لقد صلّت رينا للطفلة, على الرغم من عدم معرفتها شخصياً. لقد خصصت وقتها بالدعاء والتضرُّع للكائنات الغير مرئيّة لأن تقوم بإنقاذها. سلسلة من الصلوات والتضرعات والدعوات في الشبكات الاجتماعية: والجميع أجمعوا على الصلاة لاجلها ولاجل شفائها, في الواقع, أكّدت السيدة المتدينة بأنّ من لم يقم بالصلاة لم يكن يتمتع بالإيثاريّة الكافية. لكن لم تكن الفتاة واقعيّة, بل كانت حكاية جديدة من الحكايا المُختلقة المنتشرة على الشبكة العنكبوتية منذ سنوات, ولا حتى السيدة قد امتلكت فكرة عن المعاني المختلفة المتصلة بالغيرية أو الإيثاريّة.
من استفاد من الصلاة ولأجل مَنْ كان الأمر مُكلفاً؟ هل يمكن اعتبار السلوك الإيمانيّ على أنّه ظاهرة إيثاريّة؟
صورة
حسناً, سنبدأ هذا الطريق المؤدي للإيثارية مع قصّة الطفلة الصينية التي ماتت إثر صدمها بسيارتين والتي تجاهلها 18 شخص من المارّة اللذين عبروا بالقرب من جسدها المدمى وتجاهلوها, في الواقع, فيما لو أن واحداً منهم قد مدّ يد العون لها: لكان من المحتمل أن بقيت الطفلة على قيد الحياة. بشكل مؤكد, أثارت الحادثة التي انتشر خبرها عبر فيديو على اليوتيوب نقاشاً في الصين حول معاملة السامريّ الطيب { القصة الانجيلية الشهيرة / فينيق }. حادثة تعود للعام 2006 حينما توجّب على شخص دفع النقود لاجل انقاذ حياة امرأة, لهذا قالوا: لا يكون مجدياً معاقبة السامريّ الطيب ويجب على كل الناس القيام بهذه الامور. رغم هذا, فلم يكلّف أحد نفسه بتقديم العون للطفلة المتعرضة للدهس, وهو أمر غير مقبول ولا يمكن تبريره. تبين لنا الوقائع اشخاص لا يمتلكون أيّ ميل نحو الإيثاريّة والتعاطف. كيف يمكنك تبرير تجاهل جسد جريح لطفلة صغيرة في وسط الطريق؟ وكيف يمكن ربط هذا الموقف بمن يقومون بالصلوات للاشيء لاجل لا احد؟
صورة
الإيثاريّة تقوم على قاعدة تضحيتنا لتقديم العون للآخرين. يمكن التمييز الظاهرة عند حيوانات أخرى, والأكثر شعبية يطال الأكثر قرباً, ما قوله: الايثاريّة نحو عائلاتك سيكون أكبر من الإيثاريّة نحو المجهول أو غير القريب. يفسّر الباحثون بامتلاك معنى أكبر للتضحية بالقليل من خياراتك لاجل اختبار أن تضحيتك ستسمح لاشخاص قريبين لك بالقيام به. يجري الكلام كثيراً عنه: عندما يتم وصف أنواع حيّة تبدأ إيثاريتها بذات الصيغة التي تتكرّر بها. وهذا ما يسمى إيثاريّة نمط ظاهريّة altruismo fenotipico والذي يمتلك ثمن بالنسبة للفرد: لكنه ايضاً أنانيّ جينياً لانه يُفيد جيناته. ظاهرة مُفسّرة عبر الانتقاء الطبيعيّ.
صورة
يكتب اختصاصيّ التطور Robert L. Trivers:" تتوقف فوائد التبادل على النسبة غير المتساوية للثمن / الفائدة للعمل الإيثاريّ, ما يعني, بأنّ فائدة العمل الإيثاريّ لمن يستقبله ستكون أكبر من ثمن العمل المحقق له. يمكننا تعريف العلاقة ثمن / فائدة كزيادة أو تقليل في الفرص التي تنشرها الأليلات البارزة في السكان ".
ونستمع للكلام عن دور الأليلات في الإيثاريّة البيولوجيّة, وكيف يتم الاعتمادعلى كميّة تلك الخيطان الدقيقة في الكروموزومات, حيث تقوم الجينات بحلّ مسالة الهويّة الجنسيّة للحيوان, فيما لو سيكون مصابا بالعقم أو لا, فيما لو سيكون قيامه بالتكاثر وارد. تُستخدم الرياضيات كثيراً في علم الأحياء التطوريّ: حيث تساعد بوضع صيغ متضمنة للثمن / الفائدة لفرد, لأجل تقدير درجته بالايثاريّة والأنانيّة. تطور الجماعات, الإيثاريّة العائليّة, التعامل بالمثل والتخريب من الداخل: تشكّل بعضٌ من العناصر الداخلة في تلك الملاحظات المعقدة. بالنهاية, وكما يقول ريشارد داوكينز: يمكن لجماعة متكونة من الإيثاريين وفيها أنانيّ واحد فقط, انتهازي واحد فقط: ان يساهم بضياع كل شيء.
مع هذا, تبقى الايثاريّة على قيد الحياة في الطبيعه لأنها تترك فوائدها. فبكل تمظهراتها القائمة, سواء لاستيعاب الاليلات بتحديد الوظيفة أو باتباع قواعد الجماعة لتحسين الوضع العائليّ ووضع الفرد ايضاً. فيما لو يوجد نافذة مفتوحة لاستمرار وجود الايثاريّة: فذلك لان حضورها مفيد للجماعات, سواء عبر الايثارية ضمن العائلة أو عبر التعاون المتبادل بين افراد مختلف المجموعات.
يشرح عالم الاحياء سمير عكاشة في مقاله " الإيثاريّة البيولوجية ", قائلاً:" يتم الحديث بكثير من الأحيان عن التعاون المتبادل. في تلك الظروف, لا يساهم الفرد بتحقيق فوائد فقط, بل يستقبل هو تلك الفوائد, لا يعني ذات التضحية بالإيثاريّة, ولو أنّ البعض يستخدمونه كمرادف, ولا يحتاج كذلك لتفسيرات حول تغيُّر ما في القدرة التكاثريّة لمن يحقق العمل: لان العمل سيتضمن الفائدة لكلاهما. يسميه البعض فائدة متبادلة, فيما يقترح آخرون: نتائج الفائدة ".
هذه الإيثاريّة البيولوجيّة الاساسيّة: تستند على التضحية الصافية لتحقيق فائدة للآخر, حيث تتأسّس على الفكرة البسيطة لانتقاء القرابة seleccion de parentesco. تشكل العائلة فلتر تصفية, حيث ان افراد بجينومات شبيهة لما نحمل سيتجاوزون الفتلر, لن نكون إيثاريين مع كل العالم لان " الجين الايثاريّ*" هكذا لن يبقى على قيد الحياة, فقط الاناني سيقوم بهذا. لكن بتحديد سلوك الاشخاص مع ذات الوحدات الجينية: ستكون احتماليتها بفضل الجماعة الكاملة أكبر بكثير.
يتابع السيد عكاشة, قائلاً:" هذا يريد القول بأنّ الجين الإيثاريّ, من حيث المبدأ, يمكن أن يتوسّع عبر الانتقاء الطبيعيّ. يجعل الجين الكائن يقوم بسلوك وفق صيغة تخفض قدرته التكاثرية: لكنها تزيد من تلك القدرة في افراد عائلته, واللذين لديهم متوسط أعلى كذلك لحمل الجين. هكذا سيساهم الاثر العام للسلوك بزيادة عدد نُسخ الجين الايثاريّ في الجيل التالي, وبالتالي حدوث السلوك الإيثاريّ ".
صورة
حضرت الفكرة منذ العام 1933, عندما حاول اثباتها J.B.S. Haldane, وانتشرت لاحقاً ورسّخها William Hamilton في العام 1964, عندما أصدر قاعدته المعروفة: الجين الايثاريّ, سيكون عرضة للانتقاء الطبيعيّ عند وجود علاقة قرابة بين المتبرع والمستقبل. هكذا, ووفقاً للنوع الحيّ, يضيف التطوريون الصيغ التي تحمل احتمال أكبر لنسخ الجين, فيما لو يكن السلوك موجهاً لعائلة قريبة.
يرى Hamilton:" تكون الخصوصية التي نراها في النظام الجيني المعروف باسم نظام تحديد الجنس عند غشائيات الأجنحة haplodiploidia حيث نجد عن النحل تقاسم المعدل المتوسط الأنثوي لجينات أكثر بين الأخوات منها مع الأبناء. بهذا الشكل, ستمتلك الانثى فرص أكبر لنسخ جيناتها في الجيل التالي فيما لو تتم مساعدة الملكة على اتمام التكاثر, والذي بدوره سيزيد من عدد الاخوات عوضاً عن امتلاك الابناء الخاصين. تزودنا نظرية انتقاء القرابة بتفسير دقيق للكيفية التي أمكن عبرها تطور حالة العقم عند الحشرات من خلال العملية الداروينية ".
من المفترض, انها نظرية مثيرة للجدل, خصوصاً بموضوع جوهريّ يتمثل بالتطور الجنسيّ للحشرات وبالعقم. وكما قلت سابقاً, يتم تقديم النظرية من خلال صيغ تقيس الثمن والطاقة لفرد: يقوم بتحضير سلوك ايثاريّ, وكيف ان نتائجه لا تزيد من نسخ الجينات بجماعته وعائلاته فقط, بل تزيد من قدرته الحصرية المتمثلة بقدرته الشخصية الخاضعه لازدياد اثره بالآخرين. بكلمات أخرى, يمكن التقليل بقدرة فردية على التكاثر, لكن فوائد الجماعة ستشملك ضمن تغيرات أخرى.
يتابع عكاشه تفسيره:" بدلاً من التفكير بمصطلحات تعتبر ان الجينات الانانية تحاول زيادة تمثيلها المستقبلي في الحوض الجيني, يمكننا التفكير بمصطلحات لافراد تزيد قدرتها المتضمنة بين افراد في الجماعة ". " ترى اغلبية الاشخاص بأنّ رؤيتها اعتباراً من وجهة نظر الجينات, بدلاً من الفرد: يكون أكثر بساطة, أكثر بساطة بالتفسير, مع هذا, رياضياً كلاهما يكونا ذات الأمر ".
حسناً الآن, فيما لو حصل هذا, ستؤمّن الطبيعه ايضاً اعتراف أكبر بين الحيوانات الأقارب, عناصر توجّب اتباعها لمعرفة فيما لو يكن الشخص من عائلتك, أو لا؟, كيف تعرفه فيما لو يقولون لك هذا؟
حسناً, تؤكّد دراسات مختلفة على أنّ انتقاء القرابة لا يحتاج بالضرورة لصنع هذا الفارق, كذلك لا يكون الاحتمال الوحيد. في الواقع, تميّز الحيوانات بعضها من خلال الجهاز الشمّي, مع هذا, للآن غير معروف كيفية تحقيقه, يخبرنا التطوريون بامتلاكنا لمؤشرات تقريبية. لقد تكلمنا سابقاً, كمثال: عن البصمة الجينية, وهي عملية مستخدمة من قبل الحيوانات لتمييز الام أو ذاك الشخص الذي يرونه للمرة الأولى قبل { اظن بعد .. فكيف يرونه قبل الولادة؟ .. قد يكون خطأ أو المقصود شيء آخر .. فينيق } الولادة. نشر Konrad Lorenz المُصطلح على ظاهرة تتبعه من قبل بعض الإوزات بعد الولادة. بالنسبة لبعض علماء الاحياء الاجتماعيين sociobiologos: يمكن تحديد هذا السلوك وأن يكون مُتحكماً به بواسطة الجينات, لكن أغلبية التطوريين يرون بأن القرابة لا تكون محددة بدقة جينياً, بل أنّ الجينات تزيد الاحتمالات التي يسلك بها الكائن صيغة محددة مع مَنْ يتلقاها.
لكن يكون هذا سلوك صعب. في الواقع, يرفض البعض انتقاء القرابة كتفسير رئيسيّ للإيثارية, والتي هي بالنهاية تتأسّس على الانانيّة للجينات لاجل زيادة توسعها ولا تكون إيثاريّة " نقيّة ".
يتابع عكاشه شرحه:" فيما لو اننا نتحدث عن نيّة واعية بالمساعدة, بالتالي الكائنات الحيّة غير قادرة على تحقيق ايثاريّة حقيقية ولا انانيّة حقيقية. النمل والنمل الأبيض, على سبيل المثال, يُفترض عدم امتلاكها للنيّة الواعية, بالتالي سلوكها لا يمكن تحقيقه بقصد تشجيع مصالحها الخاصة ولا مصالح الآخرين. لاجل هذا, التفكير بأنّ الايثاريّة في الطبيعة تكون مجرّد ظاهرة فقط أمر لا يمتلك كثير من المعنى. التباين بين الايثاريّة الحقيقية والايثاريّة البسيطة: ببساطة غير مطبق على اغلبية الانواع الحيوانيّة ".
دراسة جديدة مثيرة للاهتمام, تمّ تحقيقها في المعهد الجامعي في لندن: يقترح آلية نستخدمها لاجل رؤية القرابة من خلال الوجوه, بحسب فريق البحث, نكون قادرين على تمييز عائلتين بفضل أهليّة الدماغ القادرة على التقاط تغيرات بنيوية في وجوه الاشخاص بذات القرابة. لا يرى الباحثون الامر فقط من خلال برامج معلوماتية عديدة لتلك الاختبارات, بل كصيغة مواصلة تحقيقها عبر عمليات تساعدنا على التعرّف على انفسنا, والتصوّر بين الجنسين والأقارب.
صورة
يُعرف الجانب البيولوجي للايثاريّة بعمق, برغم بقاء بعض الجدل المُنتظر للحلّ, تقبل أغلبية علماء الاحياء تلك النماذج من الايثارية المولودة من الحاجة لنسخ الجينات ونشرها. لا يعجب الكثيرين هذا الميدان الجينيّ حول حيواتنا, لكنه ميدان قائم ومعترف به ويمكن قياس عناصره. مع ذلك, فالمشهد يكون أكثر تعقيداً بحسب النوع الحيّ, والنوع البشريّ يشكل ملك التعقيد, على وجه الخصوص, لانّ العامل الثقافي له تأثيره فينا أكثر منه بأيّ حيوان آخر. في الواقع, لدينا فروع علمية عديدة تدرس سلوكنا وصيغة التفكير. لاجل دراسة الانسان العاقل: يتوجب أخذ كثير من الاشياء بالحسبان, والانانية والإيثاريّة تشكلان نجمتان كبيرتان في سلوكنا المعقّد.