عالم المثقفين البسطاء في سوريا كان تقليدياً تحت سيطرة التيارات اليسارية الماركسية، هؤلاء من النوع الذي يكون عادة عاطل عن العمل أو يقوم ببعض الأعمال الخفيفة، مدمن على البيرة والعرق، يدخّن سجائر من نوعيات محلية سيئة، يريد أن يمضي كل حياته في المقهى وهو يحدث أي انسان عن القضية والطبقة العاملة والامبريالية ..الخ، رموزهم البارزة لينين، ستالين، تروتسكي، أضف إليهم الشاعر محمود درويش والكاتب المسرحي برتولت برخت، اللبناني زياد رحباني. طبعاً ماركس مع أنه نادراً ما تجد فيهم من قرأ له حقاً أي شيء. لكن في السنوات الأخيرة بدء يظهر تيار جديد من الممكن أن ندعوه باليسار الجديد أو اليسار الليبرالي، وهو يستند أكثر على أدبيات الفلسفة الفرنسية المتأخرة التي تدعى فلسفة ما بعد الحداثة. هذا التيار الجديد ربما يطرح نفسه على أنه أكثر ثقافة ومعرفة ورقي، أما الجيل القديم من الأفكار اليسارية السوفيتية فربما أصبحت سمة المثقفين الدراويش.
لكن السمة العامة التي تجمع الاثنين هي أنهم يتحدثون كثيراً لكنهم نادراً ما يقولون شيئاً ! والتيار الجديد أسوء بمراحل حيث لا تعرف المشكلة ولا المنهجية ولا الفرضيات الخ.. تقريباً لا تستطيع أن تحدد بالأساس عن ماذا يتكلمون، والأمر ليس نوع من العبث المقصود، لا .. هم يعتقدون أنهم يناقشون قضايا في غاية الأهمية، وأنت لجهلك لا تستطيع أن تستوعب شيئاً !
هذه المقالة نموذج معتدل لما أعنيه، مع العلم بأن هذا ليس الأسلوب المابعد حداثي الصرف، فهو أسوء بكثير !