سهى ثـــــــــــــــائر
الجنس : عدد المساهمات : 57 معدل التفوق : 143 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 23/02/2012
| | الدكتاتور بوصفه بشاراً روجيه عوطة 2012 / 2 / 8 | |
سبق الموصوف صفته ويتعدى دلالتها، ليستحيل صفة ً جديدة ً لها أركانها وأنواعها. ففي حالة الأسد، الذي يتبرأ من دكتاتوريته دائماً، القتل رُكن الصفة، التي يتجلى نوعها في ما نشاهده على مدار الساعة من صور وفيديوهات تتكدس أمامنا حتى ظهورها كسلسلة واحدة، موّزعة في حلقات الدم والجثث، لا يدل عليها سوى خبر، ننتظر صوّره العاجلة مثله، كي نبرز ما تراه عيوننا دون أي محسنات لفظية أو لغوية، نشعر أنها لا تعود بأي منفعة على الذين يُسفك دمهم يوميا ً، ثم يُقال أنهم مجرد مجسمات معروضة على "شاشة مغرضة". هذا الأمر أساسي في جعل الموصوف صفة قتله وعنفه. فالمقارنة بين الواقع والشاشة، تحيلنا إلى صورة ألتقطت في حي ّ بابا عمرو، عند مقبرته تحديدا ً، حيث غطت الثقوب أرضها، وظهرت حفر كثيرة تنتظر أن تمتلأ بجثة ضحية جديدة، ستبكيها المدينة بأكملها. هذه الصورة محكومة بزاويتين. زاوية القاتل الموصوف بإسمه، أي إعتبار القبور ثقوب ستُردم بعد انتهاء "الحسم"، وستكون بيوت لأهل المدينة "إلى الأبد". وزاوية الواصف، الذي يرى في الثقوب أبواب فُتحت وخرج الأحياء منها، وكلما ازدادت أعدادها تنفست المدينة أكثر وحافظت على ريادتها في خرق أسوار المقبرة الكبرى. لا داعي للتذكير، بعد أشهر من المجازر، بأن الوصف من حيث علاقته بالموصوف قد فُرِغ من معناه. صار الموصوف قاتل قائم بذاته، وضربت "ميزاته" أطفال كرم الزيتون، فرمى، كالعادة، مسؤولية هذه المذبحة على أشباح شاشته التي تطلق أبشع الصفات على الضحايا مبررة ً إدخالهم في جملة تمر في الشريط الإخباري، دون أي مقدمات حول ارتفاع عددهم رغم أن البلد "تشهد أزمة ستتمكن القيادة الحكيمة من اجتيازها في أسرع وقت ممكن". إذا أخذنا بمقولة مونتسكيو بأن "موقف الطاغية، هو موقف الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة"، نجد أن الشجرة المقطوعة لا يُراد قطف ثمرتها بل قطعها فقط. فالأسد يقطع الشجرة والثمرة معاً، ولا يقطف سوى الأرواح، ما يدل على إقتناع النظام باستراتيجيته العسكرية بعد تحصين نفسه بمصالح إقليمية ودولية، معروفة وغير معروفة، الأمر الذي يجعله مطمئنا ً ولو ارتكب أفظع الجرائم بحق الناس، الذين ما عادوا يعوّلون إلا على أنفسهم فقط في تحرير سوريا من نظامها المجرم. عديدة هي الأسئلة التي تُطرح حول علاقة الأسد بدكتاتوريته. ومن شدة العنف المتواصل، والكذب الإعلامي، والتناقض الخطابي، ما كان للأسد سوى اجتياز صفة الديكتاتور أو نعت المستبد وإعلان نفسه "بشار" فقط لا غير. بشار الذي يقتل، يبيد، يبدد، يدمر، يهدم، يفتك، يضرب ويقصف. هو بشار لا أكثر ولا أقل، يكفي أن نكرر إسمه كي نشدد على فظاعة ارتكابات جيشه وأمنه وشبيحته. وإذا أردنا رسم استراتيجيته السلطوية، نتذكر حادثتين، حادثة واقعية، وأخرى روائية. الإثنان يجمعهما رابط مبهم في عبثيته من جهة، وواضح وسببي من جهة أخرى. الأولى نذكرها جميعا ً، وهي لغز مقتل زينب الحصني، وتُعتبر هذه الحادثة خير مثال على معجزات القمع الأسدي. من هي تلك الفتاة التي قُتلت؟ رحنا نسأل، هل هي زينب الحصني أم لا؟ لمن تعود تلك الجثة التي سلمها الأمن إلى أم ستشاهد إبنتها حية ً على القناة الرسمية بعد أيام من توقيعها على أوراق تفيد مقتلها؟ إتبع نظام الأسد خطة فرعونية في توأمة الحياة مع الموت والسلامة مع المرض، خطة بيولوجية صوّرية لا تختلف عن كيماويات منطقة حلبجة العراقية وأجسادها المشوّهة، مع فارق بسيط أن الجسد الكيماوي يفبرك موته البيولوجي، أما الجسد الصوّري فتحييه الدعاية لتقتله مرة أخرى. تختصر هذه "المعجزة العنفية" استراتيجية بشار الإجرامية. نقتل الجسد ونحييه صوريا ً، ولا فرق بين جسد مقتول وصورته الحيّة بالنسبة لمُشاهد مسجون في علبتين، إيديولوجية وبلاستيكية! الحادثة الثانية، يرويها ربيع جابر في "رالف رزق الله في المرآة". قبل أيام من نهار السبت 28 تشرين الأوّل 1995، اليوم الذي أوّقف فيه المحلل النفسي رالف رزق الله سيارته التويوتا الخضراء بمحاذاة الرصيف أمام مقهى دبيبو، ثم ترجل منها وقفز منتحرا ً. إلتقى الشاعر الراحل بسام حجار به وسأله إذا كان يريد كتابة مادة جديدة للجريدة، فـ"رسم رالف، كالطفل، إشارات، في الهواء، وقال إن ّ ذلك كله بلا معنى. ثم غادر راكضا ً". اليوم،، وبسبب استراتيجية الأسد القمعية وعنفه الإجرامي المتواصل، و خطابه المخادع كما في حادثة زينب الحصني، نشعر أننا سنترجل من اللغة، ونتسلق أقرب حافة ونقفز. كأن اللغة تخوننا والصفات والنعوت والدلالة والمدلول. فقد بتنا مثل زينب ومثل رالف نرى العالم مليئا ً بالغرباء الصامتين، الساكتين. نقف بينهم بكل عجزنا عن النطق بكلمة تأتي على شكل صرخة تهزم المجرم وتسحله لترميه بعيدا ً عن اللغة، وعن طفولة نسمع أنينها، وتدفعنا إلى رسم إشارات في الهواء والقول "إن ذلك كله بلا معنى | |
|