ولد ريتشارد دوكنز في 1941 لعائلة بريطانية في نيروبي، كينيا، تخرّج في جامعة أكسفورد بشهادة دكتوراه في علم الحيوان في 1966. أعماله تؤكّد الدور الرئيس للجينات كقوّة دافعة للتطوّر، وهو معروف بآرائه في الإلحاد ونظرية التطوّر، كما أنّه من أبرز منتقدي نظريّة الخلق ونظرية التصميم الذكيّ، أطلق دوكنز في عام 2006 مؤسّسته المعروفة بـ «مؤسسة ريتشارد دوكنز للمنطق والعلوم»، وهي مؤسّسة تسعى لتعزيز القبول بالإلحاد وتدافع عن الأجوبة العلمية للأسئلة حول الوجود. أطلق دوكنز عام 2007 الحملة العلنية لتشجيع الملحدين على الظهور والإعلان عن اعتقاداتهم. ومن بعض كتبه «الجين الأنانيّ، صانع الساعات الأعمى، الصعود إلى جبل اللااحتمال، حكاية الجدّ الأعلى، وهم الإله، أعظم عرض على الأرض: الدليل على نظرية التطور».
حقق البيولوجيّ البريطانيّ ريتشارد دوكنز لنفسه اسماً في الدفاع عن نظرية التطوّر ومحاربة ما يراه اعتداءات تحريضيّة ذات دوافع دينيّة على العلم. جلس الدكتور دوكنز مع بيليفنيت في المؤتمر العالميّ للإنسانيّة العلمانيّة، حيث ركّز في خطابه الافتتاحيّ على التصميم الذكيّ.
أنت قلق بشأن حالة التعليم، خاصة تعليم العلم. لو كنت قادراً على تعليم كلّ الناس، ماذا وددت من الناس أن يؤمنوا به؟
لوددتُ أن يؤمنوا بما يرشدهم إليه الدليل، لأردت منهم أن ينظروا إلى الدليل، أن يحكموا بناء على استحقاقه، ولا يقبلوا بالأشياء بسبب الإيمان أو الإيحاء الداخليّ، لكن بشكل بحت على أساس الدليل.
لا يمكن لكلّ الناس أن يقيّموا الدليل، لا نستطيع أن نقيّم الدليل للفيزياء الكمية. لذلك يجب أن لا يكون على قدر معيّن من أخذ الأمور على أساس الثقة. يجب أن آخذ ما يقوله الفيزيائيون على أساس الثقة، مثلاً، لأنّني بيولوجيّ. لكنّ للعلم نظاما من التقييم، من إعادة النظر بإمعان، لذا أثق بجماعة الفيزياء للتأكّد من عملهم بطريقة أعرفها من الداخل. أتمنّى أن يضع الناس ثقتهم في الدليل، وليس في الإيمان أو الإيحاء أو التقليد أو السلطة.
ماذا تتمنّى من الناس أن يعرفوا عن نظرية التطوّر؟
يجب أن يفهموا عن ماذا تكون نظرية التطوّر. العديد لا يعرف. في الحقيقة أصبت بصدمة قبل بضعة أسابيع عندما أخبرني اثنان من الزعماء الدينيين في هذه البلاد (الولايات المتحدة)- فكلاهما قال شيئاً مفاده: “سوف أؤمن بنظرية التطوّر عندما أرى قرداً مذيّلاً يلد إنساناً.”
ذاك جهل فظيع فيما يكون عليه العلم التطوّريّ؛ إذا ما اعتقدوا بأنّ ذاك ما يؤمن به التطوّريون، فلا غرابة من أنّهم شكّاكون به. كيف يمكن لبلد متحضّر أن يكون لديه أناس كبار في مواقع القيادة ولا يعرفوا إلاّ القليل بشكل مدهش حول المفهوم البيولوجيّ البارز؟
قلت في خطاب أخير إنّ التصميم لم يكن البديل الوحيد للصدفة. يعتقد الكثير من الناس أنّ نظرية التطور هي عن الصدفة العشوائية..؟
ذلك مثير للسخرية. إنّه كلام سخيف. التغيّر أمر عشوائيّ بمعنى أنّه ليس استباقياً لما هو مطلوب. الاختيار الطبيعيّ يمكن أن يكون كلّ شيء إلا عشوائياً. الاختيار الطبيعيّ عملية موجّهة، إنّها موجّهة ليس بأية سلطة أعلى. لكن ببساطة بأية جينات تعيش وأيّها لا تعيش. تلك ليست عملية غير عشوائية. الحيوانات التي تكون في أفضل حالاتها تقوم بالصيد، الطيران، الصيد، السباحة، الحفر- أياً يكن ما تفعله الأنواع، الأفراد الذين يكونون كذلك في أفضل حالاتهم ينقلون الجينات. سبب ذلك ليس عملية عشوائية حيث أنّ الأسود جيّدة جداً في الصيد، والظباء ماهرة كثيراً في الفرار من الأسود، والأسماك ماهرة أيضاً في السباحة.
هناك أشخاص أذكياء تعلّموا أحسن العلم ونظريّة التطوّر، وربّما يختارون الإيمان بالاعتقاد الدينيّ ربما ذلك يبدو تحدّياً للعلم. ماذا تفهم من ذلك؟
بالتأكيد من الصعب معرفة ما يمكن فهمه. أعتقد أنّها خيانة للعلم، أعتقد بأنّ لديهم أجندة دينية، ولأسباب معروفة جيداً لديهم، يرفعونها فوق العلم.
ما رأيك باليأس الذي يشعر به بعض الناس عندما يتأمّلون الانتقاء الطبيعيّ والتغيّر العشوائيّ؟ فكرة نظرية التطوّر والاختيار الطبيعيّ تجعل بعض الناس يشعرون أنّ كلّ شيء لا معنى له- حيوات الناس الخاصة والحياة بشكل عامّ.
إذا كان صحيحاً أنّه يُودي بالناس للشعور باليأس، ذلك قاسٍ. لكنها لا تزال الحقيقة. الكون لا يدين لنا بالعزاء والسلوى؛ إنّه لا يدين لنا بشعور دافئ لطيف في الداخل. إذا كان هذا صحيحاً، وهذا صحيح، من الأفضل أن تعيش معه. على أيّة حال، لا أعتقد أنّها تجعل المرء مكتئباً. فأنا لا أشعر بالاكتئاب. أشعر بالبهجة. كتابي، «تفكيك قوس قزح» محاولة لرفع العلم إلى مستوى الشِعر، وإظهار كيف يمكن للمرء أن يكون في نوع من المرح- بالأحرى نوع من الروحية بخصوص العلم. ليس في إحساس خارق، لكن هناك ألغازا مبهجة يمكن أن تحلّ. تأمّل حجم الكون ونطاقه، عمق الزمن الجيولوجيّ، تعقيد الحياة- هذه كلها بالنسبة لي ذات نوع إلهاميّ. تجعل حياتي نافعة لدراستهم.
أنت تنتقد التصميم الذكي، قائلاً إنّ «الجواب التوحيدي»- تشير إلى الله باعتباره المصمّم - «هو غير مُرضٍ كثيراً»- من المحتمل أنك تقصد على مستوى علميّ، منطقيّ.
نعم، لأنه لا يشرح من أين يأتي المصمّم. لو أنّهم سيؤكّدون اللا احتمالية الإحصائية للأعضاء البيولوجية- «تلك معقّدة جداً، كيف استطاعوا أن يتطوّروا؟» – حسن، لو أنّهم معقّدون جداً، كيف تمّ تصميمهم بأية حال؟ لأنّ المصمّم يتوجّب أن يكون حتّى أكثر تعقيداً.
من الواضح، أنّ الكثير من الناس يجد الجواب التوحيديّ مُرضياً على مستوى آخر. ماذا ترى كمشكلة مع ذاك المستوى؟
أيّ مستوى آخر؟
في أيّ مستوى يقول الناس فيه إنّ فكرة الله مُرضية جدّاً.
حسناً، بالطبع هو كذلك. أو ليس رائعاً أن تؤمن بصديق وهميّ فيسمع أفكارك، وصلواتك، يواسيك، يمنحك حياة بعد الموت، ويستطيع أن يعطيك نصيحة؟ بالطبع إنه مُرضٍ، إذا كان بإمكانك أن تصدّقه. لكن من يريد أن يصدّق كذبة؟
هل الإلحاد هو الامتداد المنطقيّ للإيمان بنظريّة التطوّر؟
لا يمكن بوضوح أن يكون كلاهما مرتبطين بشكل نهائيّ لأنّ عدداً كبيراً جدّاً من اللاهوتيين يؤمنون بنظرية التطوّر. في الحقيقة، أيّ لاهوتيّ محترم سواء من الكنيسة الكاثوليكية أو الأنجليكانية أو أيّة كنيسة أخرى سيؤمن بنظرية التطور. ومثل ذلك، عدد كبير جدّاً من العلماء التطوريين أيضاً متديّنون. برأيي الشخصيّ إنّ فهم نظرية التطوّر هو الذي قادني إلى الإلحاد.
كيف تردّ على الناس الذي يقولون إنّ الجانب الأكثر نفعاً وإثارة للاهتمام هو السلوك الذي لن يروّج له الاختيار الطبيعيّ؟ أنا أفكّر في تصرّف مثل تبنّي الأطفال الذين ليسوا أفراداً من العائلة، أو عزوبة طوعية، أو الناس الذين يقرّرون قضاء كلّ حياتهم في الصلاة.
تبنّي الأطفال الذين لا يمتّون إليك بصلة هي مسألة مثيرة للاهتمام. لماذا لا يفعل البشر ما تفعله الأنواع الأخرى إزاء الشيء الخاطئ من وجهة نظر جينيّة أنانيّة؟ الوقواق يضع بيضه ويهندسه لكي تربّيه أنواع أخرى (الوقواق الصغير). هذا هو خطأ من طرف الوالدين بالرضاعة، اللذين «أجبرا» على تبنّي الوقواق. ذاك نوع من القياس البرّي لتبنّي الأطفال، في حالة ممن ليسوا من نوعك. بالمناسبة، سأكره أن يؤخذ هذا كأيّ نوع من الاقتراح الذي يقول إنّ الوالدين بالتبنّي لا يحبّون أطفالهم المُتبنّين؛ بالتأكيد إنّهم يحبّونهم. لكن يمكن أن تحسبه كنوع من الخطأ الجينيّ، لكن لدى أولئك الناس غرائز أبوية قوية تجعلهم يتوقون لطفل. فإذا لم يتمكّنوا من إنجاب طفل من صلبهم، بإمكانهم أن يرضوا تلك الغرائز الأبوية بتربية طفل. بالطريقة نفسها، لدينا غرائز جنسية؛ فنحن نتوق للجنس ولا يهمّ أن نستخدم موانعَ الحمل. ذلك، إن جاز التعبير، يفصل الوظيفة الطبيعية للجنس، والذي هو الإنجاب. لكن لا نزال نتمتّع بالجنس بنفس الطريقة التي نستمتع فيها بكوننا والدين حتى إن لم يكن ذاك الطفل من صلبنا فإنّنا نرعاه.
قلتَ، «لا تسمّوا جهلنا الحاضر الله» – والذي قلت عنه هذا ما يفعله أنصار التصميم الذكي. إنّهم يأخذون منطقة نكون على جهل بها ويسمّونها الله. هل تعتقد إنّ العلم سوف يشرح في النهاية كلّ شيء نندهش به؟
لا أعرف الجواب. فأنا متلهّف بطريقة ما لكليهما على حدّ سواء. أفضّل فكرة فهم كلّ شيء، و أيضاً أحبّ فكرة أن يكون العلم لا محدوداً، مسعى من غير نهاية.
أين يجد الملحدون مصادر البهجة والأمل؟ إذا كان لا بدّ أن تسمّي أعلى مصادر التفاؤل والأمل في العالم الطبيعيّ أو المادّيّ، ماذا عساهم أن يكونوا؟
أعتقد أنّ هناك شيء رائعاً في الكون، في تأمّل مجرّة درب التبّانة، في تأمّل حقيقة أنّ هذه واحدة من بين مليارات المجرّات، تأمّل حقيقة أنّه في بداية القرن الواحد والعشرين اجتازت الإنسانية شوطاً طويلاً في فهم الكون الذي نعيش فيه وشكل الحياة الذي نحن جزء منه. أنا أجده حقاً فكراً ملهماً. فمن الواضح، أنّ هناك أشياء أخرى لا تمتّ للعلم بصلة – الموسيقى، الشعر، الجنس، الحبّ. هذه الأشياء كلّها تجعل الحياة بالنسبة لي تستحقّ أن تعاش للغاية. ثمّ هناك الحقيقة المضافة وهي أنّها الحياة الوحيدة التي توصلنا إليها. لا تقنع نفسك بأنك سوف تعيش مرّة أخرى بعد موتك؛ لن تعيش. استفد من الحياة الوحيدة التي لديك لأبعد الحدود.عشها بالكامل.
انتقدتَ فكرة الحياة الآخرة، ما الذي تراه كمشكلة مع شخص مصاب بمرض عضال كالسرطان أن يؤمن بالحياة الآخرة؟
أوه، لا مشكلة على الإطلاق. لا أودّ أن أحرّر أو أوقظ شخصاً ما آمن بذلك من وهمه. أهتمّ لما هو حقيقيّ لنفسي، لكن لا أريد أن أتجوّل بين الناس الخائفين من الموت قائلاً إنّ آمالهم غير واقعية. لو استطعتُ أن أقول كلمة فستكون مع شخص يعتزم تنفيذ هجوم انتحاريّ أو خاطف الطائرات الذي يعتقد بأنّه ذاهب إلى الجنّة. أتمنّى أن أحرّره من وهمه. لن أقول له، «ألا ترى بأنّ ما تفعله هو خطأ؟» سأقول: «لا تتخيّل لثانية بأنّك ذاهب إلى الجنّة. لست ذاهباً. أنت ذاهب إلى تعفّن في الأرض».
كيف ستشعر إذا ما أصبحت ابنتك متديّنة في المستقبل؟
حسن، هذا سيكون قرارها وبوضوح لديها شخصها الخاصّ بها، هي حرّة في فعل ما تحبّه. أعتقد أنّها أذكى بكثير من أن تفعل ذلك، لكن هو قرارها.
تحدّثت كيف أنّ المتديّنين قد شوّهوا كلماتك في الماضي، أيّ من كلماتك قد شُوّه؟
عندما أبدأ مناقشة بقول شيء يبدو متعلّقاً بالخلق، شيء ما مثل «الانفجار الكمبري هو انفجار مفاجئ للمستحثّات تقريباً كما لو أنّه لم يكن لها تاريخ»، أنا أقول ذلك طبعاً كتمهيد لشرح السبب. لكنّ هؤلاء الناس يقتبسون بشكل انتقائيّ. إنّه برهان الضلال الأصوليّ. إنّهم حقاً ليسوا مهتمّين بالحقيقة. إنّهم مهتمّون بالدعاية.
هل هناك عبارة أو عبارتان سمعتها مراراً وتكراراً مقتبسة خارج السياق تودّ أن تضع الحقيقة في نصابها فيما يتعلق بها؟
حسن، حول الانفجار الكمبري، تلك واحدة منهم. وأخرى هي عبارة داروين المشهورة، لنفترض أنّ «العين بكلّ أدواتها الفريدة»- يستمرّ في الحديث عن تعقيدات العين- «قد تشكّلت بالانتقاء الطبيعيّ، يبدو، أعترف بحرّية، أنه منافٍ للعقل في أقصى درجاته». ثمّ يمضي في شرح ذلك، إنّهم لم يقتبسوا ذلك على الإطلاق. فقط توقفوا هناك. مضلّلين..
نشرت المقابلة في موقع بيليفنيت/ قسم العلم والدين في 2007.
الجمعة ديسمبر 27, 2013 11:24 am من طرف ميمونة