مثالا في هذا الصدد : تعتليها شخصيات بأقنعة مختلفة , هذا يتقنع بوجه الفيل , وذاك بوجه الذئب , والآخر بوجه كائن فضائي , لكنني وأنا أنظر اليهم , لا أجد لا الفيل ولا الذئب ولا الكائن الفضائي... أجد الإنسان, الانسان وفقط ! ذلك أنهم مهما تقنعوا سيظلون شخصيات , و"الشخصية" و "الانسان" مترادفان بالنسبة لي أنا الانسان الذي لم يسبق له أن اطلع على هيئة تشخص مخالفة لتلك التي يوجد عليها .وحتى عندما أنظر الى القط أو الكلب أو الفيل في اواقع لا على خشبة المسرح , لا أستطيع منع نفسي من رؤية الانسان في تلك الكائنات. كل محاولة لسلخ مفهوم الانسان عن مفهوم الشخصية هي الى الفشل ما دام الانسان في وضعه الوجودي الذي هو عليه الآن . نظرتنا الحسية التي تقع على العالم المادي أو نظرتنا الفكرية التي تقع على العالم التجريدي لا تخلو من الأنسنة .ما الذي يخطر في بالكم عندما تنظرون الى لوحة فنية تصور الطبيعة الراقصة ,الغاضبة ,أو المستكينة الهادئة ؟ كيف سيمكن لكم ادراك هذه الأعمال الفنية ان لم تستحضروا صورة الانسان الغاضب ,الراقص أو المستكين ؟ ذلك أن هذه الصفات انسانية محضة بالنسبة لنا. ان الفنان نفسه لم يكن ليوفق في رسم تلك اللوحات لو لم يكن في لا وعيه صورة مرجعية للغضب والرقص والسكون , ولا نعرف لهم صورا معاشة فعليا إلا عند الانسان.حتى الحيوانات التي ننظر اليها في الغابة , نؤنسنها بشكل تلقائي ومباشر ,فحين نتصور الثور غاضبا نستحضر بشكل تلقائي صورة الانسان الغاضب...وحين نقف متأملين اللبؤة التي تداعب شبلها برفق وحنان ,تحظر في نفسيتنا صورة الأم تداعب طفلها.خلاصة القول أن صورة الانسان هي المرجع الوحيد الذي نملكه . لهذا فالإغريق أو حتى الهنود ليسوا مذنبين في رؤية الآلهة على شاكلتهم .ندعي تجريد الاله وعدم أنسنته فيؤول بنا الأمر الى شبح غير محدد الملامح فنقع في نفس الخطأ الذي عبناه عليهم. ذلك أن الشبح مهما بلغ في غموضه وتجرده ,لن يظهر لنا الا كشخصية في نهاية المطاف .انكم مدانون أيها الاغريق ,وذنبكم الوحيد هو :صدقكم مع ذواتكم الذي تمثل في هذه الأنسنة المعلنة .جاء بعدكم بشر حاربوا الأنسنة بشدة, استطاعوا القضاء عليها في عالم الظواهر , لكنها ما تزال حاضرة في نفسيتهم و لاوعيهم | |
|
الثلاثاء مارس 28, 2017 10:36 pm من طرف حسين