ر 23rd, 2012
بقلم: رشيد شاهينلم يشأ النظام في سوريا الانصياع إلى نداء العقل والمنطق عندما اندلعت
شرارة الثورة بكل ما فيها من سلمية وديمقراطية، فمنذ اللحظة الأولى
لانطلاقتها، تعامل معها بنفس المنطق الذي دأب على التعامل به مع كل
معارضيه منذ استلم سدة الحكم في هذا البلد، حيث كل معارض خوُان ومرتبط
بالأجنبي والأمريكي والصهيوني، ومتآمر على سورية وأمنها القومي، وانه لابد
من وضع حد له قبل استفحال أمره وقبل أن يعيث في البلد فسادا وخرابا.
هذه هي الطريقة التي أدمن النظام الحاكم في سوريا على التعامل بها مع
كل من “يفكر” بالمعارضة، ومن هنا جاءت أقوال رئيس العصابة الحاكمة وكل
أجهزته وأبواقه ومرتزقته وأزلامه وأخذت تروج ان الثورة في سوريا غير ممكنة
ولا واردة، وان ما حدث في تونس ومصر لن يحدث في سوريا، وان سوريا بعيدة كل
البعد عن ذلك.
وما ان انطلق فتية صغار آمنوا بربهم وبحريتهم، حتى بدأت ماكينة النظام
الإعلامية بكل ما أوتيت من قوة، الترويج لقصة المؤامرة والعصابات
الإرهابية، التي ترغب في تقويض امن سوريا وسلمها الأهلي، وبتنا نسمع عن
عصابات منتشرة في كل مكان في سوريا، حي أجهزة الأمن في هذا البلد تعد على
الناس أنفاسهم وسكناتهم وخلجات قلوبهم وأتفه حركاتهم.
الكذبة الكبرى التي أطلقها النظام، هي من قاد إلى هذا الحال، فهو عندما
مارس الكذب في هذا الإطار، إنما راهن على ان لدى أجهزته القمعية القدرة
على تطويع الشعب الذي تم تطويعه لعقود، وإحباط الثورة، وتطويق “الموضوع”
بأسرع وقت ممكن، وبأقل تكلفة ممكنة،متناسيا ان لصبر الناس حدود، وان الخوف
الذي تمت “زراعته” في نفوس الإنسان السوري، لم يعد ممكنا له ان يستمر،وان
الشعب إذا ما قرر الانعتاق، فانه لن تستطيع إيقافه لا دبابات ولا طائرات
ولا جيوش النظام ،مطْلَقْ نظام.
ترى هل يشعر نظام العصابة الآن وبعد ان بدأت تهتز من تحته الأرض كما
السماء بالندم على ما مارسه من بطش وظلم في حق الشعب السوري، وبعد كل هذا
التقتيل الذي طال الأطفال والنساء والشيوخ ولم تسلم منه حتى الحيوانات،
الم يَكُ بإمكانه ان يقر بالحقيقة منذ البدء، وان يعترف بان هنالك مشكلة،
لا بل مشاكل طال أمدها لا بد من التعاطي معها قبل ان “يقع الفاس بالراس”
كما يقال وكما حصل.
الم يكن الحال في هذا البلد سيكون أفضل حالا، الم يتعلم من التجارب
المحيطة والى أين قادت الطغاة من زملائه في تونس ومصر وليبيا واليمن، الم
يَرَ كيف سارع رئيس الجزائر إلى اتخاذ العديد من الخطوات حتى لا يصل إليه
“تسونامي” الثورات العربية.
من الواضح ان نظام العصابة الحاكم في سوريا،لا يعرف ولم يقرأ حتى ذهنية
الشعوب العربية أو شعوب العالم الثالث بشكل عام، حيث في هذا الجزء من
العالم لا يمكن للدم إلا ان يجر دما، وان النظام وبمجرد ان “إندمى- أي وقع
في دم الناس ” بهذا الشكل المرعب، فانه إنما جر على نفسه نيران جهنم وغضبا
لن يهدأ من قبل أهالي الضحايا إلا بسقوطه أو قتله أو محاكمته هو وكل
الزمرة من عصابة القتلة وكل من ساهم أو أمر أو مارس القتل والإرهاب
والتعذيب والتنكيل والاعتداء على الناس وأعراضها وممتلكاتها.
من الواضح ان الرئيس السوري لا يرى ما يراه العالم من ملحمية الثورة في
سوريا، ثورة تخرج إلى شوارع المدن والبلدات والأرياف بالأهازيج والرقص
والغناء للمطالبة بإسقاطه ونظامه، غير آبهين بحجم الإرهاب ولا بكل هذا
القتل الذي تمارسه قواته على مدار الساعة ضدهم، واضعين نصب أعينهم الوصول
إلى الحرية والانعتاق بعد كل سنوات الاضطهاد والبطش والتنكيل.
نظام عصابة القرداحة، راهن على الخوف الذي ترعرع عليه الناس على مدار
سنوات من إرث حكم الأب قبل الوريث غير الشرعي، وهو الذي كان يعلم علم
اليقين ان لا عصابات ولا من يحزنون في سوريا، ثورة بيضاء خالية من كل سوء،
كان يعلمها بشار أسد ويعرف إنها كذلك، ويعلم انه اختلق الكذبة وصدقها،
تماما كما كان بفعل غوبلز في نظام هتلر، كان يدفع الناس دفعا إلى الحائط،
وكان يجبرهم إلى خيار العنف، وكان يتمنى ان يرى العصابات التي يتحدث عنها
حقيقة واقعة على الأرض، من اجل ان يمارس السياسة التي لا يعرف سواها.
وبقيت الثورة سلمية لفترة أشهر عدة كانت عصابات النظام تدفع الناس
خلالها إلى عسكرة الثورة من اجل تبرير المجازر والقتل بدون مبرر. وإمعانا
في الاستهتار بمطالب الناس، خرج بشار أسد في أكثر من مناسبة لِيَِعِدَ
بوعود مليئة بالزيف والكذب والخداع، إلى ان أصبح لدى أبناء الشعب الثائر
في سورية، قناعة بان لا أمل في ان يغير النظام من نهجه أو ممارساته،
فازداد أوار الثورة وارتفع سقف المطالب، وامتدت أخيراً لتصل إلى أبواب
الحصن الحصين الذي اعتقد بأنه في مأمن عن رياح الثورة والغضب التي هبت
بغير سابق إنذار.
في ظل وعود خادعة وممارسات على الأرض تجسد عقلية الديكتاتور، أدرك
أبناء سورية ان لا مجال للتراجع، وان نظام العصابة هذا سوف يتمادى في غيه
إلى ابعد الحدود، وَحَسَبَها الناس بِحِسبَةٍ بسيطة.
على مدار عقود أربعة كانت الناس تقْتَلْ وتسْجَنْ وتشرد وتغْتََصبْ
وتختفي آثارها، كما واستذكر الناس مجزرة الوالد في حماة. حِسْبَة بسيطة
ليس إلا، كانت الناس تساق إلى الموت بلا ثمن، وقد دفع الشعب السوري عشرات
ان لم يكن مئات الآلاف من الضحايا خلال الفترة الماضية، وحيث ان الحال
سيستمر على ذات المنوال، إذاً لِمَ عليهم الاستمرار بقبول هذا الواقع،
وبما ان القتل مستمر بدون مقابل، إذاً لم لا تكون جرائم النظام مقابل ثمن
مقبول لدى الناس، هذا المقابل هو الحرية والانعتاق، صحيح ان أعداد الضحايا
سوف تزيد هذا ان زادت، لكن على الأقل سوف تكون الضحايا هذه المرة مقابل
ثمن يدفعه النظام، وعليه فقد اخذ الناس قرارهم بعدم التراجع إلا بسقوط
طاغية الشام وعصابته الحاكمة.
الثورة في سوريا لم تجن ثمارها بعد، وقد تستمر إلى فترة لن تطول بهمة
الشباب وإصرارهم على التخلص من الديكتاتور، وهي نزفت وطال نزيفها، نزيف في
الحقيقة مستمر منذ حكمها أسد القرداحي، نزيف كان بصمت مرعب، إلا انه تحول
الآن إلى نزيف يشهد عليه العالم، ويشهد على كم هو ممانع مقاوم هذا النظام،
ممانع بالامتناع عن إطلاق طلقة واحدة تجاه محتلي الجولان ومنتهكي سيادة
الوطن، ومقاوم لكل من تسول له نفسه باجتياز خط الحدود أو رمي ولو حجر تجاه
الكيان الغاصب، هكذا كان نظام العصابة يمانع ويقاوم، فلقد خبرناه في بيروت
وحصارها وفي تل الزعتر وفي غيرها من المواقع التي كان يمكن اختبار ممانعته
وصموده. وهنا لا ننسى ممانعته ومقاومته في خنادق حفر الباطن.
بعد ان ذاب ثلج المرج، وظهرت أسلحة نظام الممانعة، في أزقة بانياس وحمص
وحماه والمزه والقامشلو وغيرها من شوارع سوريا، صار الناس يعلمون لِمَ كان
هذا النظام يكدس الأسلحة، ولأي معركة كان يستعد، وضد من، وفي أي وقت أو
زمان، هاهو النظام يختار المكان والزمان كما كان يهدد اثر كل انتهاك أو
إذلال تمارسه إسرائيل ضد نظام العصابة في سوريا.
كان الناس ينامون على شعارات يطلقها نظام أسد فتطربهم وينتشون لسماعها،
فنظام الممانعة والمقاومة آتٍ آتٍ آتْ، وفجر الجولان وفلسطين وجنوب لبنان
جميعها سوف لن يبزغ وانها لن تتحرر إلا على أيدي حماة الديار، وإذا بهؤلاء
ليسوا سوى حماة لنظام قاتل أفاق لا يعرف معنى للوطن ولا الوطنية، ولا يفهم
ماذا تعني الكرامة والحرية، وان هؤلاء الذين تربينا على انهم ذخرا لمعارك
التحرير، لم يكونوا سوى أدوات للقتل، والتنكيل، لكن قتل من والتنكيل بمن؟
كذبة النظام في كل ما يتعلق بالممانعة، هي تماما كما هو كذبه الآن من
انه يقاوم التدخل الأجنبي والناتو وتركيا وغيرها، لان النظام هو من أتى
بكل هؤلاء، أو سيأتي بهم، وهو الذي دفع كل من هب ودب ليحاول امتطاء ظهر
الثورة، وإذا كان معتقدا بأنه قد نجح في ذلك، أي في ان يمتطي الثورة
مجموعة من الشذاذ كما كان عليه الحال في العراق، فهو واهم، لان الثورة في
سوريا تعرف ما تريد وتعرف إلى أين هي ذاهبة.
مراهنة العصابة الحاكمة في دمشق ان الثورة سوف يتم استلابها -برغم ان
من يتمنى استلابها لصالح الغرب ومن لف لفه هو النظام نفسه- ليس سوى
مراهنات واهمة واهية واهنة، لان الشعب السوري يستطيع ان يميز بين الغث
والسمين، والذي سوف يقتلع عيون عصابة المافيا الحاكمة الآتية من القرداحة،
سوف لن يكون لا صعبا عليه ولا غريبا ان يقتلع قلوب من سيلتف على الثورة،
حيث من غير الممكن ان يأتي ما هو أسوأ من عصابة القتل الدموية ليحكم سوريا.