تاريخ المشاركة : 01 يونيو 2012 - 12:28 م
*
مشاركة نشطة
أكتب موضوعي هذا و أنا لا أدري إلى أين ستقودني أفكاري فإن رأيتم أن عنوان الموضوع يشمل الجزء الأول منه فقط و ليس أكمله فذلك لأنني لم أرسم مجرى محدد أو نهاية للموضوع و هذا السبب الرئيسي لعدم رغبتي في كتابة مواضيع مستقلة و لكن للضرورة أحكام.
الثورة
لكي نفهم الثورة علينا أن ندرك أنها نتاج حركة تغيير دائمة للمجتمع الإنساني بهدف التطور لذلك سأقوم في البداية بعرض مقدمة عن التغيير المجتمعي لكي أصل إلى مفهوم الثورة .
يقول فريديريك انجلز :
"الطبيعة كلها من اصغر الأشياء إلى أكبرها، من حبة الرمل إلى الشمس، من البروتيستا (وحيد الخلية) إلى الإنسان، هي في حالة دائمة من النشوء والزوال، في حالة تغير متواصل، في حالة حركة وتغير لا يتوقفان." (ف . انجلز، ديالكتيك الطبيعة)
إن هذا التغيير المتواصل في الطبيعة ينطبق على المجتمع الإنساني باعتباره جزءاً منها فهو في حالة تغيير و تطور دائم انطلاقاً , لذلك نرى تطور المجتمع من المشاعية إلى العبودية إلى الإقطاعية إلى البرجوازية إلى الاشتراكية فالليبرالية الديمقراطية التي يعدها فوكوياما نهاية التاريخ ((أو نهاية التطور الإنساني )).
إن التطور في المجتمع الإنساني بحسب الديكالتيكيين هو تطور الأوضاع الاقتصادية و تغير وسائل الإنتاج التي يبتدعها الناس ليحصلوا على مسلتزمات بقائهم الإنساني .
حيث يوضح هذه الفكرة ستالين في كتاب المادية الديكاتيكية و المادية التاريخية (((نتيجة لمتطلبات المجتمع الاقتصادية، تنشأ اراء اجتماعية جديدة؛ والاراء الجديدة تنظم وتحرك الجماهير؛ تدفع الجماهير لتكون جيشا سياسيا جديدا وتخلق سلطة ثورية جديدة وتستفيد منها لكي تزيل النظام القديم لعلاقات الإنتاج بالقوة ولكي تقيم نظاما جديدا. ان عملية التطور التلقائي تخلي مكانها لعمل الناس الواعي، والتطور السلمي يخلي مكانه للانتفاض، والتطور التدريجي إلى الثورة.)))
و يقول ماركس:
(( في الإنتاج الاجتماعي الذي يزاوله الناس نراهم يقيمون علاقات محدودة لا غنى عنها و هي مستقلة عن إرادتهم و علاقات الإنتاج هنا تطابق مرحلة محدودة من تطور قواهم المادية في الإنتاج و المجموع الكلي لهذه العلاقات يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع و هو الأساس الحقيقي الذي تقوم عليه النظم القانونية و السياسية و التي تطابقها أشكال محددة من الشعور ااجتماعي , فأسلوب الإنتاج في الحياة المادية يعين الصفة العامة للعمليات الاجتماعة و السياسية و الروحية في الحياة , ليس شعور الناس هو الذي يعين وجودهم بل إن وجودهم هو الذي يعين شعورهم و عند بلوغ مرحلة معينة من تطور قوى الإنتاج المادية في المجتمع نراها تصطدم مع علاقات الإنتاج القائمة أو علاقات الملكية بالتعبير القانوني و بذا تتحول هذه العلاقات إلى أغلال تقيد تطور قوى الإنتاج و وعندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية.((a contribution to the critique of political economy prefaoe ((selected works vol I, p356))
كما يقول ماركس أيضاً :
"ان البروليتاريا خلال صراعها مع البرجوازية تضطر، بقوة الاحداث، ان تنظم نفسها كطبقة ... وبواسطة الثورة تجعل نفسها الطبقة الحاكمة، وهكذا تزيح بالقوة ظروف الإنتاج القديمة". (البيان الشيوعي، كارل ماركس، مختارات، الطبعة الانجليزية م١ ص 228)
مما سبق نلاحظ أن مفهوم الانقلاب الاجتماعي و مفهوم الثورة و الصراع ما بين قوى الإنتاج القديمة و الحديثة هو المفهوم نفسه بتعابير مختلفة .
إذن الثورة بشكل عامل هي عبارة عن صراع طبقات متضادة للاستيلاء على السلطة و الحكم , و هذا لا يحمل معنى سلبياً كما قد يخيل للبعض بالعكس فالتطور لا يأتي إلا من خلال صراع الأضداد كما يقول لينين .
إن الكثيرين يعتقدون أن الثورة هي عبارة عن نزاع للحصول على الحقوق الفكرية و السياسية و الفنية و الفلسفية و غيرها أو صراع لاجل الحصول على الاعتراف و التقدير (( كتصور هيغل و أيده به فوكوياما )) و لكن هذا فقط _من وجهة نظري _مجرد تصور وردي يعتقده الناس لماهية أسباب الثورة التي تكون اقتصادية بالمقام الأول .ربما أتطرق في نهاية الموضوع إلى وجهة النظر هذه رغم عدم تأييدي لها .
إن اوضح فكرة للثورة و إلى ما تؤدي إليه يبرز في البيان الشيوعي
يذكر البيان الشيوعي ما يلي :
(( إن تارخ كل مجتمع إلى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ صراع بين طبقات فالحر و العبد و النبيل و العامي السيد الإقطاعي و القن و المعلم و الصانع أي باختصار المضطهدون و المضطهدين كانوا في تعارض دائم و كانت بينهم حروب مستمرة تارة ظاهرة و تارة مستترة , حرب كانت تنتهي دائماً إما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره و إما بانهيار الطبقتين معاً ))
ما بين الثورة و الفوضى :
لقد كانت أفكار أنجلز تتمحور حول اضمحلال الدولة و تلاشيها بشكل تدريجي بفعل العمل الثوري .
في حين ظهرت نظرية أخرى يدعى أنصارها بالفوضويين يدعون بشكل عام إلى إلغاء الدولة بين عشية و ضحاها , و الصراع بين الفوضويين و أنجلز مشهور جداً .
و لكن ما هي الدولة أصلاً ؟
الدولة كيان يظهر عند درجة معينة من تطور المجتمع حين يصبح هذا المجتمع منقسماً إلى طبقات لا يمكن التوفيق بينها و لا يمكن أن يستمر في الوحدة من دون سلطة موضوعة فوق المجتمع و مفصولة عنه إلى حد ما . وهذه الدولة التي ولدت في قلب التناحرات الطبقية تصبح "دولة الطبقة الأقوى الطبقة المسيطرة اقتصاديا والتي تغدو أيضا بفضل الدولة الطبقة المسيطرة سياسي، وهكذا تكتسب وسائل جديدة لاخضاع الطبقة المظلومة واستثمارها.((الدولة و الثورة ))
بما أن أنجلز كان من دعاة الاشتراكية و إلغاء الطبقات فهو بالتالي يهدف إلى إلغاء الدولة و لكنه يرفض مبدأ إلغائها بشكل نهائي بين ليلة و ضحاها كما يفعل الفوضويون بل ينظر إلى ما يدعى ( إضمحلال الدولة )
لنرى إحدى الجدالات الطويلة التي خاضها أنجلز مع الفوضويين :
((لماذا لا يقتصر خصوم السلطة على الصياح ضد السلطان السياسي، ضد الدولة؟ فجميع الاشتراكيين متفقون على أن الدولة تزول ومعها السلطان السياسي بنتيجة الثورة الاجتماعية المقبلة، أي أن الوظائف الاجتماعية تفقد طابعها السياسي وتتحول إلى مجرد وظائف إدارية تسهر على المصالح الاجتماعية. ولكن خصوم السلطة يطلبون إلغاء الدولة السياسية دفعة واحدة، قبل أن تلغي العلاقات الاجتماعية التي نشأت عنها الدولة. انهم يطلبون أن يكون إلغاء السلطان أول عمل تقوم به الثورة الاجتماعية.
فهل رأى هؤلاء السادة ثورة في يوم ما؟ أن الثورة هي دون شك سلطة ما بعدها سلطة، الثورة هي عمل يفرض به قسم من السكان إرادته على القسم الآخر بالبنادق، بالحراب، بالمدافع، أي بوسائل لا يعلو سلطانها سلطان. ويتأتى على الحزب الغالب أن يحافظ بالضرورة على سيادته عن طريق الخوف الذي توحيه أسلحته للرجعيين. فلو لم تستند كومونة باريس إلى سلطان الشعب المسلح ضد البرجوازية فهل كان بإمكانها أن تصمد أكثر من يوم واحد؟ وهلا يحق لنا أن نلومها، بالعكس، لأنها لم تلجأ لهذا السلطان إلا قليلاً جداً؟ وهكذا أحد أمرين: أما أن خصوم السلطة لا يعرفون ما يقولون، وفي هذه الحالة لا يعملون غير خلق التشويش، وأما أنهم يعرفون، وفي هذه الحالة يخونون قضية البروليتاريا. وهم في الحالتين لا يخدمون غير الرجعية))
إنني إذ أستعرض هذا القول فهو لبرهان أن ما يحدث حالياً من حركات عشوائية في العالم العربي خصوصاً إنما هي عبارة عن تجسيد لمبادئ الفوضويين الذين يعتقدون بإمكانية إزالة الدولة فوراً و ينسون أن العلاقات الإنتاجية و النظام السياسي القائم إنما كان مناسباً جداً في مرحلة ما من مراحل التطور الاجتماعي و انهياره بالكامل سيجعل من المجتمع ينهار لتعود التناقضات الطبقية و الإثنية و القومية و غيرها للظهور من جديد لذا إن أردنا إعادة إنتاج دولة جديدة أو نظام ديمقراطي ليبرالي بدلاً من النظام الحالي فلا بد من استغلال الدولة القائمة بأدواتها و نظمها لبناء دولة على انقاضها هذه الدولة تمهد الطريق إلى المجتمع اللاطبقي الذي تنتفي فيه الحاجة إلى دولة أصلاً و لكن هذا التحول يتم بشكل تدريجي و ليس بشكل دراماتيكي بحيث تهدم كل ما كان لتعيد البناء من جديد .
إلى هنا ينتهي اتفاقي مع الشيوعيين بشكل عام و يبدأ الاختلاف الفكري و رغم ان الكثيرين يعتقدون أن أنجلس و ماركس وجهان لعملة واحدة إلا أنني أظن أنه إلى هنا أيضاً ينتهي اتفاقهما , لان ماركس بعدها يطرح فكرة تحطيم الآلة العسكرية في الدولة.
حيث كتب ماركس في إحدى رسائله::
(("... إذا ما ألقيت نظرة إلى الفصل الأخير من كتابي "18 برومير" رأيت اني أعلنت أن المحاولة التالية للثورة الفرنسية يجب أن تكون لا نقل الآلة البيروقراطية العسكرية من يد إلى أخرى كما كان يحدث حتى الآن، بل تحطيمها وهذا هو الشرط الأولي لكل ثورة شعبية حقاً في القارة.))
و يقترح أن يكون البديل عن الشرطة و الجيش النظامي هو الشعب المسلح و ذلك لأن ذكره للثورة الشعبية يعني أن اكثرية الشعب هي مع هذه الثورة لذلك لم ير ماركس مانعاً من أن تكون هذه الاكثرية مسلحة بحيث تحكم نفسها بنفسها . و هذا ما أورده في كتابه ((الحرب الأهلية في فرنسا ))
في الحقيقة إن كلام ماركس هذا يعتبر أمراً غريباً و غير مفهوم بالنسبة لي ففي حين أن أنجلز أكد على اضمحلال الدولة فماركس يدعو إلى تحطيم ركن أساسي من أركان الدولة كخطوة أولية في ثورة شعبية و رغم تأكيده على أن هذه الخطوة إنما هي ممهدة لإعادة تنظيم الدولة على النظام الاشتراكي أي النظام الخالي من الطبقات إلا أنني أرى أنها إعادة لتعزيز الطبقات في المجتمع لكن في هذه الحالة تصبح طبقة العبيد هي الطبقة الحاكمة و هو ما أكده ماركس نفسه بقوله ( ديكتاتورية البوليتارية ) .و التي يعدها مرحلة ضرورية تلي الديكتاتورية البرجوازية بحيث تقوم ديكتاتورية الفئات المظلومة بالتمهيد إلى مرحلىة اللاطبقات و اللادولة و الجدير بالذكر أن ماركس في قوله بضرورة القضاء السلطة العسكرية يتقاطع مع الفوضويين الأعداء اللدودين للماركسية نفسها .
اما اعتقادي بأن أنجلز يختلف مع ماركس في هذه الناحية فهو لأن انجلز ركز على مفهوم اضمحلال الدولة و وصل به الامر إلى أن يؤكد أنه لن يعيد بناء المجتمع من الصفر بل الموظفون سيبقون موظفين و من كان في منصب ما سيبقى في ذات المنصب فقط ستسحب منه الأفضلية كالراتب المضاعف و غيره
هل ما يحصل في العالم العربي ثورة أم فوضى ؟
إن كنا متفقين أن السبب الرئيسي لكل ثورات العالم هو صراع طبقات على استلام الحكم و صراع ما بين قوى إنتاج قديمة و قوى إنتاج حديثة فسنجد أن شيئاً مما سبق ينطبق على الوضع الحالي . بمعنى أن معظم من قام بإحداث المظاهرات هم من الطبقة الفقيرة و الوسطى التي عانت في السنوات الخمس الاخيرة انخفاضاً في مستوى عيشها تثور على الطبقة السائدة التي هي أقلية و التي تعتبر برجوازية رغم كون البلدان التي حصلت بها الثورات دولاً جمهورية و لكن يبقى السؤال مطروحاً هل ما يحدث حقاً هو ثورة ؟
إن مفهوم الفوضى يبدو أكثر انطباقاً على الوضع الحالي , فمجموعات من الناس ذات وضع اقصادي متشابه إلى حد ما بدأت بالحراك ثم تفاقم الوضع فبدأ اللعب على الوتر العاطفي مما حرك اللاشعور الاجتماعي لطبقات أخرى لكي يطفو على السطح و يتحول إلى مرحلة الشعور و منها إلى العمل مما أدى إلى مشاركة فئات لم تخطر على بال و كل هذه الفئات لم تتمتع بقيادة ثورية و إنما حركتها بالمجمل الغرائز و حين طالبت طالبت بإسقاط الأنظمة بأكملها أي الدولة و حالاً كما فعل الفوضويون و الأسوأ من ذلك هي أن غياب الفكر الثوري المنظم جعل من هذه الفئات تعتقد أن ذهاب رأس الدولة المتمثل بالرئيس قد غير النظام و أسقط الدولة فانسحبت فئات كبيرة من الحراك و توقفت عند إسقاط الرئيس و هي نفس الفئات التي لم تنضم إلى الحراك إلا بعد إثارة الوتر العاطفي عندها . ليبقى في الحراك الفئة الاولى فقط و التي خرجت للوضع الاقتصادي حصراً و التي لم تحصل على شيء بسقوط رأس الدولة و هنا نستطيع أن نقول , لقد مات الحراك أي يكن المسمى الذي تفضلونه .
سأكمل الموضوع حين أتفرغ لكنني مضطرة للتغيب لظرف ما سأتطرق لاحقاً إلى كيفية القضاء على الثورة