حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 ألفريد دو موسيه : جيل الاحتراق والعبور الخميس 22 تموز (يوليو) 2010 بقلم: هاشم صالح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ميمونة
ثـــــــــــــــائر محــــرض
ثـــــــــــــــائر محــــرض
ميمونة


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 272
معدل التفوق : 796
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 17/12/2011

ألفريد دو موسيه : جيل الاحتراق والعبور الخميس 22 تموز (يوليو) 2010 بقلم: هاشم صالح  Empty
26122013
مُساهمةألفريد دو موسيه : جيل الاحتراق والعبور الخميس 22 تموز (يوليو) 2010 بقلم: هاشم صالح

ألفريد دو موسيه : جيل الاحتراق والعبور الخميس 22 تموز (يوليو) 2010 بقلم: هاشم صالح  Arton8066-a233b

مؤلّف هذا الكتاب هو البروفيسور فرانك ليسترينغانت أستاذ الأدب الفرنسيّ في جامعة ليل بشمال فرنسا. وهو يقدّم هنا سيرة ضخمة ومتكاملة عن حياة وأعمال أحد كبار شعراء الرومنطيقية الفرنسية.

ومنذ البداية يقول المؤلّف ما معناه : ولد الفريد دو موسيه في باريس عام 1810 وفيها مات عام 1857 عن عمر يناهز السابعة والأربعين عاماً فقط. وبين هذين التاريخين دارت حياته بشكل هادئ أحياناً وعاصف في معظم الأحيان.

ولانتمائه إلى إحدى العائلات الارستقراطية الغنية فإنّه دخل أفضل المدارس الفرنسية في باريس كثانوية هنري الرابع مثلاً. ثم قرّر بعدئذ دخول كلية الحقوق في الجامعة، ثم دراسة الطبّ. ولكن دراسة التشريح في كلّية الطب جعلته يشعر بالرعب والتقزّز. (بين قوسين : أتذكّر أنّه حصلت لي نفس التجربة عندما دخلت لأوّل مرّة وآخر مرّة قاعة المشرحة في جامعة حلب عام 1969.ليس من السهل أن ترى جسدا ميّتا أمامك لكي تدرسه وتشرحه بشكل موضوعيّ! كان ذلك فوق طاقتي فانصرفت إلى الأدب). ترك دو موسيه هذا الاختصاص إذن وراح يتسكّع في شوارع السان جيرمان دي بري. وما أجمل التسكّع على غير هدى في باريس خصوصا. ثم عرَّفه أحدهم على فيكتور هيغو والحلقة الرومنطيقية الملتفّة حوله. وراح ينخرط في دراسات أدبية ومناقشات فلسفية لها بداية وليست لها نهاية.

كما راح يتعرّف على الصالونات الباريسية ويعشق النساء والحرية والشعر. ومنذ أن نشر دواوينه الأولى راح يحقّق نجاحات منقطعة النظير وكان ديوانه الأوّل بعنوان نزهة في ضوء القمر، ولكنّ نجاحه جلب عليه غضب الحلقة الرومنطيقية التي لم تتوقّع أنه موهوب إلى مثل هذه الدرجة. فقد كاد أن ينافس المعلّم ــ أي فيكتور هيغو ــ على مكانته في سماء الشعر! وهذا شيء ممنوع. يمكن أن نؤلّف كتابا ضخما عن الحسد والغيرة في الأوساط الأدبية الفرنسية والعربية. ولذلك انقطعت علاقته بهذه الحلقة الباريسية وراح يغرّد خارج السرب.

الحبّ الفتاك:

وفي عام 1833 حصل اللقاء التاريخي مع الكاتبة الشهيرة التي اتّخذت اسم رجل : جورج صاند. كان حبّا جارفا يتجاوز العلاقة الجنسية. ولا أجد له شبيها إلا قصة شعرائنا العذريين مع فارق أنّه ضاجعها ولم يكتف بالحبّ من بعيد كجميل بثينة :

لا والذي تسجد الجباه له ما لي بما دون ثوبها خبر

ولا بفيها ولا هممت به ما كان إلا الحديث والنظر

فهذه المرأة الرائدة بالنسبة لعصرها والسابقة لزمانها بكثير جذبته منذ اللحظة الأولى بعينيها الواسعتين اللتين تصعب مقاومتهما. ومن يستطيع أن يقاوم العيون والخدود والنهود...؟.. لم أجد امرأة أشدّ أنوثة منها في حياتي. إنّها الأنوثة بعينها. لبؤة، ذئبة حقيقية. سلمى حايك؟..الله أعلم.. وقد أحبّته هي أيضاً بكلّ قوة وعنف. كان حباً جنونياً هائجاً عرفا فيه كلّ لحظات السعادة وكلّ لحظات الشقاء. فقد ارتفعا إلى أعلى اللحظات اللازوردية وانخفضا إلى أسفل طبقات الجحيم. وهذا هو الحبّ : الشهد في البداية والعلقم في النهاية. والسلام عليكم!..

ولكن لكي ينجح الحبّ ينبغي أن يكون بين المحبّين شيء من التفاوت في المستوى أو اللامساواة. وهذا شيء لم يتحقّق في علاقة الشاعر الكبير بالكاتبة الكبيرة. فكلاهما كان عبقرياً في مجاله. وكلاهما كان أديباً من الطراز الأوّل. وبالتالي كان من الصعب أن يستمرّ حبّهما إلى الأبد. فلا يمكن أن يتجاور عبقريان تحت سقف واحد إلى الأبد.

وقد سافرا إلى إيطاليا كما يفعل العشّاق الفرنسيون عندما يريدون أن يعيشوا لحظات السعادة في الحبّ. سافرا إلى مدينة البندقية، أجمل مكان في العالم بالنسبة لشاعر مجنون وامرأة عاشقة، مستهترة. ولكن لسوء حظّ الفريد دو موسيه فإنّه وقع صريع الحمَّى والمرض. فأخذوه إلى المستشفى. وهناك تعرّفت جورج صاند على الطبيب الذي جاء لمعالجته. وبدلا من أن تساعده على معالجة حبيبها راحت تعالج نفسها هي عن طريق الارتماء في أحضانه! وكان شابّاً إيطالياً وسيماً...

وهكذا تركت الشاعر يتحسّر عليها في وحدته وهو على فراش المرض وراحت تعيش حياتها البركانية. وكان ينتظرها حتى طلوع الفجر لكي تعود من مغامراتها العاطفية مع عشيقها الجديد. ويمكن أن نتخيّل حجم ألمه وعذابه. لقد حطّمته تحطيما. ويبدو أنّه لم يقم من تلك الضربة طيلة حياته كلّها. ولذلك ألّف مسرحية لا تزال تمثّل حتى الآن بعنوان : لا يُمزح مع الحبّ. الحبّ ليس مزحة، الحبّ أخطر من القضايا الاستراتيجية الدولية..

وفي أثناء ذلك كتب ألفريد دو موسيه بعضا من أجمل قصائد الحب والتلوّع الرومنطيقيّ في اللغة الفرنسية. وكانت تدعى : ليالي موسيه. وذلك لأنّه كتبها أثناء سهره لتلك الليالي البيضاء التي غاب فيها النعاس. من لم يعرف تلك التجربة وتحرق أنفاس أنفاسه إحداهنّ فلا أنصحه بقراءة هذه القصائد..فهي لم تكتب له. ينبغي أن تموت ألف موتة وتمرض بالحبّ وتشرف على الهلاك وربما الانتحار لكي تستحقّ قراءة هذا الشاعر الهشّ والقلق والمغدور من قبل بنات حوّاء : ألفريد دو موسيه.

ثم حصلت القطيعة النهائية بينه وبين جورج صاند عام 1835 : أي بعد سنتين من تعرّفه عليها فقط. وهكذا لم يدم هذا الحبّ طويلاً. ومع ذلك فقد ترك في نفسه أعظم الأثر وظل يتذكرها حتى نهاية حياته. ظلت جرحاً لا يندمل في أعماقه. من هنا وجه الشبه بينه وبين شعرائنا العذريين الكبار.

وقد خرج الشاعر من هذه المحنة بعد أن صهرته صهراً.

وكتب عندئذ بعضا من أجمل القصائد الغنائية التي عرفتها اللغة الفرنسية. كتب ديواناً بعنوان الليالي الذي تحدّث عنه محمد مندور مرة. ثم كتب بشكل خاص : اعترافات فتى العصر الذي سأتحدّث عنه بعد قليل.

وراح الفريد دو موسيه يشكّل فلسفته عن الحبّ ويقول ما معناه : الحبّ لا يدوم، الحبّ مهدّد بالخيانة يوماً ما سواء من هذا الطرف أو ذاك. ولكن لحظات الحبّ لا تنسى. وأجمل شيء في الحبّ هو الذكرى التي تبقى في أعماقنا منه بعد أن ينتهي.. وقد كتب يقول : ربما كانت الذكرى السعيدة على الأرض أكثر جمالاً من السعادة ذاتها. وهذا صحيح. فالخيال أجمل من الحقيقة، والمثال أنقى من الواقع. ولذلك يفضل أن نعيش في الخيال السينمائي كالحالمين. فما أبشع صدمة الواقع المرّ!

بمعنى آخر ينبغي أن نعيش قصة الحبّ ليس فقط من أجلها، لأنّها لن تدوم، وإنّما لكي نتذكّرها بعدئذ، لكي نجترّها باستمرار، لكي نعيش عليها. فتذكّرها أو الحنين إليها أجمل منها. وهكذا أثبت الفريد دو موسيه أنه رومنطيقي فعلاً، أنه يعيش على الذكرى، على اللحظات التي مضت وانقضت، ولا يعيش على الحاضر. إنّها النوستالجيا الجنونية الرائعة : جوهر الشعر والنفسية الرومانسية.

وبدءاً من عام 1840 أخذ الشاعر يعاني من أمراض جسدية بسبب إغراقه في الكحول لكي ينسى. وعندئذ تناوبت عليه الأزمات العصبية، والحمّى المشتعلة، ومرض القلب.. وأدّت كلها في نهاية المطاف إلى موته. ولكن قبل أن يموت بلحظات فلتت منه هذه العبارة :

"أريد أن أنام! أخيراً سوف أنام إلى الأبد وأستريح....

ولا نعرف: هل نزعل عليه أم نحسده على ذلك لأنه نفذ بجلده؟!

فالموت راحة. الموت سترة. وأحيانا يكون المخرج الوحيد :

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا

وحسب المنايا أن يكن أمانيَ..


ولكنه قبل ذلك توصّل إلى أعلى المناصب الأدبية في فرنسا. فقد انتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية عام 1852 وعمره اثنان وأربعون عاماً فقط. هذا في حين أنّ بودلير رُفض رفضا قاطعا.


مرض العصر:

ثم كتب الفريد دو موسيه عدة كتب نثرية مهمة. وكان أقواها كتاب:

"اعترافات فتى القرن". وهي سيرة ذاتية مقنعة على هيئة رواية.

وفيها يعود إلى قصة حبّه مع جورج صاند ويتحدّث في صفحات موجعة عن تلك الأيام التي انصرمت وتركت في أعماقه أمرّ الذكريات وأحلاها.. كما يتحدّث عن ثقافة عصره وأفكاره وعاداته وتقاليده.

وبالتالي فالكتاب ذاتيّ وموضوعيّ في آن معا. إنّه يقدّم لنا صورة مؤثّرة ليس فقط عن الشاعر وحبّه الخائب وإنّما أيضاً عن العصر ككلّ : أي عن القرن التاسع عشر. وهو من أعظم العصور الأدبية الفرنسية. إنّه عصر بلزاك وفلوبير وستندال وفيكتور هيغو وبودلير ورامبو وفيرلين.. ولذلك أنصحكم وأنصح نفسي بقراءته هذا الصيف. إنّه فعلا ممتع ومؤثر. فهو يطرح إشكالية تخص المثقفين العرب أيضا : أقصد إشكالية عصور الترجرج والانتقال ومرض العصر والقلق المرعب. فالرجل يقدم صورة(أو بورتريه)عن ذلك الجيل الرومنطيقي الذي عاش بين عالمين : عالم يريد أن يموت ولكنه لم يمت فعلا بعد، وعالم آخر يريد أن يولد ولكنه لم يولد فعليا بعد. كما يقدّم ألفريد دو موسيه في هذا الكتاب تحليلا عن الأسباب التاريخية والاجتماعية والسياسية لمرض العصر. يقول ألفريد دو موسيه ما معناه : وراءنا ماض مدمّر إلى الأبد. إنّه العصر اللاهوتي المسيحي والنظام الملكي المطلق والإقطاع. وأمامنا فجر الآفاق الرائعة للحداثة والمساواة والحرية ولكنها لم تتحقّق بعد. وبينهما قطيعة الثورة الفرنسية. ونحن جيل التمزّق والعبور. كلّ ما كان راسخا لم يعد موجودا. وكلّ ما سيحصل لاحقا لم يولد بعد. هنا تكمن المشكلة الأساسية. لا تبحثوا عن سرّ مرض العصر في مكان آخر.

بالطبع في عصر الفريد دو موسيه لم تكن قيم الحداثة قد ترسخت لتصبح مقبولة اجتماعيا ومؤسساتيا. كانت لا تزال في بداياتها. من هنا شعوره بالهلع لأنّ حبيبته تخلّت عنه بمثل هذه السهولة وخانته دون أن يرفّ لها جفن. السؤال الذي أودّ طرحه في ختام هذه الفقرة هو التالي : من يستطيع أن يؤلف لنا الكتاب المنتظر: مرض العصر العربي الإسلامي؟ نحن أيضا سنعيش مرحلة متقلّبة، مترجرجة، لا يستبين فيها الخيط الأبيض من الخيط الأسود. نحن أيضا جيل الاحتراق والعبور. وعلى أنقاضنا سوف يولد العالم الجديد. نحن أيضا لم نعد نستطيع أن نعيش على القيم الدينية التقليدية كما كان يعيش آباؤنا وأجدادنا. وفي ذات الوقت لم تترسخ بعد قيم الحداثة عندنا. فهل دخلنا يا ترى مرحلة الفوضى الخلاقة؟ ولكن ثمنها باهظ جدا.

أقوال مأثورة عن الفريد دوموسيه:

يقول شاعر الرومنطيقية الفرنسية هذه العبارة المهمّة : الشعر مهمّ، ولكنّ الموسيقى أهمّ. وهذا ما يدفعنا إلى طرح السؤال التالي : ما معنى الموسيقى بدون شعر؟ أو بالأحرى : ما معنى الشعر بدون موسيقى وإيقاع؟ حتى ولو كان إيقاعا داخليا، خافتا. الموسيقى هي جوهر الفنّ والوجود.

ثم يردف قائلاً : الموسيقى هي التي جعلتني أؤمن بالله! رائع.

وهذا أكبر دليل على مدى حبّه للموسيقى وتعلقه بها. والواقع أنّها تشكّل لغة كونية خالدة يفهمها كلّ البشر. فأنت لكي تفهم الشعر الألماني بحاجة إلى معرفة اللغة الألمانية. ولكنك لست بحاجة إلى معرفة هذه اللغة من أجل معرفة الموسيقى الألمانية أو تذوّقها. من منّا لا يسكر ويغيب عن وعيه عندما يسمع موسيقى موزار، أو بيتهوفن، أو باخ؟

نعم إنّ الموسيقى هي لغة الكون كلّه فيما وراء كلّ اللغات والتراثات الدينية والثقافية. إنها لغة كل اللغات.

ثم يقول الفريد دو موسيه هذه العبارة الجميلة : هناك سرّان أو سببان أساسيان للسعادة هما : المتعة والنسيان.

فمن لا ينسى لا يستطع أن يكون سعيداً. من يتذكّر باستمرار اللحظات المؤلمة التي مرّ بها سوف يظلّ في حالة عذاب وشقاء. وبالتالي فالنسيان ظاهرة صحية لا مرضية. إنّه علامة على الهضم والاستيعاب لتجارب الحياة. ومن لا يعرف كيف ينسى لا يمكن أن يستمرّ في العيش. عقله ينفجر أو يجنّ. وهنا تكمن مشكلته مع تلك العبقرية اللعوب : جورج صاند. فانسوا أيها الناس انسوا. ولا تتذكّروا إلا اللحظات الحلوة. لكن ماذا نفعل إذا لم تكن في حياتنا لحظة سعادة واحدة!
وكان يقول أيضاً: نحن نحبّ المجاهيل ونخشاها. بمعنى أنّ هناك شيئاً ما يدفعنا باتجاه استكشاف المجاهيل، هناك إغراء كبير للمجاهيل. ولكننا نخشى السقوط فيها! إنها تشبه ثقباً أسود أو بئراً معتمة. ونخشى إذا ما دخلناه ألا نستطيع الخروج منه.

ثمّ يقول هذه العبارة الغامضة: كلّ أنواع الحبّ لا تتشابه، ولكن كلّ العشيقات يتشابهن! ولكن ربما كانت هذه العبارة مزعجة بالنسبة للنساء. فكل امرأة تعتقد أنها فريدة من نوعها.

ثم يقول هذه العبارة العميقة : قولوا لي بالله عليكم : من أين تجيء هذه الحالة : وهي أن المرء لا يمكن أن يكون ما هو عليه حقيقة؟ لماذا لا يستطيع أن يكون هو هو؟ لماذا يعاني من الانقسام المستمر بين الظاهر والباطن؟

وهذه العبارة تحيلنا إلى التحليل النفسي الذي يقول لنا بأن كل شخص يعاني من انقسام داخلي على نفسه. ويبلغ هذا الانقسام درجة الشيزوفرينيا أو انفصام الشخصية لدى المجانين والمبدعين الكبار. ولكن حتى العاقلون المتوازنون يعانون من درجة ما من انفصام الشخصية وان كانت أقل حدة بالطبع.

كان نيتشه قد عبر عن ذلك بجملة عبقرية مقتضبة مؤلفة من ثلاث كلمات فقط: صرْ من أنت!

ثم يقول الفريد دو موسيه هذه العبارة المهمة : الثروة أقل أهمية من الحياة، والحياة أقل أهمية من الحب، والحب أقل أهمية من الحرية. وهذا يعني أن الحرية هي أغلى شيء في الوجود.. أنا شخصيا كنت أعتقد أنّ الحبّ أهم من الحرية. ولكن هل توجد حرية بدون حبّ، أو حبّ بدون حرية؟

ثم يقول هذه العبارة الرائعة : هل كان كل شعراء العالم مجانين لأنهم هربوا من جحيم الواقع إلى جنة الأحلام؟ آه، كم أنتم تعساء لأنكم لستم مجانين!...ما معنى الحياة بدون أحلام وشطحات خيالية، جنونية؟

ثم يقول أخيراً هذه العبارة : الشرّ موجود، ولكن ليس بدون الخير، تماماً كالظل لا يوجد بدون النور..

وهنا تكمن جدلية المتناقضات. لحسن الحظ أنّه يوجد بعض الخير في هذا العالم الهائج المائج وإلا لكنّا متنا أو انتحرنا فورا. ولكن قوى الشرّ والظلام لا تزال قادرة على الضرب.

هذا هو ألفريد دو موسيه في كل حالاته. لقد عاش حياة مليئة بالمتع والعذاب. وكانت حياة قصيرة ولكن كثيفة جدا. ويبدو أنّ الجمهور كان يحبّه لشخصه ولإنسانيته وطيبة نفسه مثلما كانوا يحبونه لأدبه وشعره وربما أكثر. فوراء موسيه الشاعر تجد دائما موسيه الإنسان. لقد كان رومنطيقيا، حزينا، من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه. لقد تعذّب كثيرا وكان صادقا جدّا في التعبير عن الألم والعذاب. وهشاشته الحنونة التي لا يخجل من البوح بها هي التي تجذبنا إليه وتجعلنا نحبه ونتعاطف معه. رفقاً بالأرواح الحائرة، بالقلوب المكسورة..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

ألفريد دو موسيه : جيل الاحتراق والعبور الخميس 22 تموز (يوليو) 2010 بقلم: هاشم صالح :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

ألفريد دو موسيه : جيل الاحتراق والعبور الخميس 22 تموز (يوليو) 2010 بقلم: هاشم صالح

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» ألفريد دو موسيه : جيل الاحتراق والعبور
»  الثّور والخِرقة الحمراء الخميس 11 تموز (يوليو) 2013 بقلم: باسم سليمان
» دعوة لإقامة يوم “حب الله” الخميس 3 تموز (يوليو) 2014 بقلم: مشتاق الحلو شارك اصدقاءك هذا المقال
» علم نفس الأنا : كيف تصبح أنت هو أنت؟ الأربعاء 15 تموز (يوليو) 2015 تقييم المقال : 1 2 3 4 5 بقلم: حمودة إسماعيلي
» أنا وأمي وعذريتي الاثنين 27 تموز (يوليو) 2009 بقلم: نبال النبواني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: