“أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْمُحِبُّونَ لِلَّهِ الْمُتَحَابُّونَ فِيهِ.” (عن النبي محمد)
الحب الإلهي فطرة انسانية، ومنحة إلهية. علقة إنعقدت بين الرب والمربوب، الخالق والمخلوق، بإرادة الخالق والرب جلّ وعلا، “...فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ...” (المائدة: 54) وعن النبي محمد: “من أحبّ لقاء الله، أحبّ الله لقاءه...” واصبحت “محبة الله” مرتكزاً هاما في عقيدة التوحيد، والغاية القصوى للمؤمنين “...وَالَّذينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ” (البقرة: 165)
الكثير من البشر يعتقدون بالله أو بالخالق، لكن الصورة التي في ذهن كل شخص عن الله، غير التي في ذهن الآخر، كما تختلف هذه الصورة من مجتمع لآخر، ومن زمان لآخر. إذ تتغير وتتحول هذه الصورة الى درجة لو استطعنا ان نجسد هذه الصور لأصبحت عندنا صورا مختلفة عن وجود واحد وهو الكمال والجمال والحب المطلق، وقد تكون هذه الصور بعدد افراد الخلق.
كلما كان الانسان اكثر انسانية كان اكثر إلهية، اي كلما زاد الحب والجمال والرحمة في وجوده، كانت الصورة التي يحملها عن الله اكثر جمالا وبهاء. وكلما كان ظالما ومعتديا، أصبحت الصورة التي يحملها عن الله، صورة المنتقم والفاتك والمعذّب والساخط. لهذا اصبح عدد كبير منا اليوم يكره كل شيء ويزدري كل شيء، حتى نفسه وربه، سواء صرح بذلك او لم يصرح.
اليوم ـ للأسف ـ بشكل عام صورة الله في مخيلة الكثير من المسلمين صورة غير لائقة إلى حد بعيد، بحيث أصبح بعض المسلمين يذبح اطفالا ليتقرب لله، خالق هذا البشر ومحبه، فأي خالق لا يحب مخلوقه؟ وأي والد لا يحب مولوده؟ الباريء الذي نفخ فيه من روحه، وجعله مسجود الملائكة، واختاره خليفته في ارضه، وجعل بصيصاً من نوره في قلبه.
اعتقد لا يمكن التخلص من هذه السلبية والعنف والكراهية للخالق والمخلوق الا من خلال تطهير قلوبنا وإشعال جذوة حب ربنا ـ الحب والجمال والكمال ـ في قلوبنا، واحلال حبه بدل الكراهية في قلوبنا.
فما لم نحب ربنا، لا نحب انفسنا، وما لم نحب انفسنا لا نحب بني جنسنا، ولا نحب محيطنا ولا الارض التي ارادنا الله ان نخلفه في عمرانها.
الربّ ربٌّ، يبقى شمس الحب الساطعة، والمخلوق يبقى تلك الذرة التي تحلق في الفضاء نحو المحبوب. وهذا هو جمال السير والسلوك.
يبقى الله مطلقا ونبقى ناقصين ومحدودين، وأبدا لن تحتويه عقولنا ولا قلوبنا. فلا عقل انسان او مخلوق آخر يمكن ان يحتوي الله الكامل المطلق، لأن جميعنا مخلوقات محدودة. لكن على الرغم من هذا العجز التكويني، حينما نريد ان “نخلف” الله في الأرض يجب ان نكوّن صورة ما عنه، نتواصل معه ونحاول أن نقترب منه من خلالها. فمرة تكون صورة الله في مخيلتنا فقط المنتقم، الساخط والفاتك فطبيعي ان نذبح ونريق الدم لإرضاءه. ومرة اخرى يكون الرحمن، الرحيم، القدوس، السلام، المؤمن، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، الباسط، الرافع، المعزّ، السميع، البصير، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، الحفيظ، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدي، المعيد، المحيي، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصمد، القادر، المقدم، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، البر، التواب، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور، ... في مثل هذه الحالة سوف تكون خلافتنا عنه بشكل مختلف.
قد لا يمكن جمع البشر على قضية كحب الرب، بغض النظر عن تفسيرنا له. حتى من لا يؤمن بوجود رب او خالق ايضا قد لا تثيره الدعوة لحبه. اتصور من المفيد لنا ان نحيي يوما من كل سنة تحت عنوان “يوم حب الله”.
لا اقصد بـ“حب الله” تبني مدرسة خاصة او مكتب محدد والالتزام او القول بكل ما قالوا او فعلوا. فكل انسان مخطئ، وناس، وساه، ولكل عالم كبوة ولكل عارف شطحة.
الحب الإلهي لا يلازم الدروشة ولا الإعراض عن الدنيا ولا تنكيل الجسد ولا تصنيم شيخ او احد.
ولا توجد طقوس يجب أن يتعبدها الانسان للوصول الى الحب، اذا لم يكن العكس، لان الطقوس تصبح فرض وتكليف ومهمة يجب ان تؤدى، وهي في الغالب شكل بلا روح. بل كل انسان واين ما كان وكيف ما كان يستطيع ان يجد طريقا لذلك النور.
واضح ان مثل هكذا دعوة لا يمكن ان تلاقي رواجاً الا اذا تبناها رموز كل مجتمع. ولكن اذا لم يتبنى امثال هؤلاء هكذا مشروع، هذا لا يعني أن أحرم نفسي منه.
ليس من السهل تحديد هذا اليوم، لأن كل يوم قد يرتبط بمناسبة، وكل مناسبة تعود لقوم او شعب او حضارة او ديانة ولا تكون مقبولة لدى الجميع، فكل انسان ممكن ان يختار اليوم حسب ما يحب لكن المهم ان نخصص يوما في سنتنا نجتمع فيه ولو مع انفسنا او اقرب الناس منا، على حب ربنا.
بالنسبة لي سوف أحيي اليوم الأول من شهر رمضان (حسب التقويم الرسمي) في كل عام، تحت عنوان “يوم حب الله” وكل من يرغب يستطيع ان يقيمه بطريقته وحسب امكانياته.
قد يعتقد البعض بأن حب الله حالة نعيشها في كل لحظاتنا وسكناتنا ولا داعي لتخصيص يوم لها، ان كان كذلك لماذا نحيي مناسبات دينية وقومية ووطنية وشخصية؟ مناسبات فرح وحزن، وفي الحقيقة إجتراح هذه المناسبات، ابداع بشري جميل وضروري ومفيد. لكني ارى فراغا ونقصا لمثل هكذا يوم بينها.
نحيي يوما من السنة باسم “حب الله”، لا لاجراء طقس محدد، بل نجتمع من اجل حب الله، ومن اجل ايقاد هذا القبس من النور الموجود في ضمائرنا جميعا، وكلما قوى هذا النور واحتضن القلب تعدى إلى كل مخلوقاته لإنتسابها اليه، بما فيها انفسنا واهلنا وبيأتنا وكل آثار محبوبنا في عالمنا. ونردد مع النبي محمد: “اللّهمّ ارزقني حبّك وحبّ من أحبّك وحبّ من يقرّبني إلى حبّك”.
أحبّك حـبـّيـن.. حــبّ الهـــوى وحــبــــّاً لأنــــك أهـــل لـــذاك
واشتـاق شوقيـن.. شوق النـوى وشـوق لقرب الخلـي من حمـاك
فأمـا الــذي هــو شــوق النــوى فمسـرى الدمــوع لطــول نـواك
أمــا اشتيـــاق لقـــرب الحمـــى فنــار حيـــاة خبت فــي ضيــاك
ولست على الشجو أشكو الهوى رضيت بما شئت لـي فـي هداكـا
رابعة العدوية