( أعانقها والنفس بعد مشوقة )
بشار بن برد
الهواء هنا
مخادع إلى درجة يبدو فيها مطراً
الهواء هنا
رطب وناعم
كما لو أنّك أغرقته تحت قدميك العاريتين
وعصافير الشوق هنا
تجرح عيون الأرض بالعنف كما لو أنها تبحث
عن المياه في يوما حارّ في صحراء روحي
تمرّ أنفاس مثقلة برائحتك تحت إبط الأرض ...
الأرض مجروحة من كثرة وقوفي عليها
في انتظارك.
وصوت في داخلي ينادي:
مهلا أيّتها الشمس أليست الأرض أختك في الأفق
كما عليك يا سيّد الأفق أن تعرف مدى صعوبة
مفارقة الظلّ لشجرة ما
أحجار الشوق تودّع بعضها البعض
وتترك أسرارها عند أخواتها من الأشجار الصامدة
هناك الصامدة في قلب شوق لا يعرف الغروب
مهلاً أيّها القمر المريض لا تسطع على عاشقين
ينسجان نجوماً وأمطارا من القبلات.
وقاتل المياه يدخّن سيجارته
فوق جثث أطفال الريح الزرقاء
وكلاب الحزن تعضّ أطراف لحمي المرّّّّّّّّّّّّ
وأنا كغيمة أشاهد تشقّقات جدار الدم
وجريان الدموع كمشية ماعز جبليّ في الصباح
وذئاب أنفاسي تركض على الثلج
كأشواقي في هضم المسافة بين الروح السمراء والرغبة السمراء في أناملي
رحلت عني نكهة الوقت
كما رحلت الحياة عن أهل الكهف في نومهم
تقرفصت على كرسي من الانتظار
كعصفور جريح أردّد:
في انتظاري لكِ هرب التعب خوفاً من أن أفترسه
كصّياد عنيد لا يعرف الهزيمة
ها أنا أنتظرك صامداً
كشهيد في ساحة المعركة
أنيقا كسنونو يبني عشّه.
سقط الوقت في بئر مردوم من الأنين
كان هناك كائن من دخان
لا يعرف من الحياة
سوى عصافير طينية لشهوة الانتظار
تحت كتب صفراء
ينبغي أن تُحرق فوق نباتات جسده
الممدّد على سرير غارق في نهر من الألوان
وقميص البرد معلّق على جدار الخوف
وحافلات الزمن تمرّ بسرعة استهلاكية
بين جدران مكتظّة بخربشات الأطفال
وكتابات دوّنت بأيدي عشّاق مرّوا من هنا
كبستانيّ صبور عمل في حديقة روحكِ
أقّلم بأصابعي أغصان أشواقكِ على صدر الزمان
في غفلة عن عيون الناس
نبتت نخلتان في حديقة المدينة.
حقيقتي من ناصية ظلّك النقيّ.
أشرب الوقت كلّه دفعة واحدة
وأنا واقف تحت نخلتين من بريق عينيكِ
أسكب الليالي على يديّ كمياه الانتظار على سرير لهفتنا
وأنسج من الأيام جوارب حلمنا المقدّس.
يحملني الليل إلى نجمة صوتكِ
وأذوب فيه دون رجوع.
وهاهنا أناشيد الحقيقة تعرض أعضاءها للبيع
تحت أضواء مكتبات
كمتاجر قطع ألبسة داخلية مستوردة.
والليل ساكن كجثّة ميّت حديث
بينما أنا أمشط شوارب وحشتي
لألتقط صورة فوتوغرافية معه بحذائي الجديد.
-2-
ربّما نظنّ أنّنا نعرف
كم من خيول جامحة على هيئة الأشواق
تسكن أعماقنا
يحدث ذلك عندما أستمع إلى أغنية قديمة لجورج موستاكي:
“ترتدين قميصي / وأدخّن سجائركِ / أضع قلائدكِ / وتشربين قهوتي السوداء / تؤلمكِ كليتاي / وأشعر بالبرد في رجليكِ / تمضين ليالي البيضاء/ وأعاني أرقكِ / لا أعرف أين تبدئين / لا تعرفين أين أنتهي /”
يحدث ذلك معي عندما أحاول اكتشاف حصان رائحتك الذي يجعلني فارساً مريضا ومصابا بشروخات واسعة في جدار روحي الذي لا يتقن لغة سوى نزيف سرمدي في مكابدة لإيجاد تعبير أو معنى واحد للحياة بدونك أو بدون أن تسطع الأقمار ومن حولها النجوم.
ومن أسفل زهرتك المختومة أو من خاصرتكِ أن تشرق الشمس أو يهطل المطر من مسامات يديكِ .
الثلاثاء ديسمبر 31, 2013 10:07 am من طرف حسين