ابوشديد ثـــــــــــــــائر
الجنس : عدد المساهمات : 111 معدل التفوق : 291 السٌّمعَة : 20 تاريخ التسجيل : 15/12/2011
| | ليست كل ثورة مثل الأخرى | |
جميل مطر قضايا ومناقشات ما اجتمع مثقفون عرب في الآونة الأخيرة إلا وناقشوا حسابات الربح والخسارة في الثورات العربية، وأصدروا عليها أحكام النجاح والفشل، وقارنوا بين ظروف نشأتها وتطورات مسيرتها وخواتمها المتوقعة . يسفر النقاش غالباً، عن أن الثورة الليبية كانت الثورة التي حققت أفدح خسائر في الأرواح، وكان تعامل السلطة السورية مع الثوار الأشد وحشية، وكانت مسيرة الثورة المصرية الأصعب تعقيداً بين كل المسيرات، وكانت الثورة اليمنية الأكثر غرابة بين كل الثورات، أما الأنعم بين كل الثورات العربية، فكانت الثورة التونسية . توحدت الثورات في شعاراتها وأهدافها، كلها تبحث عن حرية وكرامة وعدالة اجتماعية، وكلها تسعى إلى الخلاص من حكم الاستبداد والانفراد بالرأي وفساد الحكم وهدر ثروات الشعوب . وتفرقت في طبيعتها وبنيتها، بل كاد الكثيرون يتوصلون إلى قناعة أن المجتمعات العربية وإن توحدت في اللغة والثقافة، فإنها لا تتشابه في معظم الأشياء، وبخاصة في الهويات الثانوية والتقسيمات الاجتماعية والعلاقة بين الإنسان والوطن .يدور منذ أيام نقاش عن مدى النجاح الذي حققته الخطة الأمريكية التي نفذها مجلس التعاون الخليجي في اليمن . قضت الخطة بتنازل علي عبدالله صالح عن منصب رئاسة الجمهورية لنائبه، وبعد فترة، يعتقد واضعو الخطة أنها ستتسم بهدوء نسبي، تُجرى انتخابات جديدة، وينتخب برلمان جديد ورئيس جديد للبلاد . بعض النقاش الدائر حالياً على خطة اليمن يهدف إلى بحث إمكانية تنفيذ خطة مماثلة في سوريا، يجري بمقتضاها تقديم ضمانات لبشار الأسد، ومعه ربما نفر قليل من جماعته، بخروج آمن وحصانة قانونية . وبناء على هذه الضمانات يتنازل لنائبه فاروق الشرع الذي يتولى بدوره تشكيل حكومة انتقالية تمثل فيها أطياف السياسة كافة تمهد لإجراء انتخابات ديمقراطية حرة، برلمانية ثم رئاسية .تعتمد الخطة، في ما أتصور، على عاملين رئيسين، أولهما أن كافة الأطراف الخارجية، وكذلك أطراف في سوريا نفسها، توصلت إلى الاقتناع بأن الصراع الناشب بين السلطة والثورة في سوريا وصل إلى “مستوى التوازن” وثبت عنده، بمعنى أن كل تصعيد في العنف من جانب سيقابله تصعيد في العنف من الجانب الآخر . مثال على ذلك، أن كل تدخل من الخارج لمصلحة الثوار سيقابله تدخل من الخارج لمصلحة السلطة، وكل عناد أو تصلب في المواقف من جانب فريق دولي يدعم الثوار، سيقابله عناد أو تصلب في مواقف فريق دولي آخر يدعم نظام الأسد، وفي كل الأحوال يستمر الصراع ثابتاً عند “مستوى التوازن” الذي وصل إليه .أما العامل الثاني الذي يمكن أن يكون قد اعتمد عليه واضعو خطة لسوريا، فهو في ما أتصور أيضاً، عبارة عن جملة اعتبارات تكاملت في ذهن هؤلاء المخططين من الخارج، وهي الاعتبارات التي تشكل الآن ضغطاً متزايداً على الدول الغربية ودول عربية للإسراع في التنفيذ . هذه الاعتبارات، وبإيجاز شديد هي الآتية:(1) هناك حدود لصبر الجيران العرب حكاماً وثواراً ورعايا، هؤلاء لن يتحملوا تكلفة وتبعات وعواقب عملية “سقوط مطول” لبشار الأسد وجماعته، خاصة بعد أن صار السقوط أمراً منتهياً في نظر أغلب الأطراف . (2) أكدت تطورات الثورة في ليبيا، كما أكدت قبلها تطورات الحرب الأمريكية الأطلسية ضد العراق، تراجع قوة احتمال المجتمعات الغربية للأعباء المعنوية والاستراتيجية الناتجة عن المشاركة بالكثير أو القليل في حروب خارجية . وقد أصبح من المسلمات استحالة تفويض طرف أو أطراف عربية للقيام بمهمة عسكرية قتالية في دولة عربية أخرى طالما بقيت الجامعة العربية من دون جهاز وآليات للتدخل الجماعي . (3) تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة التوترات الطائفية ليس فقط في سوريا ومحيطها القريب، وهو محيط قابل للتفجر، ولكن أيضاً في المحيط الأبعد قليلاً مثل بعض دول الجزيرة العربية، ولاسيما في مواقع متاخمة لبحيرات النفط ولقواعد عسكرية غربية . (4) لم تحسم أي ثورة عربية أمرها بعد، بمعنى آخر مازالت الثورات كافة، ابتداء من حيث هي كامنة كالجزائر وموريتانيا إلى حيث هي ناشبة، ثم إلى حيث بؤر الغليان في مناطق أخرى . الإقليم بأسره في حال بركانية: غليان تحت الأرض في مواقع، وحمم يقذف بها الغليان بين الحين والآخر في مواقع أخرى، وتربة جديدة وإن مشتعلة في مواقع ثالثة . ولا يوجد أدنى شك في أن استمرار الثورة في سوريا على هذا النحو كفيل بأن يزيد من تعقيد المسيرات الثورية الراهنة وتفاقم الغليان وانفجار براكين جديدة . إن ما تسرب من أفكار، منقولة بوسائل اتصال شخصية أو منشور بعض منها في مقالات في صحف غربية، يشير إلى رغبة في تطوير الخطة التي نفذت في اليمن لتتناسب وظروف سوريا، كأن يضاف إليها ما أطلق عليه أحد المحللين في مقال نشر في صحيفة “نيويورك تايمز” تعبير “تنازلات استباقية” من جانب دول الغرب و”إسرائيل” والثوار مقابل تنازل الأسد، ولو بعد حين . بمعنى آخر تنفيذ عملية “سقوط منضبط” لنظام الحكم في سوريا . سوريا ليست اليمن، ولن يكون الحل في سوريا مقارباً، ولو بعد التطوير، للحل في اليمن، فسوريا يحيط بها غليان بينما لم يكن يحيط باليمن عند وضع خطته إلا قلق وتوقعات بأخطار وتهديدات لا أكثر . ولسوريا أهمية استراتيجية ودولية فرضتها ظروف فريدة في الجغرافيا وظروف استثنائية في التاريخ، وقد دفع اليمن في زمن سابق ثمناً باهظاً عندما كانت له أهمية مماثلة بسبب الموقع والتاريخ، وقد تعود له الأهمية مستقبلاً . من ناحية أخرى لا توجد في جوار اليمن لبنان أو العراق أو “إسرائيل” أو تركيا منفردة أو مجتمعة كما هو الحال في الجوار السوري . وأخيراً، لا يمكننا إنكار أو تجاهل أن سوريا ربما كانت الآن الساحة الوحيدة التي يمكن لروسيا أن تدير عليها أو منها آخر معاركها مع الغرب . هذه الساحة لن تفرط روسيا فيها إلا مقابل ثمن باهظ لا يبدو أن الغرب جاهز لدفعه الآن . | |
|