حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
زوارنا الكرام ..هرمنا ترحب بكم .. وتدعوكم لاستكمال الثورة الثقافية ..اضموا الينا ثورة وابداعا
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول
عدد الزوار


 

 آباء علــم الكـــلام معبـد الجُهني، القــول والفعــل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مريم
فريــق العــمـل
فريــق العــمـل
مريم


الجنس : انثى
عدد المساهمات : 364
معدل التفوق : 978
السٌّمعَة : 20
تاريخ التسجيل : 15/12/2011

آباء علــم الكـــلام معبـد الجُهني، القــول والفعــل Empty
29012014
مُساهمةآباء علــم الكـــلام معبـد الجُهني، القــول والفعــل




آباء علــم الكـــلام معبـد الجُهني، القــول والفعــل Arton9867-ab2c7
تشير المصادر التاريخية التي تبحث في تاريخ الإسلام إلى أن الانقسام بدأ في الإسلام منذ سقيفة بني ساعدة، لكنه لم يكن انقساما مسلحا وفكريا، وإنما كان سجاليا ومسالما، كما انقسموا في السنوات الأخيرة من خلافة عثمان التي انتهت بالتمرد ضدّه واغتياله، لكن حتى في الانقسام ضدّ عثمان لم تكن الأمور واضحة ومتبلورة إذ كانوا أجنحة وأرهاطا متقاربة الأهداف لكن من غير تنظيم تتمايز به عن بعضها، إلا في فترة خلافة الإمام علي بن أبي طالب، حيث انقسم المسلمون إلى فرق لأوّل مرة، وبرز شيعة الإمام علي وكذلك الخوارج، ولم يكن أنصار الأمويين يُسمّون باسم، رغم أن بعض المستشرقين أطلق عليهم اسم السنّة، وهو تصنيف مبكّر، لأنّ أهل السنة لم يتمايزوا كفرقة تحمل هذا الاسم إلا بعد قرنين من الزمان، لكن أنصار الأمويين كانوا من بقايا الارستقراطية القرشية القديمة وعناصر الارستقراطية الإسلامية الجديدة التي تكونت مع الفتوحات، وهناك فريق المحايدين، وهم نفر قليل من الصحابة الأغنياء الذين آثروا اعتزال السياسة ليعيشوا بهناء من ثرواتهم الكبيرة بعيدا عن الصراع الدامي على السلطة، مع خلافة الإمام علي بدأت الحرب الأهلية الإسلامية، والتي انتهت باغتياله من قبل فريق الخوارج. 

لكن منذ مقتل الإمام علي بن أبي طالب ومن بعده استشهاد الإمام الحسين بدأت انتفاضات الشيعة ضد السلطة الأموية، ومن جهة أخرى هجوم السلطة الأموية لاسيما منذ استلام يزيد بن معاوية الخلافة، ومن جهة ثالثة هجوم الخوارج الذين بدأوا ينظمون أنفسهم بشكل أفضل يؤسس أيديولوجيا لحركتهم. وقد امتدت هذه الانتفاضات والحركات المعارضة المسلحة ضد جميع أشكال الخلافات والسلطات والحكومات التي حمت البلاد العربية الإسلامية إلى مشارف العصر الحديث، وربما نعيش اليوم أشكالا معاصرة وحديثة لمثل هذه المعرضات والانتفاضات، وهي في جوهرها حركات أيديولوجية، سياسية، اجتماعية، تحررية. لكننا هنا لا نبحث في الحركات التحررية وإنما في حركة الفكر في تجسيده لمفهوم الحرية.

بدايات التدوين العربي… والوثائق الشفاهية:
وحقيقة الأمر أن كتب التاريخ تتحدث بإسهاب شديد عن تلك الحركات وأبطالها وتفاصيل الصراع بشكل سينمائي أحيانا، حيث تتوقف عند تفاصيل الثياب والسيوف والدروع وأجواء المعارك وأوقاتها، لكنها تتحدث بإيجاز شديد عن الشخصيات الفكرية التي عاصرت أو روّجت ونظرت لتلك الحركات، لاسيما في عر ما قبل التدوين. وهذه إشكالية تاريخية وبحثية أخرى، من حيث أن التدوين بدأ في وقت متأخر نسبيا عن مراحل تأسيس الصراع، وبالتحديد في الفترة مما بين 135 – 140 هجرية. فمثلا كتاب (المِلل والنِحل) لأبي الفتح الشهرستاني، الذي يُعدّ من أهم المصادر العربية الرئيسة لتاريخ الفكر العربي والإسلامي في العصرين الأموي والعباسي يعود للقرن السادس الهجري، من حيث أن مؤلفه متوفى في العام 548 للهجرة. إلى جانب انه يقدم تلك المِلل والنِحل، من خلال شذرات متناثرة بعيدة عن وجودها الاجتماعي ومتقطعة الأوصال عن جذورها السياسية وامتداداتها في الكثير من الأحيان. ويمكن التوقف لإشارة (شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي) في كتابه (تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والإعلام – منشورات دار الكتاب العربي – بيروت 1987): (في سنة ثلاث وأربعين(ومائة) شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير. فصنف ابن جريح بمكة، ومالك الموطأ بالمدينة، والأوزاعي بالشام، وابن أبي عروبة وحماد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، ومعمر باليمن، وسفيان الثوري بالكوفة. وصنف ابن إسحاق المغازي، وصنف أبو حنيفة رحمه الله الفقه والرأي. ثم بعد يسير صنف هشيم والليث وابن لهيعة ثم ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب. وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودونت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيام الناس. وقبل هذا العصر كان الناس يتكلمون من حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة). أي أن التدوين بدأ في العام 143 للهجرة وبالتحديد في فترة أبي جعفر المنصور الذي تولى الخلافة ما بين سنة 136 - 158 للهجرة، كما يتضح أن حركة التدوين كانت شاملة في الأمصار التي استقطبت القراء والرواة. علما أن (محمد عابد الجابري) يشكك في هذا التاريخ لأنه يتحدث عن(تدوين العلم وتبويبه): (إذ من الثابت تاريخيا أن التدوين في القضايا التي ستشكل ما سيسمى فيما بعد “علم الكلام”، كان قد بدا قبل هذا التاريخ الذي حدده الذهبي واستمر إلى ما بعده. وتكفي الإشارة هنا إلى “المؤلفات” العديدة التي يذكرها مؤرخو الفرق والطبقات لواصل بن عطاء المتوفي سنة 131 هجرية وهي مؤلفات يذكر هؤلاء أنهم أطلعوا عليها مما يؤكد وجودها الفعلي. ومن جهة أخرى هناك إجماع من طرف المؤرخين للعلوم القدماء على أن ترجمة “علوم الأوائل” قد بدأت مع خالد بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان المتوفي سنة 85 هجرية. فلقد استدعى هذا الأمير الأموي، الذي فقد حقه بالخلافة ، جماعة من اليونانيين ممن كانوا في الإسكندرية ومدرستها العلمية الشهيرة، وطلب منهم ان ينقلوا له إلى العربية بعض الكتب اليونانية والقبطية خاصة منها كتب الكيمياء).

ومهما يكن من جدل حول بدايات عصر التدوين العربي، وهل بدأ فجأة من الصفر، فإن أهمية عصر التدوين هو انه كما يشير (محمد عابد الجابري) في كتابة الرئيس (نقد العقل العربي 1- تكوين العقل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – ط 10 – بيروت 2009): ( وعصر التدوين بالنسبة للثقافة العربية هو بمثابة هذه “الحافة” – الأساس. انه الإطار المرجعي الذي يشد إليه، وبخيوط من حديد، جميع فروع هذه الثقافة وينظم مختلف تموجاتها اللاحقة.. إلى يومنا هذا. ليس هذا وحسب، بل إن عصر التدوين هذا، هو في ذات الوقت الإطار المرجعي الذي يتحدد به ما قبله (على مستوى الوعي العربي بطبيعة الحال). فصورة العصر الجاهلي وصورة صدر الإسلام والقسم الأعظم من العصر الأموي إنما نسجتها خيوط منبعثة من عصر التدوين، هي نفسها الخيوط التي نسجت صور ما بعد عصر التدوين. وليس العقل العربي في واقع الأمر شيئا آخر غير هذه الخيوط بالذات، التي امتدت إلى ما قبل فصنعت صورته في الوعي العربي، وامتدت وتمتد إلى ما بعد لتصنع الواقع الفكري الثقافي العام في الثقافة العربية العامة، وبالتالي مظهراً أساسياً من مظاهرها). 

بيد أن السؤال الأهم هو ما أشار إليه ( عبد الجواد ياسين) في كتابه (السلطة في الإسلام- المركز الثقافي العربي – الطبعة 2- بيروت - 2000): (هل يمكن تبرئة العملية التدوينية في مجملها من تهمة “الانتقائية”؟ وبصيغة أخرى هل تمت عملية التدوين بواسطة “يد” محايدة مستقلة أو مفارقة للتيارات المختلفة المشار إليها. أم أن هذه “اليد” التي اضطلعت بمهمة التدوين، كانت في ذاتها تياراً من هذه التيارات، ضالعاً في المعترك الشامل بينها على مستوى السياسة والفقه والفكر جميعاً؟). ورغم هذا فهو يحاول الإجابة ، سلبيا، حينما يكتب: (إن هذا السؤال ليس سؤالا استفهامياً بالمعنى الدقيق، فهو يحمل جوابه في صياغته وتركيبته. ولما كان الجواب سلباً أي بالنفي للسؤال، فإن ذلك يضعنا مباشرة أمام الدور الكبير الذي لعبه “عصر التدوين” في النص وفي العقل الإسلامي).

لكن الغريب أن بعض الباحثين المعاصرين الذين سعوا إلى قراءة التاريخ العربي بمناهج جديدة يحاولون أن يبرروا القمع والإرهاب والمذابح التي قامت في تلك العصور وان يعيدوا الاعتبار لمواقف وشخصيات قامت بها مبتعدين عن الحياد الفكري في قراءة الرواية التاريخية، ومحاولة تفكيكها (ولا أقول الوثيقة التاريخية لأنها لم توثق الحدث وإنما دونت الرواية الشفاهية التي لواقعة مر عليها عشرات السنين). ناهيك عن تعارض وجهات النظر بين الباحثين المعاصرين حول رواية بعينها. ويمكننا تلمس مثل هذا الموقف من معاوية بن أبي سفيان عن باحث مثل محمد عابد الجابري نفسه وباحث آخر هو هشام جعيط، حول طبيعة حكمه ودوره التاريخي. 

ما يهمنا هنا هو التوقف عند بدايات الجدل الفكري حول مفهوم الحرية الإنسانية والإرادة والاختيار. وكل الإشارات التاريخية تقودنا إلى الفترة الأخيرة من الصراع بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية حينما أطلق مفهوم القضاء والقدر أي (الجبرية) وهذا ما أعلنه مبررا حربه في (صفين)، وتطورت بعد أن استلم معاوية الخلافة بدون منازع، وتم اعتمادها كفلسفة حكم منذ زمن عبد الملك بن مروان. أي الفترة التي بدأ فيها وضع اللبنات الأولى لعلم الكلام. وهذا ما يشير إليه (حسين مروة) في كتابه (النزعات المادية في الإسلام – المجلد الثاني) حينما يكتب: (ظروف الصراع الاجتماعي والسياسي التي نشأت في أواخر عهد الراشدين ثم تفاقمت في عصر الدولة الأموية، قد أنشأت ظروفاً جديدة لم يكن ممكناً معها إلا أن ينفتح باب الجدل على مصراعيه حتى في شؤون العقائد، وكانت مشكلة القدر في طليعة هذه الشؤون التي تحرك الجدل فيها بصورة حتمية. ذلك لأن الظروف الاجتماعية والسياسية التي وضعت الحدود بين الطبقة الحاكمة والمنتفعين بها وبين الفئات التي أصابها ظلم الحكام بمختلف أنواعه، قد جعلت مبدأ الجبر موضع استغلال من الطبقة الحاكمة، إذ اتخذت منه حجة دينية على الناس لبقاء حكمها وديمومة سلطانها عليهم… ومن هنا بدأت فكرة الجبر تحتل مكانها في تاريخ الفكر العربي الإسلامي وبدأت من هنا أيضاً ترسم لنفسها بعداً “أيديولوجياً” كتعبير عن الفكر الطبقي للمؤسسة السياسية (الدولة)). 

 عــلم الكــلام … بين أسئلة العقــل وتبريراته:  
عموما أن اتفاق العلماء من القدماء والمعاصرين حول مفهوم (علم الكلام) وأصله وأسباب تسميته أكثر بكثير من اختلافهم حوله. فسواء ما أورده بعض القدماء أمثال (الشيخ المولوي محمد أعلى التهانوي) في (كشاف اصطلاحات الفنون): (علم الكلام، ويسمى بأصول الدين أيضاً، وسماه أبو حنيفة – رحمه الله تعالى- بالفقه الأكبر. وفي “مجمع السلوك”: ويُسمى بعلم النظر والاستدلال أيضا، ويسمى أيضا، ويسمى أيضا بعلم التوحيد والصفات). أو (التفتازاني) في (شرح العقائد) حيث يعرفه : هو(العلم المتعلق بالأحكام الفرعية أي العملية، يسمى علم الشرائع والأحكام، وبالأحكام الأصلية، أي الإعتقادية: يسمى علم التوحيد والصفات). أو (ابو حيان التوحيدي) في (ثمرات العلوم) حيث يكتب: (وأما علم الكلام فإنه باب من الاعتبار في أصول الدين يدور النظر فيه على محض العقل في التحسين والتقبيح، والإحالة والتصحيح، والإيجاب والتجويزـ والاقتدار، والتعديل والتجوير، والتوحيد والتكفير. والاعتبار فيه ينقسم بين دقيق ينفرد العقل به. وبين جليل يفزع إلى كتاب الله تعالى فيه. ثم التفاوت في ذلك بين المتحلين به على مقاديرهم في البحث والنقير، الفكر والتحبير، والجدل والمناظرة، والبيان والمناضلة. والظفر بينهم بالحق سجال، ولهم عليه مكر ومجال. وبابه مجاور لباب الفقه، والكلام فيه مشترك. وان كان بينهما انفصال وتباين، فإن الشركة بينهما واقعة، والأدلة فيهما متضارعة ). كما أورد (مصطفى عبد الرازق) في كتابه (تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية – مكتبة الثقافة الدينية – القاهرة – 1944) تعريفات عدة لعلماء الإسلام كما يلي: ( عبد القادر الجرجاني: الكلام علمٌ يُبحث فيه عن ذات الله تعالى وصفاته، وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون الإسلام. القاضي ناصر الدين البيضاوي: هو علمٌ يُقتدر معه على إثبات العقائد الدينية، بإيراد الحجج عليها، ودفع الشُبه عنها. عضد الدين الإيجي : الكلامُ علمٌ يُقتدر معه على إثبات العقائد الدينية.. والمراد بالعقائد، ما يُقصد فيه نفس الاعتقاد دون العمل، وبالدينية ما هو منسوب إلى دين محمد عليه السلام، فإن الخصم وإن خطأناه، لا نخرجه عن علماء الكلام. ابن خلدون: هو علمٌ يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية، والرد على المنحرفين في الاعتقادات). 

 وهناك أيضا توصيفات وتعريفات مهمة للباحثين المحدثين المعاصرين أو من المحدثين أمثال (محمد عابد الجابري) في (نقد العقل العربي)، و( عبد الرحمن بدوي) في (مذاهب الإسلاميين)، و(د. جميل قاسم) في (مقدمة في نقد الفكر العربي) و(عبد الجواد ياسين) في (السلطة في الإسلام) و(حسين مروة) في (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية)، و(يوسف زيدان) في (اللاهوت العربي) و(د. عبد الحكيم أجهر) في (التشكلات المبكرة للفكر الإسلامي)، وغيرهم. وربما يهمنا أن نتوقف عند (د. عبد الحكيم أجهر) في كتابه الآنف الذكر حيث يكتب: ( لقد تجاوز علم الكلام حدود اللاهوت بالمعنى التقليدي للكلمة وأرادت أن يؤسس نفسه كفكر يقوم على العقل، على عقل يبرر الوحي ويبقى لصيقا به إلى حد التلازم معه، فالدفاع عن العقيدة بالأدلة العقلية، كما تم تعريف علم الكلام، حدد العقل ابتداءً على أنه قوة تبرير لقضايا الوحي، ولكن هذا التحديد لم يُروض العقل ويُرضخه كلياً بل سرعان ما كان يمارس العقل عقلانيته ويصبح فاعلية مؤثرة لا تقتصر على حدود التبرير فحسب، بل يتجاوز هذه المهمة في كثير من المراحل وعند كثير من الفرق الكلامية، ليصبح قوة صياغة للوحي، تعتمد الوحي من جهة وتذهب به حيث تقتضي متطلباته كعقل أن يذهب من جهة أخرى…. لقد خضعت العلاقة بين العقل والوحي لترددات كثيرة، بين خضوع العقل كلياً لمسائل الوحي وبين طموحه لأن يعقله. ولم يكن هذا التردد مرتبطاً بالتقدم الزماني فقط، بل وفي لحظات تاريخية محددة نجد العقل يلعب دور المبُرر حيناً ودور الصائغ حيناً آخر .. إن الأمثلة التي جردت عرفها علم الكلام والتي جردت الإنسان والعالم كلياً من أي كيانية خاصة بهما وجعلتهما رهينتين بيد القدرة الإلهية هو نوع من تأويل خاص للوحي أراد العقل بهذا التأويل أن يتخلى عن ذاته كعقل ويتحول إلى قوة تبرير ليس أكثر لمسائل الوحي التي فهمهما فهماً خاصاً وليس فهماً مطابقاً على أية حال، وفي المقابل فإن صياغاته في الفعل الإنساني وتطوير مبدأ السببية لديه، ووصوله إلى القول بأن الحدوث لأزلي وليس مفتتح هو أيضا تأويل للوحي… فمسالة الخلق ووضعية العالم الفلسفية ومسألة خلق القرآن والتوحيد وعلاقة الذات بالصفات وفلسفة الجواهر والأعراض، ومسألة الفعل الإنساني، كلها مسائل اجتهادية تأويلية، ليست هي الوحي ذاته بأي شكل. ولكن في الوقت الذي يشتغل فيه العقل في علم الكلام على الوحي ويلتصق به وربما يتخلى عن ذاته كعقل فإن الوحي كان يمثل عنصراً مفتوحاً يغذي كل خصوبة علم الكلام في تاريخه الطويل).

أكبر المعارضات التي واجهت (علم الكلام) هو نشأته الإسلامية، حيث يؤكد (د. علي سامي النشار) في كتابه (نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام) بأن( علم الكلام هو النتاج الخالص للمسلمين، وقد صدر هذا العلم عن بناء المجتمع الإسلامي، وقد كان بالبعض منه نزوات حيوية، والبعض منه ثورات حيوية، ثم تكون البنيان نهائياً، وصدر المسلمون فيه عن ذواتهم.. وعلم الكلام بقي في جوهره العام، حتى القرن الخامس الهجري، إسلامياً بحتاً)، كما يؤكد هذا الرأي ويدعمه المفكر الراحل (هادي العلوي) في كتابه (من قاموس التراث – الأعمال الكاملة 14- منشورات دار المدى – ط 4- بغداد – 2008) في فصل (علم الكلام) حيث يكتب: ( إن التيارات الرائسة في علم الكلام قد نشأت في مدد متقاربة وتحت دوافع سياسية واستندت إلى مصدر واحد هو القرآن. ومحط الاشتراك في الرجوع إلى القرآن هو نصوصه المتشابهة، وهي الآيات التي يحتاج فهمها إلى التأويل لغموض مراميها أو لتعارضها. وقد أتاحت هذه الآيات للفئات الاجتماعية المختلفة أن تأخذ منها ما يلائم أغراضها باللجوء إلى التأويل. نشأ علم الكلام إذن نشأة إسلامية خالصة تعبر عن تأثل التفكير العقلي في مجتمع صدر الإسلام، البعيد كان عن التأثيرات الخارجية. وكانت ولادته طبيعية تماماً أن من حيث ظهوره كانعكاس مباشر للصراع السياسي أو كممارسة استذهانية للتعامل مع القرآن. لكن علم الكلام وقد استكمل منطلقاته لم يكن ليستمر في علاقته المتقاطعة مع السياسة. فالظاهرة الاستذهانية بعد أن تولد من رحم الظرف الاجتماعي تبدأ بالخضوع لناموسها الخاص. ومن هنا نجد التيارات الكلامية الأولى تتبلور، بعد أن تعبر مخاضاتها الصراعية مع الأمويين، في مدارس فكرية تبدو كما لو كانت مقطوعة عن تاريخ المنشأ. وقد تعمقت هذه التيارات ونضجت حين التقت بعلوم الاغريق والهنود).

بينما يعارضه (يوسف زيدان) في كتابه (اللاهوت العربي) عند حديثه عن (آباء الكلام)، وهم من ظهروا قبل (المعتزلة) و(الأشاعرة) من المتكلمين، مبينا تأثير في البيئات المسيحية الإسلامية المختلطة التي عاشوا فيها عليهم وعلاقاتهم المباشرة مع النصارى، وهم بالتحديد : معبد الجهني، غيلان الدمشقي، الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان. ويضيف (حسين مروة) إليهم عمر المقصوص. 

وعودة إلى إشارة (هادي العلوي) فإن التأثر بالإغريق والهنود كان في الفترات المتأخرة، وبعد أن ابتعدت هذه التيارات عن صراعها السياسي المباشر وتبلورت نظريا، وهذا يختلف عن أنها انبثقت من رحم تلك الأفكار الإغريقية والهندية والفارسية، كما يشير (يوسف زيدان) و(دي بور)، ناهيكم عن ملاحظة أخرى هي أن الجدل الفكري والتمثيل والاقتباس النظري والعقلي لمنجزات الإغريق لا يمكن أن تحسب للمسيحية، من حيث أن الفلسفة الإغريقية الأولى هي منجزات يونانية وثنية سابقة على المسيحية وعلى ديانة الدولة الرومانية الرسمية بعد اعتناقها المسيحية، وبالتالي فأنها لا تحسب للفكر المسيحي. رغم أننا أبداً لا ننفي عملية التأثر والاقتباس والتواصل والتمثيل العقلي والفكري لعلماء المسلمين في علاقتهم مع المنجزات الفكرية للحضارات الأخرى، لكن هذا الأمر جرى لاحقا ونجده منعكسا بشكل واضح في نتاجات المفكرين والمتكلمين المسلمين.

 القضاء والقدر والقول بالجبر في العصر الراشدي:
 في كتب مثل (تاريخ الأمم والملوك – ط 2- دار الكتب العلمية- بيروت- 1987) لمحمد بن جرير الطبري، و(البداية والنهاية) لأبي الفداء بن كثير، و(المِلل والنِحل) لأبي الفتح الشهرستاني، وغيرها من المصادر التراثية بما فيها بعض مصادر الشيعة الرئيسة، نجد رواية، يشكك بها بعض المعاصرين باعتبار أنها من وضع المعتزلة، وهي كما يلي: (لما انصرف أمير المؤمنين من صفين أقبل شيخ فجثا بين يديه ثم قال له يا أمير المؤمنين أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء الله وقدره؟ فقال: أجل يا شيخ، ما علوتم من طلعة، ولا هبطتم من واد، إلا بقضاء من الله وقدر فقال الشيخ: عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين. فقال أمير المؤمنين: مه يا شيخ! والله لقد عظم الله لكم الأجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين. فقال الشيخ: كيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا. فقال أمير المؤمنين: أو تظن أنه كان قضاءً حتماً، وقدراً لازماً؟ إنه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، والأمر والنهي، والزجر من الله تعالى، وسقط معنى “الوعد والوعيد” ولم تكن لائمة للمذنب، ولا محمدةٌ للمحسن، ولكان المذنب أولى بالإحسان من المحسن، ولكان المحسن أولى بالعقوبة من المذنب)، وهناك رواية أخرى، أن الإمام علي بن ابي طالب سؤل عن القضاء والقدر فقال: (لا تقولوا وكلّهم الله على أنفسهم فتوهنوه، ولا تقولوا أجبرهم على المعاصي فتظلموه، ولكن قولوا الخير بتوفيق الله والشر بخذلان الله، وكل سابقٌ في علم الله).

رغم ذلك فإن معظم الباحثين المعاصرين يشيرون إلى أن معاوية بن أبي سفيان (أول من اتخذ (الجبر) أيديولوجيا لتثبيت الحكم، حيث يروى عنه في هذا الأمر حينما توجه لحرب الإمام علي بن أبي طالب في (صفين) وكذلك حينما كان يدعو لبيعة ابنه يزيد. فقد جاء في أكثر من مصدر نقلا عن (ابن أبي الحديد) في شرحه (نهج البلاغة) بأم معاوية عمد إلى تبرير خروجه إلى قتال الإمام علي بالقول بأن ذلك كان من قضاء وقدره حيث خطب في جموع جيشه قائلا: (وقد كان فيما قضاء الله أن ساقتنا المقادير إلى هذه البقعة من الأرض ولفت بيننا وبين أهل العراق، فنحن من الله بمنظر، وقد قال الله سبحانه وتعالى:“ولو شاء الله ما اقتتلوا، ولكن الله يفعل ما يريد”). كما فرض معاوية على الناس البيعة لابنه يزيد وليا للعهد حيث كان يقول : (إن أمر يزيد قضاء وقدر وليس للعباد الخيرة من أمرهم)، مثلما ذكر (ابن قتيبة الدينوري) في كتابه (الإمامة والسياسة)، وقد جاء هذا القول حينما نازعته عائشة أم المؤمنين في هذا الإستخلاف، وأيضا كما يذكر ابن قتيبة هذا القول حينما اعترض عبد الله بن عمر فأجابه معاوية: ( إني أحذرك أن تشق عصا المسلمين وتسعى في تفريق مثلهم، وان تسفك دماءهم وإنَّ أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة من أمرهم). ويروي أيضا عن يزيد بن معاوية حينما تولى الخلافة : (الحمد لله الذي ما شاء صنع، ومن شاء أعطى، ومن شاء منع، ومن شاء خفض، ومن شاء رفع). ولم يقتصر الأمر هنا على جملة قالها معاوية هنا أو يزيد هناك، وإنما هذا الأمر صار عقيدة كل الخلفاء الأمويين بل وعقيد للدولة الجديدة، كرسها وعاظ السلاطين وتم تجنيد الشعراء والخطباء، و“رجال الإعلام” وكل وسائل الإعلام المنتشرة في ذلك الوقت لخلع الألقاب ذات المضمون الجبري مثل: خليفة الله في الأرض، وأمين الله، بل وأسسوا لفرق وجماعات من “رواة” الحديث النبوي الموضوع لخدمة الدولة والخلافة، وفي كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير وكتاب (تاريخ الأمم والملوك) لمحمد بن جرير الطبري، وكتاب (الإمامة والسياسة دار الكتب العلمية – ط3 – بيروت- 2009) لابن قتيبة الدينوري الكثير من الشواهد على ذلك.

 إلا أن هذه المصادر التاريخية وغيرها، ,ان كانت قد كتُبت فيما بعد لكنها لم تستطع ان تنكر الروايات الشائعة والمتواترة عبر عشرات السنين بأن سياسة الجبر التي صارت عقيدة الدولة الأموية قد واجهت معارضة عسكرية واجتماعية وفكرية، وما يهمنا هنا هو المعارضة الفكرية، بدءا من أيديولوجيا “التكفير” التي تبناها الخوارج ومروراً بمعرضة شيعة آل البيت، التي لم يستطع حتى روات السنة، قدماء ومعاصرين، من اعتبارها “حركة تنويرية” طرحت في وقت مبكر جداً مسالة حرية الاختيار الإنساني ومسؤولية الإنسان عن أفعاله. يمكننا هنا ذكر رواية مهمة يوردها (ابن قتيبة الدينوري) في كتابه المهم الآنف الذكر: (ان معبد بن خالد الجهني وعطاء بن يسار دخلا على الحسن البصري، وهو في مسجد البصرة، فسألاه: “يا أبا سعيد! إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون الأموال، ويفعلون و يفعلون، ويقولون : إنما تجري أعمالنا على قدر الله” فأجابهما الحسن قائلا: “كذب أعداء الله” ). ومعبد بن خالد الجهني هذا من الأوائل الذين رفضوا مبدأ الجبر الذي روج له بنو أمية لتبرير حكمهم.
 
مـعبــد الجُـهـــني ومشكلة القـَــدَر .. فكــر فلسفي أم احتجاج سياسي:
رغم أن كتب الفلسفة والفكر الإسلامي الحديث لا تستطيع ان لا تذكر اسم معبد الجهني وغيلان الدمشقي والجعد بن درهم والجهم بن صفوان باعتبارهم الأوائل الذين وضعوا اللبنات الأولى لعلم الكلام، إلا أن المصادر التي تتحدث عنه قليلة جدا قياسا بغيره من الشخصيات الفكرية، لاسيما وانه لم يترك أثرا مكتوبا سوى ما روي عنه وعن هؤلاء الذين مر ذكرهم. ولا نريد هنا أن نسرد سيرة شخصية بقدر بما نود أن نرسم الملامح الأولى لمفهوم الحرية والاختيار والجبر الذي تطور عند المعتزلة والاشاعرة والشيعة فيما بعد.

 يذكر (حسين مروة) في كتابه (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) نقلا عن كتاب (التبصير في الدين) لأبي المظفر محمد الأسفراييني : ( وظهر في أيام المتأخرين من الصحابة خلاف القدرية، وكانوا يخوضون في القدر والاستطاعة (قدرة الإنسان على الفعل بنفسه) كمعبد الجهني وغيلان الدمشقي وجعد بن درهم، وكان ينكر عليهم من كان قد بقي من الصحابة: عبد الله بن عباس، وجابر، وأنس، وأبي هريرة، وعقبة بن عمرو وأقرانهم. وكانوا (هؤلاء الصحابة) يوصون أخلافهم بأن لا يسلموا عليهم (أي على معبد وغيلان وجعد وأقرانهم)، ولا يعودوهم إن مرضوا، ولا يصلـّوا عليهم إذا ماتوا). وهذا ما يؤكده الشهرستاني أيضا في كتابه (المِلل والنِحل) حين يكتب: ( وأما الاختلافات في الأصول فحدثت في آخر أيام الصحابة بدعة معبد الجهني، غيلان الدمشقي، ويونس الأسواري، في القول بالقدر وإنكار إضافة الخير والشر إلى القدر، ونسج على منوالهم واصل بن عطاء الغزال وكان تلميذ الحسن البصري وتلمذ له عمر بن عبيد وزاد عليه في مسائل القدر).

ويعلق مروة على هذه الروايات، معتمدا على فهمة المادي التاريخي، من أن الظاهرات الفكرية لا تنشأ تلقائيا ً وفجائياً دون ممهدات سابقة لها، وأن الظاهرات الفكرية لا تنشأ بمعزل عن الظاهرات الاجتماعية، بل متصلة بها بنوع ما من الاتصال، إما مباشر وإما غير مباشر، لاسيما أن مشكلة القدر بالخصوص قد ارتبطت بموقف سياسي في جوهره وديني في مظهره، وبالتالي فهو يستبعد القول الشائع لدى كثير من مؤرخي الفلسفة العربية بأن البحث في هذه المشكلة بدأ مع معبد الجهني، لاسيما وان الكثير من المصادر السنية والشيعية ترى في علي بن ابي طالب هو أول المتكلمين عندما ناظر الخوارج في مسألة الوعد والوعيد. 

(يوسف زيدان) في كتابه (اللاهوت العربي وأصول العنف الديني – دار الشروق – ط 2 – القاهرة – 2010) يعتمد على هناك مصادر تراثية ومعاصرة عديدة تحدثت عن (معبد الجهني) من كتب التراث نجد: (سير أعلام النبلاء) للذهبي، (التبصير في الدين) للأسفراييني، (كتاب الشريعة) للآجري، ومن المعاصرين نجد: (اللاهوت العربي , أصول العنف الديني) ليوسف زيدان، (نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام) لعلي سامي النشار، (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) لحسين مروة، والتي ترجمت أكثر من غيرها له. وكل هذه المصادر تشير إلى انه كان بصريا، بل لُقب (نزيل البصرة)، وانه كان من رواة الحديث النبوي، بل أن أحد رواة الحديث المعروفين والمعتمدين مثل (ابن ماجة) قد روى عنه بعض الحديث، وكما يشير (حسين مروة) : ( ولو لم يكن معبد بهذه المكانة الدينية الإسلامية لما استطاع أن يؤثر تأثيره الكبير الذي أشرنا إليه سابقا في أهم مراكز الثقافة الإسلامية، كالبصرة والمدينة والشام، ولما أعترف له أحد كبار مؤرخي الفرق الإسلامية، وهو “الذهبي” في كتابه “ميزان الذهب” بأنه تابعي صدوق، والتابعون هم بالمنزلة الثانية بعد الصحابة مباشرة من حيث كونهم مصدراً موثوقاً به من مصادر الحديث النبوي في مجال التشريع الإسلامي). ويروى عنه انه كان مشاركا في الأحداث السياسية وفي ثورات عصره، بل وأنه قاتل الحجاج بن يوسف الثقفي، ويترجم عنه : (معبد بن خالد الجهني كان أحد الأربعة الذين حملوا ألوية جهينة يوم الفتح، وهو أول من تكلم بالبصرة بالقدر، وقيل إنه غيره، وفي سنة ثمانين صلبه عبد الملك وقيل بل عذبه الحجاج بأنواع العذاب وقتله). ورغم مكانته باعتباره مؤسسا لمذهب (القدرية)، فلم تقدم لنا كتب التراث تصورا واضحا عن مذهبه، ومن المفارقات التاريخية انه ضد مبدأ (القدر) بمعنى (الجبر) لكن المذهب سُمي هكذا(القدرية). وهنا يشير (يوسف زيدان) في كتابه (اللاهوت العربي): ( إن سبب هذه التسمية أصلاً، هو أن معبد الجهني، كان يناقض المذهب الجبري الذي حرص الأمويون على تعميمه بين الناس، لقبول الحكم الأموي باعتباره من الله، وأن الإنسان عموماً ليس بيده شيء، لأنه لا يملك دفعاً للمقادير الإلهية. لأن الله له مشيئة واحداً، وإرادة واحدة، لا بد أن تتحقق! وهو ترجيع لألحان المذهب (المونوثيلي) الذي لم تسمح الظروف التاريخية بتطوره في حضن المسيحية، فظهر في الزمن الإسلامي المبكر، تحت اسم: الجبرية. وقد صيغ، في مقابله، المذهب (القدري) صياغته الأولى، في عبارة مشهورة تقول: لا قَدَر والأمرُ أُنُف. وهو ما يُفهم منه أن الأمر، أو السلطان، مفروضٌ بسطوة الحكام رغم أنف المعارضين، ولا شأن لذلك بالقضاء والقدر (الإلهيين)). والغريب أن (الآجري) في (كتاب الشريعة) يشير إلى أن أستاذ معبد الجهني كان رجلا مسيحياً أسمه سوسن، أو سوسر)، أو سنسويه، أوسيسويه، على اختلاف رسم اسمه بين المؤرخين، وأن هذا الرجل الذي روى المؤرخون المسلمون أنه: كان نصرانياً فأسلم، هو حسبما ذكر المؤرخون : أول من تكلم في القَدَر، وهذا ما اعتمد عليه (يوسف زيدان) وغيره لتأكيد التأثيرات المسيحية على بدايات التفكير الفلسفي الإسلامي. علما أن هناك إشارة أخرى للمفكر الراحل (هادي العلوي) في كتابه (من قاموس التراث – الأعمال الكاملة 14- منشورات المدى – ط4 – بغداد -2008)تؤكد انه كان على صلة بأبي ذر الغفاري)، ففي الفقرة التي يتحدث فيها عن (علم الكلام) يكتب: (وكان على معارضي الأمويين أن يردوا بمعتقد معاكس يسحب الشرعية عن خلفائهم ويعطيها لجمهور المعارضة. وهذا ما حصل في وقت مبكر. وقد جاء الرد على يد رجل من التابعين كانت له صلة مع أبو ذر الغفاري وهو معبد الجهني الذي يقول مؤرخو علم الكلام أنه أول من تكلم في القدر. وكان معبد معارضاً كالغفاري وقد ختم حياته مشاركاً في حركة ابن الأشعث المسلحة ضد الحجاج بن يوسف في العراق، حيثُ اُسر وقتل بأمر الحجاج. ويعنى الكلام في القدر إنكاره والقول بأن الإنسان خالق لأفعاله ومسؤول عنها وليس مقدرة عليه من الله كما يقول الأمويون. ومنه سمي أتباع معبد “القدرية”. والمعنى الأصلي المقصود هنا هو “الضد – قدرية”). 

ويبدو أنه كان شخصية مؤثرة في زمانه أو على الأقل في الحلقات السياسية والفكرية، لأن هناك روايات متضاربة عنه، وجميعها تشير إلى انه من مشاهير آباء المتكلمين، وقد تتلمذت عليه شخصية مهمة أخرى تُعد من المؤسسين أيضا لعلم الكلام ألا وهو (غيلان الدمشقي).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

آباء علــم الكـــلام معبـد الجُهني، القــول والفعــل :: تعاليق

( ﻢﻠﻋ ﻡﻼﻜﻟﺍ ﻮﻫ ﺝﺎﺘﻨﻟﺍ ﺺﻟﺎﺨﻟﺍ ﺪﻗﻭ ،ﻦﻴﻤﻠﺴﻤﻠﻟ ﺭﺪﺻ ﺍﺬﻫ ﻢﻠﻌﻟﺍ ﻦﻋ ﺀﺎﻨﺑ ﻊﻤﺘﺠﻤﻟﺍ ،ﻲﻣﻼﺳﻹﺍ ﺪﻗﻭ ﺾﻌﺒﻟﺎﺑ ﻥﺎﻛ ﻪﻨﻣ ﺕﺍﻭﺰﻧ ،ﺔﻳﻮﻴﺣ ﺾﻌﺒﻟﺍﻭ ﻪﻨﻣ ﺕﺍﺭﻮﺛ ،ﺔﻳﻮﻴﺣ ﻢﺛ ﻥﻮﻜﺗ
 

آباء علــم الكـــلام معبـد الجُهني، القــول والفعــل

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» باء علــم الكـــلام معبـد الجُهني، القــول والفعــل
» جين ميليير، من آباء الإلحاد الأروبّيّ.
» صادق جلال العظم : لا "أحن إلى خبز أمي"... قتلت آباء السماء والأرض جميعا..
»  صادق جلال العظم : لا "أحن إلى خبز أمي"... قتلت آباء السماء والأرض جميعا..

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
حركة التنويريين الاحرار لشمال افريقيا :: المكتبة الشاملة-
انتقل الى: