فؤاد فريــق العــمـل
الجنس : عدد المساهمات : 786 معدل التفوق : 2214 السٌّمعَة : 22 تاريخ التسجيل : 17/12/2011
| | البربر والبرابرة وبينهما العائلة | |
البربر والبرابرة وبينهما العائلة - اقتباس :
خالد سالم الحوار المتمدن-العدد: 4367 - 2014 / 2 / 16 - 01:03 المحور: مواضيع وابحاث سياسية
البربر والبرابرة وبينهما العائلة د.خالد سالم يدهش المرء عندما ينصت إلى مسألة الأقليات في الوطن العربي، وكأن هذه المسألة مقصورة على هذا العالم، وأن أبناء يعرب هم الذين صنعوا هذه الأقليات، وما كان لهم أن يتوالدوا لقتربوا من الإنقراض لينضموا إلى فصائل ونحل الأقليات العرقية، رغم أن الأقليات تضفي تنوعًا على أي شعب وتزيده ثراءً ثقافيًا وانفتاحًا. ويدهش المرء أكثر عندما ينصت إلى دعاوى وصرخات أشقائنا البربر، أو الأمازيغ كما يروق لهم أن يُطلق عليهم، وكأن اللفظ الأول من رجس الشيطان، لا وجود له في قواميس اللغة وعلم الاجتماع. وتزداد حيرة المراقب عندما يعلم أن البربر، الأمازيغ، أكثرية في معظم دول المغرب العربي، ومع ذلك يطرحون قضية على أنهم أقلية. أقولها وأنا أرفض تقسيم الشعوب إلى أغلبية وأقلية فأبناء الوطن الواحد مواطنون يجب أن يتساوا في كل شيء. تعلمنا في الصغر أن هناك بربرًا وبرابرة وبربريون، وأن البربر يسكنون شمال إفريقيا، وهم شعب قدم الكثير للتاريخ العربي الإسلامي، أما البرابرة فهم الهمجيون، وشتان ما بين الاثنين. إلا أنه شاع رفض عصبي للفظة البربر، لأنه عنصرية، ويطالبون باستخدام لفظة أمازيغ، تصحيحًا لخطأ وظلم تاريخيين وقعا عليهم. شغلتني هذه المسألة ردحًا من الزمان في طفولتي لظرف عائلي، إذ كان أحد أفراد عائلتي الكبييرة محاميًا مفوهًا وضليعًا في عمله إلا أنه كان غير منضبط في اختياره للألفاظ، ويتمادى في غيه الكلامي عندما كان يريد النيل جدليًا من عمه القاضي، فيناديه بابن البربرية، كلما تناقشا في أمور مشتركة ويريد أن تكون الغلبة له، في قاعات القضاء أو داخل الأسرة. كان عمنا القاضي العجوز ذا بشرة سمراء داكنة، على خلاف أبناء العائلة. وفي الوقت نفسه كنت أرى مدرس العربية والدين في المدرسة الإعدادية يلقب بالبربري لكنه كان أبيض البشرة، فكنت أشعر بحيرة من الاجتماع في صفة النسبة واللقب والاختلاف في لون البشرة. وعلمت أن مدرس اللغة العربية يضرب بجذوره في شمالي إفريقيا حيث الأمازيغ ببشرتهم المميزة. وفي لحظة صفاء، من اللحظات النادرة بيني وبين هذا العم المحامي، سألته عن سبب هذه النعت المحقر للعم العجوز فصوب لي اعتقادي بأن جدته لم تكن من بربر شمالي إفريقيا، بل كانت بربرية، أي من مدينة بربر في شمال شرق السودان. أما الأسرة فهي موريسكية، أي العرب الذين عاشوا في الأندلس في الممالك المسيحية بعد انهيار الحكم العربي الإسلامي. منذ نعونة أظفاري كان جزء من حكايات السمر، التي تصب في تاريخ ومجد عائلي تليد لم أره، تدور حول الأصول الأندلسية، الموريسكية، لعائلتي، وأن إحدى جدات والدي كانت تُلقب بابنة الأحمر، نسبة إلى بني الأحمر –بنو نصر- وقصر الحمراء. وكانت حكايات السمر تمتد إلى أفرع الأسرة التي آثرت البقاء في المغرب والجزائر وتونس. كل هذا ظل يغذي مخيتلي التي تعانق فكرة الدماء الزرقاء التي تجري في عروق الأسرة بينما لا تتسق مع الأفكار الناصرية التي كنت أتجرعها ليل نهار في طفولتي، في آخر سني عبد الناصر من النكسة مرورًا بحرب الإستنزاف وموته المفجع. هذه الحكايات والأساطير العائلية كان لها مردود على أرض الواقع، إذ كان التزاور يحدث بين كبار العائلة في المغرب العربي وتجسد في وضع خاص لأبناء العائلة بعدم إلزامهم بأداء العائلة بالخدمة العسكرية إلى أن جاء عبد الناصر وساوى بين المصريين كافة في أداء الواجب الوطني فكان أن أداها أول شخص من العائلة مطلع الستينات. حملتي الدراسة إلى إسبانيا وهناك اكتشفت قصر الحمراء، فكان أول لقاء حميميًا، ذا مذاق خاص، لم أفضِ بما خالجني لمن كانوا معي. ودار في خيالي شريط من ماضٍ لم أعشه وليس لدي ما يثبت ما حُكي لي في العائلة، لكن مصداقيته تكمن في رواية والدي وزيارات موريسكيين آخرين من المغرب للاسرة حتى مطلع خمسينات القرن العشرين. وفي إسبانيا أيضًا اكتشف أن هناك مدينة سالم Medinaceli التي أسسها بنو سالم، وهم بطن من بطون قبيلة مصمودة الأمازيغية. ثم حملتي زياراتي في أنحاء إسبانيا إلى إكتشاف قرية في جزيرة بالما دي مايوركا تحمل اسم بني سالمBinisalem ، التابعة لجزر البليار أو التي أطلق عليها الدكتور عصام سالم في كتابه القيم، خلاصة أطروحته، "جزر الأندلس المنسية" رغم أنها لعبت دورًا بارزًا في الحضور العربي في إسبانيا، لا تزال آثاره شاهدة عليه، واعطت للثقافة العربية الإسبانية رامون لول، أكبر مثقفي الغرب المسيحي ربطًا بين الثقافتين، العربية الإسلامية والغربية المسيحية، في زمنه. وفي جامعة مدريد، ما بين الدراسة والعمل، تعرفت إلى زملاء مغاربيين، بعضهم أمازيغ، فاطلعت من خلالهم على ما يسمونه بالقضية البربرية أو الأمازيغية. تعرفت إلى ثقافتهم التي لم أعرف عنها الكثير في أرض الكنانة، واقتربت كثيرًا من الأصدقاء الأمازيغ لكنني لم أتفهم حساسيتهم مما هو عربي، رغم أن الثقافتين متوازيتان، تجمع بينهما ثقافة أوسع وأكبرهي الإسلامية، ثقافة الدين الذي يدينون به، الإسلام. المدهش أن ابن خلدون، الملقب بمؤرخ البربر، نعتهم بصفتهم المتعارف عليها،البربر، وسبقه ابن حزم في استخدام هذه الكلمة عندما تكلم عنهم في كتابه "الجمهرة". أما اليوم فأصبح لفظ البربر صنوان الشياطين أو لعنة، حسب الأمازيغ، ولا يصح لعاقل أن يستخدمه وإلا لنعتوه بالعنصرية. وددت بهذا، بعد أن اقتضبت تاريخ واحدة من الأسر، مثل أي عائلة في الكثير من الدول الجسر، المعبر بين جغرافيتين وثقافتين وحضارتين: إسبانيا، المغرب، مصر، تركيا، العراق....، أن أطرح سؤلاً: هل يمكن الحديث عن نقاء عرقي أو ثقافي؟! الإجابة معروفة، وهي بالنفي، فالإنسان ابن بيئته، ابن الثقافة التي ترعرع فيها، وليس ابن ثقافة يتعامل معها بالمراسلة، تفصله عنها ألاف الفراسخ. وهذا يحملنا إلى سؤال آخر إستيضاحًا للأول: ما وضع أبناء الجيل الثاني من العرب والأمازيغ الذين هاجروا إلى أوروبا ابتداءً من منتصف القرن الماضي؟ وماذا عن أبناء العرب الذين هاجروا إلى أميركا اللاتينية والشمالية منذ مطلع القرن العشرين؟ هل لا يزالون يحافظون على هويتهم العربية؟ إنها علاقة رومانسية مع المشرق العربي، فكثيرون منه لا يحملون سوى اللقب مشوهًا بعد أن أطلق عليهم أباؤهم أسماء لاتينية. تذكروا رئيس الأرجنتين السابق كارلوس منعم كنموذج. مكونات الهوية متغيرة، سلسلة تراكمات، رواسب على طول التاريخ. لا وجود للنقاء العرقي، ولا للروح الخالصة، ولا لتاريخ مقدس. وإلا لانقرضت الشعوب وضاعت في عتمة الصفاء العرقي والحفاظ على العادات والتقاليد. ولعل ما يطلق عليهم خطأ الهنود الحمر خير مثال في هذا السياق، إذ آثروا عدم الاختلاط بالآخر حفاظًا على عاداتهم وتقاليدهم فأصبحوا أقلية بائسة في أوطان تسيدوا فيها وبنوا عليها حضارات قديمة. دأب الغرب على اتباع سياسة فرق تسد، وهو سيد العالم في تطبيقها، بين الأمازيغ والعرب في شمال إفريقيا، وأخذ الأمازيغ يحملون العرب مسؤولية القضاء على ممالكهم في هذه المنطقة مع الغزو العربي لها. وما كان لأمة بهذا الحجم أن تندحر أمام فاتحين، أو غزاة، أعدادهم قليلة إلا لأن الوهن قد دب في مفاصل دولهم وإماراتهم، وهو ما ينسحب على الأمم كافة. حقق الغرب جزءًا من أهدافه في دق أسافين الفرقة والخلاف بين الطرفين. على أية حال لا وجود للروح أو الذات الصافية، سواء أكانت لأسرة أم لشعب، فتاريخ الشعوب يُصنع من سلسلة تراكمات من الرواسب، مسلسل أحداث ووقائع تاريخية، ولا يجب الحكم عليها من منظور واحد، وكأن التاريخ صراع بين الخير والشر، مواجهة الدوائر العرقية التي تشكل منطقة أو بلدًا. لا وجود لمقدس خارج سياق الأديان السماوية، والمقدس لا يستحق نفث الكراهية باسمه، فدم الإنسان أغلى من أي قداسة. وإلا لعدنا إلى عصر الغزوات من أجل السبي وبيع السبايا في أسواق النخاسة لملء خزائن الدولة التي تقتل باسم المقدس. أود أن أشير، قبل الرحيل، إلى أنه عندما تزداد حدة النبرة الوطنية أو القومية أو الدينية لشعب فإن هذا يعني فشلاً ونفاقًا جماعيًا، لأن هذه النبرة الغير طبيعية تشير إلى إتجار باسم الدين أو القومية أو الوطنية. فلنتأمل النبرة العالية باسم الدين وقد حدث في فترة طويلة من تاريخ المنطقة العربية الإسلامية وعندما أفاقت الشعوب من غيبوبتها، من الزيف الذي كانت تغط فيه، اكتشف حجم الخدعة. واليوم حلت النبرة الوطنية محل الدينية في بعض دول الربيع العربي، وكلاهما ليس إلا تجارة رابحة لمن يقفون وراءهما، أصحاب المصالح السياسية والمالية والإعلامية الواسعة. | |
|
الأحد فبراير 16, 2014 1:13 pm من طرف هرمنا