….. التتمة في العدد
الليبرالية
من السياسي إلى الاجتماعي
محمد تحزيمة
تتلخص الأطروحة الأساسية لهذه الورقة في الاعتقاد بأن تاريخ تكوّن البراديغم الليبرالي انبثق عبر مسار تحوّل اهتمام الفلسفة السياسية بالإجتماعي على حساب السياسي في حياة الأفراد والمجتمعات. وأن هذا التحوّل واكبته مجموعة تحولات في كيفيات النظر والتفكير في الوظائف والأدوار التي تلعبها مفاهيم الدولة والقانون والحق والحرية، باعتبارها المفاهيم المؤسسة للتفكير في السياسة والأدوات التي تتأمل من خلالها الفلسفة السياسية الوجود الإنساني وتستوعبه بالدراسة والتحليل.
ننطلق، في سبيل إثبات صحة هذا الطرح، من رصد وتجميع مظاهر ما نعتقد أنه يفسر الكيفية والطريقة التي تحولت من خلالها الفلسفة السياسية الحديثة من الاهتمام بالسياسي من غاية إلى مجرد وسيلة، سامحة بتكون البراديغم الليبرالي. إذ لن يكون هذا الرصد ممكنناً، إلا بتعداد الأسباب وكشف مظاهر التحوّل في مفاهيم الدولة والقانون والحق والحرية والأخلاق، لرصد مظاهر التحول من الاهتمام بالسياسي إلى الاهتمام بالإجتماعي. وسيسمح رصد هذه المظاهر والمؤشرات، بالاشتغال على تاريخ تكون البراديغم الليبرالي كحركة تاريخية، بوضع اليد على مجموع التحولات التي عرفتها الليبرالية منذ ميلادها حتى بناء جهازها المفاهيمي وقيم فكرها، والتي مكّنتها من ترسيخ نفسها كواحدة من الفلسفات الأكثر سيادة.
لقد حولت الليبرالية الاهتمام من السياسي إلى الإجتماعي حتى تتمكن من إيجاد مكان لها بين الفلسفات. ذلك أن اختزال دور ووظيفة السياسة من غاية إلى مجرد وسيلة كان الطريق الملكي الذي من خلاله استطاع البراديغم الليبرالي ترسيخ نفسه كمذهب سيد حامل لتصور للعالم. لقد عمل هذا المذهب على مراجعة نظام الفكر والعمل وعلاقة الإنسان بالطبيعة بشكل جذري وصارم. إذ استطاعت الليبرالية إخضاع العصور السابقة عليها لمراجعةٍ جذرية، واعتبار التاريخ مجالاً لترجمة وتأصيل مشروعيتها
الأحد فبراير 16, 2014 1:14 pm من طرف هرمنا