العدالةُ بما هي رهانٌ عمومي
«أمارتيا صن» ضد «جون رولز»
نبيل فازيو
رغم أن مدار فكر أمارتيا صن كان على مفهوم العدالة، فإن الملاحظ على متنه شساعة المساحات المفهومية التي جعلها أرضية عليها أقام تصوره للعدالة؛ فهو لا ينظر إلى العدالة إلا من وراء حجاب مفاهيم مساحلةٍ لها؛ من قبيل مفهوم الخير والحق والديمقراطية والحرية. فليس من باب الصدفة، والحال هاته، أن يأتي تعريفه للعدالة بالسلب، إذ إن الذي حمله على انتهاج هذا النحو في العريف وعيُه بتباهت ملامح مفهوم العدالة وذوبانه في ثنايا غيره من المفاهيم السياسية. فهو لم يرد لكتابه أن يكون مصنفاً في نظرية العدالة ولا في مفهومها، بل فقط في فكرتها؛ أي في ما يتناسل من تجربتنا المعيشة معها، بعيداً عما تُلحقه بها النظرية والمفهوم من أَمْثَلَةٍ. لذلك كان عليه أن يسحضر هاجس فكرة «العمومي» أثناء تحليله لفكرة العدالة، وهو الذي أرادها أن تكون محاربةً للجَوْر(1) ومقاومةً لأسباب الفقر والعَوَزِ في العالم. من المؤكد أنه لم يُفرد في كتابه العمدة (في العدالة) فصلاً للنظر في ماهية فكرة العمومي(2) على نحو ما نجده عند هابرماس(3) أو فرايزر(4)، بيد أن ذلك لا يمنع، في اعتقادي، من اشتقاق تمثله للفكرة تلك انطلاقاً من تصوره للعدالة، خاصةً في ضوء وصلها بمفهوم الديمقراطية والحرية. إذ يدرك المهتمون بمتن صن متانة الصلة التي أقامها بين هذه المفاهيم الثلاثة، وهو الذي أراد للديمقراطية أن تكون تدبيراً للشأن العام باعتماد النقاش العمومي. الأمر الذي جعل مقاربته لسؤال العدالة مشدودةً إلى الحاجة إلى النقاش العمومي وما يستلزمه من تقعيدٍ لفكرة الوجود العمومي للعقل والإنسان.
ولعلّ ما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن الحديث عن فكرة العدالة لا يستقيم في خطاب صن دونما انتباهٍ إلى المشارب والروافد الغزيرة التي نَهَلَ منها تصوره لهذا المفهوم. فالرجل، وعلاوةً عن كونه واحداً من جهابذة الفكر الاقتصادي المعاصر(5)، انخرط في استشكال سؤال العدالة في جوٍ فكريٍ هيمن عليه نقد جون رولز لتصور كل من النزعتين الحدسية والبراغماتية لمفهوم العدالة، وذلك في إطار بلورته لنظريته الخاصة في الموضوع، والتي أرسى قواعدها على مفهوم الإنصاف كما هو معلوم. عبَر هذا السجال، الذي اتصف بعمقٍ في النظر إلى المفهوم والقدرة على اجتذاب جَمْهَرةٍ من كبار رموز الفلسفة المعاصرة، من أمثال هابرماس ورولز ورورتي ودريدا وريكور وساندل(6)، عن وعيٍ رفيعٍ بالحاجة إلى التأسيس لسؤال العدالة، من حيث كونُه سؤالاً محدداً للكينونة الإنسانية. وقد تجلى ذلك أولاً في السعي إلى تحديد الإطار النظري المعقول الذي يتيح تفكيك مفهومها وبلورة نمطٍ مناسبٍ من الاستدلال والإقناع من شأنه أن يفيدنا في الوقوف عند التصور الأمثل لها، في ضوء البحث عن حلٍ لجل إعضالاتها النظرية والواقعية(7). وتجلى ثانياً في أن النقاش ذاك أثبت قدرة الفكر الفلسفي على الإنصات لراهنه والتفكير في سؤاله، الذي تبدى هذه المرة في صورة اهتمامٍ بالعدالة بلغ حد الهَوَسِ، بحسبانها القضية المحورية في زمن ما بعد الحداثة الذي في ترتبته أينعت معالم رؤية جديدة للسياسة قوامها تسليط الضوء على الشرط العمومي للوجود السياسي للإنسان. كيف ارتبط التفكير في العدالة بفكرة العمومية؟ ما هي مفارقات العدالة ورهاناتها بما هي قضية عمومية وسياسية؟ وكيف تبدت الحاجة، في فكر صن ورولز، إلى فكرة العمومية كضامنة لوجود العدالة؟
I. في نقد رولز
اتسمت أعمال رولز حول مفهوم العدالة بطابعها التأسيسي الذي مكَّنه من الارتفاع بسؤالها إلى مستوى النظرية التي نَهَلَ من روافد فكرية متعددةٍ ومختلفةٍ في سبيل بلورتها(8). وهو ما جعل من أطروحته مرتكزاً لكل من أوكل إلى نفسه مهمة الانخراط في النقاش المسْتَعِر حول العدالة في الولايات المتحدة وأوروبا على الأقل(9). ليس مرد هذه المكانة الشرفية التي تبوأها رولز إلى العَوَزِ النظري الذي هيمن على مفهوم العدالة إبان عقد هذا المفكر لمصنفه حولها كما اعتقد بعض الباحثين(10)، بقدر ما إن التفكير في إعادة التأسيس للعدالة أينع في ضوء قناعةٍ بالمنزلقات والمفارقات الكثيرة التي تقود إليها التصورات الفلسفية التي استتب لها أمرُ احتكارِ القولِ في العدالة قُبَيل تقديم رولز لنظريته، وخاصةً منها التصور الذرائعي الذي استمد رؤيته الفلسفية من الفكر البراغماتي والذرائعي السائد في الثقافة الأمريكية. يعترف صن بالقيمة الفكرية لنظرية رولز، ولا ينفك ينبّه قارئه إلى المنعطف الكبير الذي أحدثته النظريته في تاريخ الفكر السياسي والأخلاقي(11). بل إنه لم يتحرّج من الاعتراف بأن أطروحة هذا الفيلسوف ستشكل المنطلق والقاعدة النظرية التي عليها ستتأسس نظريته(12)، أو لنقل فكرته عن العدالة. لذلك فإن نقد كتاب (نظرية العدالة) في خطاب صن لا يعني أبداً هدم وجة نظره أو تقويضها، بقدر ما يشي بمحاولةٍ جديةٍ لاستثمار مكتسباتها والتنبيه على المغالطات التي ما فتئت تعتورها، في أفق شق دروب نظرية جديدة أمامها.
وإذا كان لقاء صن بـ رولز قد تمّ في مناسباتٍ عديدة؛ من قبيل نقد التصور الذرائعي والنزعة الجماعاتية(13)، وكذا على مستوى أكثر من مفهوم، فإن مفهوم الإنصاف مثل مجال هذا اللقاء بحكم أنه يبقى العمدة في رؤية رولز إلى العدالة. نقرأ لـ صن في هذا المقام قوله؛ «إن إسهامات رولز الكبرى في فكرتيْ الإنصاف والعدالة تستحق التنويه؛ غير أنني بينت أن في نظريته عن العدالة أفكاراً تستلزم فحصاً نقدياً، بل وتغييراً كذلك. لقد وضّح لنا جيداً تحليلَه للإنصاف وللعدالة، وللمؤسسات والسلوك، وكذا لفهمِنا للعدالة. كما أن تحليله ذاك لعب، وما يزال، دوراً تأسيسياً في بناء نظرية العدالة. بيد أنه ليس من الصواب أن نجعل عالم تفكير رولز نقطة نهاية فكرية. يجب علينا أن نستثمر غنى أفكاره ومواصلة عمله، عوض الاكتفاء بمكاسبها»(14). يحدد هذا القول إذن، الموقف النقدي الإيجابي الذي تَمَوْقَعَ فيه صن؛ فهو إذْ يعلن قناعته بفاعلية مفهوم الإنصاف وقدرته على إحداث رجةٍ في مياه الفكر السياسي الآسنة، خاصةً في ضوء العلاقة الجدلية التي أقامها رولز بين الإنصاف ومفهوم الحرية، والتي أفضت إلى التأسيس لرؤيةٍ سياسيةٍ لها انطلاقاً من فكرة الوضعية الأصلية(15)، فإنه يعمل مع ذلك معول النقد لفتح آفاق نظرية أمام تصور نظرية العدالة لمفهوم الإنصاف، وما يتناسل منه من مفاهيم أخرى.
وفي هذا المضمار يمكن للقارئ في أعمال رولز أن يفطن إلى صعوبة إحداث ميزٍ واضح المعالم بين الإنصاف والعدالة في خطابه. ولعلّ مرد ذلك إلى إطنابه في التأكيد على التماهي الجوهري الحاصل بين المفهومين، هذا إن لم يكن الإنصاف شرطاً قبليا لكل تفكير ممكنٍ في العدالة في نظره، حيث يغدو تصور هذه الأخيرة نتيجةً لما رسخ في أذهان الأفراد عن مفهوم الانصاف. يشدد صن بدوره على هذا المعطى، معتبراً أن أي نظر في مشكلة العدالة لا بدّ له أن يتم في اتصالٍ بسؤال الإنصاف(16). لا ينم هذا الموقف، ودرءاً لكل سوء فهمٍ، عن استسهالٍ من صاحبه للطابع الإشكالي الذي يتسم به مفهوم الإنصاف في متن صاحب نظرية العدالة، إذ سرعان ما ينبّه قارئه إلى الصعوبات التي تستوقف كل من ينتدب نفسه لفض شفرات هذا المفهوم ذي الصبغة السياسية. لذلك وجدنا صن ينتهج أسلوب التعريف بالسلب في تحديده لمعنى الإنصاف قائلاً: «[إننا نقصد بالإنصاف] ألا نكون أنانيين في تقديراتنا، وأن نأخذ بعين الاعتبار مصالح الآخرين واهتماماتهم، وسيكون علينا تحديداً أن نتجنب هيمنة مصالحنا وأولوياتنا علينا»(17).
يمكن للباحث أن يلْحظَ كيف أن شرط النزاهة، أو الحياد في تقييم الأوضاع، هو ما يمثل ماهية فكرة العدالة كإنصافٍ في تصور كل من رولز وصن. لذلك فإن هذا الموقف يبقى في حاجةٍ إلى الإجابة عن السؤال التالي: كيف يمكن لمثل هذه الوضعية المحكومة بالإنصاف أن تظهر في كنف الصراعات التي تطفو على سطح الحياة الاجتماعية والسياسية، والتي تغلب عليها وضعية الجَوْر (اللاعدالة) وغياب الإنصاف؟ أو بصيغة تساؤلية أكثر اتساعاً نقول: هل من المشروع الحديث عن وضعيةٍ تأسيسيةٍ لحالة العدالة المنصِفة رغم كل المؤشرات، الغزيرة والقوية، على غياب العدالة والإنصاف بسبب الشرط الاجتماعي الحاكم للعدالة كممارسةٍ يوميةٍ معيشة، والذي بمقتضاه يكون معظم الناس غافلين عن المصالح المشتركة بينهم، بحكم سعي كل واحد منهم إلى تحقيق مصلحته الشخصية؟
للخروج من هذا المأزق النظري وظَّف رولز مفهوم «الوضعية الأصلية» الذي مكَّنه من افتراض حالةٍ ابتدائيةٍ يغلب فيها على كل الفاعلين الوعيُ بموقعهم ضمن المجتمع ككلٍ ناظمٍ لمختلف المصالح الفردية. يقول صن معرّفاً هذه الوضعية: «إنها وضعية أولية ومتصورة تهيمن عليها المساواة، يكون الفاعلون فيها غافلين عن هويتهم الخاصة وكذا عن المصالح المشتركة الواجب احترامُها في كنف المجتمع»(18). يتعلق الأمر إذن، وتوخياً للدقة، بوضعيةٍ افتراضيةٍ يستوي أمرُها على مقتضى المساواة في الحرية والاختيارات بين جميع الأطراف، فالمساواة تتعلق هنا بحرية كل فردٍ في الاختيار الذي يستجيب لمصالحه في ضوء جهلٍ (مفترض على الأقل) بقواعد اللعبة التي تدير كل العلاقات المتصورة بين الأفراد(19). يشدد رولز في كتابه (نظرية العدالة) على شرط الغفلة المؤسِسة (أو الجهل) في تحديد التقاسيم العامة لمبادئ العدالة التي تنبثق من وضعية الغفْلةِ تلك، والتي يكون عليها أن تُسهم بشكلٍ جوهري في تحديد شكل المؤسسات القادرة على الإدارة الجيدة للمجتمع الذي وجدت فيه(20). هكذا تتحدد طبيعة الوضعية الافتراضية انطلاقاً من التضارب العفوي والطبيعي بين مصالح الأفراد، بل إنها تضمن تكافؤ الفرص بين الأفراد وعدم تفضيل أحدهم على الآخر، وهو ما يعني أن قيمة حجاب الغفلة تكمن في قدرته على قيادة الأفراد على نحوٍ عفوي لاختيار المبادئ العامة لفكرتهم عن العدالة(21). كما أنها فرضية تُسعفنا بفهم أوضح للحاجة إلى عملية التبرير بحسبانها ضمانةً عموميةً لمبادئ العدالة(22). وسيكون على نظرية العدالة أن تضفي نوعاً من المعقولية على تلك الوضعية بأن تكشف عن الكيفية التي تتناسل بها تصورات الأفراد عن العدالة انطلاقا من وضعيتهم الأصيلة ومعاناتهم اليومية مع محددات العدالة ورهاناتها.
نتبين في أعقاب ما تقدم كيف أن فكرة الإنصاف سرعان ما انفلتت من شرنقتها التأملية لتهوي في مجال السياسة وتدبير المجتمع، لذلك لم يتردد رولز في وصف نظريته، ومنذ سنة 1993، بأنها تصورٌ سياسيٌ للعدالة(23)؛ إذ إن الأفق الذي يَستشكِل في ضوئه سؤالَ العدالة عامةً هو أفقُ السياسةِ والاجتماع الذي ينأى برؤيته عن جل المقاربات التأملية المتعالية للوجود الإنساني، الأمر الذي يفسّر لنا امتعاض الرجل من التأويلات التأملية والنظرية التي نُسبت إلى نظريته. كما أننا نفهم في ضوء هذا التوجه سبب الحاح رولز على مراجعة التصور الكانطي للذات الأخلاقية المتعالية وعمله على بتره من سياقه الميتافيزيقي(24). وضداً على هذه المقاربات المتعالية لفكرة العدالة، ذهب الفيلسوف الأمريكي إلى القول، إن ما يهمه من نظره في العدالة هو تحديد الوظيفة العاجلة التي يجب على الفكر السياسي النهوض بها25). هذا رغم صلته الوثيقة بأبرز النظريات الفلسفية وعلى رأسها تلك التي نحت فلاسفة العقد الاجتماعي ملامحها.
ههنا يمكن أن نلاحظ أن رولز، وفي مضمار إنشائه لمفهوم «البنية القاعدية»، حافظ على بعض تقاسيم نظرية العقد الاجتماعي، وذلك بأن أبقى على إمكانية التوصل إلى اتفاقٍ مبدئيٍ حول الخلافات السياسية الكبرى شريطة أن نأخذ في الحسبان تصور الأفراد، المنتمين إلى مجتمعٍ بعينه(26) للعدالة(27)، وهو التصور الذي يجب أن يتسم بأدنى قدر ممكن من المعقولية. إن أهمية توفر الفاعلين على مثل هذا التصور إنما مرده إلى ما يتيح لهم ذلك من فرصٍ لفتح نقاشٍ عموميٍ للنظر في شأن القضايا السياسية البارزة، ويخص فيلسوفنا بالذكر ما تعلق منها بالأسئلة المؤسساتية ذات الصلة بالعدالة(28). لا يعني هذا أبدا أن الاختلاف(29)، بما هو تباين في المواقف، ومن حيثُ هو مبدأ مؤسسٌ، لا محل له ضمن هذا التصور التعاقدي؛ إذ يبقى من المنتظر أن تطفح على سطح الحياة الاجتماعية اختلافاتٌ في شأن قضايا ذات صلة بالاجتماع من قبيل الدين والعرْق والعقيدة والأخلاقيات العامة والحق والتباين الطبقي.. الخ، بيد أن النقاش العمومي يبقى قادراً على صهر العوائق التي تحول دون تقديم تنازلاتٍ من طرف كل الأفراد حول هذه القضية أو تلك في نظر رولز. من هنا تنبع أهمية الفضاء العمومي؛ إذ بفضله يحقق الأفراد شرط وجودهم السياسي بأن ينخرطوا في المناقشة الحرة لكل القضايا المتعلقة بمجتمعهم، مما يأذن لهم بتحقيق القدر الضروري من العدالة والإنصاف بين مواقفهم المختلفة. لذلك يمكن القول إن النقاش العمومي آلية لضمان الوحدة والاختلاف في الآن ذاته؛ فهو يضمن الوحدة بصهر التباينات في المواقف معتداً بالإقناع والتبرير وخلق المقبولية أمام المواقف المتداول في شأنها(30)، وما ينشأ عنه من توحيد تمثلات الأفراد عن العدالة والخير العام، في الآن ذاته الذي يضمن الاختلاف بين الناس عندما يراهن على حقهم في الدفاع عن آرائهم وتبريرها.
لا يكتسب وجود الأفراد بعده السياسي إلا من خلال قدرتهم على الاختيار الحر، ولعل الحيز الأكبر من أهمية نظرية العدالة يتجلى في ربطها انتقاء مبادئ العدالة وأسسها بتلك الاختيارات العفوية التي يُقْدِم عليها الأفراد وهم في وضعية الغفْلة. وهو الأمر الذي يلقي بظلاله على البعد المؤسساتي للمجتمع، وذلك بحكم أن الموقف العام من العدالة(31)، هو الذي يوجه اشتغال المؤسسات السياسية في نظر رولز(32). لذلك سيكون شأناً في باب الادّعاء، القول إن وضعية الغفلة المؤسسة من شأنها أن تقود بالضرورة نحو تصور فرداني وأناني للأفراد في علاقتهم بالمجتمع، إذ إن الذي يهم رولز هو أثر تصوراتهم العفوية للعدالة في توجيه المؤسسات المجتمعية والسياسية. إذ يكفي المرء أن يفطن إلى العلاقة الجدلية التي تجمع بين مبدأيْ الإنصاف عند رولز ليقف عند الجهد الذي بذله في سبيل تجنّب مثل هذا المآل الفرداني والأناني لنظريته في العدالة. يتعلق الأمر بمحاولة لوضع أُسس تمكِّن الإنصاف من الجمع بين الحقوق الأساسية والحريات الضرورية المشتركة في الوضعية الأصلية من جهة، وبمحاولة لتبرير التباينات الاجتماعية التي يمكنها أن تهدد وحدة تلك الحقوق والحريات من جهة ثانية. يحدد صاحب نظرية العدالة هذين المبدأين وفق الصيغة التالية؛
ـ لكل فرد الحق في الحصول على الحريات الأساسية على نحوٍ متساوٍ مع غيره.
ـ هناك شرطان أساسيان يجب على التباينات الاجتماعية أن تستجيب لهما إنْ هي أرادت أن تحظى بقدرٍ معقولٍ من المشروعية؛ أولهما الحاجة إلى تعميم الاستفادة من كافة الفرص على جميع الأفراد، وثانيهما تمكين الفئات الأكثر تهميشاً من الاستفادة بدورها من عائدات وخيرات تلك الفوارق.(33)
يَحْسُن بنا بدايةً، أن ننتبّه إلى المكانة الشرفية التي تتبوؤها الحرية ضمن هذا التصور حسب صن؛ إذ إن صاحبه أبى إلا أن ينأى بها عن اعتبارها مجرد وسيلة، من بين وسائل أخرى، يمكن الاعتداد بها لتحقيق مصالح شخصية(34)، وهو ما ينأى بتصور رولز عن المواقف الذرائعية التي عمل على انتقادها. كما يجب أن نفطن إلى جملة الصعوبات المؤسساتية التي تمكنت نظرية رولز من التخفيف من حدتها؛ وبيانه أن تشديد المبدء الثاني على حاجة العدالة إلى الانفتاح على فكرة تكافئ الفرص، إنما عبر عن حاجة مؤسساتية لا يمكن تجاهلها في أي مجتمع، إذ من شأن ذلك أن يوقع في إخراج شرط المواطنة من سياقه السياسي ليغدو محكوماً بأولويات لا سياسية؛ كالعرق أو الدين أو الثقافة.. الخ.
تتيح هذه النظرية إذن تعميم الاستفادة من الخيرات الأولية على الجميع، وهو ما يعني أن الإنصاف يتضمن تكافؤ الفرص بالضرورة. بيد أن المأزق الذي يستوقف تصور رولز في هذا المضمار هو أن الحرية تعتبر بدورها، وبجهة من الجهات، من جملة تلك الخيرات الأساسية التي يجب على الجميع الاستفادة منها، الأمر الذي يهبط بها إلى منزلة الوسيلة التي أطنب الفيلسوف الأمريكي في القول إنها مجافية لأهمية الحرية(35) ومقامها. وهو ما فطن إليه صن في تعليقه على مبادئ رولز، إذ يَلْحظ أن هذا الأخير يحشر الحرية ضمن الخيرات الأولية، كما أنه ينبه على جملة الاعتبارات الحقوقية التي لا يحتفل بها دون سبب يذكر، رغم علاقتها البينة بمسألة العدالة، والتي يبقى من بينها تصور الرجل لموقع الأفراد في الاتفاق التأسيسي الذي يحدد مستقبل العدالة بينهم، والذي أراد له صاحبه أن يكون نقطة الانطلاق بإطلاق في التأسيس للعدالة، وهو أمر صعب التحقق بحكم التباينات والفوارق التي يخضع لها الوجود الاجتماعي.
تكاد هذه المعطيات أن تلخص تمثل صن لنظرية رولز، ويبقى القول إن رؤيته هاته أسعفتْ البحث في مجال الفكر السياسي والفلسفة الأخلاقية بحلٍ لكثيرٍ من القضايا التي ظلت عالقةً، وذلك بأن ضخَّت جملةً من المفاهيم الإجرائية في مجال فهم العدالة، يبقى على رأسها مفهوم الإنصاف الذي أعاد ترتيب أوضاع العدالة بأن فتح أمام تصوّرها آفاق التوزيع العادل وكشف عن شرط الحياد كمحددٍ قَبْلي لفهم الأفراد لها. أضف إلى ذلك الدور الكبير الذي لعبه الاعتداد بمفهوم الموضوعية في التنبّه إلى الحاجة لفكرة نقاشٍ عموميٍ حرّ وواعٍ حول العدالة، مادام أن تحصيل وعي بالموضوعية من شأنه أن يقود الأفراد إلى التفكير حتماً في سؤال العقلانية الذي غالباً ما استوقف التأسيس للمجتمع العادل؛ إذ يقتضي ذلك التفكير في مدى عقلانية الأفراد واختياراتهم في حياتهم اليومية، وعلاقة ذلك بتمثل كل واحد منهم للخير العمومي، وكذا بالآليات التي يتوسّلون بها لتحقيق هذا الخير.
وسيكون شأناً في باب الاعتراف القولُ إن طرْح هذا الضرب من الأسئلة ليس غرضه جرّ التفكير في العدالة إلى أفقٍ نظريٍ مجردٍ أو مثاليٍ لا يَأْبه بالشروط الاجتماعية والتاريخية لتشكلها، ولعلنا نجد في تمييز رولز بين مفهوميْ (العقلاني) و(المعقول) ما نعضد به هذا الاستنتاج، إذ سرعان ما يلقي هذا التمييز بظلاله على فهم الرجل للحرية التي تتبوأ في كتاباته مقام الصدارة. ورغم الغموض النسبي الذي يكتنف موقفه بشأن ما إذا كانت الحرية من جملة الخيرات الأولية (الضرورية) التي يمكن تحويلها إلى وسائل، أم إنها تتنطع من شرنقة النظرة الآداتية لها، فإن الثابت في نهاية المطاف أن فيلسوفنا يوكل إليها مهام أخرى على علاقة بما هو شخصي وفردي. حينها تغدو الحرية علامة على طبيعة العلاقة بين المجال العمومي والمجال الخاص(36)، وهي بذلك تكشف لنا عن مقدار إنصاف الكل في ما يتعلق بحرياتهم الشخصية وانفتاحهم على الفضاء العمومي حسب صن(37)؛ إذ بمقدار ما يغدو التفكير في الحرية تفكيراً في حدودها وفاعليتها العمومية، فإنها تصبح كذلك علامةً فارقةً على ما يطالُ الذات من رقي وانفتاح يسعفانها بالصيرورة كياناً سياسياً وعمومياً كذلك(38). ولعلّ هذا الحس السياسي الذي يخرج من جوف الوعي بالحرية هو ما يقف وراء سهم رولز في تنبيه العلوم الاجتماعية إلى مسألة غياب التكافؤ التي نضجت في متنه، وذلك في سياق تحليله لمفهوم التباين الذي اتخذ صورة مبدء أساسي من مبادئ العدالة المنصفة، وذلك بأن نبّه على خطورة أن تهوي العدالة إلى دِرْك حالة الجور والظلم. ولعلّه من الجدير بالذكر أن تعريف صن للعدالة بأنها دفع للجور ومظاهر الحيف لم يكن بالأمر الجديد على رولز، إذ سبق وأن بسَّط القول في هذا الضرب من العدالة في أعقاب تعليقه على تصور أرسطو للموضوع.(39)
بيد أن أهمية هذه النظرية ليست تنحصر في ما أفادت به الفلسفة السياسية فقط، بل إنها تشمل الآفاق النظرية التي أتاحتْها مساجلتُها من طرف العديد من الفلاسفة، والتي ركزت على إظهار الثغرات التي تَعْتَوِر تصور رولز. يميز صن في هذه الأخيرة بين ضربين؛ ثغرات يمكن تشذيبها لتجد مكانتها المنطقية ضمن عناصر النظرية، وأخرى سيكون من الضروري اعتبارها مظاهر أزمة تشي بإمكانيات مجاوزة نظرية العدالة. كيف ذلك؟
نبادر أولاً إلى التنبيه إلى بعض الأمور التي يمكن إعادة موقعتها ضمن نسق رولز في نظر صن، من قبيل مغالاته غير المبررة في الإعلاء من شأن الحرية قياساً بغيرها من الأولويات الضرورية(40)، وكذا تشديده على أسبقية التوزيع العادل للثروات الذي أفضى إلى عدم إعطاء القدرات الشخصية للفرد قيمتها الحقيقية. ويمكن أن نلاحظ أن السير بهاتين القضيتين صوب تصور صن لا يقود بالضرورة إلى خلخلة نظرية رولز، بقدر ما يعطيها قوة إجرائية أوسع وأشمل. بيد أنه سيكون من باب الاعتراف القول إن أمورا كثيرة أعرض صن عن ذكرها من شأنها أن تفيد نظرية العدالة في أن تصير أكثر دقة وعمقاً، من قبيل موقفها من التصور الذرائعي الذي لم يكن مجرد عناد، بل إنه أتى ليعبر عن رغبه صاحبها في استيعاب مكتسباته والتنبيه إلى أن هذه النزعة تنتهي إلى إهمال الشخص رغم إعلانها أنها تراهن على مصلحته.(41)
في مقابل ذلك، يرصد الفيلسوف الهندي عدداً من النِقاط التي تعبر عن مأزق فعلي من شأنه أن يحمل الفكر السياسي على مجاوزة نظرية رولز، يذكر لنا من بينها مغالاة صاحبها في الإعلاء من شأن دور المؤسسات في تجسيد العدالة وتحديد معناها(42)، الأمر الذي يحجب عنا الدور الفعال الذي يؤديه سلوك الأفراد في نحت معنى هذا المفهوم. وبيانه أن السعي وراء وضع مبادئ للعدالة لا يعني أبداً وضع اليد على وجودها الواقعي من جهة، ولا على تمثل الأفراد لها من جهة ثانية. لذلك فإن السؤال المطروح لا ينحصر في اختيار المبادئ العقلانية للعدالة وتمثل الأفراد لها وكذا المؤسسات المتولدة عنها، بل يجب عليه أن يمتد إلى التفكير في كيفية «اشتغال المؤسسات التي تم اختيارها في عالمٍ قد لا يتطابق فيه دائما السلوك الواقعي لكل فرد مع السلوك العقلاني المأمول في تحقيقه»(43). إن هذه الرؤية العقلانية المفارقة تجد جذورها، في نظر صن، في كون رولز ظل يبحث عن التعاقد الاجتماعي الأمثل الذي يمكن للجميع أن يتقبله، على الأقل في ما يتعلق بالوضعية التأسيسية أو الأصلية. وذلك في مقابل التصور الذرائعي الذي عمل صاحب نظرية العدالة على إظهار تعارضه مع التصور التعاقدي. ولعلّ إلحاح هذا الأخير على الاختيار التعاقدي، وكذا على تطعيمه بمبادئ الفلسفة الأخلاقية الكانطية(44)، هو ما يقف وراء النتائج العقلانية التي انتهت إليها نظريته في العدالة خاصة تحت وطأة عنادها للتصورات الذرائعية، فكان من الطبيعي أن ينتبه نقاده إلى ضرورة إخراج النظرية من أفقها العقلاني واستثمار مكتسبات التصورات المنافسة لها، قصد تمكينها من التعبير، على نحوٍ أكثر دقة، عن جدلية العدالة. صحيح أن الفيلسوف يقر في كتابه بأن «كل شخصٍ يجد نفسه متموقعاً منذ الولادة في وضعية وفي مجتمع معينين» وبأن «طبيعة هذه الوضعية تؤثر على نحوٍ ملموسٍ في إدراكه للحياة»(45)، بيد أن هذا الاستدراك لا يشفع لنظريته طابعها المثالي والعقلاني في نظر صن.(46)
لم يكن السقوط في نزعةٍ مثاليةٍ فاقعةٍ المآلَ السلبي الوحيد الذي أنتهى إليه رولز جرّاء عناده للنزعة الذرائعية وانبهاره بجاذبية التعاقد، إذ يلاحظ صن أنه أغفل كذلك استثمار بعض المقاربات التي لا تقل أهميةً عن التصور التعاقدي والذرائعي. وهو يشير تحديداً إلى تصور آدم سميث الذي نضج في سياق لجوئه لآلية الملاحظ المحايد من أجل تعميق النظر في مسألة الإنصاف وفي العدالة من حيث هي الفضيلة الضامنة لتوازن المجتمع(47). إن هذا النموذج لا يصدر عن مسلّمات أية واحدةٍ من المقاربتين، وهو ما يفسر لنا قدرته على فتح آفاق أمام التنظير للعدالة والإنصاف معاً. الأمر الذي يؤهله إلى تحقيق أمور تقع خارج آفاق مقاربة العقد الاجتماعي. يذكر صن من بين ذلك قدرته على إعمال مقاربات مقارنة عوض الاكتفاء بتقديم حلول متعالية(48)، خاصةً وأن الملاحظ المحايد يفترض مسبقاً القدرة على الانفتاح على موقع الغير وإعمال المخيلة قصد التموقع فيه؛ إنه موقف يقتضي مقارنةً مستمرةً تخرج الذات من شرنقتها لتزج بها في عالم الآخر كما لاحظ أرنستو سانتشيز(49).
علاوةً على ذلك، يرصد صن اعتماد هذا التصور على الموقف والمعطيات الاجتماعية بدل الاكتفاء بالإكراهات المؤسساتية والقانونية، الأمر الذي يتيح لنا إمكانية التفكير في العدالة انطلاقاً من السعي إلى تبديد الجور (اللاعدالة)(50). هذا بالإضافة إلى إمكانية الانفتاح على مواقف الأشخاص البرانيين عن الجماعة التعاقدية من أجل استشراف معالم عدالةٍ موسعةٍ أو عالميةٍ، خلافاً لما ذهب إليه رولز، رغم رهانه على كونية العدالة. والسبب في ذلك، حسب صن، أن مسلمات الوضعية الأصيلة لم يكن لها إلا أن تقود إلى حصر امتداد العدالة في الأفراد المشمولين بالتعاقد الأصلي. وهو ما يرفضه لما لمسَ فيه من ضيقِ الأفقِ والسقوط في نزعة جهوية وخصوصية. إذ يؤكد، في مقابل ذلك، أن أي حديثٍ عن العدالة داخل هذا بلد أو ذاك لا بدّ أن يجرنا إلى الخروج عن حدوده، وذلك قصد توسيع دائرة التفكير في العدالة بخوض مجازفة المقارنة بين وضعيات مختلفة لها. أما مرد ذلك فإلى سببين في نظر الفيلسوف الهندي؛ أولهما أن كل بلدٍ يمكنه أن يؤثر في غيره من حيث كيفية اشتغال مؤسساته السياسية، وهو ما يتبدى جلياً من حدثٍ (كغزو العراق) أو محاربة الإرهاب وما كان لهما من تأثير في التصور العالمي لمعايير العدالة والحق(51). وثانيهما يتعلق بقدرة الآخر على التأثير في المعايير والقيم الأخلاقية بالنسبة إلى كل كيان سياسي. لذلك قد يكون النقاش العمومي المنفتح على آفاق كونية أفيد من الاكتفاء بنقاشٍ ذي بُعدٍ محليٍ مقتصر على أصحاب الوضعية الأصلية، وهو العيب الذي ظل يسكن مقاربة رولز للعدالة، إذ سرعان ما هَوَتْ في رؤيةٍ ضيقةٍ جعلتْ من العدالة مسألةً جهويةً ومخصوصةً في أحيان كثيرة. ولئن كان من الصعب اتهام رولز بجهوية مقاربته، وهو الذي ظل مهووساً بتشييد نظريةٍ للعدالة شاملة، فإن الحديث عن كونية العدالة لا يخلو هو الآخر من مفارقات لم يعرها صن اهتمامها الذي تستحق في تقدري؛ إذ العدالةُ ليستْ مجرد فكرة يمكن أن نُأقلمها دون أن تتلون بخصائص المجال الذي ولجت إليه، بل إن صلاحيتها تتحدد بمدى قدرتها على تطويع مقتضيات ذلك المجال وشروطه واستيعاب مفارقاتها وجدليتها كذلك(52). ولعلّ الأمر يغدو أوضح عندما نربط فكرة العدالة بالحق كمحدد واقعي لها، وخاصة ما تعلق منه بتداخله مع الأعراف السائدة في كل بلد، والتي تصبح بمثابة مقولات قبلية محددة للعدالة.
يتعلق الأمر إذن بمحاولةٍ لمجاوزة أفق نظرية العدالة وأساسها التعاقدي نحو أرضية يمكن للعدالة أن تصير فيها فكرةً مجسدةً في قدرتنا على مواجهة الجوْر ومظاهر الحيف في المجتمع. لذلك يمكن أن نتفهم اعتقاد البعض أن الخلاف بين رولز وصن كان في عمقه تعبيراً عن الخلاف بين مرجعيتين متباينتيين في النظر إلى الاجتماع والسياسة؛ مرجعية فكر التعاقد في تأويلها الكانطي، ومرجعية الملاحظ المحايد كما قدمها آدم سميث(53)، بيد أن في هذا القول مبالغة كثيرة في نظري، بحكم أن رولز لا يُعرض تماماً عن فكرة الملاحظ المحايد، وإنْ كان يُشهر سلاح النقد في وجهها منذ مطلع كتابه (نظرية العدالة)(54)، إذ يؤاخذ عليها عملها على اسقاط اختيارات شخص واحد على المجتمع برمته، وقد شكل ذلك بالنسبة إليه ماهية النزعة الذرائعية(55). لذلك فإن اختزال مقاربة رولز لفكر آدم سميت في محاولة لإبداله بالموقف الكانطي لا يكفي لإبراز قوة موقفه الفكري الذي اعتمد بدوره على بعض المقدمات الحاكمة لفكر سميت، وخاصة ما تعلق منها بدور المصلحة والمواقف في إنشاء تمثل الأفراد للعدالة.
II. في الحاجة إلى الاختيار الاجتماعي
شكَّل نقد رولز مناسبةً لاستيعاب مفارقاته والانتقال بها إلى مستوى آخر بدا لـ صن أكثر فعالية في فهم جدلية العدالة، وقد أسعفته نظرية الاختيار الاجتماعي بمثل هذه الإمكانية، إذ وجد فيها بديلاً ممكناً عن الآفاق الضيقة التي حصرت فيها أطروحة رولز مفهوم العدالة. تأسست النظرية تلك في القرن الثامن عشر، وقد هيمنت طموحات العقلانية الأنوارية على الجو الفكري الذي أينعت فيه، وتبدّى ذلك في رهانها على إرساء ركائز نظامٍ اجتماعيٍ معقلن، خاصة وأنها نشأت على وقع الرجات العميقة التي خلخلت ثوابت المجتمع الفرنسي بعد ثورته السياسية. رمى منظرو الاختيار الاجتماعي، والذين كان بعضهم من بين وجوه الثورة البارزين كـ كوندرسيه، إلى عَقْلَنَة الحياة الاجتماعية من خلال عقل قانونها الذي بمقتضاه يمكن تجنب الاعتباط وعدم الثبات في الطرق المعتمدة في تحديد مواقف الأفراد واختيارهم الاجتماعي(56)؛ لذلك يمكن القول إن عمل مؤسسي هذه النظرية؛ ارتكز على «بلورة إطار لاتخاذ القرار العقلاني والديمقراطي، الذي يمكننا من أن نأخذ بعين الاعتبار رغبات ومصالح كل أفراد الجماعة»(57). ورغم الانطباعات المتشائمة التي هيمنت على نتائج أصحاب هذه النظرية، فإن جمهرةً من المهتمين بمسألة العدالة في الأزمنة المعاصرة عملت على إحيائها وإعادة الإعتبار إليها، وقد كان من بين هؤلاء كنث أروو Kenneth Arrow الذي أعطى لنظرية الاختيار الاجتماعي صيغتها المؤسسة والتحليلية، وذلك بعد تشديده على إمكانية تلاؤم كل قرارٍ اجتماعي مع جملةٍ من الشروط القابلة للتطوير، وهذا ما سيصفه هذا الباحث بالقرار أو الاختيار العقلاني.
عبرت هذه الرؤية عن محاولةٍ للرهان على العقل والعقلانية من أجل تحقيق شعارات الأنوار، بيد أن مصيرها لم يحد عن المآل العام الذي كان في انتظار شعارات الأنوار غب اندلاع الحربين العالميتين، إذ نظر إلى مأساة الإنسانية بحسبانها سليلة المقامرة على العقل والعقلانية المتحمسة والمدفوعة بشعارات التنوير. ومهما يكن من أمر، فإن الملاحظ حسب صن هو أن غالبية كبيرة من منظري العدالة رغبتْ عن نظرية الاختيار الاجتماعي بالنظر إلى طابعها العقلاني الفاقع، خاصة وأن ثلةً ممن نحتوا مفاهيمها الأساسية كانوا رياضيي التكوين، فكان من المنتظر حسب خصومها أن تَظهر هوةٌ لا تُجسْر بين المنهج الرياضي المعتمد في تحليلاتها، والواقع الذي تروم فهمه وتغييره(58). كما كان من الطبيعي أن تبدو مواقف فلسفية على قدر أكبر من التعقيد والتجريد، من قبيل ما ألفه كانط وهوبز ورولز في شأن العدالة، أبسطَ وأدق إنْ هي قُورِنَتْ بنظرية الاختيار الاجتماعي(59).
على هذا النحو من النظر يكون فيلسوفنا قد شخَّص أبرز ملامح الرؤية السائدة عن العدالة في الأوساط الفلسفية الأمريكية المعاصرة، والتي تقوم في نظره على أنقاض الاختيار الاجتماعي. بيد أنه يسجل أن رفض النظرية تلك اتخذ في بعض الأحيان صورة عنادٍ مبالغٍ فيه، وكانت من نتائجه أنْ غدت رؤية الفكر السياسي الأمريكي إلى العدالة متعاليةً، وقد أتت أطروحة رولز تعبر عن هذا المنحى المثالي. وضداً على هذا الموقف المتسرع من نظرية الاختيار الاجتماعي، يدعو صن إلى إعادة النظر في مفهوم العدالة انطلاقاً من مقولاتها التأسيسية، الأمر الذي يستدعي في نظره قلب الموقف الرافض لها في ضوء استدعاء مرجعية آدم سميث ومفهومه عن الملاحظ المحايد، صادراً في ذلك عن اعتقاده أن «في نظرية الاختيار الاجتماعي جوانب عديدة من شأنها أن تكون مكمن إفادةٍ كبيرةٍ بالنسبة إلى نظرية العدالة»(60). هكذا سيعمل صن على إعادة الاعتبار لنظرية، غالباً ما اعتبرت غير قادرة على تقديم فهم معقول وجدلي للعدالة، يتساكن فيه الواقع، بما ينضح به من مواقف وتمثلات ومعاناة إزاء العدالة، ومبادئ العقل التي تروم تقديم صورة متعالية عن المجتمع العادل، هذا رغم إقراره المسبق بأن كل مقاربة للعدالة يجب أن تتنكب السقوط في مثل هذه الصورة. لذلك يجد الباحث نفسه مستوقفاً بالسؤال التالي؛ كيف يمكن لمقاربة عقلانية أن تغدو أداة لفهم المجتمع العادل دون السقوط في نزعة متعالية؟
يُعرف صن هذه النظرية قائلاً: «تهتم نظرية الاختيار الاجتماعي، بحسبانها تخصصاً معيارياً، بالأساس العقلاني للأحكام الاجتماعية والقرارات العمومية التي ينبغي أن تجمع بين آراء عديدة. تقدم نتائج هذه النظرية نفسها في شكل ترتيب لمختلف الوضعيات انطلاقاً من (وجهة نظر اجتماعية)، وذلك في ضوء آراء الأفراد المعنيين»، يمكن أن نلمس في ضوء هذا التعريف الفرق الكبير بين هذه المقاربة وتلك التي تبحث عن معيار مثالي للعدالة كالتي قدمها هوبز ورولز ونوزيك. إذ لم يرَ صن في محاولات رولز الرامية إلى الإجابة عن السؤال: ما هو المجتمع العادل؟ غير حضور لنزعةٍ متعالية(61)ٍ، بل ومثاليةٍ، في تضاعيف نظرية هذا الفيلسوف. هذا في حين أن التصور الترسندنتالي للعدالة لا يمكنه أن يفيدنا في الرفع من منسوب العدالة في المجتمع ودرء الجور (اللاعدالة) فيه، بمقدار ما يعمل على صياغة برنامج عمل متعالي عن الهموم التي تحمل الناس على الاهتجاس بسؤال العدالة أصلا، من قبيل التفكير في مسألة المجاعات والفقر والأمية والعنصرية وتهميش النساء والحرمان من التغطية الصحية.. الخ(62). نعم، يمكن القول إن كتابات رولز تنضح باستحضارٍ لمثل هذه الوضعيات الاجتماعية الحرجة، بيد أن صن لا يعتبر ذلك علامةً فارقةً على تحصيل وعي بالكيفية الأنجع لفهمها وتحليلها، مادام أن صاحبها يصدر عن رؤية متعالية. كما أنه لا يكفي تشديد البعض على تضمن هذه الرؤية لمقاربة مقارنة، مادام أن بعضاً من جهابذة هذه النزعة يقرّ بوجود قطيعة بينها وبين النزعة المقارنة في نظر صن.
يمكن القول إذن، وفي ضوء ما تقدم، إن أمارتيا صن، وبموقفه النقدي من النزعة الترسندتالية، استطاع أن يفتح أفق المراجعة الشاملة لتاريخ الفكر السياسي والأخلاقي الحديث وللتقليد الذي ينتمي إليه، والذي ظل ينهل من مختلف روافد تلك النزعة. لذلك يبقى من البين بذاته أن سجال صن مع روادها أتى يعبر عن محاولته الرامية إلى مراجعة واحدةٍ من المسلمات التي ظلّ الفكر السياسي الحديث يصدر عنها في رؤيته إلى مفهوم العدالة، وتبقى مسلمة المقاربة المتعالية من أظهرها؛ إذ تستمد شرعيتها من اعتبارها مسلمة كافية وضرورية للوصول إلى فهم معقول لمفهوم العدالة. فهي كافيةٌ، في نظر أصحابها، لأنها لا تستدعي غيرها من الأفكار والمسلمات في بلورة هذا مفهوم، وهي ضروريةٌ لأن هذا الأخير ليس من شأنه أن يكون من دونها، فهي مقوم من مقوماته الذاتية(63). بيد أن قراءةً متأنيةً ونقديةً لهاتين الفرضيتين (الضرورة والكفاية) من شأنها أن تكشف لنا، حسب صن، عن الضعف الذي يعتَوِر التصور الذي يقوم عليها. كيف ذلك؟
نبدأ أولاً بالنظر في صفة الكفاية التي تؤسس للنزعة الترنسندتالية، إذ يبادر صن إلى القول إن ثمة بعض الفروقِ، التي تظهرُ بين وضعيات الأفراد في المجتمعِ، لا يمكن لآليات هذه النزعة أن تدركها(64). لذلك، ورغم اعتمادها على طريقة مقارنة الاختلافات والفوارق، ورغم تحقيقها بعض النتائج الجزئية، فإنها ظلّت عاجزة عن تقديم فهم معقول لكيفية التعامل مع التباينات الاجتماعية التي يصدر عنها الأفراد في وعيهم بالعدالة. وقد كانت تلك حال نظرية رولز التي ارتكزت على فرضية التعاقد التأسيسي ورامت إعمال منهاج لفك شفرات العدالة الاجتماعية في بعدها التوزيعي المرتبط بتوزيع الخيرات، بيد أن هذه المناهج كانت وما تزال سليلة التصور المقارن للعدالة، وهي بذلك مجافيةٌ لروح المقاربة المتعالية التي صدر عنها رولز(65). إن هذه الأخيرة كانت تتغيا تحديد المجتمع الأعدل بإطلاق، مما يجعلها تلهث قسراً وراء مجتمع مثالي الذي لا مكان له في عالم الناس الذي تخضع فيه العدالة للنسبية والتفاضل، لذلك فإن النظرية الأفْيَد في هذا الباب هي تلك التي تعلمنا كيف نقيس مقدار تطور مستوى العدالة ومنسوبها في المجتمع، وذلك من خلال عقد مقارنات بين مختلف الوضعيات، ودونما محاولة لإسقاط مفهوم متعالي عن العدالة والتنقيب عن ملامحه في هذا المجتمع أو ذاك. يقول صن في هذا المضمار: «إن اختيار ما هو مطلق، ما هو عادل بشكل متعالي، [...] يمكنه هو أيضاً، أن يتأسس على استدلال قوي [...] لكن من المؤكد أنه لن يفيدنا أبداً وهذا هو الأهم في مقامنا هذا في إنجاز تقديرات مقارنة لدرجات العدالة، وبالتالي في الاختيار بين السياسات الممكنة»(66). هكذا يكون العيب الأساسي الذي يعتَوِر التصور المتعالي هو لهاثه وراء تحديدٍ، قبليٍ ربما، لماهية المجتمع العادل. وهو عينه ما يفسر لنا القصور الذي ظلّ يسكنُ فهمَ هذا التصور للعدالة، هذا في حين أن ما نحتاج إليه اليوم هو التفكير في سبلٍ ناجعةٍ للتقليص من حجم الحيف والجور في المجتمع. مما يعني أن العدالة تتحدد بنقيضها، ومعيار وجودها في المجتمع هو مقدار غياب ذلك النقيض الذي هو الجور (اللاعدالة). ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن الجور لا يقدم نفسه في صورة مفهوم متعال في متن صن، إذ سرعان ما يربطه بجدلية توزيع الثروات وارتفاع الدخل العام وضمان الخدمات الأساسية كالتعليم والتغطية الصحية والأمن الغذائي.. الخ، فغياب مثل هذه المؤشرات يشي، في نظره، بارتفاع منسوب الجور في المجتمع من جهة، وبسوء تدبير الدولة لمعادلة العدالة من جهة ثانية.
الملاحظة عينها تقال عن موقف صن من خاصية الضرورة التي غالباً ما تذرع بها أصحابُ النزعة الترسندنتالية. فهو يؤكد، وخلافاً لـ رولز، أن التوفر على تصورٍ مطلقٍ عن العدالة ليس من شأنه أن يكون ضرورياً من أجل إقامة نظريةٍ حولها. بذلك تفقد هذه النظرية خاصيتي الضرورة والكفاية، وهو ما يسمح بإمكانية الحديث عن مجاوزتها بعد أن غدت مفتقرةً إلى ما تحتاز به شرعيتها. يمكن لمعترضٍ أن يقول إن نقد صن للنزعة الترسندتالية وعمله على الانتصار للتصور المقارن يصدر عن تسليمٍ مسبقٍ بوجود قطيعةٍ تامةٍ بينهما، رغم أنه عمد إلى رفض هذا الاعتراض منذ البداية. ولعلّ من آيات ذلك أن نقده للنزعة المتعالية تمّ بمعزل عن أي استدعاءٍ لعيوب التصور المقارن، وكذا للعلاقات المتصورة ينهما، الأمر الذي من شأنه أن يحجب عنا حقيقة التداخل الحاصل بين الرؤيتين. كما من شأنه أن يحرمنا من إمكانية التفكير في مدى توفر النزعة المقارنة على تلك الشروط التي بيَن فيلسوفنا أنها تعوز التصور المتعالي. بيد أن صن يبادر إلى القول إن التداخل الموجود بين التصورين لا يعني أبدا أنه يمكن للمقاربة المقارنة أن تسقط في شرك التصور المطلق للعدالة على نحو ما تفعل نظيرتها الترسندنتالية(67). وإذا كانت صفة العقلانية هي أبرز ما يجمع بين وجهتي النظر تينك، فإن ذلك لا يعني أن ارتياد درب العقلانية لا يمكن إلا أن يقودنا إلى مآلٍ متعالٍ، لذلك وجب التمييز بين المقاربة العقلانية للعدالة، كتلك التي تصدر عنها نظرية الاختيار الاجتماعي، وبين المقارنة المتعالية التي تفضل الإجابة عن سؤال ترسندنتالي يحدد أفق الجواب بشكل مسبق على نحو ما انتهى إليه تحليل رولز للعدالة وأمله في إقامة مجتمعٍ عادلٍ بإطلاق(68).
يرى صن أن في نظرية الاختيار الاجتماعي جملةً من المعطيات المهمة التي يجب على نظرية العدالة استثمارها، إن هي أرادت أن تصير نظرية نافعة وفعالة. فهي أولاً، تركز على التصور المقارن وليس على المقاربة الترسندنتالية؛ فهي من هذه الجهة تهتم بتحليل الكيفية التي يُتخذ بها قرار الأفراد العقلاني واختيارهم الاجتماعي، عوض التساؤل عن السبيل إلى مجتمع عادل بإطلاق(69). كما أنها ثانياً، تسلم بضرورة الاعتراف بالمبادئ المنافسة لها في النظر إلى العدالة، إذ إنها تصدر عن تصورٍ منفتحٍ على التعدد والاختلاف بحسبانهما العمدة في مقاربة مثل هذه الإشكالية، مما يتيح أمامها رسم أفقٍ تأويليٍ شاسع يمكن أن تتجاور فيه تصورات الأفراد لسؤال العدالة(70). هذا وتجدر الإشارة ثالثاً، إلى قدرتها على إعادة المراجعة والفحص المستمر، مما يحول دون التشرنق في قناعاتٍ نهائيةٍ من شأنها أن تحجب عنا التطورات الحاصلة على مستوى الواقع والجدليات التي يحبل بها، لذلك فهي في حاجةٍ إلى تبني الحلول الجزئية وفق ما تقتضيه استراتيجية عملها. فهي من هذه الجهة تقابل الحلول الشمولية والمتعالية وما يدخل في زمرتها من حديثٍ عن بنيةٍ قاعديةٍ أو اتفاقٍ تأسيسي ٍكليٍ.. الخ(71). ولعلّه سيكون من المفيد جداً أن نشير إلى استفادة صن من مفهوم الملاحظ المحايد، إذ أسعفه بإمكانية لتفهم التباينات الاجتماعية التي يمكن أن تحُول دون حصول التوافق حول معنى العدالة في المجتمع.
ذلك إذن بعضٌ من مظاهر الفائدة التي يمكن لنظرية العدالة أن تجنيها من اعتدادها بنظرية الإختيار الاجتماعي، ولعلّه من الغني عن البيان القول إن تلك المعطيات كلها تحتاج إلى النقاش العمومي (أو الإعمال العمومي للعقل) الذي أخذت أهميته تتبدى باعتباره روح الممارسة الديمقراطية التي أينعت نظرية الاختيار الاجتماعي في تربتها؛ فهذه النظرية، يقول صن، «تعطي الأولوية للنقاش العمومي رغم أن جل مؤسسيها كانوا رياضيي التكوين»(72). بل إن البرهان الرياضي أسهم في الدفع بالنقاش العمومي حول العدالة بعيداً جداً في نظره؛ فمفارقة كوندرسيه بخصوص التصويت، وكذا مبرهنة أروو، قد مثلتا عُدةً منهجيةً أفاد منها ذلك النقاش كثيراً(73)، وهو ما يكشف عن الحاجة إلى إعادة النظر في اللغة باعتبارها المجال الذي يتحقق من خلاله النقاش العمومي حول العدالة(74)، الأمر الذي فطنت إليه نظرية الاختيار الاجتماعي بتشديدها على تدقيق الألفاظ المستعملة في مثل هذا النقاش درءاً لكل ضروب المغالطات التي يمكن أن تنبع من سوء فهم لهذه الكلمة أو تلك(75). على هذا النحو من النظر ينأى صن بمقاربته للعدالة عن كل التصورات المثالية والمطلقة، ويأبى إلا أن يحدد إطارا عمليا لموقفه الذي، وبمقدار ما يروم الانفلات من قبضة العقلانية المثالية والمتعالية، فإنه لا يتنكر لمبدء العقل ويعتبره تأسيسياً في كل نظرية عن العدالة. يقول صن في هذا المقام: «يقدم هذا العمل نظرية عن العدالة بمعناها الواسع. وعوض اقتراح جملةٍ من الأجوبة على بعض الأسئلة المتعلقة بطبيعة العدالة الكاملة، فإنه يروم بيان تحديد الكيفية التي تمكننا من الرفع من مستوى العدالة وتجنب الجوْر (اللاعدالة)»(76).
تروم النظرية التي يقدمها صن تحديد العدالة بالسلب؛ فهي تبحث عن آليات وسبل تمكننا من تقليص حضور الحيف والظلم، والعمل في الآن ذاته على الرفع من منسوب العدالة في المجتمع. صحيح أن الرؤيتين معاً، أي تلك التي رسَّخها رولز وتلك التي استلهمها صن من نظرية الاختيار الاجتماعي، تصدران عن نية واحدة تتمثل في الرقي بمفهوم العدالة والتأصيل لوجوده في ذهن الأفراد، بيد أن الطريق الثانية في نظر صن إنما تراهن على فهم سيرورة اشتغال المؤسسات في ضوء علاقتها بسلوك الأفراد وغيره من العوامل المسهمة، من قريب أو بعيد، في تحديد ماهية العدالة ودلالتها عند الأفراد(77)، وهي بذلك تتموقع في قلب التصور الأول دون أن تحتفظ بروحه المتعالية التي تتغيا وضع اليد على العدالة المثالية. إذ إن استيعابها للبعد المؤسساتي للعدالة لم يأُلْ بها إلى عدم الاحتفال بفهم الأفراد للعدالة. يقول في هذا المعرض؛ «ترتبط العدالة، في نهاية التحليل، بالكيفية التي يعيش بها كل واحد منا حياته، وليس فقط بطبيعة المؤسسات المؤطرة لها. بيد أنه توجد، بين كبريات نظريات العدالة، غالبية تركز في المقام الأول على كيفية إنشاء (مؤسسات عادلة)، ولا تعطي للبعد السلوكي إلا مكانة ثانوية وهامشية»
الأحد فبراير 16, 2014 1:15 pm من طرف هرمنا