لماذا نرى ان البعض من ابناء جيلنا يبدو اصغر او اكبر منا؟ لماذا يعيش البعض اطول من البعض الاخر ويحافظون على صحتهم اكثر في حين ان البعض الاخر يشعر انه وصل الى الشيخوخة منذ الاربعين؟ الان يبدو ان العلماء توصلوا الى جواب.
دراسة حديثة للغاية كشفت ان الجينات مبرمجة ان تشيخ بسرعات مختلفة. الباحث Tim Spector, المتخصص بالجينات والعامل في جامعة كوليدج في لندن ، تمكن من العثور على جين يمكن ان يكون له دور حاسم في كون المظهر الخارجي لبعض البشر يبدو اصغر عمرا بسنوات بالمقارنة مع جيلهم
من خلال مقارنة التنوع الجيني بين 500 الف نسخة جينية لدى 12 الف شخص عثر الباحثون على نسخة من جين، لاتزال بدون اسم، لديه تأثير كبير على سرعة الشيخوخة عند الانسان. هذا يعني ان كل فرد منا يمكن ان يكون اكبر او اصغر من عمره الزمني ، والذي نستخدمه عادة للمقارنة.
تفسير هذه الظاهرة موجود في نهايات الكروموسومات. الحمض النووي في الخلايا البشري ( ولدى جميع الاحياء) متصلة ببعضها في سلسلة كروموسومية طويلة وفي نهايتها توجد توجد تاليمور telomere, ووظيفتها حماية نهاية الكروموسومات. عند كل عملية انقسام خلوي، حيث تظهر نسخة جديدة للحمض النووي، يحدث اختصار للحافة النهائية للتاليمور ويصغر قليلا. بعد بناء الكثير من الخلايا الجديدة نصل الى ان الكروموسومات في الخلايا الاخيرة اصبحت بدون واقي في اطرافها. فيها يكون الحمض النووي حساس بمواجهة الاضرار وعندها تكون وظائف الخلية معرضة للقلاقل وعدم الاستقرار. بذلك يعني الباحثين اننا نصاب بالشيخوخة والعجز عندما تصبح اغلب خلايانا ، وبالتتدرج، فاقدة للنهايات الواقية وتموت، مما يجعلنا نصاب بالتجاعيد وتضعف عضلاتنا وبصرنا وسمعنا وتختل وظائف الاعضاء.
لهذه الاسباب يمكن النظر الى تاليمور كساعة داخلية، تقوم بحساب عدد مرات استنساخ الخلية لنفسها. طول التاليمور يقرر سرعة الشيخوخة. الفرد الذي لديه تاليمور قصير يصاب بالشيخوخة اسرع من البقية ومعرض للامراض اكثر، إما بسبب انه يجري تقصير التاليمور بسرعة او بسبب انه قصير.
الصحة وطول العمر تبدو انها وراثية وذلك يعني ان نصفنا يولد وقد حُكم عليه مسبقا بحظوظ اسوء من الاخرين، وهذا الامر يتطابق تماما حتى مع ملاحظات الناس على مدى عصور على الرغم من عدم قدرتهم على تفسيره فردوه الى القضاء والقدر. الباحث تيم وفريقه العلمي عثروا فعلا على نسخة لجين يؤثر على طول التاليمور، الامر الذي يفسر دور الوراثة. الدراسة اظهرت ان 40% من المشاركين يملكون هذه النسخة الجينية ولديهم كانت الصبغيات بذات الطول التي كانت عليه عند الاشخاص الاكبر بستة وسبعة سنوات.
حسب الباحثين، فإن الاشخاص الذين لايملكون هذا النمط من الجينات، يصابون بالشيخوخة ازيد إذا كانوا من المدخنين او يعيشون في بيئة مدخنين، او يتناولون طعاما دهنيا او لايمارسون الرياضة او يتعرضون للتوتر. هذه المؤثرات تؤدي الى قصر بالعمر يصل الى ثمانية سنوات والى زيادة احتمالات امراض الشيخوخة، مثل الاوردة والقلب ومرض السكر والسرطان. النشاط الرياضي يخفض التعرض للامراض وذلك لربما لكون الرياضة تحمي الجسم ضد الشيخوخة السريعة. منذ عام 2008 برهنت درراسات المقارنة بين جينات التوائم ، عندما يكون احدهم يمارس الرياضة بمعدل متوسط (مثلا ثلاث ساعات بالاسبوع فمافوق) ان تاليمور لديهم يكون اطول مما لدى التوأم الثاني.
بجانب هذا النمط من الجين، الذي جرى اكتشافه حديثا، يوجد جين اخر TERC, وهو مركزي في بناء انزيم تيلوميراس telomeras. هذا الانزيم يمنع تقصير التاليمور وهو نشيط في الجنين وجهاز المناعة، حيث الخلية تقوم بالانقسام غالبا. لو كان هذا الانزيم في جميع الخلايا لما حدثت شيخوخة لها ولاستمرت الخلايا بالانقسام بلا نهاية ، ولكن ذلك سيؤدي الىاحتمال كبير ان تتحول الى خلايا سرطانية. لذلك يقف الخيار بين الابدية والسرطان.
لهذا السبب من المستبعد ، على المدى القصير، ان يسعى الباحثون لتخديم هذه الابحاث من اجل الوصول الى اكسير الحياة الابدية . غير ان التعرف على ميكانيزم الشيخوخة يساعد على إضاءة اسباب الاصابة بأمراض القلب والاوعية الدموية واسباب الاصابة بها مبكرا. هذا الامر يساعد على معالجتها وعلى تفاديها وبالتالي يمكن تطويل العمر اكثر.
طريف سردست