فؤاد فريــق العــمـل
الجنس : عدد المساهمات : 786 معدل التفوق : 2214 السٌّمعَة : 22 تاريخ التسجيل : 17/12/2011
| | تكفيريو اليسار | |
تكفيريو اليسار - اقتباس :
خالد صبيح الحوار المتمدن-العدد: 4366 - 2014 / 2 / 15 - 22:42 المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
فيما اجتهد يوليوس فوتشيك، الشيوعي الجيكي الذي أعدمه النازيون الألمان عام 1943، في أن يشرح ويفسر وبالتالي يبرر في كتابه (تحت أعواد المشانق) سقطة احد رفاقه الذي كان مقداما ومقاتلا شجاعا في حرب المقاومة التشيكية المسلحة للاحتلال النازي لكنه انهار تحت تعذيب شرطتها السرية حينما اعتقلوه وفوتشيك في عام 1942، اقول بينما فوتشيك يجّد في محاولة فهم وتحليل سلوك رفيقه الذي تدينه الشيوعية الارثذوكسية بلا وخزة ضمير، نحى فخري كريم، كاتب مقدمة الكتاب لإحدى الطبعات العربية، منحى مغايرا ومناقضا لما اجتهد فيه فوتشيك منتهيا الى أن لاعزاء ولا مغفرة لمن تخلّوا عن النضال بعدما عرفوا الدرب، لان مسؤولية من عرف الدرب اكبر، وتلزمه ضريبة وعيه بما لاتلزم غيره ممن لم يعرفوا طريق النضال.
بهذا الطرح يعيد فخري كريم، رغم ماللطرح من ظرف آني وسياق حدد بعض ملامحه، تأسيس تصور مثالي ومفهوم مبالغ في عنفه كاد يبلغ حد العقيدة المتحكمة في حياة وعقل الحزب الشيوعي العراقي ميسمها الأساس التصلب و اللاتسامح إزاء حالات التراجع والضعف التي قد يقع فيها المناضل السياسي، وبدرجة مقاربة إزاء المخالفين في الرأي.
جذور اللاتسامح والتصلب إزاء المختلف والمتراجع في الحزب الشيوعي هي، برأيي، مزيج من عقل ستاليني، وسم تركيبة الحزب التأسيسية، فكما هو معروف أن الحزب الشيوعي العراقي قد تأسس ونما في فترة هيمنة الستالينية على بنية الأحزاب الشيوعية، ومن ترسبات عقل الاستبداد والتشدد المتجذرة في بنية المجتمع العراقي كوريث قريب العهد من دولة الاستبداد العثمانية، بالإضافة الى المؤثرات البنيوية الأخرى التي طبعت المجتمع العراقي بطابعها. ونتيجة لروح اللاتسامح والتصلب في الحزب الشيوعي أُهدرت، على سبيل المثال، تضحيات لمناضلين قدموا حياتهم ثمنا لانتمائهم الشيوعي، كيهودا صديق وساسون دلال*، اللذين اعدما في عام 1949، ولم يحظيا من قبل الحزب باعتراف بتضحيتهما ولم يعتبرهما شهيدين.
بناء على هذه الأرضية مورس داخل الحزب في فترات مختلفة، لاسيما في المنعطفات الحرجة، عنف معنوي ومادي متباين المستوى ضد من خالف خطه العام (خط الإمام) وضد من كان يفكر بطريقة مستقلة ناهيك عمن له اجتهادات هي ابعد من الخلاف الفكري كتلك التي ترقى الى مستوى الممارسات التكتلية أو الميول الانشقاقية، بلغ في إحدى الحالات حد الاعتقال والتعذيب والقتل تحت التعذيب.
لكن روح اللاتسامح والتصلب لم ينفرد بها الحزب الشيوعي الرسمي فقط وإنما انسحبت أيضا الى جماعات وأفراد، من داخل وخارج الحزب، وقفت على يساره، مارست بدورها عنفا معنويا صريحا وقاسيا في صراعها الداخلي ضد مخالفيها، سواء ممن تعتبرهم ممثلين للاتجاه العام الرسمي للحزب، أو ممن لهم اجتهادات لاتنسجم مع خطها ورؤيتها وفي نفس الوقت مغايرة وانتقاديه لوضع الحزب العام.
لم تمارس هذه الجماعات والأفراد العنف المادي لعجزها ولانعدام قدراتها المادية على إيقاعه بمخالفيها وخصومها.
أخذت هذه الأساليب فعاليتها وتأثيرها الأقصى في الأماكن المحصورة والتي يعتمد فيها تواجد الشيوعيين على بعضهم البعض في كل شؤونهم المشتركة، أي حين تتداخل حياتهم الحزبية والاجتماعية وتتأثر يبعضها البعض، كالسجون وحرب العصابات (مرحلة كردستان) والى حد ما في بعض البلدان الاشتراكية أيام المنح الدراسية، حيث تشكل الجماعات في تلك البيئات قوة ضغط وتأثير اجتماعي ومعنوي ونفسي واضحة ومؤثرة، لهذا تغدو الحرب النفسية فيها والعزل والتهميش والإعدام المعنوي (سخرية، عدم احترام، تنغيص، خلق صعوبات في الحياة اليومية حيثما أمكن.. الخ) لأي شخص أو مجموعة أمرا مؤذيا ويمكن وصفه بسهولة بالقمع. وفي ظروفنا الحالية مُورست وتُمارس نفس الأساليب ولكن بميكانزمات مختلفة نسبيا على صفحات التواصل الاجتماعي باعتبارها عالما مشتركا، فضاؤه واسع ولكنه متباعد، جمع شمل أصحاب الخلفية والماضي المشترك.
مارست هذه المجاميع، لاسيما في كردستان إبان فترة الكفاح المسلح، ضغوطا على من يختلف معها في الرؤية وفي تقديرات الحالة السياسية أو ممن ينتمي لها وينفصل عنها لسبب ما، بلغ حد خلق أزمات نفسية لأشخاص تعرضوا لهذه الضغوط ودفعتهم لارتكاب حماقات أدت الى نتائج كارثية. ولا اظنني مبالغا حين اقول أن سلوك هذه الجماعات بلغ حد النزعة التكفيرية الصريحة مما يمكن وصفه بأنه صورة مخففة مما نشهده في زمننا الحالي من نزعات تكفيرية لدى تنظيمات اسلاموية تكفيرية.
غير أن جوهر المشكلة ليس في هذه الممارسات بحد ذاتها وإنما بالعقل الذي يقبع ورائها والتركيبة النفسية التي تنتجها. وهنا يولد سؤال:
ترى كيف كان سيعامل هؤلاء خصومهم والمختلفين معهم لو كان الأمر أوسع واعقد من حياة حزبية داخلية فيها قدر من التكافؤ في القدرة وفي المميزات، بمعنى كيف كانوا سيتصرفون مع خصومهم لو كانت بيدهم سلطة ومشروع سياسي وقدرات مادية في سياق اكبر وأوسع من حياة حزبية داخلية؟
هذه إشارة لحالة أرى أنها لاتزال حاضرة وتشتغل بفعالية في عقول كثيرين من يساريينا لذا اقول: جميعنا بحاجة لمراجعات واسعة. والماضي ثقيل وحافل بالتناقضات المربكة، وليس لدينا وقتا كثيرا للعيش لنتعظ ونتعلم، ولهذا فنحن قد نترك في أي مراجعة صادقة لماضينا أثرا لغيرنا يفيده بعدنا، وهذه المراجعة والتذاكر حول الماضي ليست بالمسالة العصية فكل مانحتاجه لانجازها هو نزع هالة القدسية عن أي شيء فينا وحولنا لنستطيع تخطي أنفسنا وكوابح واقعنا وأثقاله المرهقة. علينا ببساطة أن نتعلم من أنفسنا.
واستطرادا اقول: كنت أفكر دائما أن أفضل وسيلة لرصد الحالات التي اشرت اليها، بحيثياتها وتداخلاتها، هي الأعمال السردية بتنوعاتها لأنها وسيلة أكثر قدرة على التحرك بمرونة وحيوية أكثر مما هو بمقدور مقال قصير يحاول أن يتناول الظاهرة بخطوطها العامة ومحاولة تحديد بعض ملامحها وتقصي بعض أسبابها ومحركاتها. وأقول لو أن الكثير من ماضي الحزب الشيوعي، كما غيره من الأحزاب والحركات، قد تم التعبير عنه بحرية وانفتاح، كما فعلت في الآونة الأخيرة بعض من مذكرات لقادة وسياسيين شيوعيين، لما وفر هذا الكثير من الجهود وربما التضحيات بسبب ماتتيحه معرفة الواقع من دواخله، من قاعه، بعد أن تجرده من هالات القدسية والتأليه والصورة المثالية، من رؤية واقعية معقولة تساعد من ينخرط في العمل السياسي والحزبي على التصرف بواقعية واتزان يبعد مخاطر طرائق التعامل العاطفي والانفعالي في الحياة الحزبية والممارسة السياسية وتُجنب الجميع، أفرادا وأحزابا، مايمكن أن تتركه من آثار سلبية قد تكون خطيرة ومكلفة؟ الايحق للأجيال الجديدة أن تعرف الأشياء بأوسع قدر من الحقيقة والواقعية بدون تشويه لايعلي من تاريخ الحزب وشخوصه ولا يحط منهم في الوقت نفسه؟
*** هامش اعتبر ساسون دلال شيوعيا مغامرا جر الحزب الى كارثة حينما قاده لفترة قصيرة بعد استشهاد قادته الكبار(فهد وصارم وحازم) في العام 1949، حيث كان يعتقد حينها أن النزول الى الشارع في مظاهرات وأعمال عنف أخرى هي بمثابة ثار لاستشهاد قادة الحزب، ويمكن من خلالها في نفس الوقت تفجير ثورة شعبية. كان عمره 25 عاما فقط ولم يكن سوى فتى غض وواهم. وما أثير من شكوك وافتراضات عن ارتباطه بالحركة الصهيونية لم تصمد أمام اختبار الإثبات، ولم تكن، بحسب إطلاعي، غير تبريرات وادعاءات سطحية. لقد كان شيوعيا مؤمنا بفكره وبحزبه واستشهد ولم يحظ بالتكريم اللائق بشهيد.
أما يهودا صديق فقد احتمل عند اعتقاله في عام 1948 تعذيبا قاسيا طيلة ثمان وعشرين يوما انتهت باعترافه بمعلومات سرية مهمة عن الحزب وقيادته، وأعدمته السلطات الملكية رغم ذلك في نفس يوم إعدام قادة الحزب. كانت هذه هي جريرته التي حرمته من لقب شهيد.
| |
|
الأحد فبراير 16, 2014 1:13 pm من طرف هرمنا