محمد محمد ثـــــــــــــــائر متردد
الجنس : عدد المساهمات : 24 معدل التفوق : 50 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 12/03/2012
| | الأساطير تحاكم روجيه غارودي القانون الفرنسي أقرّ اسطورة شعب الله المختار | |
الأساطير تحاكم روجيه غارودي القانون الفرنسي أقرّ اسطورة شعب الله المختار نتساءل عن المنطلق الفكري لمحاكمة غارودي ، و عما اذا كانت مجرد مباراة يستعرض فيها المعنيون قدرتهم على التأثير في الانتيليجنسيا الفرنسية . و نجد الجواب بأن هذه المحاكمة تستند الى اساس نظري متماسك . ففي فرنسا يوجد قانون يسمى بقانون " فابيوس – جيسو " الصادر استثنائياً في العالم 1990 و هو يقتضي بمعاقبة من ينكر محرقة النازيين لليهود ( في غرف الغاز ) – وفق قرار محكمة نورمبرغ لمجرمي الحرب – بالحبس لمدة سنة بالاضافة الى غرامة مالية قيمتها ثلاثمائة الف فرنك فرنسي . و هكذا فإن القانون الفرنسي لا يعاقب على الالحاد ، او على انكار وجود المسيح ، لكنه يعاقب على انكار المحرقة و هو بالتالي يقر ضمناً كون اليهود شعب الله المختار . بهذا يكون كتاب غارودي " الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية " أساساً نظرياً متيناً و متماسكاً لمحاكمته . فصحيح ان المفكرين الفرنسيين وصفوا هذا القانون بـ " الفضيحة " ، لكن هذا الوصف لم يمنع استمرار العمل بهذا القانون . قبل التطرق الى هذه المحاكمة نجد من الضروري تبيان بعض النقاط و توضيحها و نبدأ بـ : 1- لمحة عن الكتاب : " الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية " كتاب للمفكر البارز غارودي لم يجد ناشراً يتبناه بسبب خطورته . و كدليل على سبق الاصرار و التعميد قام المؤلف بنشره على حسابه مطلع العام 1996 ، و خلال شهر واحد كان الكتاب قد ترجم الى عشرين لغة . و في هذا دليل على سعة انتشاره و خطورته ، التي تجلت بتصدي غارودي لتنفيذ الأساطير الدينية و السياسة الاسرائيلية . أ- الأساطير الدينية : تناول غارودي اسطورة فلسطين – أرض الميعاد و رأى انها أرض مغتصبة و مسروقة . أما أسطورة شعب الله المختار فقد رأى فيها وسيلة للاستعلاء على الآخر و استباحة ابادته . و اما عن التطهير العرقي فقد مارسته اسرائيل منذ مذبحة دير ياسين . و آراء غارودي في هذا الفصل حملت له التهم التالية : 1- قراءة التوراة بصورة مغايرة لقراءة اليهود . 2- التمييز العنصري و اتهام الآخر بالتطهير العرقي . 3- التشكيك في مصطلح " شعب الله المختار " و مصطلح " ارض الميعاد " . 4- التهجم على الذات اليهودية و ماضيها . 5- اللهجة الاستفزازية . ب- الأساطير السياسية : و فيه رفض مباشر لهذه الأساطير و أولها لكون الصهيونية معادية للفاشية و ينقضها بوقائع تعامل اليهود مع النازي ، و من بينهم اسحق شامير الذي اعتقل في دمشق سنة 1941 في مكتب الجهاز السري النازي الذي كان يتعامل معه . اما النقض الثاني فيتناول الهالة المحيطة بعدالة محاكمات نورمبرغ . اذ ان الحرب العالمية الثانية التهمت 60مليون ضحية بينهم 20 مليون سوفياتي ، و هل يصح بعد ذلك استناد هذه المحاكمات ( نورمبرغ ) الى مبدأ انها كانت موجهة لابادة اليهود كيهود ؟ كما رأى غارودي عدم وجود أية وثيقة تطالب بإبادة اليهود ( صادرة عن هتلر أو عن غيره ) ، و كذلك عدم وجود أي شخص يشهد على غرف الغاز المزعومة . و أيضاً يشكك غارودي بأعداد الضحايا اليهود ، فيرى أنها تراوحت بين ثلاثة ملايين و بين 950 ألفاً . و في هذا الفارق ما يدعو للتفكير . ت- و من الأساطير السياسية التي ينقضها الكتاب مقولة : " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " اذ اثبت و بالارقام ان اليهود كانوا يملكون ما نسبته 3.5 % من الأرض عند صدور وعد بلفور ، و 6.5 % عند صدور قرار التقسيم ،ثم اصبحوا يملكون 93 % من الأراضي سنة 1983 ، و هو يشير الى اقالة "اسرائيل شاحال " سنة 1975 ، عندما نشر قائمة بأسماء 385 قرية فلسطينية ازيلت بالجرافات ، من أصل 475 قرية كانت مسجلة في العام 1948 ، و في هذا دليل مادي على مسألة التطهير العرقي . أما عن التهم التي جلبها هذا النقض لغارودي فهي التالية : 1- التشكيك في ابادة هتلر لستة ملايين يهودي . 2- التشكيك في الجرائم ضد اليهود في الهولوكوست ( غرف الغاز ) . 3- استخدام مصطلح " الحل النهائي للمسألة اليهودية " . 4- التشكيك في قرارات محكمة نورمبرغ . 5- انتقاد الصهيونية و السياسة الاسرائيلية . 6- استفزاز اللوبي اليهودي الفرنسي . 7- اتهام الصهيونية بالتعاون مع النازية . 8- التنديد بقانون فابيوس – جيسو . و بهذا يكون الكتاب قد جلب لصاحبه ثلاث عشرة تهمة ، تشكل كل منها منطلقاً لمحاكمته . 2- ردود الفعل الليبرالية على الكتاب : ان حرية الرأي مقدسة في فرنسا ، و كما سبقت الاشارة فإنها يمكن ان تصل الى حدود الألحاد . لكن كتاباً مثل هذا لا بد له من ان يثير بعض ردود الفعل الليبرالية المتحضرة ، و التي لا تؤثر في تطبيق قانون فابيوس – جيسو و منها : 1- تلقي المؤلفة تسعة تهديدات بالقتل . 2- قامت الصحف بحملة تشهير عنيفة ضد المؤلف رافضة اعطاءه حق الرد . 3- تم الاعتداء جسدياً على موزع الكتاب و تم تشويه وجهه . 4- احرقت واجهات المكتبات التي تعرض كتب المؤلف . 5- منع ظهور المؤلف في وسائل الاعلام لحرمانه حق ابداء الرأي . و هذه الممارسات ليست منعزلة او طارئة فلها سابقات عديدة منها : 1- قدم غارودي نفسه للمحاكمة 3 مرات بسبب مقالة نشرها في جريدة " لومند " ، ادان فيها الغزو الاسرائيلي للبنان سنة 1982 . 2- بسبب تشكيكه بوجود غرف الغاز فصل البروفسور روبيرفوريسون من منصبه في جامعة ليون ، و بذلك فقد تم اغتياله علمياً و معنوياً . 3- حصل الباحث هنري روكيه على درجة الدكتوراه من جامعة " نانت " ، تحت اشراف استاذ في الجامعة نفسها . و كان موضوع الرسالة غرف الغاز . و لما تبين ان الباحث يشكك بوجودها اصلاً كانت النتيجة أن سحبت الدكتوراه من ( لأول مرة في تاريخ الجامعات الفرنسية ) بالاضافة الى فصل الاستاذ المشرف بقرار من وزير التعليم الفرنسي . - غارودي مفكراً : تنقل غارودي بحكم بيئته و تكوينه ما بين الالحاد و المسيحية و الشيوعية و الاسلام . و لم يكن متطرفاً في أي من هذه المواقف و الانتماءات الفكرية . بل ربما كانت مرونته الكافية هي التي أتاحت له تحقيق مثل هذه التنوعات الفكرية . فهو انتقد النزعة المتعصبة عند المتطرفين الاسلاميين في كتابه : " عظمة الاسلام و انحطاطه " . كما توجد بالنقد الى هذه النزعة لدى المسيحيين ، في كتابه " نحو حرب بين الأديان " ، حيث جازف بتفجير التناقض بين مسيحية بولس و مسيحية عيسى . و مع ذلك فقد نوقشت افكاره من قبل المعنيين بكل هدوء و احترام للرأي . و عندما وصل انتقاده للتطرف اليهودي كانت المظاهر الليبرالية المذكورة أعلاه !! و مهما يكن فإن كتب هذا المفكر و سيرة حياته تبنان معارضته للتطرف و سعيه الدائب لاحترام حق الاختلاف و الخصوصية ، و نشوته في تبيان نقاط الالتقاء و العناصر الشمولية الداعمة لامكانية " حوار حضارات " . ان هذا الشيخ البالغ 84 عاماً يدرك تماماً تحكم الاسطورة بالراهن ، و اثر الاثنين معاً على السياسة . لذلك غهو يدرك احتمالات صدام الاساطير التي سعى الى الحد من آثارها . اذ ان ثورة المعلومات و التقنيات الاتصالية و القرن المقبل كلها لا تؤثر في صدقية الاسطورة . فإذا اردنا " حوار الحضارات " الذي يجنبنا " صدام الحضارات " فإن علينا مراجعة الاساطير . و لعل الأسهل هومراجعة الحديثة منها . اذ كلما تفاقمت الاسطورة اكتست بقدسية تجعل مراجعتها اكثر صعوبة لتحويلها الى ما يشبه الايمان او التراث . و كانت ازمة هذا المفكر انه تجرأ على مراجعة اساطير " شعب الله المختار " مع ان هذه المهمة كانت تطوعية و ربما كان من واجب اليهود انفسهم ان يقوموا بها . و ذلك لجملة اسباب منها : 1- ما ذكره غارودي في نهاية الكتاب ( و هو ما يعرفه اليهود معرفة يقينية) عن وجود اطنان من الوثائق و المحفوظات الالمانية التي نقلت الى الولايات المتحدة . كما ان هنالك محفوظات اخرى في روسيا ، و ربما في دول اخرى . و هذه الوثائق ستكون عاجلاً ام آجلاً مواضيع جرد و ضبط و اعادة قراءة بما يجعل من آراء غارودي جملة مسلمات بديهية . 2- ما هو معروف عن السرية و الغموض المحيطين بمخطوطات البحر الميت التي ترفض اسرائيل اطلاع المهتمين و الدراسين عليها ، و تتهرب من الاعتراف بمحتوياتها ، كونها تهدد الاساطير اللاهوتية اليهودية . 3- الاتفاق على مبدأ عدم امكانية القول بمصادفة الظواهر المتكررة بكثافة . فعندما تتكر ظاهرة ما لا يمكننا ان نردها الى المصادفة . و من هنا فلا يمكننا ان نرد الى المصادفة ظاهرة تعرض اليهود في فترات زمنية مختلفة للسبي و الاضطهاد ... الخ . فهذه الظاهرة تعود في رأي المؤلف الى الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية . 3- محاكمة غارودي : ذكرنا أعلاه ثلاث عشرة تهمة يحاكم غارودي على اساسها . لكن التهمة الرئيسية فيها هي انكاره لغرف الغاز ( الهولوكوست ) . و يقاضي المؤلف بهذه الدعوى كل من : 1- الحركة المعادية للعنصرية لأجل الصداقة بين الشعوب (MRAP ) و 2- اللجنة الدولية ضد العنصرية و اللاسامية ( LICRA ) و 3 – منظمة " محامون بدون حدود " . و كان اللوبي اليهودي ( متمثلاً بالبارون روتشيلد ) قد حاكم غارودي بسبب مقالته في " لومند " و التي أدان فيها اسرائيل لاجتياحها لبنان ، و لتورطها في مجازر صبرا و شاتيلا . و يومها نال غارودي براءته من المحكمة ليتلقى ادانات اللوبي اليهودي ، و محاولات تصفيته فكرياً حتى وصل هذا المفكر الى العجز عن ايجاد ناشر لكتابه المضمون الربح و النجاح ، و المستوى الفكري و السياسي . مع ملاحظة ان ذلك لم يمنع صدور الكتاب و لم يمنع ترجمته الى عشرين لغة و لم ينقض شهر على صدوره . لقد تأجات المحاكمة عن كتاب الأساطير ، و بانتظار الحكم في القضية في 27 شباط ( فبراير ) الجاري نتذكر ما نقله لنا اليهودي الاميركي تشومسكي ، و الفرنسي آلان لوبيشون، عن النظر غير المتساوي بين الأقوياء و الضعفاء . و نتساءل عما اذا كان هذا النظر غير المتساوي سيحلّ داخل منازل الأقوياء ؟ | |
|